back to Rachid M. alDaher page

مكتب القانون الدولي والتجاري والمدني
المحامي رشيد ميشال الضاهر
سفير سابق لدى هيئة الأمم المتحدة

وجوب تطبيق نظام الحياد الدولي عبر هيئة الامم المتحدة
الملازم لنظام اللامركزية الإدارية الموسعة
هو طريق الخلاص للبنان
ولإشراك جميع اللبنانيين في الحكم والإدارة

 

منذ كنت طالبًا جامعيًّا في جامعة القديس يوسف في بيروت 1962 ولغاية 1963، ولحين إكمالي في سويسرا دراستي في القانون والسياسة والاقتصاد 1967، كنت أحلم بحياد لبنان.
هذا الطموحُ الكبيرُ، هو الذي قادني الى سويسرا ، عاصمة الحياد العالمي، ومبعثه لغاية سنة 1982.
كتبت أطروحتي في جامعة "لوزان" للعلوم السياسية عن حياد لبنان سنة 1966.
وعندما أنهيت فترة دروسي ، كان لي شرف زيارة فخامة رئيس الجمهورية اللواء فؤاد شهاب، برفقة والدي النائب الشيخ ميشال الضاهر، فكان موضوع اللقاء حياد لبنان، وتقديم الأطروحة لفخامته.
كان الحديث سنة 1967 شيّقًا حيث طبع حياتي، ولكنه أحبطني، لانّ فخامته يوم ذاك، كان يخشى على لبنان من الأحداث، وقد حصلت فعلًا سنة 1968.
واجهني فخامته بحقائق سياسيّة عديدة ختمها بجملة واحدة : انّ لبنان ليس سويسرا، ولا شعبه شعبها، فانسى الموضوع، فهو لم يُحَضَّر بعد، لهكذا تغيير كبير، فهو بلدٌ يلزمه اليوم رقيب "شواربو طوال" ليحكمه.
فأنهى رأيه قاءلًا لي "الحياد لا يمكن تطبيقه".
فكانت هذه صفعة مبرحة تلقيتها في مستهلّ حياتي. فلم أنشر أطروحتي، ولا قدّمت له الأطروحة يومها.
ولكنني انتظرت خمسة وعشرين عامًا، فوضعت هذا النظام في برنامج معركتي الانتخابية لعام 1992. فكان مشروعي إعلان الحياد العالمي المتلازم مع نظام اللامركزية الادارية الموسّعة، بعد ان كنت قد أنهيت كتابة كتابين، في تلك السنة، وكانت سنة إنتخابات ال 1992، التي جاءت مخيّبةً للآمال كليًّا، بعدما انتظرناها عشرين عامًا.
سنة 1993 اختتمت كتابي عن الحياد الدولي عبر هيئة الامم المتحدة، بأن أضفت اليه مقدّمةً كانت حصيلة مزاولتي لمركزي كسفيرٍ لدولة كوستاريكا لدى الأمم المتحدة في نيويورك لمدة سنتين 1981-1982، نضجت فكرة الحياد الدولي لكوستاريكا بعد معايشة الدول وشعب البلد لمدة عشر سنوات لهذا الحياد، الذي أحرز نجاحًا باهرًا في أروقة هيئة الأمم المتحدة، وهو النظام الجديد الذي قدّمته للدول المحايدة والمسالمة في العالم ، ومنها دولة كوستاريكا ولبنان...
عايشت تطور السياسة الدولية ومتغيّراتها الجذرية في مطبخها الأساسي، في هيئة الأمم المتحدة، ودرست نتائج هذه المتغيرات، والنجاح الذي أحرزه في تلك الدولة، بعد ان قدّمت لهذه الدولة نظامها السياسي، الذي لم يزل معمولًا به لغاية اليوم، وهو نظام الحياد الدولي عبر هيئة الأمم المتحدة، وقد زدّت على أنظمة الحياد القديمة، التي عرفتها دول الأرض تصوّرًا جديدًا، دخل للمرة الاولى على قاموس الفكر السياسي العالمي، ألّا وهو حماية هيئة الامم المتحدة للحياد المعترف به دوليًّا، عبر كافة أجهزتها، بما فيها مجلس الأمن، والجمعية العمومية، والمؤسسات العديدة التابعة لها.
