حكمة في محلّها.

رأس الحكمة مخافة الله

 

 -سأحكي لك قصةً روتها لي جدتُك يوم كنت صغيرة.

 -نعم يا أمي حكاياتُ جدتي مفيدة.

 -كانت قديماً آدابُ موائد الطعام عند الملوك تُوجبُ على الخدّام الحفاظَ الشديد على الثياب الملوكية، وعدمَ رمي أيِّ شيء عليها أثناء تقديم الطعام، وإلا يُحكمُ على فاعلها بقطع رأسه. (ومن أراد أن يخدُمَ فليخدُم(.

 -لماذا هذه القساوةُ في أنظمة الملوك؟

 -لأن العلاقاتِ بالحُكَّام والمسؤولين هي جدّيةٌ ولا تتحمّلُ الاستخفاف والغلط، ومع ذلك فإن هذه العلاقةَ لها طابعُ الكَرَم إذ يتقاضى الخدام أضعاف وأضعاف ما يتقاضاه غيرُهم في باقي الأعمال. فعلى من يرغبُ في هذه الخدمة أن يكونَ يقظاً ودقيقاً وإلا فليفتّشْ عن غيرها.

 -وهل هو عدلٌ موتُ إنسان لأجل غلطةٍ صغيرة؟

 -لا تستغربْ يا ولدي، فإن كَبْسَ زِرٍ في وصلِ التيار الكهربائي كافٍ لقتلِ كلِّ العاملين على الشبكة، وغلطةُ سائقِ باصٍ كافيةٌ لقتل الركابِ الذين معه. وغلطةُ طبيبٍ تقتلُ المريضَ وغلطةُ لاعبِ السيرك كافيةٌ لموته وغلطةُ مدرِّب الوحوش أيضاً قاتلة... وماذا أُعدِّدُ لك في سباق السيارات والدرّاجات وفي التزلج والقفز، وعن رجال الإطفاء والإنقاذ، و إلى ما هنالك.

 -وهل تجرّأ أحدٌ على الخدمة؟

 -نعم يا ولدي إن الناسَ يفتّشون عن رِزْقِهِم، مصدرِ عيشهم، في كل مكان.

 

ومرَّت الأيامُ والخدمة على أحسن ما يكون فكان الخادمُ رشيقاً نظيفاً نال إعجاب الملك وإطراءه.

وحدث أن دعا الملك إلى وليمةٍ كبيرةٍ حضرها الملوكُ والقوَّاد وتطلَّبتِ الكثيرَ من الجهد والسرعة، وفيما يُقدِّم الخادم الحساء للملك سقطت منه سهواً نقطةٌ على ثوبه فحدَّقَ به طويلاً وكأنه يقول: لقد قَرَّبتَ أجلَكَ. وبلحظة، تخيَّل هذا الخادمُ المسكينُ رأسه مدحرجاً أمامه، فإذا به يرمي بقصعةِ الطعامِ كلِّها على ثياب الملك. ثم سَجَدَ أمامه.

 -وماذا قال له الملك؟

- سأله متعجباً : إنك في المرّة الأولى سهوتَ، ولكن ما هو عُذرُك في المرة الثانية؟

- عندها تقوّى الخادم وبصوتِ الخائفِ قال : أيها الملكُ العادل، حرصاً مني على سمعَتِكَ ولكي لا يُقالَ إنك قتلت خادمَك لأمرٍ تافهٍ، فتُتَّهم بالظُّلم. لهذا سكبتُ عليك الحساءَ كي يصير السببُ فظيعاً وأمرُ القتلِ معقولاُ.

- وماذا فعل الملك؟

- لقد أُعجبَ الملكُ بحكمة الخادم فعفا عنه.

 

ولهذا قيل يا ولدي أعظم حكمةٍ على الإطلاق هي أن نخاف الله. أي أن نعمل بأحكامه. ولا نغلط بحقه.

إن غلِط إنسان بحقّ أخيه يعتذر، وإن غَلِطَ أمام ربّه،  فأكبر حكمة تنجّيه من عدله هي التوبة.

- شكرا لكِ، أعدك أن أسلك مستقيماً راضيا الله كل حياتي.