back to Books

 

هل تقمَّصَت الوثنيّة؟ (داخل الكنيسة)

 

 

كان الوثنيون يعبدون آلهة عديدة بشكل أصنام، يقدّسونها ويقدّمون لها الذبائح.
إنها ديانة غير متطلّبة، لأنها تُرضي المشاعر، وتُطلِق الحريّة لأعمال الجسد.
ومن شرائعهم، (العين بالعين، والسن بالسن) أطلقها لهم حمورابي. وهذه الشريعة، تقضي بأن تَقْلَع عَين الذي قَلَعَ لكَ عينكَ، وأن تَكْسِر سنّ الذي كَسَرَ لكَ سنَّك.

 

المُعاملة بالمِثل، والشر يُقابَل بالشر. ويقول فيهم القديس بطرس(2بط2/10): "إنهم كالحيوانات العُجْم، همّهم في بَطنِهم، ولذّتهم في أن يستَسْلموا للفُجور والنجاسة، وأن يسلكوا حسب شهواتهم".

 

وكان أن الله اختار له الشّعب اليهودي في العهد القديم، ليُعِدَّ لِمجيء السيّد المسيح. ثم اختار له في العهد الجديد، الشّعب المسيحي، (لا لفضلٍ عملَهُ) إنّما ليُلقي عليه مسؤوليّة، تبشير وتعليم وتقديس باقي الشّعوب، عَبْرَ كلمة الله، والقُدوة الحَسَنَة، وما يُرافِق هذه من نِعَمْ ومواهب وآيات (وعجائب).

 

هذا الاختيار ظاهرٌ بوضوح في الكتاب المقدّس، (يوحنا15/16): "لقد إخترتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر"، (أفسس1/4): "إختارنا الله عن محبّة، من قبل إنشاء العالم، لنكون قدّيسين وبلا عيب أمامه"، (بطرس2/9): "أما أنتم فجيلٌ مُختار، كهنوتٌ ملوكي، أُمّة مقدّسة، وشعبٌ مُقتنى، لتَشيدوا بحمدِ الله الذي دعاكم".

 

وبعد اختيار الله لنا، أراد أن يعدّنا لهذه المَهَمَّة أفضل إعداد. فَجَعَلَنا له أبناء بالمعمودية، وأعطانا الروح القدس ومواهبه، والأسرار المقدّسة، (منها التوبة، والقربان المقدّس)، وأعطانا السلطان على الأرواح الشريرة، ومناعة ضدّ السُّموم، وقُدرة على شفاء المرضى (مرقس16/16)، ثم سلّحنا بكل الأسلحة الروحيّة "لنحارب بها الشرير، لأن حربنا ليست بجسديّة، لكنها قادرة على هَدْم الحصون، وكل علوّ يرتفع ضدّ معرفةِ المسيح" (أفسس6/15-17). سلَّحنا بالايمان والحقّ وسيف الروح (كلمة الله) والغيرة على نشر الإنجيل، ورفعنا بعدها إلى مستوى الألوهة، (2بطرس1/3) "إن قدرته وُهبت لنا... لِنصيرَ له شركاء في الطبيعة الإلهية".

 

وأخيراً أمرنا بقوله: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، (مرقس28/19). إنها مهمّة مقدّسة، ملقاة على عاتقنا، وعلينا الحِفاظ على مستوانا الرّوحي، وتطبيق كل التّعاليم السّامية، التي علّمنا إياها الإنجيل، كما علينا أن نحيا حياة روحيّة مُلتزمة، لنكمّل ونتمّم عمل البشارة، ونردّ العالم عن ضلالِهِ إلى طريق الحق.

 

ويجب على المدعويّن أن يتجنّبوا كلّ كَسَل، وإهمال، وألاّ يسلكوا طريق الأمم (الوثنيين)، أي طريق الخطيئة والشر، كي لا تفشل الدعوة، وذلك بحسب الكتاب المقدس: "وجه الرب على فاعلي الشرور" (بطرس3/12)، لأن على المسيحي الحقيقي، أن يغلبَ الشرّ بالخير، فينطفئ عمل الشرّ، ولا يعود يشتَعِل ويشتَدّ.

وبالنسبة للقدّيسين جميعاً، فإن الشرّ هو (فخٌ) من الشيطان، يجب عدم الوقوع فيه.
إن الله يريد أن نبقى مترفّعين عن الشرّ، لنفعَلَ الصواب ولنظلّ في حال النعمة، وألاّ نسمح للشرّير أن يَسلُبنا سلامنا، فيوقعنا في حبائله.
وأن نَغلِبَ الشرَّ بالخير، إنه أمرٌ عظيم، أمرٌ يلزمه قَداسة وتدريب، واقتداء بالمسيح الذي شُتِمَ ولم يردّ على الشّتيمة، (لم يردّ على الشرّ بالشرّ).
ولنًفرِض أن المسيح ردّ على الشتيمة بشتيمة، أمَا كان الجميع يتشبّهون به اليوم؟
لكنّ يسوع الذي طلب منا عدم مجابهة الشرّ، قد أعطانا حلول عمليّة لنحلّ مشاكلنا على ضوئها. وبدون أي خطأ. مثالاً على ذلك، لنأخذ (الإصلاح الأخوي) في (متى18/15): "إذا خطئَ إليكَ أخوكَ، إذهب وعاتبه سراً، (بعد أن تكون قد هدأت، وصلّيتَ له وسامحته وسلّمت أمرَكَ لله)، ربما تربحه. وإلا فخذ مَعَكَ شاهدين، ثم خذ الكاهن، وإن بقي رافضاً الصلح، عامله كإنسان خاطئ"، (وثني أو عشّار) وهذا لا يعني أن تخاصمه وتنبذه، (لا تفكّر هذا التفكير) فهذا الانسان أصبح من مسؤوليتكَ، عليكَ أن تحبّه وتصلّي لأجله، عَلّهُ يتوب.
لأن يسوع أمر بذلك: "أحبّوا أعدائكم، صلّوا لهم"، أَلَم يترك يسوع الخراف، ليفتّش عن الخروف الضال (الإنسان الخاطئ)؟ ألم يقل القديس بولس: "مَنْ يخطأ ولا أحترق أنا، وأتعذّب، ريثما يتوب، ويعود إلى الإيمان"

