صواريخ المقاومة الفلسطينية: ولادة جديدة لشعب لا ينكسر

 

شادي أبو عايد

ناشط من فلسطين

البداوي، لبنان

 

منذ انطلاقة انتفاضة فلسطين البطلة في العام 2000 وحتى اليوم بدا جليا أن الشعب الفلسطيني بات يعرف كيف يستخدم الأساليب القتالية المختلفة بمهارة عالية، كما يعرف كيف يبدلها في الوقت المناسب انسجاماً مع ضرورات المعركة فيبتكر الجديد ويعمل على تطويره باستمرار، فمن الحجر إلى العبوات الناسفة والأحزمة المتفجرة إلى قذائف الهاون وصواريخ القسام والسرايا والناصر... ومن يحيى عياش المهندس الأول إلى قوافل المبدعين الشهداء لم يتوقف هذا الشعب عن الحلم، ولم ينهزم أمام الموت والجوع وهما يحاصران مدنه وقراه ومخيماته الصامدة في الضفة والقطاع، لا بل إن هذه الإبداعات تعكس إصراراً على التمسك بخيار المقاومة طريقاً للتحرير ودحر الاحتلال.

 

اختراق التكنولوجيا الصهيونية

إن أكثر ما يقلق بال الحكومة الإسرائيلية اليوم هو تلك الصواريخ المحلية الصنع والتي تعمل فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة على تصنيعها وتطويرها في قطاع غزة، حيث شكل إطلاقها على المستعمرات الصهيونية المحاذية للقطاع شمالاً وجنوباً خاصة مستعمرة سيديروت في النقب رعباً للمستوطنين هناك، وتصفها الأوساط الإسرائيلية أنها باتت بالنسبة لسكان سيديروت تشكل خطراً أكبر من العمليات الاستشهادية التي ينفذها رجال المقاومة الفلسطينية. لقد شكلت هذه الصواريخ تهديداً فعلياً للمستعمرات وكابوساً دائماً لسكانها الذين باتوا يتوقعون تساقطها في أي وقت فوق رؤوسهم حيث لم تفلح تطمينات الحكومة الصهيونية المتكررة في إقناعهم بأن استهداف ورشة حدادة هنا أو هناك قد ينهي خطر هذه الصواريخ ويحميهم من الموت، ولا حتى محاولات الصحافة الصهيونية التأكيد للإسرائيليين وطمأنتهم بأن أجهزة المخابرات قامت باكتشاف مصانع لصواريخ القسام.

لقد شغلت صواريخ المقاومة الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية في البحث عن حلول ناجعة ودائمة لتساقط الصواريخ. وفي هذا السياق يعلن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال موشيه يعالون أنه تم تطوير منظومة لصد صواريخ القسام2 وهي المنظومة ذاتها التي تم إعدادها في السابق لصد صواريخ الكاتيوشيا التي كان يطلقها حزب الله نحو مستعمرات الشمال من جنوب لبنان، إلا أن استعمال هذه المنظومة أثبت فشلها وهذا ما أكدته صحيفة هآريتس الإسرائيلية. ويعزو المحللون هذا الفشل إلى قرب المسافة بين مكان إطلاق الصواريخ ومكان سقوطها. فصاروخ القسام2، على سبيل المثال، يستطيع أن يصل إلى قلب المستعمرات في ثوان قليلة مما جعل تركيب صفارات الإنذار المبكر على طول الخط الأخضر في قطاع غزة بلا فائدة مرجوة.

 

