الاستحقاق الرئاسي

هل يكون مدخلا للإصلاح والتغيير أم مناسبة للانهيار

 

ميخائيل عوض

بيروت 18-8-2004 

 

مع دخول البلاد مرحلة التحضير لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وتصاعد حملة تبادل الاتهامات وفتح الملفات، وإعلان الشروط والشروط المضادة، وبرامج الاختبار للمرشحين من قبل بعض الأحزاب والزعامات السياسية، ومع اشتداد الضغوط الخارجية والداخلية على البلاد وخياراتها الوطنية والقومية، تزداد مناسيب التحالفات والتجمعات بينما تسيطر في الوسائل الإعلامية الحملات المنسقة من جهات معروفة بعينها.

 

 يقرأ البعض فتح الملفات وإطلاق يد التحقيق في قضايا معروفة منذ زمن بعيد كمزاريب للهدر والإفساد والاختلاس في هذا التوقيت بعينه على انه جزء من معركة الرئاسة، ووسيلة للتحجيم والإكراه بالخيارات، تحت التهديد بالويل والثبور وكشف المستور من تورط زعامات وكتل كبيرة في ملفات النفط والكهرباء وخلافه من عمليات المحاصة والاستيلاء على المال العام والإنفاق الجاري، وتبديد أموال الخزينة وإفراغ جيوب المواطنين.

على خط مواز ومتصل تسارعت التدخلات الأمريكية في الاستحقاق وبات هما يسيطر على صناع القرار في الإدارة الأمريكية، لا يخلو يوما دون أن يدلي مسؤول بدلوه (من لبنان: السفير الراحل والجديد ووفود الكونغرس وأعضاء في الإدارة الأمريكية من أصول لبنانية، ومن واشنطن: وزير الخارجية والرئيس والناطقين الرسميين). كذا الأمر بالنسبة لبريطانيا، والدول الأوروبية الأخرى، وأخر المحاولات المناورة الفرنسية التي سعت لاستطلاع موقف واشنطن بخصوص استصدار قرار من مجلس الأمن يدعو سورية تحت التهديد بالعقوبات الدولية للانسحاب من لبنان بقصد التأثير على مجريات العملية الانتخابية الداخلية، والتكسب في الحالة اللبنانية بعد أن ظهر على واشنطن استرخاء على اثر تصريح ارميتاج بان الانتخابات الرئاسية اللبنانية استحقاق تقرره الحكومتان اللبنانية والسورية وبأن ليس من مرشح أمريكي.

 

في سورية الدولة الأكثر تأثيرا في الحالة اللبنانية، والجهة الوحيدة القادرة على إدارة الملف والتأثير بخيارات القوى الفاعلة، والتي أثبتت التجربة أنها الأكثر حرصا على استقرار لبنان الأمني والسياسي والاقتصادي، والمتشبثه بخياراته الشعبية والرسمية الوطنية والقومية، والراعية للتحولات في دور لبنان على مستوى الصراع العربي الصهيوني، يبدو إيقاع الاهتمام مشغولاً على "تمهل". فالرزنامة السورية أو التوقيت السوري له آليته الخاصة، غير المرتبط باستعجال الحسم عند أطراف لبنانية لأسبابها الخاصة، أو خروج الدخان الأبيض من مدخنة القصر الرئاسي السوري، عبر ممر عنجر. ولا تجد القيادة السورية نفسها مستعجلة لخسارة أصدقاء وحلفاء أو الاستجابة لضغوط من هنا أو من هناك، فهي ادرى بشعاب لبنان وتركيب قواه وكتله السياسية، والاعرف بالجاري من تحولات في البيئة الاقليمية والدولية، وبحجم الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي على اعتبارها في عين العاصفة، وفي سلم أهداف الكمبيوتر العسكري الأمريكي الإسرائيلي.

