يجد الباحث في الاقتصاد اللبناني عامة، وفي قطاعات الإنتاج السلعي خاصة، صعوبة كبيرة في البحث، ويمضي معظم وقته في البحث عن الإرقام والإحصاءات المتفرقة والمتضاربة في معظم الأحيان، وذلك بسبب غياب الإحصاءات الموثوقة، وانتفاء الجداول الإحصائية، السنوية أو الدورية، الضرورية لرؤية الواقع المعاش وتقييم السياسات المتبعة، ولوضع خطط تنموية اقتصادية واجتماعية للمستقبل.
وليس غياب الإحصاءات أمراً جديداً في لبنان. وإنها لضئيلة المسوح الإحصائية الجزئية التي تم القيام بها قبل الحرب الأهلية. ليس هناك من دولة في العالم المتقدم أو النامي التي لا تقوم بإحصاءات دورية وشاملة للسكان والاقتصاد والأوضاع الاجتماعية. لكن آخر إحصاء سكاني جرى في لبنان كان إبان الانتداب الفرنسي سنة 1936، وتم تزويره لأهداف طائفية وسياسية. ولا يعرف أحد عدد السكان الفعلي في لبنان في الوقت الراهن. كما أن أحداً لا يعرف حجم الناتج المحلي القائم وحجم الدخل الوطني وعدد القوى العاملة ونسبة العاطلين عن العمل... ناهيك عن إنتاج كل قطاع اقتصادي ومساهمته في الناتج المحلي القائم، أو معدل التضخم وغلاء المعيشة ووضع ميزان المدفوعات وحجم العجز في الحساب الجاري، أو معدل الادخار الوطني وحجم الاستثمار السنوي والإهتلاك، وكلها من مقومات الاقتصاد الوطني. أي أننا لا ندرك أو لا نعلم حقيقة أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وحجم مشاكلنا، وبالتالي كيفية معالجتها.
إن جميع الأرقام المتداولة تقريبا حول الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية هي أرقام تقديرية خاضعة للنقاش، وليست أكثر من وجهات نظر في معظم الأحيان. مثال على ذلك تقدير الناتج المحلي القائم الذي تقاس بالنسبة إليه معظم المقومات الاقتصادية الأساسية والمؤشرات الاقتصادية، مثل الموازنة العامة وعجزها، والدين العام وخدمته، وإنتاج كل قطاع اقتصادي، ومعدلات النمو، وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات... وغيرها. إننا نقيس أرقاما تقديرية إلى أرقام تقديرية أخرى. وتتفاوت التقديرات بنسب عالية في معظم الأحيان. فتقدير الناتج المحلي القائم من قبل منظمتين دوليتين تعملان في لبنان، وهما برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP و برنامج الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO لسنة 1994 كان أربعة مليارات دولار، بينما قدر صندوق النقد الدولي IMF، باستعماله أرقاما مبنية على تقديرات البنك المركزي ووزارة المالية، هذا الناتج بقيمة 9.225 مليار دولار[1]، أي بأكثر من ضعفي تقديرات المؤسستين التنمويتين الدوليتين.
هل غياب الإحصاءات في لبنان ناتج عن عجز عن القيام بها أم عن رفض مبدئي للإحصاءات التي تظهر الواقع الذي تريد الطبقة الحاكمة إخفاءه؟ إن غياب الإحصاءات هو تعبير عن إرادة ومصالح الطبقة الحاكمة. فكل المقومات الضرورية لإجراء إحصاءات شاملة ودورية متوفرة في لبنان، إن على صعيد القوى البشرية المؤهلة أم على صعيد التمويل الذي يمكن توفيره من المساعدات الخارجية أم من الموازنة العامة أم من المصدرين معا. لكن الطبقة الحاكمة التي تعمل على إخفاء الحقائق وتشويه الواقع أو تزيينه تمنع حتى نشر الكثير من الإحصاءات المتوفرة لدى الوزارات المختلفة كما لدى مصرف لبنان. وقد أمتنع مصرف لبنان مثلا عن جمع المعلومات وبحث قطاعات الإنتاج في تقاريره السنوية منذ سنة 2000 دون إبداء الأسباب، كما تم تحجيم الإحصاء المركزي، ولم يكن ذلك صدفة.
إن تضخيم الناتج المحلي مثلا يقزم حجم قطاعات الإنتاج السلعي كنسبة من الناتج المحلي القائم، وخاصة حجم قطاعي الزراعة والصناعة، إذ يقلص حجم مساهمتهما في الناتج المحلي القائم إلى أقل من سدس هذا الإنتاج إذا ما اعتمدنا تقدير صندوق النقد الدولي المبني على تقديرات وزارة المالية ومصرف لبنان. ويساهم ذلك في تبرير تقليص حصة القطاعين من الموازنة العامة والإنفاق التنموي، بل يبرر إلى حد ما تهميش هذين القطاعين لمصلحة قطاع التجارة الذي يتم تضخيم مساهمته في هذا الناتج، مع العلم أن قطاع التجارة هو قطاع وسيط بين المنتج والمستهلك، وهو الذي يرفع كلفة وساطته بنسب غير مبررة على الإطلاق، وكذلك حال المصارف، على حساب قطاعات الإنتاج الحقيقية.
كما إن تضخيم هذا الناتج المحلي يحسن صورة المقومات الاقتصادية والسياسات المالية اللبنانية، فيظهر عجز الموازنة كنصف ما هوعليه في الحقيقة، وكذلك كلفة الدين العام ونسبة الدين العام من الناتج المحلي القائم ونسبة عجز الحساب الجاري ونسبة الضخ الضريبي وغيرها من المؤشرات.
باختصار شديد، إن إجراء إحصاءات علمية شاملة ودورية، من إحصاء السكان والقوى العاملة إلى إحصاءات شاملة عن أداء الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية، بات ضرورة ملحة لكشف الواقع اللبناني ووضع الحلول لمشاكله البنيوية والسياسية.
إن جميع التجارب التنموية في العالم تقريبا أثبتت أن تنمية قطاع الزراعة كان الأساس المتين لتنمية اقتصادية شاملة وناجحة. فالفوائض التي تحققت في هذا القطاع، كما إنتاج هذا القطاع، مولت التوظيفات الأساسية في قطاع الصناعة، وأمنت المدخلات لقسم كبير منها وحققت استقرارا اجتماعيا و تنمية متوازنة بين الأرياف والمدن.
ويرتبط قطاع الزراعة بشكل وثيق مع قطاعي السياحة والبيئة، ليشكل الثلاثة ما يسميه البعض بالمثلث الذهبي، فتنمية قطاع الزراعة، خاصة البنية التحتية لهذا القطاع (بحيرات، أقنية جر المياه، مساقط المياه) يعطي قطاع السياحة جزءاً كبيراً من بنيته التحتية، كما يحسن الوضع البيئي بازدياد المساحات الخضراء، ما ينعكس بدوره على قطاع السياحة.
لم تعد الزراعة في معظم دول العالم، خاصة المتقدمة منها، تمثل قطاعا تقليديا متخلفا تعمل فيه القوى العاملة الأمية أو شبه الأمية والأكثر تخلفا في المجتمع، بل أصبحت الزراعات الحديثة أقرب إلى الصناعة، وتحتاج إلى التنظيم الدقيق والعلوم التطبيقية الحديثة والخبرات الفنية العالية، كما للبنية التحتية المتطورة، وإلى الترابط الوثيق مع كافة قطاعات الاقتصاد الأخرى مثل قطاعات التعليم والإعداد المهني والبحوث الجامعية وقطاع المال والنقل والتسويق وقطاع الصناعة والصحة والبيئة، على أسس تكاملية وعادلة، لا تخضع قطاع الزراعة إلى البزل والاستغلال. وأصبح هذا القطاع بالتالي قادرا على استقطاب القوى العاملة المؤهلة والمدربة والعالية الكفاءة، و يؤمن للعاملين فيه بيئة عمل مميزة ومستوى مرتفع من الدخل.
لذلك، فإن تنظيم هذا القطاع أصبح حاجة ملحة وشرطا أساسيا لرفع مستوى العاملين فيه وتنميته وزيادة قدراته الإنتاجية بنسب عالية. كذلك يتطلب قطاع الزراعة الحديث بنية تحتية متطورة ومتكاملة تربطه ببقية قطاعات الاقتصاد بعلاقات متوازنة وعادلة حتى يحقق نموا حقيقيا ومتوازنا مع بقية القطاعات، وليحد من الهجرات الريفية إلى المدن، وليسهم في تنمية قطاع السياحة وتحسين البيئة.
أما الأهداف الأساسية للتنمية الزراعية فيمكن اختصارها بالأهداف التالية:
تحقيق معدلات مرتفعة من نمو الناتج الزراعي، ورفع معدل الدخل الفردي للعاملين في هذا القطاع.
تنمية الصادرات الزراعية بوتائر مرتفعة عبر التركيز على الزراعات الأكثر مردودية, و التي يمتلك لبنان فيها قدرات تنافسية عالية.
تحقيق أعلى مستوى ممكن من الأمن الغذائي.
رفع معدل تغطية الصادرات من الواردات اللبنانية إلى فوق معدل 65%
تحسين ميزان المدفوعات و الميزان التجاري بشكل خاص.
تحسين البيئة و نوعية الغذاء في لبنان.
من أجل تحقيق هذه الأهداف, نقترح وضع خطة تنموية شاملة لهذه القطاع مع تحديد معالمها الأساسية.
واقع قطاع الزراعة
(1) التهميش والإهمال من قبل السلطات الرسمية
يعاني قطاع الزراعة اللبناني من التخلف الشديد، إذ انه ما زال في معظمه قطاعا" تقليديا غير منظم ينتج العديد من السلع التقليدية التي تدنى الطلب عليها داخليا"وخارجيا"، كما أن هذا القطاع لا يستقطب إلا قلة قليلة من الكفاءات العلمية المؤهلة من أصحاب الاختصاصات الجامعية، والقليل من التوظيفات الرأسمالية ووسائل الإنتاج الحديثة. ويفتقد هذا القطاع أيضا الى البنية التحتية المتطورة والى الاندماج والتكامل مع بقية قطاعات الاقتصاد، والارتباط بها بعلاقات واضحة وعادلة. ويعاني القطاع من تهميش شديد من قبل السلطات اللبنانية او بالأحرى من قبل الطبقة الحاكمة.
إن تدني إنتاجية هذا القطاع الناتجة عن مجمل السياسات الاقتصادية اللبنانية على صعد السياسات الضرائبية، والاغراقية، والتمويلية والتصنيعية والتسويقية، قد خفض مساهمة الزراعة في الناتج المحلي القائم الى ما بين ثمانية وعشرة بالمئة. وتدهورت الصادرات الزراعية إلى ما يقارب 81 مليار ليرة لسنة 1999. وتدنت حصة وزارة الزراعة من الموازنة العامة بشكل مستمر ورغم ارتفاع عدد النواب الممثلين للمناطق الريفية، والذين تزيد نسبتهم في البرلمان بأضعاف نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي القائم, و الذي يظهر بحد ذاته فشل "الديمقراطية" اللبنانية في جعل النواب يعبرون عن مصالح الناخبين الحقيقية.
نسبة موازنة وزارة الزراعة من مجمل نفقات الموازنة
السنة | 1992 | 1993 | 1994 | 2000 | 2001 | 2002 |
النسبة % | 1.86 | 0.86 | 0.77 | 0.35 | 0.39 | 0.61 |
كما أن الإنفاق على الزراعة و الري بإشراف مجلس الإنماء و الإعمار بقي ضئيلا جدا, و ذلك رغم المساعدات و المنح الخارجية لتنمية هذه القطاع, و رغم القروض الميسرة الكثيرة المختلفة المصادر, و التي لم يتم الاستفادة من معظمها, كبعض قروض البنك الدولي و السوق الأوروبية المشتركة, و القرض الصيني و غيرهما عديد.
و يقول تقرير مجلس الإنماء و الإعمار إن قيمة القروض الموقعة عقودها من سنة 1992 إلى سنة 2003 بلغت 71 مليار دولار, كانت حصة الزراعة و الري منها حوالي 0.71 مليار دولار, أي ما نسبته 1% من مجمل العقود (1) مع العلم أنه لم يتم تنفيذ معظم هذه العقود في قطاع الزراعة و الري, رغم إعتراض الجهات المانحة و المقرضة.
كما أن السياسات الرسمية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة, و التي تسيطر عليها عقلية قطاع التجارة الخارجية و مصالح أصحاب الوكالات الحصرية, فتحت الباب واسعا أمام سياسات الإستيراد الإغراقية على حساب مصالح قطاعات الإنتاج السلعي، وخاصة الزراعة. فقطاع الزراعة في الدول المتقدمة والمصدرة للسلع الزراعية والتي تصدر معظم هذه السلع على الصعيد العالمي، تدعم زراعتها و مزارعيها بما يزيد عن 300 مليار دولار في السنة (وذلك لسنة 2004). أما في سنة 1999 فكان معدل دعم المزارع الواحد في الدول المتقدمة والمصدرة للسلع الزراعية على الشكل التالي:
معدل دعم المزارع الواحد في الدول المتقدمة (1000 دولار)
الدولة | سويسرا | النرويج | أيسلندا | كوريا | اليابان | السوق الأوروبية | و.م.أ. | الدول المتقدمة OECD | كندا | واستراليا |
معدل الدعم للمزارع الواحد | 34 | 32 | 30 | 23 | 23 | 17 | 14 | 11 | 8 | 3 |
Financial Times Nov.19, 1999
______________________________________________________________
(1) جريدة الحياة بتاريخ 04/08/2004
وتمثل صادرات هذه الدول المتقدمة أكثرية الصادرات الزراعية العالمية. فصادرات دول السوق الأوروبية المشتركة – و ذلك قبل توسيعها لتضم دول شرقي أوروبا- تمثل 33.1% من الصادرات العالمية للزراعة, و تمثل أميركا 13.3% , وكندا 5.7%, و أستراليا 3.2%, و تمثل تجارة هذه الدول فقط في السلع الزراعية 55.3% من التجارة العالمية بهذه السلع.
