رسالة إلى نَفْس
حبيبتي
أخافُ عليكِ من الهَوى ومن أفكارِ الدُّنْيا الرَّخيصة. أخاف أن تصحَبيني
إلى منازلٍ ليست خاصّتي، وتُشركيني بآلهةِ الزَّمَنِ الفانية، ولَكَم
كَثُرَت أصْنامها في عالم اليوم.
أخافُ عليكِ أن تَسْكَري بخمرةِ الرَّغَباتِ الآنِيّة، وتُهملي خَمْرتي
الأبديّة. تلك تسلبك العقل والإرادة، وتُغرقُكِ بنشواها، فَتَهوي بكِ إلى
الحَضيض. أماّ خمرتي، فهي جرعة سلامٍ للقلبِ، وهدوء للفكر، وجمرة للّسان،
إنّها تُحَكِّمُ العقل وتَرْقَى بكِ إلى القداسةِ في كلِّ مرَّةٍ "تصنعين
ذلك لِذكري"
أنْتظرُكِ ولا أَمَلُّ، فهل الحبيب يملّ انتظار حبيبه؟ ألا افتحي قلبك لي،
ما زلت أقرع، لأنّي أحببتكِ، وتركتُ سمائي ومجدي من أجلكِ.
أتيتك في مزودٍ كي تؤمني بوداعتي؛ فرِحتُ معك في عرس قانا كي تثِقي بأنّ
القداسة هي فرحٌ ومشاركة، حدودها أبعد من جُدران المناسك وأقبية المغاور
ولبس المُسوح. أظهرتُ لك رأفتي في أضعف أوقاتِكِ، عند زاوية المجدليّةِ بين
أنياب المُرائين ورَجْمِ الحجارة؛ أماّ أمانتي في الوعدِ، أنّك خُلِقتِ
للميراث الأبدي والقداسة، تجلّت على صليبي مع لصّ اليمين التائب ورافَقَني
إلى حضن أبي بدل أن يبلى في بُعدِه.
ماذا عن سِرّي؟! لقد كَشَفتُه لكِ عند بُكائي موتِ ابن الأرملة ولعازر، كي
تتجرّأي وتنظري إليّ بِعَيْن المُحِبّ الواثق؛ فأنا أبكي، نعم أبكي بُعدكِ،
لا تتَعجّبي!
إنيّ الأبُ والحبيب، الأخُ والصديق؛ إنيّ المُتَيّم بك، ولا أرضى أن تنقادي
إلى الموت وأبقى صامتاً دون حِراك!
أصغِ إليّ حبيبتي وكوني "خاتماً على قلبي"، فقد طَبَعتُ صورتي على جبينك،
وظلّلتكِ بروحي، لكنّكِ لم تلحظِ.
ألا اقبليني لكِ حبيباً، وارتشفي من قداستي قَدرَ ما تشائين، فماؤها تجري
عذبة حيّةً لا تنضب.
أحبّكِ
جميلة
ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com
08
تشرين الثاني 2009
|