ملاحظات حول نتائج الانتخابات البلدية في عكار

 

حبيب فارس

الشيخ محمد

 

ما إن هدأت عاصفة الانتخابات البلدية في عكار بعد أن هزت هذا القضاء "المحافظة" من أدناه إلى اقصاه وبدأت الاعصاب تبرد والعقول تستعيد سيطرتها على العواطف والاهواء حتى توقف المهتمون بالشأن السياسي والانمائي أمام النتائج وقد أصيبوا بالصدمة والخيبة، أو بالحيرة والرضى والتسليم بالواقع.

 

وما كانت نتائج المجالس البلدية المستحدثة هي التي أثارت الاهتمام والجدل دون أن يعني هذا أنها كانت خارج اللعبة من حيث التدخل والتجاذب الحاد أحيانا من قبل القوى النافذة، ولكن التجربة الاولى تبقى قيد الدرس وتحتاج الى وقت للتقييم.

 

اما ما يخص المجالس القائمة والساعية بغالبيتها الى التجديد فالامر مختلف. النتائج في اكثرها لم تكن لصالحها وقد أتت على اساس محاسبة شعبية على أدائها ومحاكمة لم تنحصر بها بل طالت قبلها القوى النافذة التي قدمت لها كل انواع الدعم ومع هذا فقد كان الفشل نصيب أغلب هذه المجالس وما وصل منها كان في الرمق الاخير وقد انهكته الخروقات الواسعة والمهمة. مثل هذه المحاسبة ظاهرة جديدة في الساحة العكارية وهي تبشر بانها ستطال الداعمين، فهم اولى بالمحاكمة من المدعومين، فلنقل أنهم لم يحسنوا الاختيار، إذا حسنت النوايا، أو لعلهم تشبثوا عن سابق تصور وتصميم بمن هم على شاكلتهم ومثالهم.

 

صحيح ان التجربة في هذا الميدان جديدة على عكار وهي بنت السنوات الست الماضية، فقبلها لم تعرف غالبية قرى المنطقة المجالس البلدية، وما عرفته منها لم تبق الاحداث منه الا اشلاء متناثرة تدار في اغلب الاحيان من قبل موظفين مرتبطين مباشرة بالادارة الرسمية.

 

وحين برزت للوجود مجالس بلدية مستحدثة او متجددة كان القاسم المشترك للجميع النقص في التجربة وانتفاء النماذج الناجحة او الفاشلة في هذا الميدان. وبدأت موجة من المشاريع الاعمارية تظهر على الساحة، فأخذت تعوض شيئا من النقص المزمن الذي عانت منه المنطقة في الخدمات، ولاقت تجاوبا وترحابا عند كل المواطنين. ومن ثم بدأ مع توالي الايام يظهر التفاوت بين مجلس بلدي وآخر في الممارسة الميدانية والتعاطي بالشأن العام؛ فصار اغلب هذه المجالس ينحو منحى مؤسسات الدولة من حيث توزيع الخدمات للمقربين والمؤيدين والهدر دون مبالاة والتنفيعات والتعيينات غير المبررة وكأن لا استحقاق قادم بعد ست سنوات بل تمديد وتجديد مرات ومرات كما جرت العادة. فلم يتعاط الكثير من هؤلاء بجدية مع اعلان الدولة عن تصميمها لتنفيذ هذا الاستحقاق وعن تحديدها لمواعيده في المحافظات ولم يصدقوا الاّ حين بدأت العملية الانتخابية الاولى.

 

جرى اليوم الانتخابي الطويل في جو لم تعهده عكار سابقا من حيث الهدوء النسبي وعدم تسجيل خروقات امنية واسعة والتنافس الديمقراطي في اماكن كثيرة. وغاب عن الساحة ذلك الاصطفاف العائلي والسياسي وحتى الحزبي الذي كان الأبرز في مناسبات مماثلة. وحين بدأت النتائج بالظهور تباينت ازاءها المواقف وتضاربت الآراء الفورية لتبدأ بعد ايام معدودة عملية التبرير والتقييم والمراجعة.

 

ألا يستدعي ما جرى في القبيات وفنيدق والشيخ طابا التوقف والتساؤل؟ لماذا لم تأت النتائج موافقة لرغبة النواب ابناء هذه البلدات ومتناسبة مع حجم تدخلاتهم ودعمهم؟ الا يعتبر هذا انذاراً لهم يعكس رفض الناس، ومن بينهم مؤيدوهم، لخياراتهم غير الموفقة والتسليم بها ولو على مضض. وماذا حدث لرئيس بلدية حلبا حتى تسقط لائحته هذا السقوط المذهل وهو طالما كان يحظى برعاية لا حدود لها ماليا وسياسيا من اعلى المراجع وأكثرها نفوذا واوفرها مالا واكثرها عطاء؟ ولماذا لم تقو مئات الملايين الموهوبة بواسطته للبلدية من تعويمه؟ فمضى مخلفا وراءه ديونا مستحقة على البلدية تبلغ مئات الملايين ايضا. وقل مثل ذلك عن مجالس اخرى كان لها نفس الحظوظ والرعاية مثل تلعباس وتكريت وبزبينا، وخاصة رحبة حيث جرت ام المعارك كما يحلو للبعض ان يسميها.