أما نسبة الدعم من أسعار السلع الزراعية, و كمعدلات عالمية للدعم, فهي على الشكل التالي:
نسبة دعم السلع الزراعية من الدخل غير الصافي لهذه السلع
نوع السلعة | الحليب | الرز | لحم بقري | القمح | حبوب أخرى | الشوفان | لحم غنم | لحم خنزير | زيوت نباتية | السكر | الدجاج | البيض |
نسبة الدعم% | 52 | 74 | 31 | 36 | 46 | 20 | 51 | 12 | 18 | 39 | 10 | 11 |
Financial Times Nov.19, 1999
وبالرغم من ارتفاع نسبة الدعم للسلع الزراعية المستوردة، والتي يتم انتاج معظمها في لبنان، فإن الضريبة على استيراد هذه السلع لا يتجاوز اقصاها الـ 15% ، وتم تخفيض معظمها الى حوالى 5%. وبالتالي فان معدل الاغراق في استيراد هذه السلع يكون في الفرق بين معدل الدعم ومعدل الضريبة على الاستيراد.
ولا تكتفي جمعية تجار بيروت بذلك, بل تطالب بخفض جميع الضرائب على سلع الإستيراد إلى أقل من خمسة في المئة, و تتجاوب حكومات الرئيس الحريري مع هذه المطالب, و تمعن في كشف قطاعات الإنتاج السلعي للإغراق الخارجي. " فقد أعلن وزير الإقتصاد و التجارة مروان حماده أنه تم إرسال مشروع قانون التجارة الخارجية و الإجازات الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء, تمهيدا لاعطائه مجراه القانوني" و أوضح بيان للوزارة أن هذا القانون يهدف الى "ازالة الحواجز و العقبات امام انسياب السلع بين مختلف الدول. ففرض قيود على التجارة الخارجية لأسباب حمائية أصبح أمرا مرفوضا و يتعارض مع مفاهيم و أحكام الإقتصاد العالمي الجديد." (السفير، 6-7-2004) و ذلك مع العلم أن تجارة السلع الزراعية يخضع لحمايات شديدة جدا في معظم دول العالم و خاصة في الدول التي تبشر بحرية التجارة, و إن القوانين و الأنظمة العامية تسمح بالحماية ضد سياسات الإغراق.
إن لبنان, بالتالي, سيفتح المجال واسعا أمام إغراق السوق المحلية بسلع زراعية معانة بمعدلات مرتفعة جدا, و لو أدى ذلك إلى إقعاد قطاع الزراعة بشكل خاص, و ذلك خدمة لمصدري السلع الزراعية في البلدان المتقدمة, بدل تشريع قوانين تمنع الإغراق كما تفعل كافة دول العالم, و حسب القوانين الدولية المرعية.
قبل ذلك, أقرت الحكومة اللبنانية إتفاق الشراكة مع السوق الأوروبية المشتركة دون دراسة علمية لحاجات الإقتصاد اللبناني وشروط التجارة مع السوق الأوروبية, و دون نقاش علمي, و بالسر تقريبا, و ذلك بعد تخفيض كافة الحواجز الجمركية و فتح الأبواب واسعة امام سياسات الإغراق الأوروبية, و قبل إعادة هيكلة الإقتصاد اللبناني خلال إثني عشرة سنة من التكيف _ كما تنص المعاهدة_ مما ألحق و يلحق أضرارا بالغة بالإقتصاد اللبناني, و خاصة بقطاعات الإنتاج السلعي, و ذلك خدمة لجمعية تجار بيروت, ذوي الرؤية الضيقة و الآنية, و الذين لا يدركون أن إقعاد قطاعات الإنتاج سيفقر الشعب اللبناني و يقتل تجاراتهم و احتكاراتهم على المديين المتوسط و الطويل.
(2) السفير بتاريخ 6/7/2004
تتمثل الطاقات الزراعية الطبيعية بكمية المياه المتوفرة و المساحات الصالحة للزراعة و المناخات المتعددة الملائمة لأنواع عديدة من الزراعات, و في مياهه الصالحة لتربية
الأسماك كما في شواطئه و مياهه الإقليمية.
_المياه
إن الموارد المائية اللبنانية تتمثل في الهواطل من الأمطار و الثلوج لمدة تتراوح بين 80 و 90 يوما في السنة كمعدل عام. و تتفاوت معدلات الأمطار من منطقة إلى اخرى, فتبلغ ما بين 700 و 800 ملم على الساحل, و 2000 ملم أو أكثر في أعالي الجبال, و يهبط هذا المعدل إلى حوالي 250 ملم في شمال سهل البقاع. كما أن كمية الأمطار تختلف من سنة إلى اخرى, فتتغيير صعودا او هبوطا بما يزيد في بعض السنوات عن 50%.
وبذلك, فإن معدل الهواطل المقدرة على جميع الأراضي اللبنانية تبلغ حوالي 8600 مليون متر مكعب سنويا.
وفي لبنان 15 نهرا ذات سيلان دائم, ثلاثة منها أنهار دولية, و هي نهر العاصي و النهر الكبير الشمالي و نهر الحاصباني. تشكل مياه السيلان السطحي حوالي 27% من الموارد المائية اللبنانية. و حسب بعض التقديرات, فإن المياه المتاحة في لبنان يمكن تحديدها على الشكل التالي:
المياه المتاحة كمية المياه (مليون متر مكعب في السنة)
الأمطار والهواطل 8600
و قد وضعت وزارة الطاقة و المياه برنامجا لدراسة و تنفيذ المشاريع المائية الكبرى في سدود وبحيرات جبلية, تبلغ كلفتها الإجمالية حوالي 547 مليون دولار, بحيث تصبح القيمة الإجمالية لكميات المياه المخزنة بعد إنجاز هذه السدود تقارب 350 مليون متر مكعب, تضاف إلى طاقات تخزين السدود المقامة حاليا و المقدرة بحوالي 525 مليون متر مكعب, فتصبح كمية المياه المخزنة أو التي يمكن تخزينها حوالي 875 مليون متر مكعب.
يتوزع إستعمال المياه في لبنان بين الإستعمال المنزلي و مياه الشرب و حاجات الري و الحاجات الصناعية على الشكل التالي:
السنة | كمية المياه المتاحة | حاجات الاستعمال (مليون متر مكعب) | |||
منزلي و شرب | ري | صناعة | المجموع | ||
1996 | 2200 | 350 | 900 | 70 | 1320 |
2015 | 2600 | 900 | 1700 | 240 | 2840 |
أي أن لبنان سيبدأ في مواجهة أزمة مياه في العقد الثاني من القرن الحالي.
المساحات الزراعية
تقدر منظمة " الفاو" الدولية ان المساحات المستعملة للزراعة في لبنان تمثل حوالي 36% من المساحات الصالحة للزراعة. فمساحات الأرض المزروعة تبلغ 264 ألف هكتار تقريبا, و الأرض الزراعية غير المستعملة تبلغ 271 ألف هكتار, بينما تبلغ الأراضي التي يمكن إستصلاحها حوالي 190 ألف هكتار. و بذلك تكون مجمل الأراضي التي يمكن زراعتها حوالي 725 ألف هكتار.
لكن الأرض المروية و التي يمكن ريها تشكل حوالي 26% من مجمل الأراضي القابلة للزراعة. فالمساحات المروية حاليا تبلغ حوالي 90 ألف هكتار, أما الساحات التي يمكن ريها, فتبلغ حوالي 100 ألف هكتار, و تكون مجمل المساحات المروية و التي يمكن ريها حوالي 190 ألف هكتار تقريبا, و تحتاج إلى 1700 مليون متر مكعب من المياه.
بكلام آخر, يمكن زيادة الأراضي المزروعة بنسبة 177%, و زيادة الأزاضي المروية بحوالي 111% , و هي نسب توسع مهمة جدا.
الناتج الزراعي والواردات الزراعية:
حسب دراسة إحصائية لوزارة الزراعة (3), فإن القيمة الإجمالية للناتج الزراعي اللبناني لسنة 1999 بلغت حوالي 1872 مليار ليرة لبنانية. و إن 72% من هذه الناتج كان للإنتاج النباتي, و 28% كان للإنتاج الحيواني.
و بلغت قيمة الواردات النباتية و الحيوانية حوالي 1075 مليار ليرة, كما بلغت الواردات الزراعية المصنعة حوالي 753 مليار ليرة, بينما بلغت الصادرات الزراعية للبنان حوالي 81 مليار ليرة, و الصادرات الزراعية المصنعة بحوالي 119.1 مليار ليرة. بكلام آخر, إن نسبة تغطية الواردات الزراعية بالصادرات الزراعية المصنعة و غير المصنعة بلغ أقل من 10% , و بلغ الإنتاج المحلي من استهلاك السلع الزراعية غير المصنعة حوالي 64% , و يظهر ذلك مدى انكشاف الأمن الغذائي اللبناني رغم توفر الأرض و المياه. اما حصة الزراعة من الناتج المحلي القائم لسنة 1999 فكانت اقل من 9% , و يظهر ذلك مدى تراجع قطاع الزراعة في لبنان.
(2) السفير في 18/4/2001
المعيقات التي يعاني منها القطاع
تتعدد المعيقات التي يعاني منها قطاع الزراعة, بعض هذه المعيقات بنيوي نابع من تركيبة القطاع و علاقاته مع القطاعات الاخرى, و بعضه سياسي, نابع من سياسات الحكومات المتعاقبة, او بالاحرى من تركيبة الطبقة الحاكمة و مصالحها و علاقاتها الخارجية, و بعضه الآخر من تخلف القطاع و عدم القدرة على تنظيمه. و يمكن تحديد بعض المعيقات الأساسية للقطاع على الشكل التالي:
(1) انعدام التنظيم: يتسم قطاع الزراعة بطغيان الفردية أو الاستقلالية المطلقة للمزارع في معظم الزراعات, خارج الزراعات الصناعية (مثل زراعة الشمندر السكري و التبغ), و بالتالي بالتقليدية و عدم التطور. و قد بائت بالفشل معظم محاولات تنظيم المزارعين عبر التعاونيات الصغيرة المعنية بالملكية الجماعية لبعض وسائل الإنتاج العالية الكلفة و شراء المدخلات و التسويق و التمويل. و بقيت الفردية المطلقة هي القاعدة الأساسية في قطاع الزراعة. واذا كان لا بد لهذا القطاع من الخروج من التخلف و الضمور, فلا بد من تنظيمه حتى يمكن توجيهه و تحديثه و رفع قدراته التنافسية, و بالتالي نموه و توسعه.
(2) الملكية الزراعية: تتسم الملكية الزراعية في لبنان بالتوزع بين الملكيات الصغيرة المفتتة و الملكيات المتوسطة الحجم, و الملكيات الكبيرة. فالملكيات الكبيرة تشكل حوالي 35% من مجمل المساحات الزراعية, و الكثير منها يتم تأجيره للفلاحين بكلفة عالية نسبيا أو يزرع بالمحاصصة. و هانك ملكيات صغيرة و مفتتة في الكثير من المناطق, و خاصة المناطق الجبلية, تشكل عقبة تحول دون مكننة الزراعة و خفض كلفة الإنتاج فيها.
(3) نوعية المحاصيل الزراعية: لا زالت الزراعة اللبنانية ترتكز على المحاصيل التقليدية و على أصناف قديمة من الاشجار المثمرة و الخضار التي لا تتناسب مع اذواق المستهلكين في الداخل و الخارج, و بالتالي بإنخفاض الطلب عليها, مما يخفض المردود من زراعتها. و ما زال الإهتمام متواضعا بالمحاصيل و الاصناف الجديدة المرتفعة المردود.
(4) مشاكل التسويق: إن الأسواق الداخلية للمنتجات الزراعية غير منظمة, و أقنية التسويق الداخلي لا تعمل لصالح المزارع, بل لصالح الوسطاء التجاريين الأكثر تنظيما, مما يعطي المنتج نسبة متدنية من سعر البيع النهائي للإنتاج. و فشلت التعاونيات الزراعية في إختصار الوساطة التجارية. كما أن اقنية التجارة الخارجية للإنتاج الزراعي قد تم تفكيك معظمها ابان الحرب الأهلية و الإجتياح الإسرائيلي, مما أفقد الإنتاج الزراعي معظم أسواقه الخارجية. و لم يتم حتى الآن إعادة بناء هذه الأقنية التي كان الفلسطينيون في لبنان يشكلون بنيتها الأساسية. كما أن نوعية الإنتاج اللبناني في معظمها أصبح متخلفا و لا يتلائم مع الطلب في الأسواق الخارجية.
(5) إرتفاع ثمن المدخلات الزراعية: إن ثمن المدخلات الزراعية المستوردة, و الخاضعة للبنية الإحتكارية التجارية, هي جد مرتفعة اذا ما قورنت بكلفة هذه المدخلات في الأسواق العالمية أو في دول الجوار. يشمل ذلك الشتول و البذور و الأدوية الزراعية و المبيدات و الأسمدة كما أسعار الطاقة و المعدات و الآلات الزراعية.
(6) نوعية معظم المدخلات: إن النوعية الفاسدة و المغشوشة للمدخلات الزراعية في كثير من الأحيان تؤدي الى خسارة المحصول الزراعي أو تدني حجمه و نوعيته, و كثيرا ما تلوث البيئة و تلحق أضرارا بصحة المستهلكين, و ذلك بسبب إنعدام الرقابة و المحاسبة على النوعية و السعر.
(7) غياب الإحصائات الموثقة و المعلومات و الدراسات عن السوق المحلية كما عن الأسواق الخارجية و حركة التجارة الدولية, مما يؤدي إلى إرتفاع مخاطر السوق و تذبذب الأسعار فيه.