إبداعات وتوظيف سياسي

مما لا شك فيه أن جدار الفصل العنصري الذي تقوم حكومة العدو ببناءه والذي تم إنجاز جزء كبير منه بحجة حماية الإسرائيليين في الكيان الصهيوني من خطر تعرضهم لعمليات استشهادية ينفذها أبطال المقاومة الفلسطينية كان له فعلاً الدور الكبير في عرقلة وصول الفدائيين من الضفة والقطاع إلى أهدافهم داخل المدن الصهيونية. وربما هذا ما يؤكده التراجع في عدد العمليات التي نفذت بعد المباشرة ببناء الجدار مقارنة بعدد العمليات الاستشهادية قبل بناءه. هذا الوضع دفع رجال المقاومة إلى البحث عن سبل أخرى يستطيعون بواسطتها سد تلك الثغرة في عمل المقاومة نتيجة صعوبة تنفيذ العمليات الاستشهادية داخل الأراضي المحتلة عام 1948 فكانت الصواريخ وقذائف الهاون التي لا يستطيع أي جدار مهما بلغ ارتفاعه أن يحول دون تساقطها على رؤوس المستوطنين أينما تواجدوا. إن هذه النقلة النوعية في التكتيك إن دلت على شيء فإنما تدل على ديناميكية ومرونة عالية تتمتع بها هذه المقاومة تسمح لها بتخطي أي عوائق مستجدة عن طريق العمل بسرعة على خلق البدائل الملائمة وتطويرها. كما تعكس مدى إصرار المقاومة الفلسطينية على الاستمرار رغم الضربات المؤلمة التي تلقتها منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى اليوم، خصوصاً تلك المتعلقة بالاغتيالات التي طالت خيرة قادتها من مختلف الفصائل. ومن الجدير ذكره هو سعي المقاومة الدؤوب إلى وضع صواريخها موضع التوظيف السياسي وذلك في مواجهة الاجتياحات المتكررة خصوصاً لقطاع غزة، وهذا التوظيف يهدف إلى وقف تلك الاجتياحات مع ما يرافقها من قتل وتدمير منازل وتشريد. تحاول المقاومة استخدام هذه القوة الجديدة في خلق معادلة عبر استراتيجية ردع تكرسها على الأرض، وهذا بدا واضحاً في تصريحات قادة المقاومة وآخرها إعلان سعيد صيام عضو القيادة السياسية لحركة حماس أن الحركة على استعداد لوقف إطلاق الصواريخ مقابل وقف كافة العمليات العسكرية ضد الشعب الفلسطيني. كان ذلك خلال قيام جيش الاحتلال بعمليته العسكرية الواسعة والتي أطلق عليها اسم عملية "أيام الندم" مستهدفاً وقف إطلاق الصواريخ، وقد انتهت بالفشل إذ أن الصواريخ لم تتوقف حتى خلال عملية الاجتياح.

 

تقنيات بدائية وإرادة فوق عادية

تعتبر هذه الصواريخ التي يقوم بتصنيعها المقاومون الفلسطينيون بسيطة وبدائية في عرف الصناعات العسكرية، ومع ذلك فإن صاروخاً، مثل القسام2 الذي تصفه صحيفة تايمز البريطانية بأنه "الصاروخ البدائي الذي يغير الشرق الأوسط"، يستطيع أن يصل إلى المستعمرات دون أن ترصده الأقمار الاصطناعية. وحسب ما تؤكده حماس على مواقعها على شبكة الإنترنت فإن صاروخ القسام هو صاروخ مدفعي بدائي مصنع يدوياً في البيوت الفلسطينية يقدر مداه من 8 إلى 12 كلم وهو عبارة عن قذيفة طولها 180 سم تقريباً، مصنعة من مزيج السكر والزيت والكحول والأسمدة العضوية. ينطلق الصاروخ من أنبوبة طولها حوالي المتر، وقطرها 120 ملم، ويستخدم من 4 إلى 6 كلغ من المتفجرات لإطلاقه، ويتم ضبطه من بُعد، مما يجعل الفدائيين في مأمن من أي رد فعل إسرائيلي على موقع الإطلاق. وبعد القسام2 أطلقت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في 7 نيسان 2004 صاروخ البنا لأول مرة في جنين. أما صاروخ القدس1 فقد أعلنت عنه سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. في حين طورت ألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة صاروخ الناصر4، بعد الناصر3. وقد كشف أبو عبير أحد القادة الميدانيين لألوية الناصر صلاح الدين أنه تم بنجاح تطوير صاروخ جديد من نوع الناصر4، قال أنه سيتم إطلاقه نحو العدو قريباً. والناصر4 هو صاروخ يبلغ طوله مترين و30 سم منها 180 سم عبارة عن جسد الصاروخ الذي يحمل المواد المشتعلة ومواد الدفع و50 سم الرأس المتفجر وهو عبارة عن نصفين يتم ملؤه بالبراغي والمسامير والحديد الصغير المبسط ثم يتم وضع المواد المتفجرة وإقفال الرأس بواسطة غراء خاص ومن ثم تثبيت الرأس المتفجر بجسد الصاروخ عبر ماسورة وإطلاق الصاروخ يتم عبر بطاريات أو أسلاك معينة أو ساعة موقوتة، والتطوير الذي أدخل على الناصر (4) هو أن الصاعق أصبح من داخل جسد الصاروخ وليس من الرأس وهذا يضمن حتمية انفجاره عندما يلامس أي شيء.

إن أبناء فلسطين من لا شيء يصنعون أدواتهم النضالية ولا يتعبون، وإبداعاتهم الصاروخية الأخيرة هذه هي بالإضافة إلى كونها التعبير عن إرادة فوق عادية ولا تنكسر أمام الاحتلال، فإنها تحمل في مضمونها رسالتين هامتين.

الأولى للداخل وتتلخص في الرد على مقولات تتحدث عن رفض ما يسمى بعسكرة الانتفاضة، والثانية للخارج تنعي الأنظمة العربية المتفرجة على مذابح يومية في فلسطين ولا تخجل.

 

شادي أبو عايد - ناشط من فلسطين - البداوي، لبنان