الافتتاحية

"مرتى مرتى، تقولين أشياء كثيرة والمطلوب واحد"

العرب والعولمة

 

 

منذ تكليفه بتأليف الوزارة، تعرض دولة الرئيس كرامي لهجمات مسبقة على أكثر من صعيد، وذلك قبل أن يؤلف حكومته ويضع برنامجها. فلماذا هذا الاستعجال برجم حكومته حتى قبل ولادتها!؟

 

يمكن القول أن دوافع عديدة تقف وراء هذا الهيجان في الهجوم على الحكومة الكرامية قبل تشكيلها.

 

أولاً، جريمة كرامي أنه حلّ مكان القائد غير المنازع للطبقة الحاكمة اللبنانية، صاحب العلاقات العربية والدولية الواسعة، وحامل البرنامج السياسي والاقتصادي المميز الذي ينال التأييد والدعم الكاملين من "إجماع واشنطن" ومن فرنسا.

 

ثانياً، إن كرامي، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، يمكن أن يتبع نهجاً اقتصادياً واجتماعياً مغايراً للنهج الحريري الذي أوصل لبنان إلى المأزق الاقتصادي الشامل وأدخله فخ المديونية، وأفقر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

 

ثالثاً، لأن كرامي لا يستطيع توزيع الملايين من الدولارات، ومن مصادر مشبوهة وغير شرعية، على قيادات الطوائف والأتباع السياسيين، وعلى الصحافة والصحفيين ووسائل الإعلام.

 

رابعا، لأن كرامي لا يقف وراء قرار مجلس الأمن 1559، ولا يرفع الشعارات المستجيبة لإملاءاته.

 

خامساً، لأن كرامي يمكن أن يساهم في التوصل إلى قانون انتخابات أكثر عدالة من المعمول به راهناً، يبدأ بالخروج من النظام الطائفي عبر انتخاب نسبة من النواب خارج القيد الطائفي وعلى صعيد لبنان دائرة انتخابية واحدة، ويقترب من الديمقراطية بتبني النظام النسبي بدل النظام الأكثري، بغض النظر عن حجم الدوائر.

 

سادساً، لأن كرامي لا يعادي سورية علناً أو ضمناً، رغم نقده لسياساتها في لبنان، من موقع قومي لا انعزالي يتلطى بشعارات الوطنية والسيادة اللبنانيتين.

 

إن الهجوم على حكومة كرامي سيكون على عدة محاور أهمها:

أولاً، المحور الاقتصادي، وقد بدأ التشكيك بقدرته على الحفاظ على سعر صرف الليرة. ولكن ضعف الليرة هو نتيجة سنوات طوال من حكم الرئيس الحريري وسياساته النيوليبرالية، وهي التي أوصلت لبنان إلى الانهيار، فأصبح مكشوفاً لمخاطر الضغوطات الإمبريالية، بغية الرضوخ إلى إملاءات "إجماع واشنطن"، والإبقاء على النهج الحريري الانتحاري، وبغية فصل المسار اللبناني عن المسار السوري في مواجهة الهجمة الإمبريالية الصهيونية على الوطن العربي، خاصة، والعالم الإسلامي عامة. وسيحاول معظم قيادات الطبقة الحاكمة من أصحاب الامتيازات والاحتكارات الكبيرة تحميل حكومة كرامي، ورئيس الجمهورية، والوجود السوري في لبنان، مسؤولية هذا الانهيار الاقتصادي المتوقع، طبعاً بفضل الجهود الدؤوبة لأصحاب الامتيازات.

 

ثانياً، المحور الاجتماعي، إذ سيطالب هؤلاء، (سيتبنون) بجميع المطالب الشعبية المحقة التي تم التنكر لها خلال الحقبة الحريرية: تصحيح الأجور والرواتب بمعدلات التضخم، تعميم الخدمات الاجتماعية الأساسية، خفض الأعباء الضريبية غير المباشرة والرسوم التي يقع عبؤها على الطبقات الشعبية، حلّ مشكلة البطالة، وربما الإصلاح الإداري أيضاً...

 

ثالثاً، المحور السياسي، وذلك بتبني مقولات عديدة، أهمها السيادة اللبنانية التي يبيعها اليوم للجمهور من كان مع الاستعمار الفرنسي قلباً وقالباً، ثم مع سياسة الأحلاف الإمبريالية، ثم مع الاجتياح الإسرائيلي واتفاق 17 أيار، ومن مدّ يده علناً أو سراً، للتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي... فمطلب السيادة يتم رفعه بوجه العرب، لا بوجه الغرب الإمبريالي.

وهناك شعار الديمقراطية الذي يرفعه كل الفاشيين الذين مارسوا فاشيتهم بشكل مكشوف خلال الحرب الأهلية وبعدها، كما يرفعه كل رموز العصبيات الطائفية والعشائرية، ويروج هذا الشعار الستالينيون السابقون.

 

يرفع هؤلاء شعارات مزيفة كثيرة، ويتخذونها تعلاّت، ولكن المطلوب واحد: الحفاظ على النظام الاقتصادي الاجتماعي اللبناني، بقيادة البرجوازية الكولونيالية المرتبطة بالمراكز الإمبريالية، والعودة بالتوجهات السياسية اللبنانية لما كانت عليه في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. والمقصود من ذلك تطبيق القرار 1559، فهم يريدون لبنان دون مقاومة، مكشوفاً ووحيداً أمام الكيان الصهيوني، وتابعاً للنهج الأمريكي. وبكلام آخر يريدون لبنان "أردن" آخر، يساهم في قمع المقاومة الفلسطينية، ويحيط بسورية ويخنقها ليجبرها على الاستسلام.

 

لكم ينطبق عليهم قول السيد المسيح: "مرتى مرتى، تقولين أشياء كثيرة والمطلوب واحد".

 

العرب والعولمة