(8) انعدام التنسيق بين الإنتاج الزراعي و حاجات الصناعات الزراعية من ناحيتي النوعية و الكمية (خضار, فواكه, حليب) مما يدفع الصناعات الزراعية إلى إعتماد مصادر خارجية أكثر ثباتا و استمرارية من حيث الإمداد و الأسعار.
(9) غياب التسليف الزراعي الميسر. ان السوق المالية اللبنانية ، والتي تشكل المصارف التجارية العمود الفقري فيها، غير مؤهلة لتمويل قطاع الزراعة ، والذي يحتاج الى تمويل طويل ومتوسط الاجل ، والى فهم لطبيعة هذا القطاع. كما ان عدم تنظيم الاكثرية من وحدات الانتاج وقدرتها على الامساك بمحاسبة نظامية ، وعدم قدرتها على توقع انسياب نقدي شبه مؤكد وثابت ، وعدم ثبات اسعار المنتجات الزراعية وحجمها ، كما نوعية الضمانات المقدمة لمصادر الاقراض ؛ كل ذلك يجعل اقراض قطاع الزراعة مرتفع المخاطر ، ولا ترغب المصارف التجارية في تحملها 0 لذلك كان اقراض المصارف لهذا القطاع لا يتعدى الواحد في المئة من مجمل اقراضها في معظم السنوات الماضية. لهذه الاسباب يلجأ العاملون في القطاع الى المرابين والى الاعتماد على تجار مدخلات الانتاج لتمويل دورتهم الزرعية ، وبكلفة جد مرتفعة تصل في كثير من الاحيان الى مئة في المئة ، كفائدة على الاقراض المباشر او غير المباشر.
(10) ارتفاع أثمان الأراضي الزراعية. ان اثمان معظم الاراضي الزارعية لا ترتبط بالمردود المتوقع من زراعة الارض ، بل ترتبط في كثير من الاحيان بالمضاربات العقارية ، وبالطلب المتوقع عليها للبناء السكني او الصناعي. يعود ذلك الى انعدام قوانين البناء حسب مخططات المدن والقرى ، واعتماد عشوائية التوسع العمراني. ان ارتفاع ثمن الاراضي الزراعية ادى الى ارتفاع كلفة التوظيف في الزارعة ،وبالتالي الى ارتفاع كلفة الانتاج الزراعي بشكل عام ، كما ادى في بعض المناطق الى ارتفاع ايجار الارض للمزارعين ، اذ بلغ ايجار الدونم الواحد اكثر من 200 دولار في السنة 0
(11) غياب خرائط حديثة للتربة وعدم وجود دراسات تحدد ملائمة الاراضي والمناخات للزراعات المختلفة ، وغياب الترشيد في استعمال المياه للري ونقص اقنية الري والطرقات الزراعية الصالحة في معظم المناطق ، وارتفاع كلفة النقل و التخزين.
(12) عدم وجود قانون لحماية الاراضي الزراعية من المد العمراني العشوائي ، مما ادى الى فقدان القطاع اكثر من 20 الف هكتار من اخصب الاراضي الزراعية خلال العقدين الاخيرين
(13)عدم قدرة المنتجين اللبنانيين على البحث والوصول الى اصناف بديلة في الإنتاج كالتي يتم استيرادها من الخارج بكلفة مرتفعة جدا ، وهي معدة للاستهلاك الطازج ، وذلك لاسباب عديدة أهمها:
أ- انعدام الإرشاد والتوجيه من قبل جهات موثوقة تعمل ضمن رؤية شاملة ومستقبلية وليس لأهداف الربح الآني والسريع.
ب- انعدام القدرات المالية لشراء بذور و نصوب غالية الثمن من الخارج
ج – قناعة المزارع بشعبية بعض السلع وقدرته على تسويقها ، والعقلية التقليدية لمعظم المزارعين ذوي الرؤية المحافظة التي تكره التغيير وتخافه.
(13) المردود المتدني لبعض الزراعات. مثال على ذلك زراعة التفاح والتي يقدر عمرها في لبنان بـ 40 سنة ، وانتاجيتها تقدر بين 16 و 20 طن للهكتار سنويا ، وذلك للاصناف التقليدية المزروعة ، اما انتاجية الانواع الجديدة من اشجار التفاح مثل "الغران سميث"، وهو نوع جديد من التفاح ، فيبلغ معدل انتاج الهكتار منه حوالي 40 طنا. لذلك إن تجديد هيكلية الاشجار المثمرة في لبنان يؤدي إلى ارتفاع الإنتاجية وخفض كلفتها ، وزيادة الطلب على الانواع الجديدة من الخارج. ولكن ذلك يتطلب سنوات عديدة من العمل والارشاد والدعم للمزارع. فقد استغرق استبدال انواع التفاح القديمة بانواع جديدة بشكل كامل حوالي 50 سنة في بعض مناطق أميركا.
(14) غياب الإرشاد الزراعي على أصعدة انتقاء الشتل والبذور حسب نوعية الارض والمناخ، وتقليم الأشجار، إلى جانب التبريد الملائم لكل نوع من الانتاج الزراعي من حاجته لدرجات الحرارة ونسبة الاوكسجين والتهوية.
(15) المنافسة الخارجية للبضاعة اللبنانية في السوق الداخلية، والتي تشكل اغراقا لهذه السوق، بسبب الدعم الذي تناله السلع المستوردة على صعيدي الانتاج والتصدير، وبسبب اختلاف الانظمة الراعية للزراعة أو المهمشة لها مثل لبنان.
واقع الثروة الحيوانية
لا تتوفر في لبنان احصاءات دقيقة وسنوية للثروة الحيوانية. بل يتم تقديرها حسب عينات احصائية تقارب الواقع. وعند نهاية التسعينات كانت التقديرات او بعضها على الشكل التالي:
اعداد الحيوانات وعدد العاملين والمستفدين
من هذا القطاع
نوع الحيوانات | عددها | عدد العائلات العاملة | عدد الافراد والمستفيدين |
الابقار | 56.626 | 18221 | 90395 |
الاغنام | 321.732 | 3546 | 17790 |
الماعز | 494020 | 3150 | 16275 |
الخنازير | 6000 | 57 | 265 |
الخيل | 2300 | 826 | 2497 |
الدواجن | 60000000 | 1885 | 11298 |
المجموع |
| 27685 | 138520 |
ويدل عدد العاملين في هذا القطاع على اهميته ، كما تساهم صادرات هذا القطاع بجزء ضئيل من تغطية وارداته لا تتعدى هذه النسبة 2% ويساهم هذا القطاع في تغطية اكثر من ربع الحاجات الاستهلاكية المحلية كما يبين الجدول التالي:
النوع | الانتاج المحلي (طن) | المستورد ( طن) | الحاجة الاستهلاكية | نسبة تغطية الاستهلاك بالانتاج |
لحوم حمراء | 29000 | 80000( مذبوح ) | 109000 | 27% |
حليب | 221000 | 598000(معادل بالسائل) | 819000 | 27% |
اسماك | 4900 | 18229 | 23829 ( الف0 ل ) | 21% |
الحلـــــول
(1) تنظيم القطاع : ان تنظيم قطاع الزراعة هو شرط للنهوض به وحل مشاكله. والتنظيم لا يمكن ان يكون قسريا بل من الضروري جذب المزارع الفردي بطبيعته ، والذي يميل الى الاستقلالية التامة والتقليد، الى هذا النظام القادر على توجيهه وارشاده وحل مشاكله الاساسية كافة، وبالتالي رفع انتاجيته وربحيته، والحد من تذبذبات مدخوله الى مدى بعيد. وقد اثبتت التجارب التعاونية السابقة فشلها في هذا المضمار، وعجزت عن حل المشاكل وتجاوز العقبات التي يعاني منها المزارعون واصحاب الحيازات المتوسطة الحجم. ويتلخص التنظيم المقترح بالتالي:
أ- انشاء تعاونية، او بالاحرى شكلا جديدا من العمل التعاوني، على صعيد لبنان كله. ولهذه التعاونية فروع في كافة المحافظات والاقضية – تشرف على هذا التنظيم التعاوني هيئة مختلطة تتمثل فيها العديد من الوزارات المعنية، مثل وزارة الزراعة، وزارة الاقتصاد، وزارة الموارد المائية، وزارة البيئة، كما ممثلين عن المزارعين يتم انتخابهم من قبل القواعد، ويمثلون كافة قطاعات الزراعة. ويتم انتخاب هيئة ادارية مصغرة يتمثل فيها القطاع العام.
ب- يتم تأمين رأسمال التعاونية من قبل القطاع العام، ومن قبل هبات وقروض ميسرة طويلة الامد – مع سنوات سماح – من مصادر خارجية عديدة ومهتمة ، مثل بعض الحكومات والمؤسسات الدولية.
ج – يتم ربط التعاونية بكليات الزراعة في الجامعة اللبنانية ، وبالمدارس المهنية المعنية بالزراعة، وبمراكز الابحاث الزراعية على اختلاف انواعها، كما بامكان هذه التعاونية الاستفادة من برامج المساعدات الزراعية الدولية ، التي تهتم بدعم قطاع الزراعة عن طريق نقل الخبرات والارشاد الزراعي.
د- تنشئ التعاونية مراكز للشتول المؤهلة الملائمة للمناخات اللبنانية ، ولمراكز انتاج البذور المؤهلة أيضا ، والى مراكز اننتاج بيض الاسماك وما الى ذلك من مرافق محلية تؤمن مدخلات الزراعة
هـ - تقوم التعاونية باستيراد مدخلات الانتاج التي لا تنتج محليا ، من ادوية ومبيدات واسمدة ومعدات زراعية. كما تنشئ مراكز لتأجير المعدات الزراعية الثقيلة التي تفوق اثمانها وقدراتها الانتاجية طاقة وحاجة المزارعين. مثل الجرارات الكبيرة ، والحصادات ومعاصر الزيت على سبيل المثال.
و- تقدم التعاونية الارشاد الزراعي المجاني للمزارعين. ويشمل الارشاد الزراعي المترابط مع التمويل والتسويق ، نوعية الزراعات الملائمة للتربة والمناخ ونوعية الشتول او البذور المستعملة وارشادات الزرع والوقاية والعلاح الذي يضمن نوعية المحصول وحجمه المنتظر.
ز - تقدم التعاونية التمويل اللازم لدورة الانتاج الزراعي ، عن طريق تمويل المدخلات الزراعية من التعاونية ، وذلك بالترابط مع المصرف الزراعي الذي سبق واشرنا الى ضرورة انشائه ،مع اخذ الضمانات الفردية و الجماعية من المزارعين.
ح - ترتبط التعاونية مع نقاط توزيع على صعيد المناطق اللبنانية كافة، من نقاط توزيع قائمة او يمكن اقامتها ، وكذلك على صعيد الخارح ،كما ترتبط بعقود مع الصناعات الزراعية لتأمين مدخلات هذه الصناعات من الانتاج الزراعي اللبناني حسب النوعية والجودة والكميات المطلوبة.
(2) استحداث قوانين تمنع سياسات الاغراق الخارجي بسلع مدعومة بنسب عالية وخاصة السلع الزراعية وبالتالي فرض رسوم جمركية توازي معدلات الدعم المعمول بها خارجيا على صعيدي الانتاج والتصدير. وكذلك اعادة النظر والمفاوضات مع السوق الاوروبية المشتركة لحماية الانتاج الزراعي اللبناني من سياسات الاغراق الاوروبية، وهذا حق للبنان.
(3) توسيع الرقعة الزراعية اللبنانية عبر برامج استصلاح الاراضي بمساعدة المشروع الاخضر او مؤسسات اخرى مستحدثة ، وحماية اراضي الرعي من سؤ الاستعمال وتحريش الجبال غير الصالحة للزراعة واستعمالها كأحد مصادر الثروة الزراعية.
(4) تطوير القدرات المائية اللبنانية وذلك يحتاج الى برامج متعددة على الصعد الفنية وعلى المديين المتوسط والطويل.
أ - على الصعيد الفني : اولا – القيام بمشاريع اعادة تأهيل واصلاح المشاريع المائية الموجودة بغية تخفيف الهدر فيها. ثانيا –منع السرقات والمآخذ غير الشرعية. ثالثا – تركيب عدادات مياه بدل " العيارات" عن مآخذ المياه. رابعا – اعادة تأهيل الجهاز البشري واعتماد التدريب الدائم لموظفي المياه.
ب- على المدى المتوسط : اولا – اعادة انشاء شبكات الرصد الهيدرومترية لتأمين المعطيات الاساسية الضرورية للدراسات المائية. ثانيا – وضع المخطط التوجيهي للمياه. ثالثا – تحديث ادارة الموارد والمشاريع المائية.
ج- على المدى الطويل : اولا – وضع سياسة وطنية للمياه ترسم اولويات استخدامها وتوزيعها وطرق المحافظة عليها ، واستعادة ما يمكن من الصرف الصحي منها لاستعمالها في الزراعة ولحماية البيئة. ثانيا – انشاء واقامة السدود والبحيرات الجبلية. ثالثا – تطوير علمي للنطاق المائي الجوفي وتغذيته اصطناعيا بالمياه السطحية في فصل الشتاء.
(5) التوسع في الزراعات المروية. فالمساحات المروية تغطي ما يقارب سبعة اضعاف مردود المساحات البعلية في الزراعة. وبالتالي فان مضاعفة المساحات المروية ينمي الثروة الزراعية بنسب عالية جدا. وتوسيع المساحات المروية يتم عبر زيادة كميات المياه المتاحة للري ،وعبر تحديث وسائل الري التي توفر كميات كبيرة من المياه ، وبالتالي تمكن من مضاعفة المساحات المروية. وفي الوقت ذاته فان الوسائل الحديثة بالري مجدية اقتصاديا على المديين المتوسط والطويل ،وان كان التوظيف الأولي فيها مرتفع نسبيا. ويمكن تمويل هذا التوظيف الاولي عبر القروض الزراعية المتوسطة الاجل والسابق ذكره، وبالتالي تمكين المزارعين من تحديث شبكات الري التي توفر المياه وساعات العمل، وتحسن نوعيات الانتاج وتزيد من كميته بنسب عاليه.
