بدل محاكمة صدام حاكموا بوش
شادي أبو عايدد
طالب من فلسطين
مخيم البداوي، طرابلس
بدأت محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين وعدد من أركان النظام العراقي السابق بعد أن أعلن المسؤولون الأميركيون نقل "السيادة" الى العراقيين ثم تسليم صدام حسين وأعوانه إلى حكومة أميركا المؤقتة المعينة في العراق ، لتقوم هذه الحكومة بتشكيل محكمة عين قضاتها بول بريمر وليس وزير العدل الذي أعلن بدوره كالببغاء ما ردده مشغّليه الأميركيين عن مقولة "المحاكمة العادلة لصدام" لكنه لم يلبث أن كشّر عن أنيابه وكشف عن حقيقة فهمه للمحاكمة العادلة حين هدد المحامين في هيئة الدفاع عن صدام حسين ومقرها عمان هددهم بالموت إذا هم دخلوا العراق بهدف الدفاع عن الرئيس العراقي السابق مضيفاً أن من يريد دخول العراق للدفاع عن صدام عليه أن يمر بالمقابر الجماعية التي خلفها صدام. بهذا الكلام كان وزير العدل قد أصدر حكمه حتى قبل انعقاد المحكمة.
الرئيس العراقي متهم بارتكاب جرائم حرب والأميركيون يسلمونه لأعدائه ليحكموا عليه ثم علينا أن نتوقع محاكمة عادلة من محكمة تشكلت في ظل وإشراف الاحتلال وتنعقد على أرض العراق المحتل وتحت حراب قوات الاحتلال الأميركي وأعوانه! أما قضاة المحكمة فيمكن التعرف عليهم من خلال نموذج قاضي التحقيق الذي تولى استجواب صدام حسين في أولى جلسات المحاكمة والذي حرصت الكاميرا على عدم إظهار وجهه ربما لتجنيبه أي ملاحقات من قبل المعارضين لهذه المحاكمة، هو رائد الجوحي من مدينة البصرة والذي أبدى كبار قادة الجيش الأميركي في العراق إعجابهم بجرأته خاصة بعد إصداره مذكرة توقيف بحق السيد مقتضى الصدر على أثر تصاعد الهجمات التي شنها جيش المهدي على القوات الأميركية في مناطق مختلفة من العراق. وكان الجوحي قد تولى التحقيق في قضية مقتل عبد المجيد الخوئي في النجف العام الماضي. وهذا ما دفع بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق الى اختياره للقيام لهذه المهمة.
أما رئيس المحكمة فهو سالم الجلبي ابن شقيق أحمد الجلبي عضو مجلس الحكم السابق، وقد تم تعيينه على رأس المحكمة مع سبعة قضاة وخمسة مدعين عامّين. وبحسب ما ذكره الصحفي البريطاني برانت وتكير في صحيفة "الجارديان" فإن سالم الجلبي شريك مارك زيل، وهو أحد مستوطني الضفة الغربية في أول مشروع اقتصادي مشترك بين اسرائيل والعراق وهو شركة للاستثمارات القانونية تحمل اسم "المجموعة العراقية للقانون الدولي" التي اتخذت من فندق فلسطين في بغداد مقراً لها. ومارك زيل هذا هو محام في حزب الليكود الاسرائيلي وكان شريك دوجلاس فيس الرجل الثالث في البنتاغون ومن أكبر داعمي أحمد الجلبي في الولايات المتحدة، كما أن فيس هو أحد مؤلفي الوثيقة المعروفة باسم "بداية نظيفة" والتي اقترحت الإطاحة بصدام حسين كخطوة أولى لإقامة منطقة آمنة لإسرائيل في الشرق الأوسط وإعادة صياغة خارطة المنطقة بهدف دمجها فيها. ومن الجدير ذكره أن فيس يجادل بشأن المستوطنات اليهودية على أرض فلسطين المحتلة بأنها حالة قانونية مختلفة عن اضطهاد الأغلبية في الآراء القانونية المختلفة في العالم، كما عرض فكرة مدّ إسرائيل بنفط العراق.
إذاً صدام حسين يحاكمه أعداؤه على جرائم ارتكبها بحق الشعب العراقي. إن هذه المحكمة بحراسها الأميركيين وقضاتها المتأمركين تفتقد إلى الشرعية القانونية والأخلاقية ولكل معايير النزاهة والعدالة والحياد التي يجب أن تتوفر في محاكمة عادلة. ثم إذا كان صدام حسين مجرم حرب يجب محاكمته، فمن يحاكم الآخرين من مجرمي الحرب على العراق أمثال سالم الجلبي وعمه أحمد الجلبي لعلاقاتهم المشبوهة مع الصهاينة أعداء العراق والأمة ؟ ومن يحاكم من أرسل قواته لمحاصرة الفلوجة إلى جانب الأمريكيين ودكها بالقنابل والصواريخ وقتل أكثر من مئتين من أهلها؟ من يحاكم هؤلاء وغيرهم؟ ثم أليس بوش نفسه مجرم حرب ويستحق المحاكمة؟
الحقيقة هي أن بوش قبل ان يقوم بالسطو على العراق كان قد انقض على القانون الدولي وحقوق الانسان وعلى كافة الشرائع والاتفاقيات العامة. فمن يحاكم هذا المجرم على خروجه على ميثاق الامم المتحدة حين كان يسعى من خلال الابتزاز والضغط على الدول الاعضاء في مجلس الامن للحصول على قرار يبرر حربه القادمة على العراق، بوش الذي كان بذلك يسعى الى توريط الامم المتحدة بحربه الوقائية على العراق كان في الحقيقة يناقض ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة الذي يخول مجلس الأمن استخدام القوة في حالات معينة ولا يتضمن أي كلام عن الحرب الوقائية. بالطبع كان كل همّ بوش تأمين مظلّة شرعية أممية يغطي بها غزو قواته للعراق. كما أن الميثاق لم يكن ليسمح حتى للأمم المتحدة نفسها استخدام القوة ضد العراق حتى لو ثبت وجود أسلحة دمار شامل أو ثبت أن العراق قد خرق القرار 1441.
