"
ثـــق بــي
"
وقفت على باب ذاك البيت في كفرناحوم أتأمل .
يسوع يعلم والجموع تزحم المكان ، كلُّ يريد بغية قلبه من ذاك المنتظر ،
كثيرون كانوا هناك يسمعون ، ولكن كم منهم كان يصغي ، كلهم كانوا يريدون
أن ينظروا
" طفل الناصرة " الذي أضحى شاباً ، معلماً بكلامٍ لم يعهدوه من قبل عن
الأعتراف ولكن كم منهم اتى ليفهم ويمشي الطريق معه ؟
وكما في كل المجتمعات في ذلك الزمان دخل معلمو الشريعة عقر الدار لأنهم
يختلفون عن الجمع الحاضر ، وتمركزوا أمام "ابن البشر " ، ابن يوسف
النجار ، متفرّسين مترقّبين كلَّ حركةٍأو كلمة تخرج من فمه تدينه، هو
الذي، بحسب مفهومهم ، تجرّأ ودخل حياتهم الروحية كي يحوّلها من خلال
ئأليب الشعب ضدّهم .
في تلك اللحظات كانت الصدمة الكبرى لهم : تدلّى وسطهم" كومةٌ" من جسد ٍ
تخلَّعت أوصاله ، وأخذ اليأس والألم من شخصِهِ كلّ ما يملك من فرح
وهناء: "ثق يا بُني ، مغفورةٌ لك خطاياك" . وإذ ذاك بدأت خطةُ الصليب
تَرسُمُ أولى خطواتها على أوراق حُجَجهم ليسندوا بها اتهاماتهم ضدَّ
يسوع "ذا السلطان".
أما هو فقد غاصَ في أعماق ذاك الكسيح، ودون أن يُطلب منه تحننَّ عليه
وأعلن ثمرة إيمان أولئك الرجال الذين دَلّوه بآيةِ الشفاء معيداً إليه
السلام والطمأنينة ، مشجعاً إيّاه على الثقة بالله الغافر . وللوقت
عَلاَ التسبيح والمجد للله الآب القادر الرحيم .
غُصْتُ في محبة الله للإنسان فخجلت من قلَّةِ إيماني .
غريب هذا الإله الحيُ كم يعطي بسخاء لكلّ من يؤمن به بالحقِّ والحقيقة
،
وغريبٌ أنا الأنسان كم أكون فرّيسياً بسخريتي من الذي يطهّر ذاته
بالأعتراف والتوبة .
في المجامع ألتَحِمُ بالمرموقين كي يُنظَرَ إليَّ" بالمهمّ " وفي
الحسنة " أمَلِّسُ " نقودي أمام الحاضرين كي يعلم القاصي والداني
بحسنتي للمحتاج وهذا الأخير يحتاجُ الى محبتي الدافئة، المستورة
والمُبَلْسِمة للجراح لا لفضيلتي الباردة كالحديد الذي يقرع "والصنج
الذي يطنّ " ولا حياة فيه .
كم أكون فريسيا ًعندما أشَرّعُ لذاتي دساتير الأستغلال للكسيح دون أن
أجهد نفسي في دفع كرسيه المتحرك ، وفي الصحف أطالب بتشريع ٍ جدِيدٍ
رنّان لينال حقوقه بدل أن أكون له أولاً اليدين والرجلين أو النور
لعينيه . أين أيماني بالآب ؟ هل أثق به حقاً لأحبّه بقدر ما أحبَّني ؟
هل لي الجرأة أن أفرغ قلبي أمامه وأُدَلِّي تخلُع تصرفاتي من شرٍ وحقدٍ
، طمع ٍ وأهواء ....من فتحة الإيمان وأضعها أمامَ ناظريهِ ليشفيني ؟ هل
أجلس بحضرتهِ قبل أن أغمض عيناي ولو لدقائق ، وأسكب مرارتي وتعبي
المتراكم وأشْرِكه فرحي وحبّي الذي أضاءَ عتمةَ نهاريَ المضني؟
ما هو هذا الإيمان الذي يجعلني أولي اهتماماً لجسدي ، فأُغْنيه
بالتبرُّج والعطور،بالطَّلةِ والموضة، وأهمل صحَّة نفسي وجمالها،
فيَتَسَلّلُ الشللُ إليها كالنعاس وتموت فيها المحبّة شيئاً فشيئاً إلى
أن ينعدم البرّ وتخمُدُ جمرة الفضائل ؟ أين إيماني بالحبّ وأنا من
الحبِّ لا أعرف سوى المظاهر، سوى الكلام المعسول لحبيبي أمّا قلبي
فبعيدٌ عنه ؟
كيف يمكنني أن أخبر عنه وأنا لم أختبره ؟ لا بل أجهله .....
اليوم بعد وقفتي أدركت أن أيماني بك هو اتّحاد كلُّ ما هو أنا بكلِّ
ماهو أنت،
هو أكتشافٌ لحضورك فييَّ وفي الآخر، هو رؤيتك في كلِّ ما ومن خلقته ،
هو القوة التي تُحَوِّل ضعفي ووهني إلى حياة صحيحة وعطاءٍ مستمرّ،
|