 

القيادة السورية أطلقت مقولتها بلبننة الاستحقاق، ذلك لأنها تثق بقدرتها على التأثير غير المباشر وغير المعلن على اللعبة السياسية اللبنانية وتوازناتها من جهة، ولأنها تدرك أن الجميع في البيئة الإقليمية والعالمية يعرف حجم دورها وتأثيرها، ولان لا احد سواها قادر على إدارة الملفات اللبنانية على مختلف الصعد، بعد أن هرول الجميع هرباً، الأطلسي المهزوم وإسرائيل المنكسرة وفرنسا العاجزة وأمريكا التي قبلت معادلة التخلي عن المشاكسة في الملف اللبناني لصالح ترك الملف الفلسطيني لعناصره الذاتية من قبل السوريين، وإرسال قوات إلى الكويت في حرب عاصفة الصحراء، ولان واشنطن تعرف تماما ما يعني مزاحمتها دمشق في الملف اللبناني وانعكاس ذلك عودة نشطه لتفعيل أوراق سورية القوية في الملفين الخطرين الفلسطيني والعراقي، ناهيك عن تفعيل ورقة العلاقات التركية السورية الإيرانية وما يمكن أن يترتب عليها من تغييرات حاسمة في موازين القوى واتجاهات التطور في المنطقة برمتها.

 

وفي سياق اللبننة تركت اللعبة الداخلية تأخذ مداها، وحفزت الكثيرين على الترشيح عندما طلبوا وجهة نظرها، كما هي لم تتدخل لوقف التجاذبات إلا عندما رأت فيها خطرا على الاستقرار: حادث حي السلم، اللقاء بين بري وحسن نصر الله في عنجز بعد الانتخابات البلدية، الطلب من الحريري تخفيف حدة الهجوم الإعلامي والا أطلق لحود وفريقه أبواقهم ونشطوا أوراقهم وعلى رأسها ملفات الفساد.

 

ومع اقتراب لحظة الاستحقاق ودنو الساعة الدستورية، تحرك القصر الجمهوري في سورية، يبعث برسالة قوية عبر زيارة الشرع الخاصة وغير التقليدية في الاستقبال وفي اللقاءات وفي التوديع وفي البيان الصادر عن القصر الجمهوري اللبناني. وبدأ الرئيس الأسد سلسلة استشارات للوقوف على أراء الكتل اللبنانية من غير المرشحين أو المعلن عدائهم لسورية ودورها وخياراتها، بادئا بالرئيس الحص، وبالوزير ميقاتي، والبداية مؤشر ورسالة بكل الأحوال.

 

من نافل القول أن كل المؤشرات تدلل على أربع حقائق ثوابت في تقرير آلية الاستحقاق وشخصية الرئيس المقبل هي على التوالي:

-    سورية وشروطها ورؤيتها لأي رئيس ترتاح، ويمكنها أن تتعامل معه بحسب الحاجات الوطنية والقومية، وأهمية استمرار الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان كون الاستقرار اللبناني حاجة سورية ماسة، كما الثبات على دور لبنان في إدارة الصراع مع إسرائيل والمشروعات الأمريكية في المنطقة برمتها.

 

-    التوازنات الداخلية، وتميل بمجملها لصالح حلفاء سورية، ومريديها، لسبب في نفوسهم وجيوبهم ونفوذهم أو لالتزامات وطنية وقومية ثابتة ومدركة.

 

-    المعارضة، وقد تبين عمليا في الانتخابات البلدية، وفي واقع الحال أنها اقرب لأن تكون معارضة إعلامية، ليست ذات نفوذ وفي كل الأحوال صدى للرهانات على الخارج والانقلابات الإقليمية التي لم يثبت أنها في الطريق لاجتياح لبنان وسورية، بل تبين أنها معطوبة في العراق وفلسطين وفي الطريق إلى المأزق في العالم اجمع وبإزاء جميع الملفات المطروحة على بساط البحث الدولي والإقليمي.

