Electronic Edition designed by

Webmaster Elie Abboud

back to Zakirat el Kobayat

 

 

زوق القبيات

موقع واسم

د. فؤاد سلّوم

ملف الصور : في أسفل الصفحة

الموقع:

 تقع القبيّات على طريق القوافل و العساكر، فهي مرّة في نعمة مرّة في نقمة. مرّة هي سوق و تجارة و مكسب، و أخرى هي ساحة حرب و حرائق و موت.
هكذا كانت في ماضيها، و هكذا في أمسها القريب. أمّا، في حاضرها، فهي في هاجس على غدها.  
 و لأنّها محطّة قائمة على عقدة مواصلات كان لها، قديمًا، برج يتحكّم بمراقبة الطرق. و هدم البرج عندما لم تعد الأبراج حصونًا تقي المرابطين فيها، و تدرأ عنهم رمي المدافع. حجارة البرج صارت في جدران البيوت المجاورة و البساتين، لكن أثره، في المكان، بقي واضحًا للعيان، يؤكّد على أهميّته الاستراتيجيّة في مراقبة الطرق. كذلك بقي الاسم علمًا على المطحنة الملاصقة له، و هي "مطحنة البرج" الّتي لا تزال قائمة في المكان. و لأنّ المرابطين فيه، أيّام المماليك ( بين القرن الثّالث عشر و السّادس عشر) كانوا من التّركمان، اشتهر البرج باسم " الزوق"، فانسحب هذا الاسم على الحيّ المجاور له... و قد التبس اللّفظ على بعض أصحاب الوثائق المحليّة فظنّت أن أصل الاسم هو " الزَوْر"، و ذلك للمجاورة بين المكانين: الزوق و الزَوْر. أمّا الزَوْر فيقع إلى شمال غرب البرج حيث يصطدم مجرى نهر القبيّات، الّذي يجري من الجنوب إلى الشّمال، بتلّة "مرتمورة"، فيَزْوَرّ (من فعل ازورّ) أي يحوّل مجراه باتجاه الغرب. و الأماكن المسمّاة " زَوْرًا " كثيرة منها " دير الزّور" على نهر الفرات، و منها بغداد الّتي سميّت " الزَّوْراء " لازورار قُبلتها على نهر دجلة. و زَوْر العكاري على نهر العاصي فيه عشرة بساتين تشرب بواسطة ناعورة خاصّة بها. و في نقطة " الزَوْر" هذه ينفلش الماء، فيسهل عندها عبور النّهر، فسُمِّيَ المكان " مخّاضة "، و لا يزال، لأنّه كان معبرًا إلى " القبيّات العتيقة " (حيّ الغربيّة)، أو " إسكي قبيّات " حسب بعض المصادر.
تقع بقايا هذا البرج، الآن، على مسافة مئة متر من كنيسة " سيدة شحلو " إلى الجنوب، و هو كناية عن صخرة واسعة، على أجزاء منها لا تزال ركام حجارة و علامات منحوتة، منها حوض ماءٍ أو عصير. و لحسن الحظ، أقام على أجزاء من الصّخرة شخصٌ من بيت عبدو مصاطب حافظت على رونق المكان، فاستحقّوا الشّكر و التّقدير.


 

الاسم:

لفظة " زوق" تركمانيّة معناها " منزل ". ( في الآراميّة معناها : حارس). و الأزواق، حسب المؤرّخ محمد علي مكّي، هي "أبراج صغيرة أنشأها المماليك على طول السّاحل اللّبناني، و فيها قوّة من الجند دون العشرة. كانوا يسمّون هذه القوّة الصّغيرة بالدّرك." و اليوم، في الزوق، مخفو للدرك اللّبناني، كان سابقًا في بيت أنطون جرجس أنطون، عبر النّهر، قبالة  " زوق المماليك". و جدير بالذّكر، هنا، أنّ أماكن كثيرة على السّاحل اللّبناني، و في سوريا أيضًا، لا تزال تحمل اسم " زوق"، ابتداءً بزوق شدرا و مرورُا بزوق حلبا إلى زوق مكايل و غيره... أمّا طريق الدّاخل اللّبناني، أي البقاع، فكانت الابراج، هناك، منازل " للعُشْران" ( جمع عشرة و المفرد عشير)، و اشتهروا باسم " عشران البرّ".
و للتأكيد على أنّ لفظة " زوق" معناها منزل فهو تداولها على ألسنة النّاس عندنا فيقولون في الدّعاء عند الممازحة: " يخرب زوقك" أي " يخرب بيتك". و هي عادة يتلطّف بها النّاس عند الدّعاء حتى لا ياخذ طابع الجد فيستعيرون لفظًا أجنبيًّا مثل " يخرب كوشتك" أي جماعتك و أهلك. و " كوشتك" من فعل " كوّش" السّرياني أي جمّع. 
 

