back to JD Documents

الميلاد يدعوك


هناك في فسحة السّماوات, فرحٌ عظيمٌ, وترنيم مجدٍ يتراقص على قيثارةِ ملاك ويتردَّد على أفواه الشّاروبيم والكاروبيم .
وهنا على الأرض امرأةٌ، شيخٌ، ورعاة، يتأمّلون طفل السّلام الآتي إلينا: عرسٌ في السّماء وصمتٌ على الأرض.
ابن ملك الملوكِ ترك علياه بموكبٍ من نور، ليولد في قرية تتنازعها خِلافات الحكّام وبطش الأباطِرة، تمتزج فيها الوجوه الغريبة والطّباع الرّديئة.
ترك المملكة وسكن المُمتَلَكَة ،وأخذ الجسد الضعيف من بنت النّاصرة ,وابنًا لللّه أصبح إبن الإنسان أيضًا مصمِّمًا إلا أن يعيش كإنسان :أوليس هو من "أتى عند خاصّته؟" ولكن , وياللأسف "خاصَّته" رزلته .
قد أتى المسيح ,نعم! وتنسى فرحة المجيء.
عيد العائلة , عيد الطُّفولة نعم !


والميلاد ! أين أصبحتَ منه؟ أما زلتَ تؤمِنُ بتجسُّد ابن اللّه الحيّ ,أمٌّ تنتظر كانون لتحظى ببعض أيّامِ راحة ,وتستمتِع بالنّبيذِ والكستناء, بالمحاشي من "الفوارغ والدَّجاج والأطايب مِنَ الحلوى و"النُّقوع" ألَم يتحوَّل المجيء من إنتظارٍ بالتَّوبة والصَّلاة , بالتّأمُّل وعمل الخيرإلى الحيرة في شراءِ ما تشتهي والوقوف ساعاتٍ طوال أمام الواجهات الّتي تلسع أسعار ما فيها ولا تأبه ,تقتني ما هو للجسد وتنسى أنَّ هذا الأخير خالٍ من صاحبه :"أجسادكم هي هياكل لروحي القد ّوس"؛وكأنّنا نزيّنُ قبرًا خلى حتّى من جثَّةٍ.
هنا على الأرض وهناكَ في السّماء ،وعُدنا مع ال"هنا وهناك "إلى برودة العهد القديم يومَ كان الحجابُ فاصلاً بين اللّه والإنسان .
تتناسى أنَّ الآب صالحنا مع السَّماء بتجسُّد ابنه ،أزال الحواجز وألغى المسافات ،وأنت ما زلتَ متمسِّكًا بنفسِك باحِثًا عن راحتك حتّى في الصلاة:
قد أراكَ تبحثُ ،إنّ أردتَ أن تتمِّمَ الواجب ، عن كنيسة جميلة ، في رعيَّةٍ تنعم بالرّاحة ، لا شقاق فيها ولا نزاع وإذ به يلتقيك في كنيسةٍ متواضِعة أو في رعيّةٍ تحمل من جسده الضُّعف ومن آلامه صوتَ الإنسانيَّة الّتي لَبسها.
تنتظر منها أن يبعد عنك التجربة والفشل ، المرض والحزن ، فتراه حاضِرًا في قلبِ المحنة واليأس لِيصوغها ذهبًا خالصا، بأقراطِ الصَّبر يُزان وبقلادةِ الرّجاء حياتك يُزَيّن.
تنتظر أن تراه كي تؤمن، وهو ، بالإيمان ينتظرك.
تبحث أن تشعر بحضوره، وهو، ينتظرك بأبعد من الشُّعور، ينتظِرك بحضورٍ حقيقي عميق.
أشعر بك أحيانًا تملي عليه الشُّروط، فتكون السَّيِّدُ أنت ومن في الخدمة هو يكونُ . تأتي كيّ تلتقيه في موعدٍ حدَّدْته أنت ،فتفاجأ به منتظرًا إيّا ك ،مصغيًا إليك مبتسمًا...
ألا تشعر عندها بالإرباك؟!
يا صديقي ،اليوم وقد أتى الميلاد أمحُ ال"أنا هنا وأنت هناك" من ذاكرتك، أمِل أُذنك إليه فقد حدَّد لك موعدًا أبديًّا للقائه؛ قد أتى إليك ليس كما تنتظِر أنت ، لأنك تجرِمُ بحقِّ ذاتك أحياناً ، أصخ الى صوته و أذهب الى حيث يدعوك:
اليوم في المغارةِ تلتقيه ، غداً في عرسِ قانا الجليل أو على البحّيرة ،بعد غدٍ على الصّليب ثمَّ على طريقِ عمّاوس...
جميلٌ أن تـفرح بلقاءِ من تحبُّ ولكن الأجمل والأجدى أن تعيش اللّقاء محافظًا على حبيبك.

    

21 كانون الأول 2007

جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

Ref: Jamileh Daher Moussa