(6) تحسين وتنمية الانتاج الحيواني. وذلك عبر تطوير وتطبيق الانظمة المتعلة بحماية الثروة الحيوانية وتنميتها وهي الدواجن ، الابقار، الماعز، والاغنام، الخنازير، الخيل، الحيوانات الاليفة. و يتم ذلك عبر الوسائل التالية:
أ- تحسين النسل
ب- وقاية الحيوان من الامراض
ج- تحسين محيط الحيوان
د- تنمية انتاج الاعلاف
هـ- تشجيع الصناعات الغذائية
و- تأمين الارشاد الطبي المجاني للمزارعين ،والادوية عبر التعاونية الزراعية
ز- تطوير المواصفات والمقاييس
ان تحسين الانتاج الحيواني عن طريق التربية الفنية الحديثة من شأنه ان يساهم في تطوير صناعة اللحوم الحمراء والبيضاء المعدة للاستهلاك 0
(7) انشاء مسلخ حديث للحوم في طرابلس. اذ ان مرفأ طرابلس يستطيع استقبال السفن الكبيرة لنقل ا لمواشي وسهل عكار الغني بالمياه والقادر على تأمين الاعلاف المطلوبة ، يشكلان البنية المطلوبة لانشاء مسلخ حديث يحتاجه لبنان بالحاح. ويؤمن الذبح الصحي النظيف لكل لبنان ، وتنشأ حوله صناعات اللحوم – للتصدير كما للاستهلاك المحلي – وصناعات الجلود وما يتفرع عنها ، فنؤمن لمنطقة محرومة آلاف فرص العمل. ودراسات الجدوى الاقتصادية تؤيد انشاء مثل هذا المسلخ في طرابلس وعكار.
(8) تنمية تربية الاسماك والاحياء المائية. ينتج لبنان حوالي ربع استهلاكه من الاسماك ، و يستهلك حوالي نصف معدل الاستهلاك الفردي العالمي من الاسماك ايضا ، بالنسبة لعدد سكانه ، مما يبقي المجال واسعا لتحسين نوعية الغذاء فيه عن طريق مضاعفة استهلاكه من الاسماك. ومن المتوقع في حال تحديث وسائل الصيد وتنفيذ المشروع الازرق الذي وضعته وزارة الزراعة رفع كمية الإنتاج من الصيد في المياه الاقليمية اللبنانية الى حوالي 25 الف طن من الاسماك في السنة ،وانتاج ما يزيد عن عشرة آلاف طن من الاسماك في البرك والبحيرات والانهر، حسب الخطة الموضوعة. وقد انشأت الدولة لهذا الهدف معهد علوم البحاروالصيد وتربية الاحياء المائية في البترون ، كما قامت دائرة الصيد المائي والبري باعادة تأهيل محطة تربية الاسماك في عنجر. ان جميع المناطق الساحلية في لينان تلائم حرارتها تربية اسماك " التيلابيا " ، ومن ميزاتها انه يمكن لبحيرة مساحتها 50م مربع وعمقها نصف متر ان تمون عائلة بالسمك على مدار السنة ، ويتم اطعام الاسماك من بقايا الطعام والخضار التي تستهلكها العائلة. وهناك انواع اخرى تتلائم مع المناطق الجبلية ولها المواصفات ذاتها.
ان مشروع تحديث وسائل الصيد في المياه الاقليمية اللبنانية كما وضعته وزراة الزراعة تبلغ تكلفته – لمدة خمس سنوات – حوالي 22 مليون دولار فقط ويشمل التالي :
1- شباك ومعدات الصيد 000 500 3 دولار
2- مجمع لبناء مراكب نموذجية طول 9 و12 و 14 و18 مترا للصيد في المياه الاقليمية 000 000 4 دولار
بناء مراكب مراقبة 000 000 1 دولار
بناء مراكب طول 12 و14 و 18 مترا 000 000 4 دولار
3- ساحات السمك ومنشآت التبريد 000 000 1 دولار
4- غرف اعادة الضغط --------- 000 00 5 دولار
5- تربية الاحياء المائية 000 000 3 دولار
6- التدريب والتعليم والارشاد والبحث العلمي
التطبيقي 000 000 5 دولار
المجمـــوع 000 000 22 دولارا اميريكا
وأخيرا يمكننا القول ان انماء قطاع الزراعة في لبنان لا يهدف الى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي ، بل يهدف الى تركيز لبنان على الزراعات الاكثر ربحية والتي تتطلب كفاءات عالية للانتاج ، ويتمتع لبنان بتفوق نسبي فيها وبقدرات اعلى من المنافسة على صعيد الاسواق الخارجية والسوق المحلي. وذلك يعود ا لى تعدد مناخاته وتميز بعضها عن مناخات المحيط ، ولتوفر الارض والمياه والقوى العاملة المنفتحة والقادرة على تطوير خبراتها وقدراتها الانتاجية. وبتالي يصبح لبنان مصدرا للعديد من السلع الزراعية العالية الجودة ، ومستوردا لسلع اخرى. وبذلك يحقق توازنا بل ربما فائضا كبيرا في تجارته الخارجية بالسلع الزراعية على المديين ا لمتوسط والطويل.
إن التنمية الزراعية، الممكن تحقيقها تهدف الى تحقيق الاهداف التالية:
1- تحقيق معدل مرتفع من نمو الناتج المحلي القائم ، واطلاق عدد كبير من الصناعات التي تشكل المدخلات الزراعية قوامها والصناعات التي تشكل مدخلات اساسية للقطاع الزراعي، أي ان التنمية الزراعية تنعكس على تنمية بقية القطاعات كافة وتطلق بالتالي تنمية اقتصادية شاملة على الصعيد الوطني.
2- خلق عشرات الآلاف من فرص العمل الدائمة والثابتة ذات المردود المادي المرتفع ، وبالتالي توقف الهجرة الكثيفة من الريف الى المدن.
3- القضاء او الحد من الفقر في الارياف حيث يرزح تحت خط الفقر عدد متزايد من السكان.
4- تحقيق مستوى مرتفع من الامن الغذائي.
5- تقليص العجز في الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري.
6- تحسين البيئة والحد من التلوث ، وتوسيع القاعدة السياحية اللبنانية.
7- تحسين الغذاء اللبناني وجعله اكثر توازنا، مما ينعكس ايجابا على قطاع الصحة فيخفض الاصابات المرضية، ويزيد بالتالي من القدرات الانتاجية، ويخفض الفاتورة الصحية.
ونذكر في النهاية بما ورد سابقا، بان تنمية قطاع الزراعة يشكل القاعدة الصلبة لاطلاق تنمية شاملة ومتوازنة على الصعيد الوطني.
قطـــــاع الصحـــة
الانفاق الصحي في لبنان – واقع وحلول
(إعداد: الدكتور بهيج عربيد، رئيس وحدة التخطيط وإدارة المشاريع والبرامج في وزارة الصحة اللبنانية)
يعكس الإنفاق الصحي في لبنان مدى الخلل القائم في مواقع مختلفة من نظامنا الصحي. إن مناقشة قطاعات الصحة منفردة ، يهدف الى تبسيط البحث، اذ ان هذه القطاعات متشابكة ومتساندة ، ولا يمكن الفصل بينها.
أولا : الانفاق الصحي
في آخر دراسة احصائية جرت سنة 1999 ، قدر الانفاق الصحي بحدود ملياري دولار في السنة ، وما يعادل حوالي 11.3 % من الناتج المحلي القائم والمقدر ويعتبر هذا المعدل من الانفاق على الصحة مرتفعا جدا اذا ما قورن بنسبة قدرها 4% في الدول العربية. ويعتبر البعض ان هذا المعدل متدنيا مع ما ينفق في الدول الاوروبية. ولكن الفارق في مستوى الاجور ، ومجالات التغطية ،مثل ضمانات الشيخوخة والعمل وسواها. نظهر عدم صحة هذه المقارنة.
مواقع الانفاق : يمكن تحديد مواقع الانفاق على الشكل التالي:
1- الانفاق على العلاج في المستشفى وخارجه.
2- الانفاق على الادوية.
3- الانفاق على الادارة الصحية.
4- الانفاق على البحوث وسواها.
ونظامنا كسائر دول العالم الثالث ، نظام علاجي يستأثر بحوالي 75% من اجمالي الانفاق الصحي، مقابل ما بين 5 و8 % على الوقاية، والقليل على البحوث، ومبالغ كبيرة على الادارة.
فالمؤسسات الضامنة لا تغطي الخدمات الوقائية للمضمونين. وحتى مشروع تطوير القطاع الصحي العام البالغة نفقاته حوالي 350 مليون دولار تم تخصيص اقل من 4% منه لانشاء المؤسسات الرعائية، والباقي للاستشفاء.
ويتوزع الانفاق الصحي على الشكل التالي:
أدوية 25 %
الجسم الطبي 25 %
المستشفى 50 % ، ويغطي ذلك كلفة الاقامة وغرفة العمليات ،والخدمات الشخصية والخدمات العامة 0
مصادر التمويل: تنحصر مصادر التمويل بالمصادر التالية:
أ – القطاع العام ويساهم بنسبة بين 18 و20 % من اجمالي الانفاق.
ب- رجال الاعمال وارباب العمل بحوالي 12%
ج - القطاع المنزلي بحوالي 71 %
ويوضح ذلك مدى العبء المادي على العائلات اللبنانية. ويعود ارتفاع هذا العبء عل المواطنين الى الاسباب التالية:
أ- فوضى سياسة التأمين العامة ، حيث غالبية الصناديق لا تحمي زبائنها من دفع الفروقات للاطباء والمستشفيات ، بين تعرفة المؤسسات الضامنة والكلفة الحقيقية المدفوعة من قبل المواطنين.
ب- التوجه العلاجي للنظام الصحي اللبناني.
ج- النظام التجاري للادوية حيث ان الادوية النظامية Generics لا تشكل اكثر من 3 % من حجم الدواء.
د- وزارة الصحة تؤمن الاستشفاء فقط لغير المضمونين ،وبعض الخدمات الاجتماعية كأدوية الامراض السرطانية وبعض الادوية المرتفعة الثمن بحدود 25 مليار ليرة سنويا.
ان 40 % من اللبنانيين غير مشمولين بانظمة التأمين ،ولا يملكون اية تغطية اجتماعية ، وتقدم لهم الخدمات الطبية من خلال المستوصفات والمراكز الصحية العامة والاهلية ، والتي تغطى موازنتها وزارة الصحة. هذه العوامل مجتمعة جعلت المواطنين – اوالقطاع المنزلي – يغطي حوال 71 % منن مجمل الانفاق الصحي.
ثانيا : ترشيد الانفاق الصحي
1- إن تعدد المؤسسات الضامنة العامة ادى الى نتائج يمكن تلخيصها بالتالي:
أ – هدر الامكانات البشرية والمادية.
ت- فوضى التقديمات نتيجة غياب التنسيق بين المؤسسات الضامنة.
ج - تفاوت في العلاقة بين منتجي الخدمات ، وبينهم وبين المستهلكين.
وتتمثل الحلول بالتوجهات التالية :
أ- آليات توحيد المؤسسات الضامنة العامة. ونقترح اعتماد روزنامة تنفيذية تعتمد المراحل التالية :
أولا: توحيد آليات العمل وهي : التعريفات، التصنيف، العقود مع المؤسسات الاستشفائية والجسم الطبي، وآليات الرقابة و التدقيق. وبالنسبة للتعريفات ولمضمون العقود، نقترح اعتماد نظام البدل المقطوع المعروف بـ DRG أو Payment par Pathology .
2- إعادة النظر في السياسات المعتمدة في المؤسسات الضامنة الحكومية والتي تتلخص بالتالي :
أ – تعديل التوجه العلاجي في السياسات الصحية ، وهذا يفترض ان تعتمد المؤسسات الضامنة الوقاية ومفاهيم الرعاية الصحية كأساس لها ، كأن تضمن التلقيح وتساهم في تمويل البرامج الرعائية المختلفة ، واهمها برنامج الادوية المزمنة ، والأدوية الاساسية في المؤسسات الرعائية ، وان تمتلك مؤسسات رعائية ، او ان تتعاقد مؤسسات رعائية قائمة ، بعد ضمان كافة شروط الجودة الواجب توفرها. ان خيارات من هذا النوع ستؤدي حتما الى تحسين الصحة العامة ، وتخفيض الحاجة للعلاج والاستشفاء، وبالتالي خفض كلفة التأمينات بنسب عالية جدا لا تقل عن 20 الى 30% 0
ب- اعتماد الأدوية النظامية كأساس لقياس كلفة الدواء في الفاتورة الصحية الاستشفائية وخارج الاستشفاء. ان اعتماد الادويةالنظامية كفيل لوحده بخفض كلفة الادوية بما لا يقل عن 40% .
ج- ضرورة توجيه المؤسسات الضامنة نحو بدائل الاستشفاء ، بالاستشفاء النهاري والليلي
والمنزلي. واستنادا للتجربة الفرنسية ، فان الوفر سيكون بحدود 30 % من الفاتورة الاستشفائية 0 وهذا بالاضافة لخفض معدل الحاجة الى الاسرة الاستشفائية. هذا الامر جعل فرنسا تغلق خلال السنوات العشر الماضية 50 الف سرير ، اي حوالي 20% من الاسرة المتوفرة في المستشفيات.
د- توحيد آليات الرقابة والتدقيق. ويمكن لتنظيم الرقابة انشاء مؤسسة عامة متخصصة ، او مؤسسة خاصة متخصصة بالرقابة على القطاع الصحي.
هـ- إعلان البطاقة الاستشفائية بغية ضبط حركة المرضى وخفض الكلفة الادارية.
و- إطلاق البطاقة الصحية والتي تنظم خدمات التأمين للاستشفاء وللخدمات خارج الاستشفاء. ومن الضروري توحيد الصناديق، وهذا قرار سياسي وليس قرارا فنيا.