الدّور التّاريخي:

برج القبيّات أو " الزوق" كان يتحكّم بعقدة الطرق الّتي تخترق القبيّات من كلّ الجهات:
-   من الشّمال يرصد حرف مرتمورة عن كثب فيظهر عليه الطّريق الآتي من الشّرق، عبر عندقت، إلى الفرضة الّتي تفتح الطّريق الى كبيرة لمن أراد أو الانحراف إلى وادي نهر" الاسطوان".
-   من الجنوب يرصد " مفتاح العيرون" و كلمة مفتاح و فتّوح و ما اشتقّ منهما تعني: المدخل إلى المكان. أمّا " العيرون" فهو النّبات المعروف، و الموجود بكثرة في البطحة الممتدّة فوق المطاحن. و لفظة "عيرون" سريانيّة. و قد شكّل مفتاح العيرون مدخلاً إلى القبيّات و مخرجًا باتجاه الجنوب إلى الجرد ثمّ إلى البقاع عبر "المعبور الأنبض" الّذي لا يزال يحمل الاسم إلى اليوم. و قد سمّيت نقطة "العيرون" بالمفتاح لأنّها كانت ملتقى ثلاثة طرق:
    -الأوّل: طريق " حرف العصَيْفير" الّذي كان يصعّد في بطن تلّة " المرغان" إلى أعلاها، ثمّ ينسرح عبر " قبر البدوي" إلى "  الكساير" فالشنبوق. فهو طريق جاف، مسلوك في الشّتاء على الأغلب. و لطالما كنّا نرى عليه، قبل شقّ الطّريق المزفّت، قوافل الجمال و البغال تنقل التّبن و الغلال من الجرد.
    - الثّاني: طريق وادي كمّاع -غجر- الشّنبوق. و هو أجمل نزهة لا سيّما في مواسم الذّرة، و لما فيه من ماء و طراوة و خضرة و فاكهة، لكنّه صعب في فصل الشّتاء لأنّه زلِق، كثير الوحول، تقطعه السّيول في نهر القبيّات.
    - الثّالث: هو الطّريق الجميل، الرّائع في مناظره، و يمكن أن نسمّيه " طريق الظّلال"، و هو الّذي يصل القبيّات بعكّار العتيقة عبر وادي حلسبان.
 
و قد كان لطريق القبيّات عكّار العتيقة، في الزّمن القديم عدّة تشكيلات من المسالك المطروقة و ذلك لدور عكّار العتيقة الهامّ في الزّمن القديم فهي كانت حصنًا استراتيجيًّا أيّام الصّليبيّين، و مركز نيابة أيّام المماليك، و مركز حكم آل سيفا أيّام العثمانيّين.
أ- التّشكيل الأوّل: عكّار العتيقة – زبّود - نبع البنات و نبع حمادة- القطلبة- مفتاح العيرون.
عبر هذا الطّريق كان هروب بنات آل سيفا و اختباؤهنّ في عمق الوادي قرب النّبع عندما طارد فخر الدّين الثّاني يوسف باشا سيفا.
ب- التّشكيل الثّاني: عكّار العتيقة- تلّة الشّاكوش- فرضة الهوشة- تلّة المسبك – عين السّت – مفتاح العيرون.
و في "فرضة الهوشة" حيث ساحات البيادر، و قبالة نبع البنات، عبر وادي نهر القبيّات، أدركت طلائع جيش فخر الدّين أحمال الذّخائر الّتي كان ينقلها رجال يوسف باشا إلى قلعة الحصن في سوريا، فحصلت بين الفريقين معركة صغيرة كانت تسمّى " هوشة"، انتهت باستيلاء رجال فخر الدّين على الأحمال، و نام ليلتها فخر الدّين في شدرا.
ج- التّشكيل الثّالث: هو "طريق الظّلال" الّذي ذكرناه، و الّذي يصعد من عكّار إلى "تلّة مرعي" حيث ظهرت مشاعل يوسف باشا سيفا الهارب على فخر الدّين الّذي كان قد وصل إلى " قوس عكّار". و ينحدر هذا الطّريق إلى " البيّاضات" عند أقدام دير مار سركيس، ثمّ إلى نبع الأبيض- عين السّت - مفتاح العيرون أو إلى داخل القبيّات عبر حيّ غوايا.
د- التّشكيل الرّابع: عكّار- تلّة مرعي- البويدرات- الرّاس- غوايا.
ه- التّشكيل الخامس: تلّة مرعي- البويدرات- الأعوج- شويتا- غوايا.
و- التّشكيل السّادس: عكّار- غزراتا- شويتا- القبيّات. و هذا هو الطّريق المزفّت اليوم.
و يبقى الطّريق العام الرّسمي الّذي يمرّ بالزّوق حتمًا. و هو طريق الدّاخل السّوري و حتّى تركيا ( طور عبدين) و يخترق عندقت- القبيّات- المجدل ( غرب جنوب السّنديانة) و هذا كان مركزًا عسكريًّا مهمًّا في عهد الصّليبيّين (قلعة طيب). و من هذا الموقع إلى بينو، فعرقا، فطرابلس. و هو الخطّ نفسه الّذي كان الجيش الفرنسي، في زمن الانتداب، يسيّر عليه دورياته ما بين ثكنة عندقت و المركز الرئيسي لمنطقة الشّمال في سير الضّنيّة. 
 

