back to JD Documents

 

لا تَنْسَني أنا في الإنتظار

 

أَتَذكُر؟


قرعتُ بابك في تلك الليلةِ الباردة من كانون، فَفَتَحتَ ونَظَرتَ إلى هيئَتي وهِندامي، فوَجَدْتَني متواضعاً. لم تتعرَّف إليّ، اعتَذرتَ وأغلَقتَ الباب بوجهي على أنّني لستُ مَدعُوًا إلى وليمتك.


انتظرتُ قليلاً، وكانت الموسيقى والأهازيج قد بدأت وتيرتُها تتصاعد من بيتِكَ ثمّ قرعتُ مرّة ثانية علَّك تُصغي إلى ما سأقوله.


لكنّك، وللمرّة الثانية، طردتني مُزَمْجرًا، مُستاءً، صارخًا: " ألا تفهم؟ لامكان لكَ عندي! إذهب وابحث عن رِزقِك في مكان ٍآخر!"


عَضَضتُ على الجرح مُنتَظِراً دَقّة الثانية عشرة، فتشجّعْتُ، وللمرّة الثالثة، قرَعتُ ساعياً إلى التكلّمُّ وشرح مَوقفي ومن أكون، قبلَ أن تُمطِرَني بوابل شتائمكَ المُذلّة القاتلةِ النّفس والقلب. لكنيّ، هذه المرّة رأيتُك تحملُ طبقاً، مُزداناً بزهرة العيد الحمراء، وشمعةٍ ذهبيّةٍ كُتِبَ عليها "ميلاد مجيد" مَزروعةٍ وسط قطعةِ حلوى، تفوحُ منها رائحةَ الطّمع والجشع والأنانيّة. دَفَعتَهُ إليَّ قائلاً: "خود عيديّتَك و حلّ عنيّ... ".


عندها، حتّى الدّمعةُ عَصَتْ شجاعتي، فسَقَطَت بخَفَر ٍشديد. أعَدْتُ لكَ حَلواك وسألتُك إذا كنتَ تنتظرُ آخَرَ لينضمَّ إلى فرحتك.


فأجَبتَ بالنفي . أطرقتُ وبصوتٍ هادىءٍ يحملُ الجواب في نَبْرتِهِ : "إذًا بمن تحتفلون في الداخل؟!"
فأردَفتَ ساخراً: "أيّها الغبيّ, ألستَ من هذا العالم؟ ألا تدري أنّه عيد الميلاد؟"
- "ميلادُ من يا صديقي؟" استَفسَرتُ بحزن!
سكَتَّ برهةً ثم أضفتَ مصعوقاً:
-"ميلاد المسيح السيّد!" تَلَعثَمتَ بها وكأنّها عبارة صينيّة تعذَّر عليكَ لفظُها أو حتّى تّهجِئتُها.


عندها، مسَحتُ دمعتي وطلبتُ منك أن تنظُر في عينييّ. فَفَعَلْتَ.
ولِلحال وقعَ الطبقُ مِن يدك، وجَمَدَ الكلام في حلقِكَ؛ فَجَثوتَ على رُكبَتَيكَ وبَكَيتْ!


لقد أدرَكتَ حينها أننّي صاحبُ العيد، المدعوّ الأوّل. وتَبَيَّنتَ أن عالمكَ قدَّم لك كلّ "حواضر" الإحتفال ما عدايَ، ولم يبقَ من ذِكري إلاّ ذِكرى كلمةٍ فارغة أنسَتكَ ملامحي؛ وابتَلَع صخبُ الموسيقى وصريرها، صوتيَ الدافىء، تاركاً وراءه تمتمةً أمسَتْ غريبة على مسمَعِكَ.
كيف أنساك وأنا وَلَدتُكَ في تلك الليلة؟


وَلَدتُكَ لحظةَ فتَحتَ قلبك لي، فتوقّف زمنُ الدنيا في لحظات، وتَمَسَّكْتَ بأصابعي كما يتَمَسَّك الطفل بكلّ شيءٍ لحظةَ وُلوجِه الدُنيا، فَغَمرْتُكَ، وضَمَمْتُكَ إلى صدري.
...وتحوّل احتفالُكَ إلى عيدِ ميلادٍ حقيقيّ في عُمْرِكَ الورديِّ ليلةَ الذّكرى.
لا تنسَني
ألقاكَ وجهاً لوجه هذه السّنة أيضاً.


صاحب العيد
يَسُوع

 


جميلة ضاهر موسى

jamileh.daher@hotmail.com

04 كانون الاول 2009