الـمُــجْــهِــر

جلس أحدُ التلاميذِ وراء طاولته في غرفةِ المختبر، وأمامه مُجهِرٌ راح يدقّقُ النظرَ فيه فقال له :

· مرحباً أيها المجهر.

à أهلاً بك أيها التلميذ.

· سنُعطَى درساً عنك هذه الساعة، فمن أنت؟ وما دورُك؟ وما هو عملُك؟

à أراك تسألُ كثيراً. تمهّلْ سوف تعرفُ كل شيء.

· أريد التعرّفَ إليك عن قربٍ فهل أجبتني من فضلك؟

à بالطبع، أنا المكبّر، أزيدُ حجمَ الأشياءِ الدقيقةِ الموضوعة أمامي لمئات ومئات المرات، فيرى الناسُ بوضوحٍ من خلالي، ما فاتهم رؤيتُه بالعين المجرّدة ويعرفون حقائقَ الأمور. أما كيف أعملُ فهذه مسألةٌ معقدة، لأني مكوّن من عدساتٍ ومرايا تنعكسُ على بعضها في انحناءات معينة.

· وما هي العدسات؟

à إنها زجاجاتُ مصنوعةٌ بأشكالٍ هندسيةٍ خاصةٍ قادرةٍ أن تتلاعبَ بالضوءِ فتعطيَ صورةً أكبَر بكثيرٍ مما هي عليه الأشياءُ المرادُ تكبيُرها.

· ومن يستعمل المُجْهِرْ؟

à يُستعمل في مجالاتٍ عدّةٍ مثلِ فحص الدم والماء، وفحصِ الأطعمة والأدوية في مختبراتِ الزراعةِ والصناعة وعالمِ الميكروبات والجزئيات وغيره، إن استعمالهَ واسع ٌجداً.

· شكرا لك على هذه المعلومات.

à أهلا بك في ضيافتي، سنترافقُ لهذه الفترةِ وسيكونُ لنا حديثٌ طويل.

· أظنّ أني سأسعدُ معك لأنك محدّثٌ لبق.

à طبعاً لأني قادرٌ أن أظهرَ لك حقائقَ وإثباتاتٍ ربما تنفعُك في حياتك وتُجنّبك المتاعب.

· كيف ستُظهرُ لي هذه الحقائق؟

à كما أضخم حبّةَ الرمل لتظهرَ بحجم حجرٍ صغيرٍ. هكذا أُريك فداحةَ الخصالِ والعاداتِ السيئة.

· وهل من الضروري تضخيمُ هذه الأمور؟

à نعم بالطبع لنتّعظَ منها ونتعلّمَ بواسطتها.

· لقد سألتك الكثير.

à لا عليك، هكذا يكون التلميذُ الناجح. والآن وقد حان وقتُ فِراقِنا فلي شيءٌ أقوله لك يا عزيزي:

· وما هو؟

à أريدك أن تُشغِّل مُجهِرَ عقلك في كلِ الأمور،وتراها وهي مضخَّمة.

· وهل هذا ضروري؟

à هذا أكيد. لأنك كلما تمكّنتَ من معرفةِ ما سيصيبُك وما سيحدثُ لك جرّاءَ أعمالِك وعاداتك، ستتمكنُ من تصويبها أو التخلّي عنها قبل ارتدادِ فعلها عليك. وأكبر مجهرٍ يمكنك الاعتمادُ عليه، هم أصحابُ هذه العاداتِ والأعمالِ الفاسدة بالذات. إنّ أصحابَ هذه الأغلاط وما غيّرت في حياتهم وما سبّبته لهم من متاعبَ وما أتت  من نتائجَ وخيمةٍ ،عليهم وعلى مَنْ حولَهم، هي كافيةٌ لتعلِّمَ الجميع.

وأخيراً من عاش وكان مجهره معطلاً. لا يعودُ يرى عواقبَ الأمور، فيتعطّلُ هو ذاته ويصبحُ علةً على نفسه والآخرين.

· لقد علَّمتني الكثير، وعرفت أنه على كل واحدٍ أن يتصوَّرَ الأمورَ وهي مضخّمةٌ تماما كما تفعل أيها المجهرُ ليعرفَ خطورتها ويتحاشاها وهي في بدايتها.

فشكراً وألف شكر على محبتكَ لي.