المملكة السعودية محكوم عليها بالإصلاح
بين سندان المطالب المتعددة بالاصلاح ومطرقة العنف الإرهابي تنخرط المملكة السعودية ببطء على طريق التغيير
لوفيغارو: 13 ـ تموز ـ 2004
مراسل الصحيفة في المملكة: بيير برييه
هذا الأسبوع، أكد وزير الشؤون البلدية والريفية الأمير السعودي متعب بن عبد العزيز إقامة أول انتخابات بلدية في المملكة، في الخريف القادم. وكانت سلطات الرياض، المنخرطة في مسار الانفتاح السياسي على غرار بقية الملكيات المحافظة في الخليج، قد أعلنت في أواسط تشرين الأول 2003 أنه لن تمضي سنة حتى تكون البلاد شهدت ولادة مجالس بلدية نصف أعضائها منتخب في أول انتخابات تشهدها المملكة في تاريخها. ولكن مسألة الاصلاح سرعان ما تراجعت إلى الصف الثاني من الاهتمام بعد موجة العمليات التي بدأت في آذار 2003، لتصيب في غالبيتها المصالح الأجنبية في السعودية. وهذا ما دفع البعض إلى الخشية من أن التغير الموعود لن يبصر النور.
المملكة تغلي. فمنذ عدة أشهر والأحداث تتوالى محطمة صورة البلد المتماسك المنتج للنفط ورجال الدين المتطرفين. ولعله من الصعب على المرء أن يفهم طبيعة المشهد السياسي السعودي الجديد. نرى هناك ملكية متحالفة مع رجال الشريعة الأصوليين, والإرهابيين الذي يريدون من خلال العنف إعادة أسلمة سلطة هي إسلامية سلفاً, والمعارضين الذين يريدون إقامة ديمقراطية باسم الإسلام. ووسط هذه الدوامة فإن 8.8 مليون عامل من الأجانب (وفق إحصاء وزارة العمل, على مجموع السعوديين البالغ 23 مليون شخص) مجبرون على مغادرة البلاد، بضغط رجال القاعدة، وأحياناً بطلب سفارات بلادهم كما كانت حال الأميركيين في شهر حزيران الماضي.
إن العمليات الأكثر اتساعاً تمت في الربيع من جانب جماعة قدّمت نفسها على شبكة الإنترنت بأنها "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب". فأتباع ابن لادن، هذا السعودي المجرد من جنسيته، المؤمنون بعنف المتفجرات وقطع رؤوس الكفار، يسعون إلى زعزعة استقرار المملكة بتكثيف العمليات ضد الأجانب الذين يشرفون على اقتصادها في الغالب. وإذا كانت الصناعة النفطية قد "تسعودت" (أصبحت سعودية) في 90 بالمئة منها، فإن الأمر بخلاف ذلك في بقية القطاعات. إضافة إلى قناعة أتباع ابن لادن بعدم شرعية آل سعود الذين يسيطرون على جميع المناصب الحساسة في الدولة.
إن اعتراضات هؤلاء لا تنبع كلها من منطلق ديني. فهم يأخذون على العائلة المالكة بأنها عملت على مجيء القوات الأميركية المسيحية لقتال صدام حسين عام 1991, وكذلك إنفاق مليارت الدولارات على تسلح لم تكن له أي فائدة. وهذا ما يغضب الشباب السعودي الذي يشكل 73 بالمئة من السكان تحت سن 29 عاماً, والذي لم يعش عصر الطفرة النفطية. واليوم, ما تزال المملكة العربية السعودية غنية، ولكن الفقر والبطالة فيها بنسبة 15 إلى 20 بالمئة من القوى العاملة وفق التقديرات. ففي عام 1981 كانت حصة الفرد فيها من إجمالي الناتج الداخلي الخام حوالي 28600 دولار وهو رقم قريب جداً من حصة المواطن الأميركي. أما عام 2003 فقد انخفضت هذه الحصة بنسبة أكثر من الثلث لتصل إلى حوالي 8690 دولار، بينما بلغت عند المواطن الأمريكي حوالي 36 ألف دولار.
لا تتردد السلطة في الكلام عن "الفقر"، واتخذت خطوات تجاه حصر بعض فرص العمل بالسعوديين. لكن شعارات الإسلاميين العنفيين تغري شبيبة مضللة منها يجند هؤلاء الإسلاميون "المقاتلين" في العمليات الدموية. وفي هذا يقول سليمان الهتلان أحد الصحفيين الإصلاحيين: "ليس على الشباب سوى استخدام الإنترنت لتلقي دعاية ابن لادن. ومواقع الإنترنت محظورة نظرياً فقط, فهم دائماً يجدون الطرق المناسبة للالتفاف على هذا الحظر".