-    الشارع وقواه، وفيها عطب ومصيبة كبيرة، فلا الشارع ناهض ومنظم بالحد الأدنى، ولا القوى الوطنية وصاحبة المصلحة في التغيير والإصلاح موجودة بوزن فاعل أو مؤثر ليس فقط في الانتخابات الرئاسية بسبب طبيعتها والياتها التي تستبعد أي حضور للرأي العام او الشارع وقواه وتنحصر في المجلس النيابي وكتله وعناصر التأثير فيه، بل أيضا عاجزة عن التأثير على خيارات القوى الوازنة والكتل النيابية، ناهيك عن عجزها الفاضح في التأثير على اتجاهات الدور والفاعلية السورية، التي كان يمكن أن تكون حليفا طبيعيا للشارع وإرادته الوطنية والاجتماعية فيما لو كان منظما وحاضرا.

 

في احتساب موازين القوى تكون الغلبة في التقرير عملياً، لقوتين وازنتين، على اختلاف الأوزان، سورية وحلفائها من جهة، والطبقة السياسية وتحالفاتها في الخارج، ومع المعارضة من تحت الطاولة من جهة اخرى، فالمصالح المباشرة وغير المباشرة، لهذه الجهة، تتطابق في كسر إرادة الدولة الوطنية التي مثلتها حقبته لحود، وتحالفه مع حزب الله وسورية، وتقتضي القبض على زمام الأمور في مختلف المواقع الدستورية في المجلس النيابي والحكومة والرئاسة فذلك يؤدي حكما إلى الجيش والأمن العام والأمن الداخلي، والمفاتيح الاقتصادية والسياسية، ويوفر القدرة على الانقلاب على ما تحقق خلال العقود الماضية بما في ذلك إجهاض المقاومة والتآمر عليها، تحت عناوين جاهزة "هونغونغ أم هانوي" والكلفة المفترضة للمقاومة، والأزمة الاقتصادية والمالية والتخلص من عبء الدين بالانخراط في مشروع تسوية مفروضة ومقرونة بالتوطين، والانقلاب على سورية والعداء لها.

 

عبثا تحاول أطراف وقوى محسوبة على الموقف الوطني والاجتماعي ومن فصائل اليسار ورموزه أن تلقي بثقل أو دور مستقل، في طرح شعارات ومواقف، تبدو مبدأية في اللفظة لكنها عبثية في الواقع العملي، وان لم تكن كذلك فتصب الماء في طاحونة تحالف الطبقة السياسية مع المعارضة، وتجربة "الانتخابات البلدية في بيروت" خير دليل عملي.

 

 مهما حاول بعض "اليسار اللبناني" أو ورثته، تزيين المواقف، وإطلاق التصريحات النارية، واللعب على الألفاظ والشعارات، فالواقع يلزم الجميع بتقرير دور وموقف ينتظم في واحد من القوتين المركزيتين المتصارعتين على الاستحقاق الرئاسي وبمناسبته، وغير ذلك كلام في الهواء، للاستهلاك المحلي فحسب، بعيد عن السعي لدور فاعل في الواقع القائم ومن داخل عناصره ذاتها وبالتفاعل معها لتغيير هذا الواقع لا لتأبيده.

السؤال ماذا نفعل نحن اليسار؟ أو نحن الذين ندعي رغبتنا بإطلاق حراك سياسي وطني اجتماعي واسع، وكيف يمكن أن يكون لنا دور في الاستحقاق إذا لم يكن للتأثير عليه فالاستثمار في الحالة التي يخلقها وفي الأجواء التي يثيرها على المستويات كافة.

 

في الخيارات المتاحة

إعادة انتخاب لحود أفضل الشرور"أحلى المرين" والمشكلة أن "المرين" شريكان وازنان في الرئاسة وقرارها "تلك إحدى الثغرات". ومع إعادة انتخاب لحود هل يمكن تحسين الأداء من خلال سلوك أفضل الطرق لتوفير بيئة وشروط موضوعية للإصلاح والتغيير؟ هل هذا قول حق أم انه تبخير للحود وخروج عن الموقف المبدأي وسعي للي عنق الحقيقة في صالح الترويج لخيار يبدو سورياً، أو هو خيار لحودي مرّ.

