الافتتاحية

 

المقاومة والتغيير

 

مع إدراكنا العميق لمركزية الصراع ضد الامبريالية الأميركية وأداتها الصهيونية المتجسدة بالكيان الإسرائيلي، ومع قناعتنا الثابتة بمركزية المقاومات الثلاث في العراق وفلسطين ولبنان في إطار صناعة المستقبل العربي وفي التأثير الكبير على مستقبل منطقة الشرق الأوسط والعالم، حتى في داخل المركز الأمبريالي ذاته وعلى توجهاته العدوانية، ومع قناعتنا بأهمية انتصار المقاومتين العراقية والفلسطينية على مستقبل لبنان وحريته وازدهاره، غير أن الأحداث اللبنانية تبقى مركزية ومهمة جداً على الصعيدين الوطني والعربي، وتستأهل مساحة كبيرة في النقاش والبحث والتحليل.

 

وترابط الصعيدين الوطني اللبناني والعربي واضح جداً. إن المقاومة اللبنانية، بكل مراحلها ومنذ سنة 1975، وبكل فصائلها العلمانية، اليسارية والقومية، والإسلامية، استطاعت أن تهزم الهجمة الامبريالية الصهيونية على لبنان وتدحرها عنه وعن المنطقة المحيطة، ولو إلى حين. وأصبحت المقاومة اللبنانية بطليعتها الإسلامية في المرحلة الراهنة جزءاً أساسياً من موازين القوى في المشرق العربي. وليس ذلك بفضل حجم سلاحها وتفوقه، ولكن بفعل قدرتها على استقطاب الجماهير وتجسيد إرادتها في النضال من أجل حياة حرة وكريمة ومستقبل زاهر.

 

غير أن الانتصار العسكري الذي حققته المقاومة اللبنانية، وهو الذي غير الكثير على أرض الواقع اللبناني، خاصة على الصعيدين السياسي والثقافي، واعاد لبنان إلى قلب المشرق العربي كقوة فاعلة في الدفاع والنضال ضد الامبريالية والصهيونية على الصعد العسكرية والسياسية والثقافية، إن هذا الانتصار وهذا التغيير معرضان للمخاطر بسبب الأزمة البنيوية اللبنانية، وما تثيره هذه الأزمة من مخاوف وقلق عميق عند الجماهير اللبنانية كافة، على الصعد الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.

 

لا تستطيع المقاومة اللبنانية الصمود ولعب دور الحارس الوطني والموحي للغير على صعيد النضال إذا انهار لبنان من الداخل. فتحصين المقاومة اللبنانية، وتحصين لبنان المقاوم الفاعل في محيطه وبيئته مرهون بالقدرة على إنقاذ لبنان من مأزقه البنيوي.

 

إن إنقاذ لبنان من مأزقه البنيوي لا يتم بغير تغيير جذري في نظامه الاقتصادي. لقد فقد هذا النظام دوره التاريخي المركنتيلي، الوسيط بين أوروبا والمشرق العربي. وأصبح هذا النظام الاقتصادي مولداً لعدد كبير من الأزمات، وأهمها الأزمة المعيشية التي تدفع بشرائح واسعة من الجماهير إلى تحت خط الفقر، وتدفع بخيرة القوى المنتجة المؤهلة والمتخصصة إلى الهجرة الدائمة والاستقرار في الخارج، وتدفع بالأكثرية الساحقة من الجماهير إلى اليأس والاستسلام، والمستسلم لا يقوى على المقاومة في وجه عدو داخلي أو خارجي.

 

إن إنقاذ لبنان مهمة لبنانية أولاً دون ريب. وعلى المحيط فهم ضرورة التغيير وربما المساعدة عليه. ويتمثل إنقاذ لبنان بإجراء تغيير عميق في تركيبة السلطة وفكرها واستهدافاتها وأولوياتها، وبالتالي في إعادة النظر بدور لبنان الاقتصادي في محيطه وفي توجهات الحكم على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك السياسة المالية والنقدية، وأثرها في توزيع الناتج المحلي بشكل عادل، وفي موقفها من قطاعات الانتاج السلعي ودعم وحماية وتنظيم هذه القطاعات. فمن حق القوى العاملة في التنظيم النقابي للدفاع عن حقوقها، ومن حق المواطن، كل مواطن، في التعليم والتطبيب والسكن اللائق والضمانات المعيشية.

 

العرب والعولمة