إسأل نفسك
و رمَيتُ بجسدي المُثقل على
أريكة الاسترخاء بعد طول عناء يومٍ مُضنٍ، و ما كدتُ أتلاشى مع المغيب
حتى أيقظني جدال من حولي. تلفَّتُّ فما كان من الصوت إلاّ أن صَمَت.
عدت إلى هدوئي علّني اكتشف المتعدّي على راحتي و إذ بكمشةِ نقودي
المستلقاة إلى جانبي، تتجادل فيما بينها ، لتَروي كلٌّ منها سيرتها
للأخرى. فتارةً تتباهى و توراً تدمع و تتأوَّه ...
- أنظري اليَّ ، تطلّعي كم
متألّقة أنا !... أنظري إلى ثَوبي الأخضر اللازوردي ، وأهدابي البيضاء
الناصعة ، تأمّلي وجهي الجميل و جسدي َ الممشوق فما من تلافيفٍ ولا من
تجاعيد تُعيبه ، ام أنّك تخجلين؟
- عزيزتي ، يا جميلة المحافظ و صبيّة
اليوم،لا تغتَرِّ بنفسك فأنت ملك للآخر شئت ام أبيتِ. لم تأتِ ساعتك
بعد كي يكشف النقاب عنك ، فما زلتِ يانعة . البارحة خرجت من المصارف و
لم تتناولك بعد أيدي النفوس الضعيفة.
أنا المسنّة اسأليني!
انظري ألواني الكالحة و جسدي المُتعب المترهِّل، أَوَتظنّين أن الأيادي
رحمتني ؟
ولدت لامعةً براّقة ،لا غبار عليّ ، وأوَّل يدٍ صافحتني خِلتها صديقتي
: قبَّلتني ، ضمّتني إلى صدرها و لكن ما لبثت أن حملتني إلى مقهى رخيص
لتصبَّ الخمر في كأسين و بالمقابل ترميني على طبق متنقِّل ، تحمَّلت و
قلت في نفسي :" لا بدَّ أنَّ هذا الساقي بحاجة إليّ لأسنده في محنته"
وإذ به يُسلِّمني إلى يد المالك .
يا لمصيبتي !...
قبض عليَّ بكلتا يَديه و حملني إلى غرفةٍ قلَّ فيها الضوء و لبست
الأرجوان لوناً ، تقدّم من سريرٍ تمدَّد عليه جسدٌ بارد ، عارٍ من كلِّ
شيء ما عدا الوقاحة أمسكني ، أرجَحَني في الهواء هنيهةً و بعين ذابلة
صفراء رماني على الملهاةِ تلك . فاجتذبتني و أخذت تسقيني من ندالة
ألفاظها ...
و على عراكٍ مع شكلٍ لم أره من قبل يُدعى "المحامي" أفقت في اليوم
التالي. (كم من جولات و صولات كان لها عنده) . أخرجتني و دفعت بي إلى
ضميره الواهي متملّقةً نفسه الفجعانة كي أصبح ، أنا المسكينة، ثمناّ
لأكذوبةٍ تتّهم فيها من أحبَّها و أخلص لها، بالسلب و الأحتيال ، كلُّ
ذلك فقط لتمضي على هواها دون قيدٍ أو ارتباط بروحٍ مخلصةٍ تسلبها
الحريّة المزعومة .
فكارثتي في كلّ يدٍ قبضت عليَّ ، ظّنت أنّها قبضت على السعادة!...
و مشيت طريق المرارة بين و حول الأفتراء و الجريمة ، و فحشاء الاقراص
المدمجة حتى السلاح في يد قاتل . ولكم تألّمت و تحسّرت على صندوقِ حديد
المصرف ذاك، إلى أن طالتني يدٌ لطالما علق بها تراب الارض ورائحة
الشقاء لِتنبت الزرع و تقطف الثمار، وأخرى عطرّها عرق التضحية في
الرسالة و التعليم حتى أنَّ يداً كريمة وهَبَتني لمتسوّلٍ يتيم ، كان
يبحث عن الفُتات في أقبية الشوارع ، فجعلني خبزاً على مائدته وأطعم
أمّه المسكينة ،...إلى أن وصلتُ إلى هنا لألتقيكِ في جيب صاحب النفس
المؤمنة و العامل بقلبٍ كبير .
صلِّ معي يا صغيرتي ، صلِّ كي نبقى طريقاً للفرح لا للّذّة ، خبزاً
للجائع لا فضلاتٍ على موائد الاغنياء ، صلِّ كي نغدو أداةً للخدمة لا
للإتّجار الفاحش ، للرسالة الاسمى لا ثمناً للظلم والهدم.
صلِّ كي نصبح سبيلا للفضيلة لا للرزيلة و الأغواء.
و بعد صمتٍ مطبق ، جفَّ فيه حتى الكلام في حلقي ، تفتّح ذهني على حقيقة
الوجود
فإذا كانت المادة قد نطقت من شدّة الالم فهل أبقى صامتاً دون حراك؟!
من مجموعة " وريقات"
جميلة نخلة ضاهر |