لقد كتبت في الحياد أطروحة كبيرة ، بعد ان استوحيتها من تجارب سويسرا، حيث تخرّجتُ ودول الأرض كافة، التي طبّقت الحياد في الماضي لغاية سنة 1982، عندما اكتشفتُ الخلل والضعف، اذ أنّ هذا الحياد القديم لم يعد يصلح لحماية الدول، ولا يعطي ضمانًا إطلاقًا لها لأنّ آلة الحرب أصبحت مدمّرة، وآلة الكلام عاجزة، لان هذا النظام كان يستند الى الأخلاقيات الدولية، والى كلام ومواقف الشرف، وإن كانت هنالك بعض المعاهدات، التي لم توقّعها، في أغلب الحالات دول عديدة.
اين الدول والانسان منها اليوم؟ بعد ان أصبح الدولار رئيس القوى العالمية ويلازمه حكم الأجهزة، والأسلحة المتطورة، الفتاكة خلال ثوانٍ، دون ان ننسى حرب الكيمياء التي عشناها البارحة.
فتصورت للحياد قاعدةً متينةً، بجوهرها الفكري وأبعادها السياسية والجيوسياسية.
لم يكتب فيه اي رجل في الفكر السياسي قبلي، "معاذ الله من كلمة انا" ولكن هذه حقيقة دامغة، وها انا أكتبها وأوقّعها وأعلنها على الملأ .
سطّرت للتاريخ موقفًا فكريًّا جديدًا، اعتمدته هيئة الامم المتحدة ، وأصبح سابقة للقانون الدولي، حسب المشروع الذي قدّمته، وأعددته بكامله، بإشراف فخامة رئيس البلاد يومها، الرئيس Rodrigo Carazo ، الذي أكّد ذلك للصحافي جان دياب في مقابلة أعطاها لل "La revue du Liban"، عندما زار لبنان بدعوة مني.
فلجميع الصحافيين، وللصديق القديم إميل خوري الذي لم ينقطع عن متابعة ضرورة تطبيق هذا النظام، وغيره من الأصدقاء، ولكل الكثر من رجال الفكر السياسيين الذين يدعمون الحياد، وخاصة الى فخامة رئيس الجمهورية، والمجلس النيابي ورؤساء الحكومة، أتمنى : ان إحملوا قناعتي كمرتكزٍ جديدٍ لعلم نظام الحياد الدولي، فلا النئي بالنفس ، ولا الحياد القديم دواء ناجع لحلّ مشاكل ومعصيات لبنان.
إمتُحِنَ نظامي أكثر من ثلاثين سنة ونجح.
لم يصبح الحياد المعلن ذات أبعاد عالميّة، إلّا بعدما أدخلته الى أروقات هيئة الأمم عبر محاضراتي وخطبي في هذا الواقع الجديد، المتمثّل بالحماية الحقيقية لجميع مؤسسات هيئة الأمم المتحدة لهذا الحياد.
في محاضرةٍ ألقيتها في نقابة المحامين في بيروت، بحضور الوزراء والنواب والسفراء الكثر، وعدد وافر من الصحافيين، ورجال الفكر، والسياسة، حيث قدمني للحضور المرحوم الزميل أمين خوري في 11 ايلول 1982 في قاعة المحاضرات الكبرى ، استرسلت في شرح جميع جوانب هذا المشروع.
كما أرسلته لأعضاء اللجنة الحكومية للحوار الوطني بتاريخ 11/9/1986 كامل هذا الملف، وناقشته مع عدد منهم.
كان لي الشرف العظيم بان دافعت عن هذا النظام الذي اقترحته لتلك الدولة أمام هيئة الامم المتحدة، واقترحته للبنان سنة 1982. ولم يَذْكُرَني يومًا لا وزير في الحكومة، ولا سياسي، ولا صحافي من الذين كتبوا في الحياد، او في اللامركزية الادارية الموسّعة ، وجميعهم اقتبسوا عني وعن غيري الأفكار والمقتراحات التي صدرت في أكثر من خمسماية صفحة، ونسبوها لهم.
اليوم أصبح الحياد المعلن من قبل دولة ما، لا قيمة له، اذ يصبح كالنئي بالنفس، وهو الحياد الذي اعتمده لبنان جزئيًّا !!!
مَن مِن دول الأرض اتّخذ موقفًا ايجابيًّا منه، او دعمه بأجهزته وبصلابة، وإعتَبَر نفسه مسؤولًا عن حمايته وتطبيقه؟ لا أحد إطلاقًا.
لفظ بعض وزراء دول عبارات لطيفة فقط ، وهي لا قيمة لها سياسيًّا، اذ لم تعتمد اية دولة دعم وحماية هذا النظام.
