إرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق
اقتراح سعودي أم إرادة أميركية؟
أحمد سرور
محام وكاتب من لبنان
يثير الاقتراح السعودي بإرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق جملة من الأسئلة: لماذا جاء الاقتراح سعودياً؟ هل هو اقتراح سعودي بحت، أم أن إرادة أميركية وقفت وراءه، وأملته ظروف تقهقر عملي للقوات الأميركية ميدانياً مقابل تصاعد عمليات المقاومة العراقية؟ ما هو موقف الجامعة العربية من هذا الاقتراح؟ وما هي التطورات التي سبقت الدعوة إليه؟ ولأي أهداف يرمي؟
تحدثت التصريحات والبيانات الرسمية حول الموضوع عن اقتراح سعودي بإرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق "لمساعدة" الشعب العراقي. أعقب ذلك ترحيب أميركي على لسان كولن باول، وزير الخارجية، الذي صرح بأن الاقتراح "جذاب وإيجابي. ومن ثم أتت الدعوة التي وجهها إياد علاوي، رئيس "الحكومة الانتقالية" لخمس دول آسيوية (باكستان، بنغلادش، إندونيسيا، الهند، ماليزيا) ليطلب فيها المشاركة في القوات المقترحة.
ينص الاقتراح السعودي، كما ورد في وسائل الإعلام، على: "تشكيل قوة سلام إسلامية وعربية للمساعدة في تحقيق الاستقرار في العراق، تأتي تلك القوة بطلب من الحكومة العراقية، وتكون تحت إشراف الأمم المتحدة حيث يحل جنود السلام المسلمون محل العدد نفسه من مجموع 160 ألف جندي في تحالف تقوده أميركا، على أن تكون الدول المجاورة للعراق مستثناة من المشاركة".
ليست فكرة إرسال قوات عربية ولإسلامية إلى العراق جديدة، فقد سبق أن قررت الجامعة العربية إرسال قوات لحفظ السلام إلى الكويت عام 1991 وإلى لبنان عام 1976، مع فارق جوهري في هاتين السابقتين بالمقارنة مع حالة الاحتلال الأنكلو- أميركي للعراق. هذا بالاضافة لما قاله الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، بأنه ليس هناك قرار عربي بإرسال قوات إلى العراق، ولكن هناك مناقشات حوله، وأن ثمة معارضة قوية للاقتراح داخل مجلس الجامعة المر الذي يشكك في إمكانية تمريره...
ولكن لماذا ولد الاقتراح سعودياً بينما هو يعبر عن حاجة أميركية؟ إن السعودية، بما لها من رمزية إسلامية واضحة وثقل معنوي أكيد، يمكنها إضفاء الجدية المطلوبة على الاقتراح. ولكونها محاصرة بتهمة انتماء إرهابيي 11 أيلول إليها وبخلق المناخ المناسب لتفريخ الجماعات الإسلامية الأصولية وجدت أن لا خيار لديها سوى الانحناء لمشيئة أميركية بتمرير هذا الاقتراح باسمها. هذا فضلاً عن قدرتها في تمويل القوات ودفع التكاليف كما جرت العادة، مباشرة أو مداورة، في حرب الخليج أو عاصفة الصحراء.
نستشف خطورة هذا الاقتراح من خلال البحث في كيفيات وإمكانيات تنفيذه المقترحة والممكنة. بداية لقد تم استثناء الدول المجاورة للعراق من المشاركة، أي تم استبعاد مشاركة كل من تركيا وإيران وسورية والسعودية والأردن والكويت. وجرى التداول باحتمال مشاركة المغرب والجزائر والإمارات والبحرين وعُمان، بالاضافة إلى الدول الإسلامية والآسيوية التي تمت دعوتها. ولقد سارع كل من باكستان وماليزيا وإندونيسيا والجزائر إلى رفض المشاركة في هذه القوات. فوزير الإعلام الباكستاني مثلاً صرح، في معرض تعليقه على الاقتراح، كيف لبلاده أن تشارك في إرسال قوات عسكرية إلى العراق بينما الدول الأخرى تنسحب منه. هذا ناهيك عن سكوت الدول الأخرى عن التعليق وعدم وجود أي دولة أبدت استعداداً في المشاركة.