سياسات التأمينات الصحية
ان التوجه نحو اعادة تنظيم قطاع التأمينات العامة يفرض اعادة النظر في مصمون السياسات المنفذة ونقترح التالي على سبيل المثال :
1- حماية المرضى المشمولين بالتأمينات الصحية العامة من دفع الفروقات للاطباء ام للمستشفيات ام للوسطاء وذلك من خلال : أ – الإتفاق بوضوح على تعرفة للخدمات والاعمال الطبية لكافة مؤسسات التأمين العامة ، لا يمكن تجاوزها ، وتسديد الدولة حقوق هذه المؤسسات حين استحقاتها.
ب- نظام العقود. ضرورة اعتماد نظام البدل المقطوع ،كما اعتمدته وزارة الصحة للمستشفيات، وكذلك الأعمال الطبية، مع ضمان الجودة و السلامة العامة. وذلك يولد وفرا يتعدى 30% من الكلفة
ج-التوجه الوقائي في مجال التأمينات : ان التوجه الحديث للسياسة الصحية هي ضمان الصحة الجيدة وليس ضمان المرض 0 الم تُعرًف الصحة بعد " الما آتا " عام 83 انها حالة من الرفاهية والسعادة الجسدية والنفسية تعمل الدولة بالتعاون مع المجتمع المحلي على ضمان استمرارها وتطورها ؟
ونقترح ان تتولى الصناديق الضامنة تغطية كافة اللقاحات المعتمدة في وزارة الصحة، وان تخصص الصناديق الضامنة جزءاَ من موازنتها للتثقيف الصحي ، وتعزيز طب العمل ، واعتماد المؤسسات الرعائية كالمراكز الصحية.
وتستطيع المؤسسات الضامنة التعاقد مع المراكز الصحية الموجودة بعد ان تقوم وزارة الصحة بتنفيذ مشروع الاعتماد Accreditationعلى المراكز الصحية. ان هذا التوجه كفيل بخفض معدلات الحاجة للاستشفاء والخدمات العلاجية. ومن الضروري اعتماد الصناديق الضامنة بعض البرامج الرعائية وأهمها الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي ،وسرطان البروستات ، وللسكري والكوليسترول وترقق العظام.
د- المكننة و بناء قاعدة المعلومات. وقد تم قطع شوط كبير في هذا لمضمار ن بحيث يسهل اصدار الدراسات الاحصائية في الحقل الصحي الشامل.
2- قطاع الاستشفــاء
من المعروف ان لبنان يملك قطاعا استتشفائيا كبيرا ومميزا
أ- واقع هذا القطاع.
يمكن تلخيص واقع هذا القطاع على الشكل التالي:
أ – 1- في الحجم
* القطاع الخاص
يوجد حوالي 141 مستفى خاص مع تعدد للأسرة 11000 سرير ، حوالي 69% من هذه المستشفيات صغير الحجم دون 100 سرير، يتوفر لدينا حجم الخدمات والتقنيات الطبية المتطورة ما يفوق بكثير ما هو متوقر في دولالمنطقة 0 كما يتوفر لدينا مستشفيات مشهود لها بالسمعة الجيدة والمستوى الراقي جدا ، الامر الذي يجعل سوق الاستشفاء اللبناني يمتلك امكانات استقطاب السياحة الصحية العربية وتقديم خدمات علاجية وتشخيصية واستشفائية مميزة بجودتها. ولا بد من الاشارة الى ان لبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي تطبق نظام الاعتماد.
ان معدل تشغيل الأسرة هو بحدود 55% ، وهو معدل منخفض ومتفاوت طبعا بين المستشفيات ، حيث يبلغ هذا المعدل في بعض المستشفيات الكبيرة 85% وما فوق ، وفي بعض المستشفيات الحكومية 90% ، وان معدل اقامة المريض في المسشتفيات هو 3.8 يوم.
* القطاع الاستشفائي العام
ان مشروع القطاع العام الاستشفائي والذي تبلغ كلفته حوالي 320 مليون دولار يشمل :
· تأهيل مستشفيات عاملة موجودة
· بناء وتجهيز مستشفيات جديدة
· اعتماد نظام استقلالية المسشفيات الحكومية
من المنتظر الانتهاء من هذا المشروع في آواخر سنة 2006 ليصبح لدينا 30 مستشفى حكومي مع 2654 سرير مستوفية للشروط العالمية والاوروبية بنوع خاص. والاعتقاد بان القطاع العام الاستشفائي يمتلك الكثير من مقومات انتاج خدمات طبية جيدة النوعية ، وبالتالي امتلاكه قدرة المزاحمة مع القطاع الخاص.
فالمستشفيات حديثة ومستوفية لشروط الجودة والسلامة العامة ، ونظام العمل الاداري هو نعسه المطبق في المستشفيات الخاصة ، كما ان نظام عمل الاطباء مبني على مفهوم الانتاجية كالقطاع الخاص.
هذا الى جانب ان المريض يساهم فقط بما نسبته 5 % من كلفة الخدمة الاستشفائية المقدمة له مقابل مساهمته رسميا بـ 15 % وعمليا باكثر من ذلك في المستشفيات الخاصة لنفس الخدمة الاستشفائية.( فروقات للأطباء وبدل خدمات أخرى وأدوية غالية...).
هذا ما نتصوره لمستويات الاستشفاء الاولية والثانية ، اما الخدمات الاستشفائية المتقدمة Soins tertiaires فإننا نعتقد بان لمستشفى بيروت الجامعي الحكومي (550سرير ) دورا مهما في مجال الخدمات الطبية المتطورة فهو يمتلك احدث الوسائل التشخيصية الشعاعية والمخبرية وسواهما ، كما يضم نخبة من الاطباء والممرضات والفنيين والاداريين. الامر الذي يخوله من دخول ساحة المزاحمة مع مستشفيات القطاع الخاص الجامعية ومن الباب العريض.
يجب ان نتوقع اذا توفرت الادارة الجيدة للمستشفيات الحكومية ان تستقطب هذه المستشفيات نسبا كبيرة من المواطنين وان تعمل بطاقة تشغيلية كبيرة.
وان مستشفياتنا في النبطية وتنورين تعطي المثال الجيد حيث يبلغ معدل التشغيل للاسرة وللخدمات حوالي 90% وحتى هناك لوائح انتظار.
أ- 2- واقع السوق الاستشفائي
يتحكم بسوق الاستشفاء عدة عناصر اهمها :
· فوضى الاستثمارات في مجالات الاستشفاء أكان لفتح مستشفى ام لفتح اقسام متطورة أم لاستقدام تكنولوجيا طبية متطورة. وهي ناتجة عن المبادرة الفردية المطلقة الحرية.
· المضاربات لاستقطاب الزبون القادر على الدفع.
· ضعف الرقابة على الاداء. بالرغم من أننا بدأنا بتطبيق نظام الاعتماد ابتداء من 2002.
· اقتصار برامج التأهيل المستمر للأطباء ومساعديهم على مبادرة فردية محصورة لبعض المستشفيات.
· المشاكل المستمرة مع منتجي الخدمات من صناديق ضامنة وأطباء حول التعريفات والحسومات وسواها.
أ-3- المقترحات الممكنة لتطوير قطاع الاستشفاء
تنظيم العرض
لا بد من تنظيم العرض ووضع حدو للاستثمارات وان تعتبر الحاجات الصحية وضرورة تلبيتها هي الاساس في تقدير الجدوى الاقتصادية والطبية لأي استثمار.
· والخريطة الصحية تمثل الطريقة الفضلى لتنظيم العرض ، هذه الوسيلة استعملتها دول عديدة مثل فرنسا.
واننا نأمل من خلال اعتمادها تامين عدة أمور اساسية تشكل مرتكزات مهمة لأي سياسة صحية قابلة للحياة والتطور.
· ان الخريطة الصحية تهدف الى تأمين التوزع العادل للخدمات على كافة المناطق. وهي بالتالي تشكل الاساس لتقريرالمشاريع التنموية والاولويات.
· ان الخريطة تهدف ايضا الى تأمين العدالة في الحصول على الخدمات الصحية وذلك من خلال الغاء او التخفيف من الحواجز بين العلاج والمريض.
· ان الخريطة ترتبط بشكل مباشر في نوعية وجودة الخدمات الطبية المنتجة.
· ان الخريطة تتوجه الى تعزيز الشراكة في ادارة الصحة في المناطق الصحية ( القضاء او المحافظة )
· ان الخريطة الصحية تتوجه لبناء قاعدة معلومات صحية شاملة لتشكل الاساس لكل عمليات التخطيط وتحديد الاولويات.
ولقد انجزنا الكثير من التحضيرات ضمن مشروع الخريطة الصحية.
أما تنظيم الطلب على الخدمة الطبية الاستشفائية والرعائية فهو مرتبط باعادة تنظيم قطاع التأمينات الصحية العامة وتشكل البطاقة الصحية إحدى أهم الوسائل. للتذكير فقط ان الكلفة المقدرة لانشاء سرير استشفائي تتراوح بين 75 و 500 الف دولار والكلفة مرتبطة بنوعية المستشفى وتنوع خدماتها والتقنيات الممكن تجهيزها بها.
أما كلفة تشغيل السرير الواحد فهو يعادل ما يقارب 25-45% من كلفة التأسيس. والكلفة هنا مرتبطة بخدمات المستشفى وامتلاكها للتكنولوجيا الطبية المتقدمة.
من هنا فان اي ضبط لعلميات الاستثمار في مجالات الاستشفاء ستنعكس ايجابا على كلفة الصحة. يجب الا ننسى المقولة الشهيرة : ان الآلة تصنع زبائنها خاصة وان العرض هوالذي يتحكم بلعبة السوق وليس الطلب في لبنان.
ثم هناك اهمية ثانية لمشروع الخريطة الصحية وهي اننا في لبنان والمنطقة العربية على ابواب الدخول في عالم العولمة وان مباحثات قد بدات بين عشردول عربية لتحرير تجارة الخدمات فيما بينها ومنها الخدمات الصحية.
كل المنظمات الدولية أوصت لبنان والدول العربية بضرورة بناء خريطة صحية لكي تعرف هذه الدول ما لديها من خدمات ومدى حاجتها في الكيمة والنوعية والتنوع ، ويهدف تفادي الانزلاق الىالمضاربات والاستثمارات الضخمة والتي تقدر بالمليارات بناء المدن الصحية لاستقطاب الزبائن العرب. ان الخريطة يمكن ان تشكل الاساس للتكامل بين الاسواق الصحية العربية اذا سمح لها بذلك.
والخريطة الصحية تبقى اساسية خاصة للبنان حيث السباق على التكنولوجيا الطبية يبلغ الذروة والكلفة تقدر بمئات الملايين من الدولارات مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار دائما إننا بلد مستهلك للخدمات والتكنولوجيا وليس مصنعا لها ، وهناك فرق في سياسة الدول المصنعة والدول المستهلكة 0 وحتى إننا راينا هذا الفرق واضح بين فرنسا والمانيا.
المانيا تصنع آلات IRM ( الرنين المغناطيسي اعتمدت مقياس آلة لكل 90 الف مواطن مقابل آلة لكل 300 الف مواطن وجاليا خفض المعدل آلة لكل 200الف ، لأن فرنسا لا تصنع هذه الآلة المكلفة.
* الإدارات المشتركة للخدمات الطلبية والخدمات العامة في المستشفيات
إن ضبط وترشيد الانفاق هو هاجس كل السياسات الصحية في العالم خاصة وان الانفاق الصحي يتفاقم نتيجة تطور حاجات المواطنين الصحية ، وفي اوروبا واميركا الشمالية واليابان وسواهم ، هذه الدول تواجه تصاعدا مذهلا في كلفة الصحة خاصة متطلبات الصحة لمراحل الشيخوخة حتى تعدى الامل في الحياة الثمانين سنة.
هذه الدول وهي الدول الغنية والصناعية الكبرى تتوجه في كل سياساتها لاعتماد كل خطوة يمكن ان تؤدي الى وفر اقتصادي. وأهم هذه الخطوات :
- انشاء خدمات مشتركة بين المستشفيات في المنطقة الواحدة مثل " المغسل المشترك والمطبخ والصيانة ومركزية المشتريات للأدوية والمعدات واللوازم الطبية وصولا الى الشراكة في برامج التأهيل المستمر للأطباء ولكل العاملين في المستشفيات واخيراTelemedicine .
ومن الواضح من التجارب الحاصلة ان هذا التوجه يؤدي الى خفض الكلفة بحدود 30% والى تحسن في نوعية الخدمة.
- الشراكة المالية في امتلاك تكنولوجيا طبية متطورة تلبية لحاجة منطقة محددة. وهذا يندرج في اطار الخريطة الصحية وعمليات التكامل بين المستشفيات وبأقل كلفة مالية.
المهم هو توفر الشروط القانونية التي تسهل مثل هذه الشراكة وتسهل حصول المواطنين على خدماتها. وان فرنسا مثلا تعمل الكثير لدفع المستشفيات لديها لتبني مثل هكذا توجهات لما لها من انعكاس اكيد على مجمل الانفاق الصحي.
* - مستقبل العلاقة بين القطاعين العام والخاص في حقول الاستشفياء
ان مشروع الخريطة الصحية لا يفرق بين القطاع العام والخاص وبالتالي من المنطق ان نتوجه في السياسة الصحية نحو التكامل في الخدمات. والخريطة الصحية هي في الحقيقة وسيلة فعالة لترشيد الاستثمارات وحماية القطاع الخاص من الفوضى والمضاربة ونتائجها المدمرة ، وفرض التكامل في الخدمات بين المؤسسات في المنطقة الصحية الواحدة.
*- جودة الخدمات والسلامة العامة
المشكلة في قطاع الاستشفاء هي نوعية اكثر منها كمية ، فالأسرة المتوفرة كافية وتتعدى المقاييس الممكن اعتمادها لتلبية حاجات المواطنين الاستشفائية.