قام بوش بعملية سطو مسلح على شعب آمن، كما عمل على تضليل الرأي العام الأميركي والعالمي بتبريرات مبنية على أكاذيب... وعليه فالحرب على العراق جريمة في عرف كل الشرائع الدولية يتحملها الرئيس الأميركي كما أنها تشكل خرقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي خاصة بعد أن تبين جلياً أن لا وجود لأسلحة دمار شامل في العراق وهذا ما كانت تعلمه جيداً الإدارة الأميركية بعد أن جابت فرق التفتيش المطعمة بجواسيسها أرض العراق ما بين العامين 1991 و1998 ولم تجد أثراً لها، وهذا ما اعترف به مؤخراً الرئيس الأميركي ومن قبله تقرير اللجنة الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في الكونجرس وكذلك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. أما فيما يخص الكذبة الثانية وهي التي تتعلق بوجود علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة فقد تبين أيضاً أن ذلك لا وجود له على الإطلاق مع فشل الإدارة الأميركية في تقديم أدلة حقيقية وواضحة على ذلك.
أما جرائم بوش بعد الغزو والاحتلال فحدّث ولا حرج، نفذها جنوده إما في سجون الاحتلال التي اقامها لاستقبال المناضلين من أبناء العراق كما في سجن أبو غريب، أو خارج السجون وتتمثل كلها في التشريد والترويع والتعذيب والقتل وتدمير البنية الأساسية للشعب والدولة العراقية بالقصف الذي دمر كل منشآت الدولة، وكذلك عمليات سلب ثروة العراق النفطية وثروته الثقافية والأثرية وتدمير بعضها. لماذا لا يحاكم بوش على جرائمه هذه؟ ومن يحاكمه على مسؤوليته عن مقتل آلاف العراقيين خلال عملية غزو العراق؟ ثم من يحاكمه على مسؤوليته عن مقبرة الفلوجة الجماعية التي ضمت أكثر من مئتي عراقي دمرت منازلهم على رؤوسهم بفعل الصواريخ الأمريكية؟ وماذا عن مسؤوليته ومن سبقوه في الإدارة السابقة عن مقتل مليون ونصف مليون عراقي قضوا بسبب حصار ظالم قائم أيضاً على أكاذيب؟ كلها جرائم تشكل خرقاً للشرائع والاتفاقيات الدولية القانونية منها وتلك الخاصة بحقوق الانسان.
إن السؤال هنا هو حول إمكانية أو عدم إمكانية محاكمة هذا المجرم. فأمام صمت الأنظمة العربية عن كل جرائم بوش وأمام تواطؤ العديد من دول العالم أو خضوعها للضغوط الأميركية، ومع عجز الجامعة العربية عن لعب أي دور مؤثر يمكن أن يشكل عائقاً في وجه سياسات الولايات المتحدة ومشاريعها في المنطقة أو يوقف مسلسل جرائمها في العراق، أمام كل ذلك تصبح نظرياً محاكمة بوش بهدف تجريمه أو إدانته قانونياً ضرباً من الخيال، خاصة وأن الادارة الأميركية لم توقع على كثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وعلى وجه الخصوص اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية وذلك لتجنيب الجنود الأميركيين الخضوع للمحاكمة إذا ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية. إلا أن ذلك لا يعني أن الأمر مستحيل التحقيق، فمحاكمة بوش ممكنة من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك تحت عنوان "الاتحاد من أجل السلام" وهذا الطلب يحال إلى مجلس الأمن ويشترط موافقة ثلثي أعضاء المجلس. وفي هذا النوع من الطلبات، طلبات "الاتحاد من أجل السلام" لا يستخدم حق الفيتو فإن وافق ثلثا أعضاء المجلس يحال الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يمكنها أن تصدر قرارات بمحاكمة أشخاص أو بفرض عقوبات اقتصادية على الدولة المعتدية أو المشكوك في حقها. لكن ذلك بالتأكيد يتطلب جهداً عربياً وتنسيقاً لحشد التأييد الدولي لفكرة المحاكمة ذلك لأن الولايات المتحدة سوف لن توفر سبيلاً للضغط على الدول بهدف منعها من الموافقة، فالمهمة لن تكون سهلة، ولكنها بالتأكيد ليست مستحيلة، بل ممكنة .