رأي في مقالة زاهر الخطيب حول تجاوز الطائفية
ترحب العرب والعولمة بتعليق عادل يمين الذي بعثه إلى زاهر الخطيب كقراءة ومناقشة لما كتبه الأخير في المسألة الطائفية في لبنان. ولهذا ننشر هنا الرد كما وردنا بنصه الحرفي إيماناً منها بضرورة الحوار وبحق الحوار، وإفساحاً في المجال للرأي والرأي المضاد.
العرب والعولمة
سعادة الصديق العزيز الأستاذ زاهر الخطيب المحترم
عادل يمين محام في الاستئناف
ماجستير في القانون
قرأت باهتمام بالغ مقالتكم المنشورة في العدد 21 الصادر في آب 2004 من مجلة "العرب والعولمة" تحت عنوان "كيف نتجاوز الطائفية نحو دولة عصرية حديثة".
ويهمني بداية أن أؤكد لكم أنني أعتبر الطائفية عائقاً كبيراً أمام تحقيق المساواة بين المواطنين وقيام ديمقراطية حقيقية ودولة عصرية وحديثة، وأنني أتطلع إلى يوم نتجاوز فيه كل أشكال الطائفية والتفرقة في لبنان.
لا أتردد في مشاطرتكم القول: "كلما كان المجتمع أكثر تقدماً، كانت الدولة هي المرجعية الوحيدة. وكلما شاركت الدولة في مرجعيتها جهات ومستويات أخرى، كان المجتمع أكثر تخلفاً".
والواقع أن مقالتكم قدمت توصيفاً دقيقاً لحقيقة الطائفية وأبرزت عوارضها وذيولها من خلال تحليل معمق ومترابط ومعزز بمقارنات وشواهد تاريخية وأسلوب سلس وأخاذ.
ولكن، اسمحوا لي أن أقول أن ثمة إشكاليتين لا تزالان تحتاجان إلى مزيد من المعالجة.
أولاً: كيف السبيل إلى تجاوز الطائفية من دون الوقوع في هيمنة أكثرية طائفية؟
إذا كانت الطائفية تنتقص انتقاصاً كبيراً من الديمقراطية والمساواة، فإن إلغاءها بطريقة تفسح المجال أما استبداد أكثرية طائفية سيؤدي إلى تهشيم كامل لفكرتي الديمقراطية والمساواة.
إن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية السياسية وليس الأكثرية الدينية أو الطائفية أو العنصرية.
ولاحظت أنكم تدركون بلا ريب مخاطر الوقوع في استبداد الأكثرية الطائفية من خلال قولكم: "تشهد مجتمعات كثيرة أن الأقلية، مهما كانت ضئيلة، إذا حُرمت من حقوقها، وأخضعت لسيطرة الأكثرية انطلاقاً من أسس طائفية، فإن نزاعات جديدة سوف تنشب ولن تتوقف إلاّ بعد تدمير المجتمع تدميراً... وبهذا المعنى فإن مقولة الامتيازات- الضمانة أو مقولة الديمقراطية العددية تشكلان كلاهما وسيلة "للشرك" بوحدانية مرجعية الدولة، وتؤديان حكماً إلى عدم قيام الدولة العصرية والحديثة المنشودة".
ولكن مقالتكم لم تتضمن تحديد الآليات والضمانات التي تمنع الوقوع في ذلك المحظور.
فإذا كان معقولاً "أن ترى غالبية ما من الشعب، وفي دائرة انتخابية ما، أن رموزاً من دين واحد ربما، كانت أكثر ثقة وأكثر أهلية، لتمثيلها في البرلمان من سواها"، فإنه من غير المقبول أن تكون خيارات الناس مبنية على أسس طائفية ولا أن يكون بعض الناس محروماً من الوصول إلى السلطة لأنه يشكل أقلية طائفية ليس إلاّ.
وبكلام آخر، ما هي الضمانة في حال ألغينا توزيع المناصب الرسمية بين الطوائف لعدم نشوب سباق طائفي بين أبناء المذاهب كافة على احتلال مقاعد الحكم والإدارة في ظل تعشش الطائفية والمذهبية في العقول والقلوب والضمائر والنفوس والجامعات والمدارس والبيوت والمستشفيات والشوارع والأزقة؟ وما هي الضمانة ألاّ تؤدي إزالة الضوابط الطائفية (ولو كريهة) إلى هيمنة طائفة واحدة على الغالبية الساحقة لمراكز الدولة وألاّ يتعسف أبناؤها بحق باقي الطوائف تشريعاً وحكماً؟
ثانياً: ما هي الإجراءات اللازمة لتجاوز الطائفية؟
لقد وفقتم في اختيار عنوان المقالة لأن المطلوب تجاوز الطائفية وليس إلغاؤها، ولكن الإجراءات التي عرضتموها في البند "خامسا" من مقالتكم لقيام الدولة اللاطائفية تشكل عملياً تدابير حاسمة لإلغاء الطائفية.
من هنا أعتقد أن مسيرة الطائفية تستلزم البحث عن الوسائل والتدابير التي تؤدي إلى إزالتها تدريجاً من النفوس ومن ثم من النصوص... مثل فرض أن تكون الأحزاب مختلطة ووضع تشريع مدني موحد للأحوال الشخصية، وسوى ذلك.
ختاماً أعتقد أن مقالتكم وضعت إطاراً منهجياً صالحاً لدراسة مسألة الطائفية في لبنان، وتشكل وثيقة متقدمة يتعين على قوى الإصلاح والتغيير الانطلاق منها والتأسيس عليها بحثاً عن الحلول.
وإلى أن نلتقي، أوجه لكم سلاماً حاراً.
مع محبتي واحترامي
عادل يمين، 6-9-2004