الموت :
حضورٌ أم غياب ؟
و قال الموت كلمتهُ! ......
قُرعت الأجراس حزناً ، علت الصيحات ولم يبقَ دمعٌ في حجرةِ العين من
شدَّةِ الأسى.
عريسٌ أَم شهيد ؟ قائدٌ أَم عامل ؟ طفلٌ أَم شيخ ؟
من هو الذي " يُنعى ويُجنَّز" ، من هو " الميت" ؟
" يُنعى ، يُجنَّز " فقط ...
تُنسَ كلمة " على روح من تُقام الصلاة " ؟
أم مِنَ الغريب سماعُ أحدٍ يقول : رَقَدَ في الرَّب ، أصلّي كي يكون في
الأخدار السماوية اذّ العادة أن تقول ، و دون تفكيرٍ حتّى : " مات،
الله يرحمو " !
آه كم أنت جاهلٌ يا عالميَ الفاني ؛حتى الموت تظنَّه يَفني الأنسان
وكأنك تَجحِدُ بالقيامة
و بالحياة مع الآب .
• انّ الذين نبكيهم ، هم أحياء للأبد !
أتُؤمن أن الشمس تنطفأ عندما تتهادى وراء الأُفُق ؟ أم تبحث عنها في
ظلمة الليل علّك تلتقط شعاعاً من أشعّتها ، فربَّما اختبأت؟ !
بائسٌ أنت ان كنتَ تعتقد ذلك !
لماذا تبحث اذن عمَّن فقدت في أجسادهم الباردة ، الساكنة أو المُشوّهة
في المدافن ؟ لماذا تصيح كلّما مرَرتَ بها اذ تظنّ انّهم هناك انتهوا !
أما كانت لهم " نفسٌ " أم أصناماً وُلدوا ، لا روح فيهم ولا حِسٌ ؟ الم
يكن لهم فكرٌ ؟ ألم يؤمنوا بالله الواحد الأوحد ؟
أما كان لهم من الحب ما ملأ القلوب و العوائل ؟
اذن فلنثِق بأن كل من آمن ، أحبَّ أو أعطى باسم يسوع يترك الأرض عندما
تستدعيه السماء ولكنه لا يترك الحياة : انّه يحيا الى الأبد .
استجمع قواك في لحظة الفراق و قل لنفسك : "حبيبي سأبكي بُعدي عنك لكني
مؤمن أنك ستنام بين الراقدين وتصحو مع الملائكة" .
• ان الذين نبكيهم يحيون للأبد !...
ألسنا ندمج الجثّة مع ذات الأنسان الراقد في كثيرٍ من الأحبان ؟
كم من جنديٍّ وقع في ساحة الشرَفِ ،تغيّرت ملامحه ولم يعُد هو بالظاهر
؛ نبحث عن صورة وجهه و لا نجدها ، نتحسَّر و ننسى انَّ نفسه الخالدة
سبقتنا الى عالمٍ أرقى ، الى حضن الآب ؛ نختصره بجثّته و ننتحب .
اكيدٌ ، أكيد سيبدو غيابه طويلاً وقاسياً، ولكن فلنلملم الدموع و نصليّ
له ولنا ، فالصلاة تذيبُ أصعب المآسي كما الثلج أمام الشمس .
نعم ، هم احياء بالملىء .
في زوايا البيت تبحث عن فقيدك فلا تراه .
توقّف ! هدِّئ قلبك ، أضبط ألمك كي لا ينفجر ، واسترخِ قليلاً
مُتمتِماً " الأبانا " ، سوف تشعر به يَأنس جيرتك . نفسه الخالدة تتمتم
معك الصلاة ماراًّ بذهنك أعماله الصالحة ، صلواته ، صدقاته، حبّه ...
وكأنّه يُذكّرك بأنّ الدموع تُعمي البصر و البصيرة ؛ عندها ارفعه
بصلاتك لينال الراحة والسعادة .
ابحث عنه في "السلام" الى الأمّ السماوية, تجدها قد نجّته "ساعة موته"
,فلطالما قد دندن تلك الكلمات بين ذراعيها قبل الرقاد...
• ان اللذين نبكيهم يحبّون ويعبدون الله أفضل واكثر منّا بكثير !...
أتؤمن بيسوع المتجسّد ؟ اذن تؤمن أنه هو القربانة المقدّسة . يا لعزوبة
اللقاء في الذبيحة : أمام تلك القربانة الالهية ننحني و نعبده من أرضنا
المظلمة ، وراقدينا يعبدونه وجهاً لوجه ، يتمتّعون بروعة جماله ورحمته
الواسعة .
نحن وَهُم نلتقي أمام الجوهر الواحد ؛ فلنُقبِل اليه و نتناوله ،فكلّما
اقتربنا من الله ، اقتربنا من الأب والام، الابن والحبيب اللذين
فقدناهم .
ألم يقل يسوع :" تعالوا اليَّ أيها المتألمين و المتعبين و أنا أريحكم
"؟
"سوف أمسح كل دمعةٍ من عيونكم "...
لنَقبَل هذه الدعوة اذ بها ، وبها وحدها نستطيع أن نجد الراحة ، السلام
والفرح حتى في وسط شقائنا وأحزاننا .
• ان اللذين نبكيهم ، سنلتقيهم يوماً في عالم أفضل !...
يوماً ، سوف لن ننفصل عنهم مجدّداً ؛ سوف نتمتع معهم بأطياب الألوهة
التي لا توصف ؛ ففي جنّته ، لكلّ مناّ أعدَّ المكان الذي يليق به ،
مكاناً مختاراً لكلِّ من أحبّه و آمن به ، لمن شهد له او استشهد من
اجله ، لمن حمله في كلّ عملٍ والى كلّ مكان .
انه هو الذي وعد ، هو الذي لا يُخدَع و لا يَخدَع ، هو الذي كلامه لا
يزول قال :
" أنا القيامة و الحياة ، من آمن بي وان مات فسيحيا "...
- صمتّ ، تأمّلتُ ، فصلَّيت :
يا أبي السماوي،
قد فُجعتُ بأبي و أمّي ثم بأشخاص أحببَتهم من القلب . هذه الخلائق
المقدّسة بَكَيتها ، تألّمتُ لفراقها و لكن بعدما فتحت عينَيّ على
وعودك ، أدركت أنها استفاقت للأبد في حضرتك ، وأصبحت شفيعة لي في عالمي
انت تراهم وأنا أشعر بهم ، انت تصغي لصلواتهم وأنا أقطف الثِمَار .
انّي أنكر الموت وأومن بالرقاد فالقيامة ،
أنكر فناءهم وأومن ان الحياة الحقيقية استقبلتهم في سمائِك الفُضلى الى
الأبد.
أحبّكَ
|