إن طُرق المغفِرة والصلاة، لم تَعُد مُعتَمَدة كثيراً بين المسيحيين في هذه الأيام، بسبب الجهل، والإيمان السطحي، لهذا نجد أنّ الكثيرين يَعودون (آلاف السنين ما قبل المسيح)، إلى حمورابي، ليحلّوا مشاكلهم على ضوء شرائِعِهِ الوثنيّة.


وكأن الحلّ الذي تقدّمه لهم المسيحيّة هو غير مناسب، وغير كافٍ، أو كأن لا دخل للمسيح في شؤونهم. فيُطلقون العنان لغضبهم، مُنغمسين مع مخاصميهم بكل أنواع الشّرور.
وبهذا يكونون قد فضّلوا دعوة حمورابي، على دعوة يسوع المسيح (تعالوا يا متعبين وأنا أريحكم). وعندما يقول يسوع تعالوا: يجيبون لا، شكراً، إن طريقة حمورابي تناسبنا أكثر. أليس في هذه الحلول، خروج عن العبادة الحقيقية؟ أليس فيها نكران للمسيح؟

 

إن الحلّ المسيحي، يتطلّب منهم التواضع، المسامحة، التخلّي عن كبريائهم، يتطلّب التضحيات وإماتة الشهوات، وهذا ما هُم ليسوا على استعداد للقيام به، لأنهم ليسوا على المستوى الروحي الذي يمكنهم من فعل ذلك.

لهذا نستطيع القول: إنها مسيحيّة سطحيّة، فارغة، تضرّ أكثر ممّا تنفع، لأنها تعطي شهادة معكوسة عن سموّ المسيحيّة وقداستها. إنهم مسيحيّون في الظاهر، لكنهم عمليّا وثنيّون، وثنيّون بتصرفاتهم، وثنيّون بنظرتهم للأمور (أي بقناعاتهم).


أمرٌ غير مستغرب، ما دام العديد من أتباع المسيح، لا يعرفون (الإنجيل)، ولا يريدون أن يعرفوه وإن عرفوه، لا يريدون أن يطبّقونه. مع أن الكتاب المقدّس يُصيِّر الإنسان حكيماً (2تيموتاوس3/15) وبدونه يبقى المؤمن جاهلاً، والجاهلُ لا يَطيق التعليم الصحيح.

 

ومما يؤكّد الرّغبة في العودة إلى حمورابي (إلى الوثنية)، هذه الموجة العارمة، وهذا السعي الحثيث، في سبيل (التخلّص) من قُدسية الدين المسيحي، ومن متطلّباته. إنهم يُريدون التخلّص من ديمومة الزواج المسيحي ويريدون التخلّص من الاعتراف (اعتراف مباشر لله)، يريدون التخلّص من الصوم (صَوِّمْ لسانَك)، يريدون التخلّص من كل تواضع، وقناعة، وتضحية، ومُسامحة، وعطاء. لا يريدون ضَبْطَ ألسنتهم ولا أفكارهم ولا أنظارهم ولا أحاديثهم، إنهم يشتمون ويحلفون ويكذبون ويدينون، ويلتذّون بالكلام البذيء، ويفرحون بالظّلم، ويبطرون في مآدبهم. يميلون إلى الإباحيّة والخلاعة، يماشون الموضة أياً كانت، يتهافتون على اللّذة، والسُّكر، وإشباع الشّهوات، ويحسبون الصلاة والقداس وأعمال العبادة (مَضْيَعَة للوقت).

 

أليسَ في هذه التصرّفات، وهذه القناعات، عَودَة إلى الوثنيّة؟
أَلَم تَتَقَمَّص وثنيّة الأمس، في تَصَرُّفات ورَغَبات، مَنْ هم على اسم المسيح في هذه الأيام؟
وهذه العودة إلى الوثنيّة المعاصرة، ليسّت سوى حنين إلى إشباع شهوات الجَسَد، أي إلى فعل الخطيئة.
إن عِشنا بالروح نستطيع أن نرضي الله، لكن إن عشنا بحسب شهوات الجسد، سوف نُدان و(نُحاسَب).
فإما مسيحيّة ملتزمة بكل معنى الكلمة، وإما وثنيّة مبطَّنة، ظاهرها مسيحي.

 

 

الخوري منير حاكمه

القبيات ايلول 2009

back to Books