والحقيقة اننا قطعنا شوطا كبيرا في مجال ضمان الجودة والسلامة العامة ، وذلك من خلال :
- وضع الشروط الفنية الواجب توفرها في كافة اقسام وخدمات المستشفى الطبية والعامة والتي تفرض كشرط للحصول على رخصة الانشاء والاستثمار.
- تنفيذ نظام الاعتماد حيث نفذت المرحلة الاولى عام 2002 وتبدأ حاليا المرحلة الثانية، وأدى الى خلق أجواء إيجابية جدا في مجال توفر شروط الجودة والسلامة العامة.
ثالثا : الرعاية الصحية الاولية
1- المؤسسات الرعائية
تشكل المراكز الصحية العمود الفقري لنظام الرعاية الصحية الأولية. واستنادا الى أدبيات وتجارب منظمة الصحة العالمية. ان المركز الصحي هو بناء معد لتنفيذ الخدمات الرعائية على انواعها فهو يمتلك العيادات الضرورية وخدمات الاشعة الاساسية والمختبرات الموجهة للفحوصات الروتينية وطب الاسنان وخدمات الطوارئ الاساسية وقسم للخدمات الاجتماعية وللتثقيف الصحي وصيدلية وادارة.
ان التقديرات العملية لكلفة المركز الصحي المتطور ( حوالي 1000 متر مربع ) ولقد انشأنا خمسة عشر مركزا من هذا النوع المتطور من الهبة المقدمة من دولة الكويت ومن الامير الموليد بن طلال فالكلفة هي بحدود 750 الف دولار اميركي.
وان مثل هكذا مراكز صحية قادرة على تلبية 85 % من حاجات شريحة مهمة من المواطنين 20 الف في مناطق الريف، و 30-50 الفا من المدن.
كما يمكن لهذه المراكز تقديم خدمات الجراحات السريعة وهي مهمة وبكلفة متدنية جدا.
ان تقديرات الحاجة لمثل هذه المراكز لتلبية الحاجات الوطنية هي بحدود 175- 200 مركز صحي متوفر منها حاليا 100 مركز موزعة كالتالي :
- 75 % للقطاع الاهلي مقابل 25 % لوزارة الصحة العامةوبعض المراكز القليلة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
ان هذه المراكز قادرة علىتقديم خدمات هائلة علاجية ووقائية وبكلفة متدنية جدا ، تجعل الخدمة الصحية في متناول كل الناس.
ولقد سبق وطرحنا الحاجة لتعديل سياسة الصناديق الضامنة لامتلاك مثل هكذا مراكز صحية متقدمة.
أما المستوصفات وهي الوحدات الصحية الادنى ، ما يزال الجدل حولها قائما حول فعاليتها ودورها أو موقعها في النظام الصحي. الامور غير واضحة خاصة وان علامات استفهام كثيرة تحوم حول اسباب إنشاء قسم كبير منها وحول خدماتها وافتقارها الى الحد الادنى من الجدية والمسؤولية.
إننا في المبدأ نعتقد بأن للمستوصفات كوحدة صحية اولية دور وموقع في النظام الصحي، الامر الذي يفرض الشروط الفنية الواجب توفرها فيها والتي جرى تحديدها في مشروع قانون الخريطة الصحية.
2- جودة الخدمات ومقاييس السلامة العامة
الكل متفق على اهمية تنفيذ نظام الاعتماد على مستوى المراكز الصحية أسوة بالمستشفيات وان التحضيرات جارية لتنفيذ ذلك.
أما المقاييس الفنية الواجب توفرها في المراكز والمستوصفات وهي مواصفات البناء والتجهيزات الطبية والادارية ومواصفات العناصر البشرية العاملة وانظمة إدارة هذه المؤسسات الرعائية.
فالعمل جار ايضا لتحديد هذه المواصفات واصدارها بمراسيم في مجلس الوزراء.
3- نظام الإحالة
هو النظام الذي ينظم حركة المرضى بين المستويات الطبية المختلفة من المستوصف الى المركر الصحي الى مستشفى القضاء فالمستشفى المركزي.
ان نظام الإحالة يفرض جملة شروط :
أولها : ان يتم تحديد منطقة خدمات لكل مركز صحي Zone d attraction ليصبح المركز الصحي مسؤولا عن مجموعة من المواطنين وهو ينظم ملفاتهم وإحالتهم للمستويات الاخرى.
ان هذه العملية كفيلة بضمان مصلحة المريض الصحية والمالية وهي تؤدي حكما الى تحسن في نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.
وثاني هذه الامور تتمثل في تأمين حاجات المنطقة الصحية خاصة من الخدمات التشخيصية وتوفرها بصورة محدودة 0 يعني اذا كانت المنطقة بحاجة الى آلة تصوير للثدي فيتم تأمينها لمركز صحي ويمنع على المراكز الاخرى شراؤها بل يتم التوافق على استخدامها مشتركين.
وثالث هذه الامور أن المستشفى يلعب دوره في تأهيل الاطباء العاملين في المراكز الصحية واشراكهم في الجهود العلمية التي ينفذها.
4- حجم خدمات المراكز الرعائية
تحدد الدراسات الإحصائية ان حوالي 15-18 % من المواطنين يستهلكون خدمات المستوصفات والمراكز الصحية. ومن الطبيعي ان نسعى لتحسين هذه المعدلات وذلك من خلال تحسين مستوى الخدمات وكسب ثقة المواطنين بهذا النوع من الخدمات الصحية.
والكل يعلم من ان النجاحات المحققة في كافة البرامج الرعائية كانت نتيجة للتعاون والتنسيق مع القطاع الاهلي والبلديات والمنظمات الدولية.
كما ان هذه ا لنجاحات هي التي أدت الى خفض معدلات الوفيات عند الاطفال دون الخامسة من العمر من 60 بالالف اثناء الاحداث الى 20 بالاف حاليا.
والبرامج المعتمدة حاليا للسنوات الخمس القادمة تتوجه نحو تخفيض الفوارق في هذه المؤشرات بين المناطق ، لانه مع الاسف ما يزال معدل الوفيات عند الاطفال في مناطق عكار الهرمل هو ثلاثة اضعاف منها في بيروت وجبل لبنان.
5- إدارة خدمات الرعاية
إن أهم توجه في السياسة الصحية على المستوى الرعائي يتمثل بالشراكة واقصى درجات التعاون مع مؤسسات القطاع الاهلي والبلديات والادارات العامة المعنية الاخرى.
وتوجد حاليا لجنة مركزية للرعاية الصحية الأولية برئاسة المدير العام وعضوية كل الشركاء السابقي الذكر واننا حاليا نخطط لتأسيس ادارة موحدة للصحة في المناطق الصحية ( الاقضية التي جرى اعتمادها في مشروع الخريطة الصحية كاساس لتنظيم خدمات الرعاية الصحية الاولية ) مستفيدين من هبة مشكورة من الحكومة الايطالية.
تجدر الإشارة هنا الى ان كل النجاحات التي تحققت في مجالات الوقاية كانت نتيجة للتعاون الجيد بين مختلف المؤسسات المعنية عامة واهلية وخاصة لذلك نحن نعول كثيرا على هذه الشراكة في ادارة الصحة لانها وسيلة فاعلة لخلق التفاعل والثقة بين المواطن والمسؤسسات الصحية الرعائية.
ان جهدا كبيرا ما يزال مطلوبا لتعزيز نظام الرعاية خاصة لضمان شروط جودة الخدمات وتنظيم الممارسات المهنية ورفع مستواها واعتماد الرعاية جزءا من سياسة التأمينات الصحية. إن اية مقارنة بين كلفة المريض الواحد في المؤسسة الرعائية لا توازي شيئا نسبة لكلفة معالجته في العيادة الخاصة حيث التعريفات لا تخضع لنظام وفي مراكز التشخيص من مختبرات ومراكز اشعة خاصة.
6- التقييــــم
من الاهمية بمكان اعتماد نظام مراقبة دائمة وتقييم مستمر للبرامح الرعائية ونتائجها وانعكاسها على المؤشرات الصحية العامة الى جانب اصدار التقارير الاحصائية الدورية.
ومن المنطقي ايضا تعزيز الموازنة السنوية المخصصة للرعاية فهذا الانفاق وكما سبق وقلنا هو انفاق ايجابي يرتبط بصحة الناس في ادق تفاصيلها.
رابعا : قطــــاع الدواء
يمثل الدواء موقعا مميزا في النظام الصحي ، فهو الى جانب كونه مادة اساسية للعلاح فهو ايضا يمثل حوال 25% من اجمالي الانفاق الصحي وهي نسبة عالية جدا ، خاصة واننا وكما سبق وذكرنا فان المواطن يساهم بحوالي 70 % من ثمنها.
4-1 : مرتكزات السياسة الدوائية
لقد كتب الكثير عن الدواء ويكفي التذكير بما يلي :
- إن سوق الدواء حر
- إن حجم السوق هو بحدود 5000 صنف مسجل ، وان 3% فقط هي ادوية نظامية Generic والباقي ادوية معلبة بالنظام التجاري.
- إن حجم الانتاج الوطني من الادوية هو 8% والباقي ادوية مستوردة بالدرجة الأولى من اوروبا.
ان كلفة الدواء يحضع لمعادلة : سعر بلد المنشأ x 171 = سعر المبيع للعموم
واهم مكونات السعر : جعالة الصيدلي والبالغة 25 % يستفيد منها الصيدلي 22.5 %
- ان 8/10 من الوصفات الطبية المصروفة في الصيدليات هي محددة من الصيدلي مباشرة وليس من الطبيب. ومن الطبيعي ان ينصح الصيدلي عندما تسنح له الفرصة بالادوية الغالية لمصلحته بذلك.
- ان الرقابة الدوائية عندما تحدث لا تتعدى 50 % من الادوية وذلك لعدم توفر الامكانات في المختبر المركزي.
- ان الانتشار العشوائي للمستوصفات ( 750) ووجود خزائن أدوية فيها ساهم في فوضى السوق الدوائية.
- إغلاق مشروع المكتب الوطني للأدوية.
- توفر حوالي 3300 صيدلي و 1200 صيدلية وحوالي 80 مخزن ادوية خاصة.
4-2: الحلول المقترحة
إن الحلول المقترحة للسياسة الدوائية تتوجه نحو ثلاثة امور مرتبطة بالدواء تجارة وكلفة وجودة وفعالية.
أ – في العوامل المؤثرة في جودة الدواء وفعاليته
- شهدة المنشأ وضمانات الجودة والفعالية.
- تعزيز التفتيش الصيدلي لدى وزارة الصحة ونقابة الصيدلة.
- مختبر الرقابة الدوائية.
لقد أقر مجلس الوزراء الصحة العرب مشروع مختبر الرقابة الدوائية العربية وكلف لبنان بانشائه. ونحن نقترح احد الحلين التاليين :
· انشاء مختبر للرقابة الدوائية من ضمن مؤسسات القطاع العام وربطه اداريا بالمدير العام للصحة.
· أو انشاء مؤسسة عامة مستقلة تحت وصاية وزارة الصحة لادارة مختبر الرقابة الدوائية.
ان مثل هكذا مؤسسات من الاكيد ان مداخيلها تغطي كلفة تشغيلها.
· ضرورة وجود مكاتب علمية للشركات لتقديم الادوية من المنظار العلمي البحث.
ب- العوامل المؤثرة في الكلفة
هناك عوامل عديدة مؤثرة في سعر الدواء للعموم واهمها :
- سعر بلد المنشأ.
المشكلة تتمثل في وجود صعوبا ت كبيرة في تحديد بلد المنشأ ، ونعتقد بان قسما كبيرا من الكلفة تكمن هنا وهي غير منظورة.
توجد مئات الاصناف من الادوية اسعارها اعلى من سعر بلد المنشأ للعموم ، وهذا مخالف للقوانين.
- جعالة الصيدلي
تأخذ بعين الاعتبار كلفة انشاء الصيدلية وكلفة تشغيلها والاموال المستثمرة في قطاع الدواء، واخيرا التقديرات لمدخول الصيدلي الذي يوفر له شروط الحياة المرجوة.
الأنظمة المعتمدة :
· في لبنان للصيدلي جعالة على صرف الادوية توازي 2205% من سعر الدواء.
· في الولايات المتحدة للصيدلي رسم محدد مقابل صرفه للوصفة الطبية بغض النظر عن كلفتها.
· في سوريا جعالة الصيدلي هي نسبة مرتبطة بسعر الدواء كلما ارتفع سعر الدواء انخفضت النسبة. وكلما انخفض سعر الدواء ارتفعت نسبة الجعالة.
إننا نعتقد بان الطريقة السورية جيدة وتوازن بين مصلحة الصيدلي والمريض والمؤسسة الضامنة.
ج – نظام الادوية المعتمد:
في لبنان ان 97 % من الادوية هي ضمن النظام التجاري ولا بد لخفض سعر الدواء من التوجه نحو:
· الأدوية النظامية
لتشكل الأساس في احتساب كلفة معالجة المرضى المشمولين بالتأمينات الصحية العامة. الخوق هو من ان المؤسسات الضامنة وهي لا تحمي زبائنها ان تعمد الى غض النظر عن الفروقات التي يمكن ان يدفعها المريض مقابل الادوية التجارية ويقدم للضمان مثلا الادوية بالسعر النظامي وللمريض بالسعر التجاري.
· الأدوية الأساسية
أن تعتمد اللائحة المحددة بالأدوية الاساسية لعمل المؤسسات الرعائية وكل مخالفة تعرض المؤسسة للعقوبات ومنها الاغلاق.
إن الفرق بين الادوية التجارية والادوية النظامية كبير جدا.
مثلا = 30 حبة من دواء ( Daonil) Glibenclamid للسكري تعليب تجاري = 30 ليرة
50 حبة من نفس الدواء النظامي = 6 ليرات والفروقات لم تتغير كثيرا.
ان تنفيذ مثل هكذا توجه كفيل بخفض الادوية الى معدلات متدنيةجدا.