لحود بدون الطبقة السياسية، ربما تكون خطوة إلى الأمام، فهل هذا ممكن؟ ربما! بل هناك مؤشرات عديدة تقول باحتمالية هذا الخيار، فقد صرح جهارا الحريري انه لن يقبل برئاسة حكومة مع لحود مرة ثانية، ورد لحود أن التغيير يجب أن يطال القائم من توازنات وشراكات وشركات، والعودة إلى خطاب القسم، ولا يمكن إدارة البلاد إلا بفريق منسجم.

 

هل من بديل للحود في هذه الظروف والمعطيات؟ من هو المرشح البرنامج والشخص؟

يقول أنصار التجديد بإعادة الانتخاب، عبر تعديل أو تعديلات دستورية بالجملة تعيد صياغة الطائف اقله في العلاقة بين الرئاسات والمؤسسات وموازين القوى بعد الخبرة الطويلة، والتجربة المتعثرة، أن ليس من بديل للحود، والبديل هو بالضرورة الحكمية مشروع انهيار وفوضى، ويبني هذا الفريق قوله على الآتي من الحسابات.

 

إما لحود أو شخص كمثله في المسلكية والتجربة والعلاقة مع سورية والمقاومة؟ من المرشح الذي يماثل لحود في هذا؟ يبدو بين المرشحين فقط سليمان فرنجية لكنه هو نفسه قال بأنه يلتزم الخيار الوطني والقومي وسيصوت لمرشح من الخط، وفي الخط بين المرشحين اثنان لا ثالث لهما إما لحود أو فرنجة، وفرنجية بحسب قوله غير مستعجل فهو مازال شابا وأمامه الوقت الكافي لمرة ثانية، والقوى المسيحية "المعارضة وغير المعارضة للحود" تجد في لحود أحلى المرين، وإذا كان الخيار بين لحود وفرنجية فلحود اقل الشرين.

 

والمرشحون الآخرون، هم إما مرشحو الطبقة السياسية "عناصر غير وازنة يسهل هضمها واكلها" أو مرشحو الخط الأخر، والخط الأخر هو الخط الأمريكي الإسرائيلي، أما من هو بين بين، فهو بالحاصل يصب الماء في تحالف الطبقة السياسية والمعارضة.

 

هل يستطيع مرشح للطبقة السياسية يعمل بإيحاءاتها ومصالحها في المسألتين الاجتماعية الاقتصادية والسياسية الوطنية قيادة البلاد والحفاظ على الاستقرار؟ يجيب أنصار التجديد للحود انه مشروع انهيار داخلي عاصف، فأي موقف من المقاومة سيعني انفجار الصراع وانحسار الدولة وحضورها في 90% من المناطق اللبنانية، وأي تغطية لنهج الفساد والمحاصة، وتمرير مشاريع التخصيص وزيادة الأعباء على المكلفين اللبنانيين ستؤدي حكما إلى انفجار اجتماعي يؤدي بدوره إلى أزمة سياسية وأزمة حكم تحمل معها في هذه الأيام سمة أزمة كيان وانهيار شروط استمراره.

 

وفي حساب لموازين القوى العملية، يقول المؤيدون للتجديد بالانتخاب، أن الشيعة الممثلين بالقوتين الرئيسيتين أمل وحزب الله، هم في الحاصل مع الخيار الوطني الذي تؤيده سورية، والدروز أيضا في الحزبين الأساسيين يقولون ما يقوله الشيعة، والسنة من خارج بيروت متحمسين للحود والخيارات السورية، وحتى كتلة الحريري فقدت الكثير من حضورها وبريقها ونفوذها وبدأ كل يفتح على حسابه في هذا الملف، حتى الحريري نفسه نقل عنه انه سيقبل ما تقبله سورية ويلتزم ما تقوله، أو يقارب ذلك، وهو قد أعلن انه لن يتعارك مع سورية مهما كان السبب والثمن، وفي الكتل المسيحية تبدو الغلبة لخيار لحود بين الخيارات المطروحة، فمن المرّين في المتن، إلى عصام فارس في الشمال، مرروا بنواب البقاع وعلى رأسهم نائب رئيس المجلس كانوا قد أعلنوا جهارا أو مداورة أنهم حيث يقف حلفاء سورية.