وبصرف النظر عن مدى امكانية تنفيذ هذا الاقتراح فإنه يشير إلى المستوى التراجعي الهائل الذي بلغته قوات الاحتلال الأنغلو- أميركي وإلى المستوى التصاعدي الكبير الذي وصلت إليه مقاومة الشعب العراقي. ورغم كل الاجراءات التي تم اللجوء إليها، عبر النقل الشكلي للسلطة إلى "الحكومة الانتقالية" وتغيير تسمية قوات التحالف إلى القوات المتعددة الجنسيات، فلم يتغير شيء في واقع الاحتلال وفي حقائق تصاعد المقاومة بوجهه... كما أن اللجوء إلى حلف الأطلسي للمشاركة الميدانية والعملية في احتلال العراق جابهته مقاومة أوروبية حيث لم يتجاوز الموقف الأوروبي الموافقة على تدريب القوات العراقية الموالية للسلطة والمحتلين. ومعلوم أن هذا الموقف لا يحفظ الجنود الأميركيين في العراق حيث ترتفع الخسائر في صفوفهم وبلغت خسائرهم أكثر من ألف قتيل منذ إعلان الرئيس بوش "أُنجزت المهمة".
ويتضاعف المأزق الأميركي في العراق بتصلب عود المقاومة وبتغلبها على كل محاولات التفرقة الطائفية والمذهبية، إذ اصدمت جميع مثل هذه المحاولات بمناعة ملفتة للجسم الوطني العراقي (ما خلا موقف القيادات الكردية وأحزابها) الذي يثبت يوماً بعد يوم أنه سليم ومعافى وقادر على التماسك والوقوف أكثر شدة وصلابة بعد كل محاولة أميركية لإغراقه في حرب أهلية.
لقد تبين أن مشكلة الأميركيين في العراق (بعد ان تسببوا بالكثير من الضرر للمجتمع والدولة العراقيين) بالغة الصعوبة. فالمقاومة تلحق بهم الخسائر المتزايدة باستمرار وتسقط على التوالي كل أشكال ومحاولات حكمهم للعراق وأدولته الأميركية وواجهاته العراقية: غارنر، بريمر، مجلس الحكم الانتقالي، وحكومة علاوي- الياور المؤقتة على طريق السقوط. وفي محاولة لتخفيف الخسائر لجأت الإدارة الأميركية إلى السعودية لتقدم اقتراحاً بإرسال قوات إسلامية تخفف الضغط عن القوات الأميركية، وذلك عن طريق إشراك قوات أخرى غير قوات التحالف. ومن المعلوم أن المقاومة العراقية تعاملت وستتعامل مع كل البدائل التي تحاول الإدارة الأميركية اللجوء إليها تحت راية المم المتحدة أو راية دول عربية وإسلامية.
ولهذا لم يغير شيئاً في الأمر تصريح كولن باول بأن القوات الإسلامية المقترحة "ستعمل إما كجزء من قوات التحالف أو كمنظمة منفصلة تعمل في إطار جهود التحالف، ولكنها ستكون موجودة هناك ربما لتقديم التسهيلات الأمنية أو لتوفير الحماية للأمم المتحدة". فكلام باول واضح وصريح: القوات الأميركية باقية في العراق، والقوات الإسلامية في أحسن الأحوال ستعمل منفردة، ولكن في إطار جهود قوات الاحتلال وإلى جانبها ولخدمة أهدافها. ولكن المقصود منها هو تخفيف الأعباء عن القوات الأميركية وتخفيف خسائرها. هذا هو كل ما تسعى إليى الإدارة الأميركية من هذا المشروع، وذلك على اعتبار أن الانسحاب الأميركي من العراق غير مطروح حالياً، ولكن ثمة حاجة لتوريط بعض الدول العربية والإسلامية. هذا بينما يجري تضخيم المشكلة في السودان والنفخ مجدداً في الملف النووي الإيراني و"تدخل" إيران في العراق، لا سيما مع تصريحات وزير الدفاع العراقي في "الحكومة الانتقالية"، حازم الشعلان، بأن إيران ما تزال العدو الأول للعراق، وكذلك تصريح وزير الخارجية الأميركي بأن الهجوم الوقائي على إيران هو احتمال وارد...
لقد جاء هذا الاقتراح كتلبية لحاجة الإدارة الأميركية التي ترى أن غطاء احتلالها للعراق، دول التحالف، بدأ منذ فترة بالانهيار، فكانت اسبانيا أول الدول المنسحبة وتبعتها الفليبين وغيرها وتفكر دول أخرى بالانسحاب... وفي ظل هذا المشهد أتى الاقتراح السعودي في محاولة لترميم الصدع في بنية دول التحالف في غزو العراق، ولاضفاء بعض الشرعية العربية والإسلامية على الاحتلال، وتخفيف الخسائر في صفوف قوات الاحتلال، وخدمة انتخابية لبوش في الانتخابات الرئاسية التي صارت على الأبواب.