· الصناعة الوطنية للدواء
من الطبيعي ان نشجع الصناعةالوطنية للأدوية.
ويظهر ان سوق الدواء المحدود اللبناني للدواء لا يشجع المستثمرين خاصة وان المنافسة الخارجية كبيرة جدا. لذلك نقترح ان نتوجه لبناء سوق عربية موحدة للدواء تصنيعا وتجارة وان تبنى على اساس الشراكة في هذه الصناعة والتكامل في الادوية. خاصة وان هذه الصناعة قد تقدمت كثيرا في دول كالاردن وسوريا ومصر والسعودية.
· الادارة المركزية الوطنية لشراء الادوية Central d achat des medicaments
غالبية الأنظمة الصحية العالم اعتمدت نظام مركزية المشتريات للادوية لتأمين السعر الجيد والجودة المضمونة.
ففي فرنسا هناك مركزية موحدة لتأمين حاجات مستشفيات باريس وفيها 36 الف سرير ، وفي المانيا هناك مركزية واحدة.
ودول مجلس التعاون الخليجي اعتمدت المركزية لشراء الادوية ،واستطاعت ان توفر مئات الملايين من الدولارات سنويا ، وفي ايران ودول شمال افريقيا هناك مركزية و احدة لتأمين الادوية.
أما في لبنان فلم نستطع توحيد مشتريات مستشفيين حكوميين من الادوية.
كان من المنتظر ان يلعب المكتب الوطني للدواء هذا الدور ودلت كل الدراسات التي اعدها المكتب القدرة على خفض كلفة الدواء بحدود 40 % ونعتقد بان السبب في اغلاقه يقع هنا حيث رضخت الحكومة لضغوطات تجار الادوية الاقوياء.
كذلك وفي بداية السبعينات تولى الضمان الاجتماعي القيام بهذه المهمة وتأمين الادوية لمرضاه ووضعت خزائن ادوية محددة لمرضى الضمان.
وكانت لنا تجربة بذلك ، فكان دواء Pentrexyl 500 caps يباع بسعر 12 ليرة لغير المضمون وبسعر 6 ليرات للمضمونين فكان الوفر 50 % وكانت التجربة ناحجة جدا.
ثم تكررت التجربة مرة جديدة وتوفرت كل شروط النجاج لها ليعاد ويقفل هذا الملف ، ونعود الى احضان تجار الادوية.
· المكتب الوطني للدواء
كما سبق وقلنا كان من المتظر ان يلعب هذا المكتب دورمركزية المشتريات ويوفر الدوءا المضمون الجودة والفعالية لكل المرضى المشمولين بالتأمينات الصحية العامة وكان مقررا ان يعتمد نظام الادوية النظامية.
ومن المنطقي تصور الوفر الممكن تحقيقه والذي يمكن ان يتعدى 100 –150 مليون دولار سنويا ، خاصة وان كافة الشعب اللبناني مغطى بخدمات الاستشفاء ، وان 50 % منه مؤمن للخدمات خارج الاستشفاء ، والباقي يستفيد من خدمات برامج الادوية الاساسية ، وادوية الامراض المزمنة مثلا.
تنقذ منظمة الشبان المسيحيين WMCA برنامج ادويةالامراض المزمنة ،وان حجم المستفيدين بلغ حدود 30 الف نسمة.
قدرت الأدوية التي تقدم سنويا بـ 15 دولارا للفرد ، هذه الادوية لو تم شراؤها من الصيدلية لكانت تساوي 65 دولارا ، فالوفر في أدوية كل مريض هو 50 دولارا. يعني ان البرنامج يؤمن وفرا بحدود 15 مليون دولار سنويا ، وما نسبته 77 % .
· الطبيب والدواء
من الطبيعي القول ان للطبيب دور اساسي في الوصفة الطبية, فهو قانونا المكلف الوحيد بذلك.
ومن البديهي ان نتوحه نحو ترشيد الوصفة الطبية من الادوية ،والطبيب هو الوحيد القادر على اقناع المريض بصدقية قراره والمريض ينفذ.
تستعمل بعض المؤسسات الضامنة كالضمان مثلا لوائح محددة للادوية يسمح للطبيب باستعمالها للمريض المضمون ، ولنا ملاحظتين على هذا الاجراء.
ما هو موقف الضمان اذا كتب الطبيب أدوية من خارج هذه اللائحة ؟ هل يتم شطب الدواء فقط ؟ ويدفع المريض ثمن هذا الدواء من جيبه، والامر لا يعني الضمان.
أم ان الطبيب يفرض على الاطباء احترام هذه اللوائح تحت طائلة الغاء العقد مع الطبيب غير الملتزم.
والملاحظة الثانية هي ان لائحة الأدوية تعتمد الادوية بالنظام التجاري ، وهذا يعني اننا نراوح مكاننا. وكان من المفترض اعتماد الادوية النظامية والتعليب الخاص بالمستشفيات ( 1000) حبة او اكثر.
أما ترشيد الوصفة الطبية فهي مرتبطة بتطوير المستوى المهني لأطباء : إننا نؤكد على مقولة " ان الطب الجيد هو الأقل كلفة " فالطبيب الجيد المستوى يعرف مدى الحاجة لوسائل التشخيص المتطورة والمكلفة 0 وهو الطبيب الذي يعرف كيف يصف الادوية الضرورية المناسبة.
فترشيد الوصفة الطبية مرتبط ببرامج التأهيل المستمر للأطباء وبالرقابة على الوصفة الطبية وبالسياسات العامة المعتمدة.
· مقارنة كلفة الدواء
في لبنان بلغت كلفة الدواء 25% من الملياري دولار وذلك لسنة 1999 .
الانفاق الاجمالي للصحة ، أي ما يعادل 138 دولار سنويا للفرد – مقارنة مع دول المنطقة، ولا ندري كم اصبحت الكلفة حاليا: 2004 .
40 دولارا لدول مجلس التعاون الخليجي
25 دولارا لدول شمال افريقيا
9 دولارات لسوريا
طبعا ان فوضى السوق وعدم القدرة على ضبط الاسعار وغياب السياسة الدوائية الجدية جعلت من كلفة الدواء ثلاثة اضعاف ونصف منها في دول الخليح ، 5.5 مرة منها في شمال افريقيا ،و 15 مرة منها في سوريا.
خامسا = الجسم الطبي والطبي المساعد
من الطبيعي ان نولي أهمية خاصة للأطباء وللمهن الطبية الاخرى من اداريين وممرضات و فنيين وسواهم ، وذلك للدور الريادي الذي يلعبونه في غالبية مفاصل السياسة الصحية.
وان ترشيد الانفاق يمر بقسم كبير منه بالاطباء. فهم الذين يملكون وبحكم القانون حق ممارسة مهنة الطب ومعالجة المواطنين وبطلب خدمات التشخيص المتنوعة والمتطورة منها بنوع خاص. ويوجد نوعان من طرق التعاطي مع المهن الطبية : العدد والنوعية.
* - في العــدد
من المعروف أنه لا يوجد حدود للعدد كما تفعل بعض الدول التي تحدد وعلى ضوء حاجتها لمختلف انواع المهن الطبية وللأطباء بنوع خاص. العدد المسموح به لدراسة لطب وللتخرج سنويا وضمن مختلف الاختصاصات.
ففي لبنان تركت دراسة الطب حرة مع بعض القيود على الاعداد في الداخل بسبب امكانات الاستقبال فقط. واصبح لدينا حاليا سبعة كليات للعلوم الطبية دون اي رابط اكاديمي بينهما كذلك اننا نستقبل اطباء من كل انحاء العالم.
أصبح لدينا حاليا حوالي 10 آلاف طبيب مسجل في نقابتي الاطباء ، وحوالي 3500 طبيب اسنان و3000 صيدلي و4500 ممرضة.
ويمكن تلخيص الواقع العددي للاطباء على الشكل التالي :
- يوجد إعداد وفيرة من الاطباء ، والبعض يتحدث عن ا طباء عاطلين عن العمل.
- غياب اية رقابة او تدخل في ا لمناهج التعليمية والتدريبية للاطباء.
- غياب اية توجيه لدراسة الاختصاص ، حيث اصبح حوالي 65 % من الاطباء اخصائيون ، والى نقص كبير في بعض الاختصاصات المهمة ، يوجد حاليا جراحي قلب وشرايين اكثر من اطباء العائلة ، كما يوجد فقط سبعة اطباء طوارئ...الخ
- رفض مبدأ تحديد العدد Numerous clauses بحجة ان لبنان كان ولم يزل يستفيد من مجالات العمل المتوفرة في الاسواق العربية والخليجية بنوع خاص والدولية.
- رفض مبدأ علامة الجدارة الواجب توفرها في الامتحانات الثانوية النهائية او في امتحانات الدخول Concours الى كليات الطب. ونحن نعتبر انه لا يوجد اي مبرر لهذا الرفض خاصة واننا كنا ولم نزل نتميز بالمستوى العالي لاطبائنا ، وذا كنا نريد ان نمتلك القدرة على المزاحمة في الاسواق العربية وان نجد مجالات عمل لاطبائنا وممرضاتنا ، فعلينا ان نحافظ على تميز أطبائنا النوعي.
- التوزع المناطقي لأطبائنا. لا توجد مشكلة خاصة بعد ان توفرت المستشفيات في كافة المناطق اللبنانية ففي منطقتي عاليه الشوف مثلا كان الاطباء نادرون عن العام 1979 حيث بدأ انتشار المستشفيات في المنطقتين ( عشر مستشفيات حاليا ). واصبح يتواجد حوالي 400 طبيب من كل الاختصاصات.
- التنظيم المهني للاطباء. يعتبر الانتساب لاحد نقابتي الاطباء الزامي للحصول على حق ممارسة المهنة. المشكلة المزمنة تتمثل في الخلط عند تأسيس نقابتي الاطباء ، بين النقابة والآداب الطبية Syndicat a ordre . فالنقابة مهمتها الاهتمام بالشؤون المهنية ومصالح الاطباء وعلاقتهم مع الغير، واـ Ordre مهمته مراقبة ممارسة المهنة وتطبيق قانون الآداب الطبية ، ويمكن ان تتعارض المصالح بينهما.
في فرنسا مثلا يوجد Ordre واحد للاطباء ( لانه لا يجوز تجزئة الآداب الطبية ) مقابل ثلاث نقابات للاطباء ( النقابات تعكس القناعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لاعضائها ).
والحقيقة ان فعالية النقابة محدودة جدا واعمالها محصورة في التعرفة تقريبا والعلاقات مع الصناديق.
· في النوعيـــة
ثمة عوامل عديدة تؤثر في المستوى الراقي للممارسة واهمها :
- التكوين الاكاديمي ، والمستويات العلمية مرتبطة الى حد بعيد في مرحلة التأسيس للاطباء ، والمشكلة التي تعاني منها هي تعدد المؤسسات العلمية المحلية والخارجية. ومن الطبيعي ان يكون هناك تفاوتا في المستويات.
- علامة الجدارة لقد سبق وعرضناها.
- نظام التأهيل المستمر للاطباء ما زال محصورا ببعض المستشفيات.
- نظام الاعتماد للاطباء ما يزال غير موجود.
- الرقابة على ممارسة المهنة ما يزال محصورا بالمستشفيات او ببعضها والتي اعتمدت وسائل للرقابة الذاتية مثل المؤسسات الجامعية والمستشفيات الكبيرة.
* العلاقة مع الغير
- العلاقة مع الصناديق الضامنة
لا يجوز ان تبقى العلاقة على الشكل الحالي. الاطباء يمارسون سلطتهم على المريض، وهم في الموقع الاقوى ويفرضون عليه تعريفات او اضافات على تعريفات متفق عليها مع الصناديق. والصناديق لا تتدخل طالما المريض هو من يدفع الفرق. على الصناديق ان تحمي زبائنها وان تحسم امرها مع الجسم الطبي وان تتعاقد فرديا وجماعيا مع الاطباء الذين يتعهدون باحترام تعريفات الاعمال الطبية ، طبعا مع ضرورة ان تكون التعريفات واقعية ، وان تنص العقود معهم على عقوبات يتم تغريم الطبيب المخالف بها.
وفي المقابل يمكن للصناديق الضامنة والضمان بنوع خاص تقديم اغراءات للطبيب الملتزم والمتعاقد معه كتخفيض مثلا قيمة التأمين معه بنسبة محددة .... الخ.
على الطبيب ان يعلن وبشكل واضح في عيادته اذا كان متعاقدا مع الصناديق الضامنة ، وان يعلن كذلك اقتراحاته للتعريفات المعتمدة. ومن الأفضل ان تبلغ هذه التعريفات الخاصة بالطبيب الى وزارة المالية.
- العلاقة مع المستشفيات
من البديهي اعتبار الطبيب جزءا اساسيا من المستشفى، وهو بالتالي يخضع في ممارسته لمهنته فيها للقوانين المعتمدة في المستشفى وانظمة العمل الداخلية ، وهو جزء من هيكلية المستشفى الطبية والادارية.
وعليه نحن نعتقد بان الامور يجب ان تسير بشكل ممتاز بينه وبين ادارة المستشفى والمريض.
- الجسم الطبي والمهن الطبية في مرحلة تحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية او مع العالم
نحن نعتقد بان تحرير تجارة الخدمات وفتح الاسواق العربية امام عناصر المهن الطبية المختلفة هو في مصلحة لبنان. وان اعدادا كبيرة من اللبنانيين يعملون خارج لبنان، والشرط الوحيد المطلوب التقيد به والمحافظة عليه بالنسبة للبنان هو النوعية والتميز حتى تبقى هذه الاسواق مفتوحة امامه.
اما لعمل الاطباء او بقية عناصر المهن الطبية في لبنان لن تكون هناك مشكلة طالما هذا الطبيب او سواه الذي يرغب في العمل لدينا يتقيد بالقوانين اللبنانية التي ترعى وتحافظ على الكفاءة ( قانون المهن الطبية – الكولوكيوم ...الخ .).