 

كيف سيكون الإخراج؟ هل من حرج في التعديل أو التعديلات الدستورية؟ يقول العارفون في الدساتير، بأنها ليست منزلة البتة، وكل دساتير العالم تعدل، وتفصل على مقاس موازين القوى عند استحقاق المواعيد الدستورية المؤسسة، سيما في ظروف متحولة ومتغيرة ومتفجرة، وتقول الوقائع أن رافضي التعديل فاقدين للمصداقية لأنهم كانوا مطالبين بالتعديلات يوم كانوا مع التمديد للهراوي، أو يوم كانوا يمددون للمجلس النيابي، أو يوم كانوا يرفعون أيديهم تأييدا للتعديلات الدستورية فليس لهم من حجه قوية دستورية.

 

ويقول دستوريون، أن التعديل، أو التعديلات المطروحة اليوم، هي أكثر مصداقية ومواكبة للحاجات التاريخية، وأعمق تطابقا مع الظروف من تلك التي جرت في السابق قسرا للظرف وتكييفه على هواها، فاتفاق الطائف، الدستور الجديد، لم يعد مطابقا للحاجات التاريخية التي كانت في نظام 1943 لجهة موقع وصلاحيات ودور رئيس الجمهورية، فهناك كان يحكم كملك لا يحاسب ولا يناقش، مطلق الصلاحيات وكان عندها من الضروري بل من الواجب منع رئيس الجمهورية أن يحكم عهدين أو أكثر لأنه يتحول إلى ملك لحجم صلاحياته، ويحول دون تداول السلطة في الطائفة والطبقة المالكة والحاكمة، أما مع الطائف فبات رئيسا فخريا لا صلاحيات له، فما المانع من اعتباره مواطنا يمكن أن يترشح لولاية ثانية، وقد تبين أن الخطأ التاريخي هو بنقل الصلاحيات إلى المجلس النيابي ومجلس الوزراء وفتح الباب أمام التجديد للرئيسين إلى ما شاء الله وحتى ساعة القضاء والقدر، وهذا ما انعكس تسلطا مجلسياً على الحكومة والبلاد، وانعكس محاصة ومجاملة وتكامل مصالح فئوية وشخصية على حساب الدستور والحقوق المواطنية والاجتماعية.

 

ثمة حجة أخرى، ألم يقدم لحود برنامجا متكاملا للإصلاح، جرى كسره في الانتخابات النيابية لعام 2000 يوم  أنجز  انقلاب بفعل تحالف الطبقة السياسية والمراكز الطائفية والدينية وقوى المعارضة اليمينية والمتطرفة، ومنع لحود من إتمام برنامجه على الرغم من انه يتحمل مسؤولية الإخفاق وتفويت الفرصة في السنتين الأولى لعهده بسبب طبيعة الحكومة الحصية وإجراءاتها وتركيبتها، وفريق المستشارين، والمدراء،؟ وإذا كانت الظروف والتطورات قد قسرته وحالت دون تطبيق المشروع ألا يحق له وللبلاد في عهد جديد يحاول من جديد، والظروف السابقة وتطوراتها كانت بين العقبات في إطلاق مشروع الإصلاح وتحقيقه: أدى غياب الرئيس الأسد إلى حالة فراغ ثم جاء صعود شارون، إلى صعود التطرف في الإدارة الأمريكية، إلى أحداث 11 أيلول، والحرب على الإرهاب، وغزو العراق، وتهديد سورية ولبنان وإيران، والهيمنة الأمريكية العنجهية على العالم ومفاصله ومنظماته الدولية والإقليمية.