 

أيحتاج التجديد للمجلس البلدي في هذه البلدة الأكبر في منطقة الجومة حيث النفوذ الأقوى لأعلى مرجعية سياسية عكارية لهذا الاهتمام غير العادي وتدخلات الاجهزة المشروعة وغير المشروعة لتعويم رئيس بلدية لم يستطع رغم احتضان هذه المرجعية له طوال مدة ولايته سياسيا وماليا، ان يحافظ على من أوصله الى موقعه من ابناء بلدته؟ الا يجدر بهذا الرئيس ان يستقطب غالبية مواطنيه لو حسن أداؤه ونجح في ممارسته، فيرد الجميل لداعميه بتأييد الناس لهم لحسن اختيارهم؟ واية مصلحة للداعم الاكبر في اذكاء نار المعركة الى هذا الحد الذي قسم البلدة الى فريقين متساويين ومتناحرين وهي التي كانت بغالبية ناخبيها الى جانبه؟ فهل ستتكرر الحال في الانتخابات القادمة؟ من يعش ير.

 

ألا يتساءل النافذون لماذا اعيد انتخاب المجلس البلدي في عكار العتيقة، وهي من اكبر بلدات القضاء، بيسر ودون حاجة لاي دعم  خارجي؟ ثقة المواطنين بمجلسهم البلدي والتفافهم حول رئيسه خير دليل على نجاحه. ولماذا حدث نفس الشيء في بلدة الشيخ محمد التي لا نغالي بقولنا أن مجلسها البلدي مارس تجربة فريدة من نوعها تستحق التوقف اذ تصلح مثالا يعمم ويحتذى.

 

كانت اولى بوادر النجاح في حسن اختيار أعضاء لائحة تضم نخبة مميزة من ابناء البلدة من حيث التنوع الثقافي والاجتماعي دون التقيد الصارم بالعائلية او المذهبية مع مراعاة تلك الانتماءات قدر الامكان انما ليس على حساب النوعية والكفاءة. فضمت اللائحة بين اعضائها الطبيب والمهندس والاختصاصي والعامل الفني والمربي الخ والكل يتمتعون بصفات مشتركة اهمها الاخلاص لمهنهم والتفاني في سبيل خدمة الناس والمجتمع واحترام الانسان بغض النظر عن عقيدته وعائلثه وجنسه، من هنا كان للمرأة وجود بارز في اللائحة بلغ ربع اعضائها أي 3 من 12. جوبه هذا التوجه بتكتل عائلي وسياسي يرفع شعارات ابرزها رفض مشاركة المرأة لان في ذلك انتقاصا من هيبة الرجل وكرامته، رفض الانسان على اساس عقيدته وتفكيره وانتمائه الاجتماعي. فلو تساءلنا لماذا اختفت هذه الشعارات في الاستحقاق الاخير ولماذا حل محلها التفاف شعبي واسع حول هذا المجلس المجدد بنهجه وبأغلب اعضائه الا من كان مضطرا للمغادرة دون ارادته، او انكفأ بقناعته واختياره اذ "وجد نفسه غريبا عن هذا النهج تفكيرا وممارسة" كما ورد في بيان المجلس الانتخابي. الجواب على التساؤل يكمن في نجاح التجربة المعتمدة على نهج يناقض ما تعود الناس عليه في المؤسسات الرسمية والخاصة؛ وقد اختصره البيان الانتخابي نفسه ببضع عبارات: العمل بصمت مع نكران الذات، تقديم العام على الخاص، انفتاح على الجميع، شفافية تامة، سياسة مالية صارمة من حيث ضبط المداخيل وعصر النفقات، وعدم الانجرار لفتح باب التوظيف والتنفيعات.

 

الاهم في هذا النهج هو السياسة المالية فهي التي تطفو على السطح وتنبت بذورها على الارض. فكيف استطاعت هذه البلدية ان تحقق ما لم تستطعه بلديات كبيرة دعمت فوق كل مستحقاتها بمبالغ طائلة لم يصبها منها الا الرذاذ دليلا على استقلاليتها وعدم ارتهانها المؤقت والمتبدل مع تبدل القوى واصحاب النفوذ. فكان العوض في تخلي الاعضاء عن مستحقاتهم المشروعة ومصاريف تنقلاتهم وتحركهم وضنهم على الاموال العامة والبعد التام عن الهدر مما ادى الى وفر انعكس في مشاريع ظاهرة للعيان ومدعومة ماليا من قبل المواطنين دون أي تردد.

 

حبيب فارس

الشيخ محمد