ليس للبنان دولة ضربت الأرض برجلها من أجل تطبيق نظام الحياد الدولي الذي اقترحته، او اي نظام جديد يشبهه.
على كل بقي حياد لبنان حبرًا على ورق، ولم يقتنع به كلُّ اللبنانيين ، ولا الأكثريّة. كانت هناك مواقف ظرفية فقط في حينه.
علينا ان نعمل عبر الحوار الجاد الصادق، وبعد دفن أحقادنا على حياد تضمنه هيئة الأمم المتحدة، لنأْمَن للمستقبل في دولة حرّة، ديموقراطية، مستقلة.
لقد كتبت في الحياد الدولي عبر هيئة الامم المتحدة لجميع الرؤساء دون استثناء، وللمجلس النيابي بشخص أغلبية أعضائه، وللوزراء، ولعدد كبير من الصحافيين ورجال الفكر، لكنهم لم يتركوهم ينشرون سطرًا واحدًا. أرسل تقارير عديدة منذ أربعين عامًا، وبالطبع أرفقته بدراستي. كما انّ كتبي ال26 المهداة للرؤساء لوضعها في مكتبة الرآسات الثلاث، من المفترض ان تعتلي بعض رفوفها والحقيقة لا أعرف اين مكانها؟ ربما لدى المجموعات التي تحكم بلادي، او تلك التي تتحكّم به خارجًا او عبر من يمثلهم ... ؟؟؟
منذ خمس سنوات وانا أكتب بانتظام، ومؤخّرًا لم يمرّ شهر دون أن أعاود الكتابة.
خلال حكم المخابرات السورية ايضًا ، كتبت مرة لللواء الوزير غازي كنعان، وهذا ما أقرّ به لبعض أصدقائي، بوجوب قبول إعلان حياد لبنان دوليًّا، عبر هيئة الامم المتحدة، بعد خروجكم من لبنان، وليس باعتماد نظام الحياد الذي كان معروفًا في النظم الماضية.
ومنذ سنوات، ومنذ تسلّم فخامة الرئيس اللواء ميشال سليمان مقاليد رئاسة الجمهورية سلّمته باليد مذكّرتين في هذا الخصوص، وفي كل سنة كنت ألتقيه، وأخيرًا، وقبل إعلان بعبدا ذكّرني بإكْبار، بالدراسات والتقارير التي أرسلتها له، وكان يقرأها. وقال لي : لقد دعمنا رأيك في الحياد عبر إعلان بعبدا.
الحياد الوحيد الذي يمكن ان يهنأ به الشعب اللبناني، والوطن لبنان، ومغتربيه، هو الحياد الدولي، عبر هيئة الامم المتحدة.
سوف أرسل لفخامته هذه الدراسة، والتي أعتبرها الحلّ الوحيد لنستردّ لبنان من الهاويات المظلمات حيث هو !!!
سوف أتوسّع في هذه الدراسة مجدّدًا، علَّ استطاع العهد قبل أفوله باعتماد هذا الحياد الدولي، وبأن تقبله أكثرية تفوق عن 75% من عدد النواب الذين يشكلون المجلس النيابي عددًا.
سوف أحاضر به، وأعتلي شاشات التلفزة بعد أشهر، اذا سمح لي مجهولون، والذين أجهل هويتهم ولا أرى وجههم، ولكنني أشعر بوجودهم وتدميرهم لكل ما يخصّني، ويخصّ لبنان المجد والبقاء. وما زالت مراسم دفن هذا الوطن الحبيب مستمرة، وبخورها لم يزل يتصاعد. وقد أُدخِلَ الى الهاويات، وقضت على إمكانيات الخلاص له، إلا بأعاجيب من قديسيه والإرادة إلالهيّة، التي نتمنّى ان تلهم شعبه وقادته، بعد تحريره من البغضاء والنميمة، ومن هذا الجدال المُخزي، والمقرف العقيم، بين مكونات وطن الرسالة، الذي جعلوه أرضًا سائبة لتلك العقول الجاحدة، التي تطارد قِيَم هذا الوطن العظيم، الذي أصبح آخر الأوطان مكانةً، ويا خجلاه .
أهداهمُ الله خير السبيل،
ووهبنا بركة خاصة لإنارة العقول، وصفاء القلوب، والهداية، لنستحق ان نكون وطن رسالة خالدة للأمم.



رشيد ميشال الضاهر

16 تشرين الاول 2013

 


  back to Rachid M. alDaher page