 

بل هل يستطيع أحد تسجيل وقائع موثقة عن أن لحود شارك في المحاصة والاختلاس، وتغطية المختلسين والمحاصين وناهبي المال العام، وهو الذي خاض منفردا مع وزير الاتصالات معركة تعطيل تخصيص الخلوي واستعادته مستعيدا بذلك مبالغ طائلة للخزينة كانت تنهب بدم بارد، وهو الذي عطل تخصيص الكهرباء وبادر لفتح ملفاتها، ويسعى لفتح ملفات النفط لوقف المافيات عند حدها واستعادة حقوق الخزينة والدولة؟ وأليس هو الذي افشل خطة الحريري برهن البلاد والاستحقاقات الكبيرة بفرمان باريس- 3 عندما أعلن عن السواب كحل لاستحقاقات الديون التي كانت مرتبة تماما مع استحقاقي الانتخابات الرئاسية والنيابية عن سابق تصور وتصميم وأبطلت الحملة الإعلامية التهويلية التي كان يحضر لها فريق الليبرالية الاقتصادية للتأثير على الاستحقاق.

 

ألا يستحق لحود، ونهجه الإصلاحي، وموقفه الوطني والقومي الموثق والمؤكد، تجربة ولاية جديدة تنفتح فيها أفاق مختلفة مع ظهور الإعياء على المشروعات الأمريكية الإسرائيلية، وتبدو عناصر الإخفاق والعجز في العراق وفلسطين، وألا يمكن أن تكون الولاية الجديدة فرصة حقيقة لتلازم الاصلاحين الجاريين في سورية ولبنان بتعاضد وتعاون المؤسستين الرئاسيتين؟

 

حجج لابد من أخذها بعين الاعتبار وفيها الكثير من الصحة. لكن ألا يحق لنا نحن المتشككين بالدولة وأجهزتها وطبقتها السياسية، والمكتوين بنار الضرائب وقطع الكهرباء، والعارفين بالجاري من عمليات وصفقات نهب موصوفة تحت نظر الجميع و"على عينك يا تاجر"... التشكيك بخيار التجديد والتخوف من انه سيكون خيار تمديد للازمة وللطبقة السياسية والطبقة المالكة ومصالحها وممارساتها؟

نعم يحق لنا، وهذا كلام حق، كلام الشارع والناس الراغبة اقله بتجديد في الوجوه إن لم يكن في البرامج والممارسات. وفي المسائل السياسية والاستحقاقات لا يصح المثل القائل "اللي بتعرفه أحسن من اللي بتتعرف عليه".

 

وماذا بإمكاننا أن نفعل نحن والشارع النائم على أزماته وكوارثه؟ يمكن أن نسجل موقفا للتاريخ مبدئياً بالقول أنها عملية مسرحية مرفوضة جملة وتفصيلا، ثم نفيق في اليوم الثاني مضطرين للتعامل مع هذا الواقع وقبوله والصغور له ولقواه وخياراتها...

 

ويمكن لنا أن نقول ليس بالإمكان أفضل مما كان فننخرط في العملية من موقع تأييد الايجابي، ورفض السلبي. فنطالب بتغيير جوهري في توازن القوى، وبإجراءات مادية ملموسة على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي والإداري، كشرط لازم لشرعية التجديد بإعادة الانتخاب. كما يمكننا بذل جهد مساعد في سبيل تحقيق خطوة في طريق الإصلاح، بفتح ثغرة في جدار النظام المتمترس والمتمكن، وطبقته السياسية والمالكة، بأن نقول: التمديد بالانتخاب ليكون خطوة ايجابية يجب أن يقترن بإضعاف بل بإسقاط الطبقة السياسية وشطبها ما أمكن عبر إجراءات جذرية من خلال ملفات الفساد، وكلها متورطة، أو من خلال قانون انتخابي عصري عادل، يحقق إمكانية عملية للمشاركة الشعبية والشبابية في اختيار الممثلين إلى الندوة البرلمانية أو باقتران التعديل الدستوري لإعادة الانتخاب بتعديلات تضعف سطوة الطبقة السياسية والمالكة وتفتح ثغرة في جدار النظام الأصم.

 

أته استحقاق كبير، تخلف الوطنيون الاجتماعيون وتخلفت الحركة الشعبية عن الاستعداد للعب دور حاسم أو مؤثر ليأتي الاستحقاق على طريقته وبناء لتوازن القوى المؤثرة والحاسمة، وكل استحقاق وانتم بخير.