back to JD Documents

لقد تَعِبْت !


بالأمس دخلتُ غرفة المكتب حيث تربّعتُ على كرسييِّ الهزّاز، اسْتَلّيتُ هاتفي الجوّال كي أقرأ ما عندي من رسائلَ وصلتني عبر الأثير وإذ بالكلمات تتقطّع والأحرف تتلاشى .


ماذا حدث؟ حاولت الإتصال بالمركز الرئيس ،لكنّ الإرسال خذلني. غضبتُ وصفعته مع سيل ٍ من الشتائم والمحرّم من الألفاظ. :كنت ما زلتُ في فجرِ نهاريَ الطويل. طلبت قهوتي عَلَّ هدوئي يتجرّأ على ملاقاتي من جديد بعد أن ذُعِرَ من شدّة غيظي واختفى. وما هي إلاّ لحظات حتّى عاد مُطِلاً برأسه من على شاشة هاتفي ، متلعثماً بالكلام ِ خَجِلاً معتَذِراً إذ تركني وحدي أتخبّطُ وأخْبُط :


"- عزَّ عليّ رؤية صديقك منبوذاً وسط شدّته ، فقد كان يلهث من الإرهاق، ونبضه يتقطّع من زحمة الأخبار التي يحملها إليك ، وعندما دخلت حجرته للمساعدة، وللمرّة الأولى، تمنّيتُ لو لم أولد في هذا العصر الذي أباحَ الأشياء حتّى الفظاعةِ في الأخلاق، والوقاحة في سرقة سرّيَتِكَ وخصوصيتك. ولولا أوُلاها "ليكن نهارك مباركاً وساعاتك مملوءة بالفرح والسلام"، لما توسّمتُ بعض الخير . تريدني أن أُكمِلَ القراءة، إستمع إذَنْ: عبارة سوقيّة مِنْ لاهٍ، لا عَمَلَ لديه سوى التلاعبِ بعواطف البشر، وأخرى من معجبة تَطْمَئنّ عليك وتضرب لك الموعد ؛ أمّا الرابعة فكانت من شركةٍ تسوّقُ كتباً غير معروف "راويها وما فيها"، بسعرٍ ينافس الذهب، مع الحسم طبعاً، تَلَتْها مادة إعلاميّة لمنْتَجٍ يعيد إليك الشباب ويتحدّى العمر (عمرك الذي بِشَيبته يزيدك رزانةً وحكمةً و جمال) مُصِرٌّ طبعاً !... ليتك ل اتصدّق. عرضٌ مغرٍ من بنت هوىً بكلفة توصيلة تاكسي (إيّاك أن تنسى غلاء البنزين)، ولدقائق كا...ملة. أم ماذا أخبرك عن تصويتك لفلان ورأيك ب....وغيرها وغيرها.


إحزرِ الآن، إليك الرسالة التي ربّما تنتظر:وردة صباحية جميلة عطرها الحبّ من رفيقة العمر مع قبلةٍ لطيفةٍ حنون على وجنتيك. "


تسمّرت عيناي في الرقعة البيضاء الباردة بين يديّ منتظراً تحقيق المعجزة في شفاءٍ عاجلٍ لهاتفي ، فقد أخذتني حشريتي كي أعرف المزيد، لكنّ صاحبي بدأ يَلْفُظُ أنفاسه الأخيرة ،فاستودعه هدوئي راجعاً إليّ يشجّعني ،فتمسّكتُ برباطة جأشي : خوفاً من أن تفلِتَ منّي ، وبِتُّ أصغي إلى وصيّته الأخيرة وهو يحاول الْتِقاطَ ما تبقّى من روحه الطالعة
"- كنت لك الوفيّ والأمين طيلة حياتي الماضية، وحرصتُ على ألاّ أخذلك ولو لمرّة، لكنّ التطفّل عليك وإقحام أنْفِ الآخرين في شؤونك، ثمّ استدراجك إلى السوء واستغلال ما تجنيه بعرق الجبين لتكسب حياتك والعائلة أصابني بالمرض الشديد. فقد كنتَ تتلقّى الهجمات بسبي،وما أنا إلاّ مأمور ليس بيده حيلة. ألَمي هو في ما أنقلة إليك من تفاهاتٍ كنت تتلقّاها ببسمةٍ وغمزة، أو باستسلام ٍ وغباء.وَجَعي هو من ضغوطٍ مورِسَتْ عليّ فَهَدّتْ هيكلي، وأنت لم تتوانَ عن ضربي حين كنتُ متعباً، رغم الصداقة، ونقر صدريَ اللاهث بإصبعك الحديديّ، غير مبالٍ بي. تفاقم المرض وبتّ غير قادر على الكلام حتّى بالأحرف أو الأرقام.....الوداع."


حزنتُ لقساوتي، رفعته إلى شفتاي وقبّلته نادماً، قاطعاً على نفسيَ عهداً باحترام الصداقة ولو حتّى على حساب رغباتي وما يُمْلَى عليّ من وصفات .

 

16 نيسان 2008

جميلة ضاهر موسى
jamileh.daher@hotmail.com

Ref: Jamileh Daher Moussa