الخلاصة:

هل نبالغ إذا قلنا أن هذا البرج أو " الزوق" كان يمكن منه مراقبة كلّ تلك الطّرق؟
الجواب : نعم. في القديم لم تكن الأراضي تزرع بالأشجار المثمرة. لذلك لم يكن يُسمَح للأشجار البريّة كالعفص و السّنديان و المَيْس و ما شابهها أن تنمو. كانت الأراضي باجمعها "سلايخ" مخصّصة لزراعة لحبوب و القليل لشجر التّوت الّذي كان يفرّغ سنويًّا كما هو معروف. كذلك كانت البيوت واطئة، غارقة إلى نصفها في بطون تلال القبيّات حتّى لَيُصْعَد إلى سطوحها من غير سلّم، و ذلك طلبًا للدّفء شتاءً و الطّراوة صيفًا، فكانت الأحياء كلّها تظهر بوضوح من موقع البرج العالي ما عدا حيّ غوايا لأنّه يختبئ وراء التّلّة، كذلك كان اسم غوايا معناه: الدّاخل أو المختبئ. و من يقف اليوم على ما تبقّى من هذا الموقع يكتشف مدى الرّؤية منه و كم كان له من إمكانيّة  المراقبة و رصد الطّرق.
 
و في هذه المناسبة ندعو بلديّة القبيّات، كجهة ذات صفة، أن تثبّت إشارة على الصّخرة هنا تدلّ على أثر البرج كمَعْلَم تاريخيّ من معالم القبيّات، أسوة بمدن العالم المتحضّر.

د. فؤاد سلّوم

 

 ملف الصور

"الزاموقة" أو قنطرة الماء

عبر الوادي، تمر تحتها "طريق الظلال"

"الزاموقة"

"نبع البنات"

في الأعماق الظليلة اختبأت بنات سيفا

"نفق" تحت الصنوبر

إلى نبع حمادة ونبع البنات

"مفتاح العيرون"

عقدة تربط المسالك عبر القبيات

"مفتاح العيرون"

عند أقدام جبل المرغان

"بويدرات عكار"

لم تعد تأتي اليها السنابل

"الأعوج"

طريق الخيالة إلى اليمين عبر تلّتين

"مار سركيس وباخوس"

عند أقدامهما تعبر طريق الظلال

حجر أم رأس بشر

مرمي على طريق تلة الشاكوش

"فرضة الهوشة"

"فرضة الهوشة"

لم تعد ساحة عراك لأن الصنوبر

يريد أن ينتشر وينمو بحرية

د. فؤاد سلوم

أمام"مطحنة البرج"

موقع "البرج"

موقع "البرج"

موقع "البرج"

صورة مأخوذة من

"مفتاح العيرون"

صورة مأخوذة من

"مفتاح العيرون"

صورة مأخوذة من

"مفتاح العيرون"

"مطحنة البرج"

 

Photos by Dr. Salloum & Webmaster Elie

Electronic Edition designed by

Webmaster Elie Abboud

back to Zakirat el Kobayat

Ref: Dr. Fouad Salloum