إن المعارضة العنيفة ضد العائلة الملكية ليست وليدة اليوم. ففي عام 1979, قامت جماعة مسلحة باحتلال الحرم المكي ووقتها استعان السعوديون بقوات التدخل الفرنسية لإخضاع التمرد. ومن وجهة نظر الديمقراطيين السعوديين, فإن موجة العنف هذه ليست وليدة الصدفة بل لها جذورها الضاربة في مناهج التعليم الرسمية المتَّبعة, والقائمة على التشدد وإلصاق صفة السلبية بالأديان الأخرى. إضافةً إلى الحرب ضد الشيوعية في أفغانستان حيث قامت الحكومة السعودية في تلك الحقبة بتشجيع مئات الشباب على الجهاد ضد الجيش الأحمر. وفي هذه الحرب ولد ابن لادن سياسياً, ومثله وعبد العزيز المقرن المسؤول عن خلية القاعدة السعودية الذي قتلته السلطات في 18 حزيران الماضي.
يزعم العديد من القادة السعوديين وعيهم لحجم المشكلة. فلقد أكد وزير الخارجية, الأمير سعود الفيصل, للفيغارو أنه "تم طرد حوالي 1200 إمام ومئات المعلمين من وظائفهم". كما تم الشروع بتغيير المناهج التعليمية. تشكل هذه الإجراءات قسماً من الاصلاحات التي اتخاذتها السلطات تحت وطأة احتجاجات المثقفين. حيث قام عدد من المحامين والأساتذة والصحفيين بكتابة عريضة لولي العهد، الأمير عبد الله, تطالبه بإجراء إصلاحات جذرية يتم بموجبها إقرار دستور وإنشاء برلمان منتخب. والعديد من هؤلاء المثقفين يستندون إلى الإسلام، مع رفضهم للوهابية, فالوهابية تشكل الطريقة الرسمية المعتمدة نتيجة التحالف الذي قام في القرن الثامن عشر بين آل سعود ورجل الدين الإصلاحي محمد بن عبد الوهاب, الذي كان يريد العودة إلى الإسلام "الصافي" إلى الأصول. ولكن المملكة لا تستخدم هذه العبارة، فالطريقة التي ترجع إلى عبد الوهاب ليست برأيها غير الإسلام بالتحديد.
لهؤلاء الإصلاحيين الإسلاميين قصتهم أيضاً. ففي عام 1991 صدر أول بيان يتهم السلطة ورجال الدين الرسميين بمساندة الحرب الأمريكية على العراق، وتمت فيه المطالبة بإصلاحات سياسية. ولم يطل الأمر بهؤلاء الاصلاحيين الناشئين من أصول دينية حتى تم اعتقال العديد منهم. ودون أدنى شك فقد تورط البعض منهم لاحقاً بأعمال العنف. ولكن الآخرين قاموا عام 2003 بتوقيع "عريضة الـ 104" بالتعاون مع مثقفين أكثر "علمانية". لقد اختار هؤلاء "الإسلاميون" أخيراً طريق المطالبة السلمية وطالبوا بديمقراطية إسلامية. وقد استقبلهم الأمير عبد الله واستمع إليهم لكنه ما يزال متردداً وحتى الآن فإن الأمر لا يخلوا من استخدام العصا. ففي شهر آذار, تم اعتقال البعض منهم, بينما شرعت السلطة في "الحوار الوطني" على قاعدة نوع من مجلس لممثلين لفئات السكان يلتئم دورياً. ويرى هؤلاء الإصلاحيون أنه لم تتحقق نتائج كبيرة حتى الآن.
في شهر حزيران, عقد في المدينة مؤتمر عن حقوق المرأة، ولكن نتائجه كانت قرارات غامضة وبعض المواقف الدرامية، حيث قامت إحدى المشاركات, اللواتي يجلسن بالطبع في مكان خاص بهن بعيداً عن الرجال, بالبكاء حيال الإضطهاد الذي تمارسه العناصر المحافظة. كان لدموعها صدى في افتتاحيات العديد من الصحف السعودية التي تعيش منذ وقت قريب بشيء من الحرية غير الشائعة في العالم العربي. ولقد نصحها أحد كتاب الافتتاحيات بقوله: "لا تبكي، ناضلي". مما تقدم نرى أن معركة الحرية في المملكة ما تزال متعثرة.
ترجمة: عامر نعيم الياس