قطاع الصناعة
لم يحظ قطاع الصناعة بدعم من قبل السلطة اللبنانية منذ إنشاء دولة لبنان الكبير، بل منذ إنشاء نظام المتصرفية سنة 1861. فمنذ ولادة نظام المتصرفية، والذي أصبح فيما بعد نظام لبنان الكبير، كانت طبقة التجار هي الطبقة المسيطرة. فقد تم إنشاء غرفة التجارة والصناعة -والتي كانت طبقة التجار من وكلاء الشركات الغربية، ومازالت، تسيطر عليها- إبان حكم المتصرفية، وفي سنة 1898. ولعبت هذه الغرفة وماتزال، دورا أساسيا في توجيه السياسة اللبنانية، وخاصة على الصعيد الاقتصادي. فقد لعبت هذه الغرفة دور المستشار الاقتصادي للحكومات اللبنانية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتتناقض مصالح التجار وكلاء الشركات الأجنبية مع نمو قطاعات الإنتاج السلعي اللبنانية، والذي يشكل معظم إنتاجها بدائل للسلع المستوردة، وبالتالي تهديدا لمصالح وكلاء الشركات الأجنبية. فالقطاع الصناعي اللبناني لا يتوجه أساسا نحو التصدير بل للسوق الداخلية ولإنتاج بدائل للسلع المستوردة.
لكن قطاع الصناعة حقق نموا كبيرا عندما سمحت له الظروف الداخلية والمحيطة من الإفلات من قيود هيمنة التجار. وتم ذلك تدريجيا في ثلاث فترات أو مراحل.
المرحلة الأولى: تمثلت المرحلة الأولى في ظروف الحرب العالمية الثانية. وقد تحولت معظم الصناعات الأوروبية نحو التصنيع الحربي ولتلبية حاجات الجيوش المتحاربة. كما أن الحرب عطلت قسما كبيرا من طاقات الإنتاج الصناعي الأوروبي، وخلقت صعوبات كبيرة في مجال نقل البضائع عبر البحر المتوسط. وبالتالي، فتحت هذه الحرب المجال أمام نمو بعض الصناعات اللبنانية، لتأمين بعض حاجات الجيوش الأجنبية، المتواجدة في المشرق، كما إلى تلبية حاجات الاستهلاك المحلي. وبذلك نمت بعض الصناعات اللبنانية، واستطاع معظمها الاستمرار بعد الحرب، ولو في ظل الحمايات الجمركية. وتحول بعض هذه الصناعات إلى احتكارات محلية محمية، بفضل تداخل أصحابها مع الطبقة الحاكمة اللبنانية.
المرحلة الثانية: تمثلت المرحلة الثانية بإغلاق قناة السويس نتيجة هزيمة الخامس من حزيران 1967، مما رفع من القدرة التنافسية اللبنانية في أسواق الخليج والسعودية والعراق بشكل خاص، ونتيجة ارتفاع كلفة النقل من الأسواق الأوروبية. ثم جاء الارتفاع الكبير في أسعار النفط وبالتالي التدفقات المالية الكبيرة على الدول النفطية، وما ولده كل ذلك من حركة عمرانية كبيرة، عجزت موانئ تلك الدول، القديمة على البحر الأحمر والخليج العربي، عن استيعاب مدخلات هذه الفورة العمرانية، ونشأت اختناقات كبيرة في الموانئ. رفعت من الطلب على مواد البناء اللبنانية الصنع، والتي يتم نقلها برا إلى الدول النفطية، نتيجة ذلك حققت بعض الصناعات اللبنانية نموا كبيرا وأرباحا فاحشة. كانت بعض الصناعات الصغيرة (الأنابيب البلاستيكية للتمديدات الكهربائية مثلا) ترد كامل رأسمالها خلال ستة أشهر. فقد حقق قطاع الصناعة نموا معدله أكثر من 10 في المئة حتى سنة 1973، ثم معدلا يفوق 30 في المئة حتى سنة 1975، مقارنة مع نمو للناتج المحلي القائم يبلغ حوالي 8.4 في المئة سنويا. وبذلك ارتفع نصيب قطاع الصناعة من الناتج المحلي ومن قدراته التشغيلية لليد العاملة اللبنانية فقد ارتفعت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي القائم من 12.8 بالمئة في سنة 1964 إبى 15.5 بالمئة لسنة 1973، وارتفع عدد العمال الصناعيين من حوالي 45000 عامل في سنة 1964 إلى 96000 عامل في سنة 1970 ثم إلى 155000 عامل في سنة 1975.
المرحلة الثالثة: أتت حرب السنتين التي دمرت حوالي 20 بالمئة من المنشآت الصناعية اللبنانية، وقسمت السوق اللبنانية. وهجرت العديد من المهارات وأصحاب الاختصاص، وسحقت معظم أحزمة الفقر حول المدن، مثل الكرنتينا والنبعة وتل الزعتر وشردت سكانها. أحزمة الفقر هذه كانت تمثل الهجرات الريفية والتي أمنت القوة العاملة الرخيصة وغير الماهرة للصناعات التحويلية اللبنانية البدائية في معظمها والتي لا تحتاج إلى أيد عاملة عالية الكفاءة. وبذلك تدهورت معظم هذه الصناعات، وفقدت نسبة عالية من قدرتها التنافسية.
ورغم ارتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية، والذي انعكس سلبا على القدرات التنافسية اللبنانية، إذ رفع سعر الصرف الحقيقي لليرة، ورغم ارتفاع معدلات الرواتب والأجور نتيجة ارتفاع الطلب على اليد العاملة اللبنانية الماهرة وشبه الماهرة في دول النفط العربي، استطاعت الصناعة اللبنانية أن تتكيف مع الظروف المحيطة، نتيجة ارتفاع الطلب الداخلي كما الخارجي على إنتاجها.
ولكن الاجتاح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وما ألحقه من دمار واسع في البنيتين التحتية والإنتاجية، وما تلاه في استشراء الحرب الأهلية، شكل صدمة قاسية لهذا القطاع الذي عاد وفقد من جديد حوالي 23 في المئة تقريبا من قدراته الإنتاجية بين سنة 1981 وسنة 1985، وذلك رغم حيوية ومرونة الصناعيين. فقد أعاد بعضهم بناء مؤسساته الإنتاجية المدمرة عدة مرات.
تتمثل المرحلة الثالثة في النهوض الصناعي السريع في النصف الثاني من الثمانينات، وذلك بسبب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية والاستقرار الأمني النسبي بعد الانسحابات الإسرائيلية الجزئية من معظم الأراضي اللبنانية. فقد سبب انهيار سعر صرف الليرة إلى انهيار سعر الصرف الحقيقي بمعدلات مرتفعة جدا، وانهيار الرواتب والأجور الحقيقية بنسب مرتفعة جدا أيضا، مما أعطى الصناعة اللبنانية قدرات تنافسية عالية على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالحد الأدني للأجر الذي بلغ 135 دولارا سنة 1975، وارتفع بالسعر الجاري للدولار إلى 196 دولارا سنة 1980 نتيجة ارتفاع الطلب الخارجي على اليد العاملة اللبنانية، ثم إلى 243 دولارا سنة 1983 نتيجة الجتياح الإسرائيلي، واعتقاد أبناء الطبقة البرجوازية اللبنانية الذي رحب معظم أبنائها بهذا الاجتياح –والذين أخرجوا أموالهم من لبنان نتيجة حرب السنتين والخوف من الوجود الفلسطيني المسلح والوجود السوري العسكري- اعتقد هؤلاء أن هذا الاحتلال سيعيد الاستقرار إلى لبنان ويحل مشالكله الأمنية والسياسية. وبذلك عاد هؤلاء إلى لبنان وأعادوا أموالهم إلى السوق المالية اللبنانية، مما رفع الطلب على الليرة اللبنانية، فرفع سعر صرفها، وبالتالي ارتفع الحد الأدنى للأجور مقوما بالسعر الجاري للدولار الأميركي.
تطور الحد الأدنى للأجر في لبنان بالدولار الأميركي
السنة | 1975 | 1980 | 1981 | 1982 | 1983 | 1984 | 1985 | 1986 | 1987 | 1988 | 1989 | 1994 |
الحد الأدنى للأجر | 115 | 196 | 185 | 196 | 243 | 192 | 90 | 70 | 28 | 62 | 50 | 68 |
ونتيجة تداعيات الاحتلال والحرب الأهلية، واعتماد الحكومة الإنفاق التضخمي عن طريق ضخ السيولة في السوق المالية، ونتيجة عودة الرساميل اللبنانية للهروب من لبنان وارتفاع مستويات الدولرة نتيجة تحول معظم المدخرات المقيمة إلى العملات الأجنبية، هبط سعر صرف الليرة بشكل حاد، مما خفض الحد الأدني للأجر إلى 28 دولارا فقط. وبمعدل 88.5 بالمئة عما كان عليه سنة 1983. فكان معدل الحد الأدني للراتب من سنة 1986 إلى سنة 1986 حوالي 52 دولارا. بجانب ذلك فإن غياب السلطة سبب غياب الضرائب والرسوم الجمركية على الاستيراد، مما خفض كلفة المدخلات المستوردة، بالرغم من بعض الخويات التي كانت تفرضها الميليشيات المسيطرة على المرافئ الرسمية والمستحدثة.
لكل ذلك، عادت إلى العمل صناعت توقفت عن الإنتاج في السابق، مع سقوط الحماية الجمركية لإنتاجها. كما استفادت من انهيار سعر الصرف الحقيقي لليرة صناعات أخرى زادت من إنتاجيتها عبر رفع نسبة الاستفادة من استخدام طاقتها الإنتاجية الكاملة (الطاقة الكاملة تعني ثلاث نوبات عمل ل300 يوم سنويا). ارتفع نتيجة ذلك الناتج الصناعي مقوما بالسعر الجاري للدولار من 930 مليون دولار سنة 1985 إلى 1380 مليون دولار لسنة 1987، أي بمعدل 48.5 بالمئة خلال سنتين. فهذه الفورة الصناعية لم تكن بسبب تحديث وسائل الإنتاج وإعادة ترميمها، أو بسبب توسع الطاقة الإنتاجية اللبنانية، بل بسبب إعادة استعمال آلات إنتاج مستهلكة فعليا. ولم تكن كذلك بسبب ارتفاع إنتاجية العامل، بل بسبب انهيار أجره وإفقاره. فكان لبنان يبيع أو يصدر عمليا اليد العاملة الرخيصة.
بنية القطاع
لم تتغير كثيرا بنية قطاع الصناعة في التسعيينات وبداية الألفية الثالثة عما كانت عليه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وذلك من حيث تعدد القطاعات التابعة وحجم المؤسسات الصناعية، وتوزعها بين بيروت وضواحيها، وبين المناطق الأخرى. كما أن استقلالية هذه القطاعات الفرعية عن بعضها البعض مازالت قائمة. فهذه القطاعات الصناعية الفرعية لا تشكل بنية صناعية متشابكة ومتساندة، بحيث تشكل مدخلات بعضها نتاج قطاعات محلية أخرى، بل إن هذه القطاعات تعتمد في معظم مدخلاتها المادية، من آلات ومواد خام أو نصف مصنعة، على الاستيراد من الخارج. حتى قطاعات الصناعات الغذائية تعتمد في مدخلاتها على مكثفات المواد الغذائية المستوردة، بدل الإنتاج الزراعي اللبناني. ومعظم الصناعات الغذائية لا تمتلك الآلات الضرورية لتصنيع الفواكه اللبنانية.
وبالتالي فإن انهيار أحد هذه القطاعات الفرعية لا يؤثر إلا قليلا على بقية القطاعات الاقتصادية أو بقية القطاعات الصناعية الفرعية.
فقد أظهر المسح الصناعي الذي تم في سنة 1994، كما المسح الصناعي الذي تم في سنة 1998. والذي قامت بهما وزارة الصناعة بالتعاون مع منظمةG T Z الألمانية عن مدى تشتت هذا القطاع ومحدودية قدراته. وتظهر هذه الاستطلاعات الأمور التالية:
1-عدد وحدات الإنتاج. قدرت وحدات الإنتاج، أو المؤسسات الصناعية سنة 1998 بحوالي 22000 مؤسسة، بينما كان عددها في سنة 1994 حوالي 23518 مؤسسة. أي أن عدد المؤسسات الصناعية تدنى بنسبة إثنين بالمئة بين سنة 1994 و1998، وذلك برغم برامج التنمية الاقتصادية في لبنان.
ويشير الإحصاء إلى أن نصف المؤسسات الصناعية قد لحقت بها أضرار كبيرة خلال سنوات الحرب، وتم تدمير عدد منها تدميرا كاملا. ولكن حيوية الصناعيين وإقدامهم على المغامرة وإعادة التوظيف في الصناعة أبقى القطاع الصناعي قائما وفاعلا. فقد تم بناء حوالي 30 في المئة من المؤسسات الصناعية التي تم إحصاؤها في سنة 1994، خلا ل أسوأ سنوات الحرب الأهلية، أي بين سنة 1980 وسنة 1990، وإن 30 بالمئة أخرى من المؤسسات تم بناؤها بعد الحرب، وبين سنة 1990 وسنة 1994.
2-توزيع الصناعة على القطاعات الفرعية: لا يتمتع القطاع الصناعي بتنوع كبير، بل ينحصر في غالبيته بثمانية قطاعات فرعية، تمثل حوالي 88.7 بالمئة من مجمل الإنتاج الصناعي. وهذه القطاعات الفرعية هي التالية حسب إحصاء سنة 1998.
القطاع | نسبة إنتاجه من مجمل الإنتاج الصناعي |
المواد الغذائية والمشروبات | 20.3% |
الصناعات المعدنية | 16.1% |
الصناعات غير المعدنية | 11.5% |
المفروشات | 10.7% |
الملابس | 10.3% |
منتجات خشبية عدا المفروشات | 10.2% |
الدباغة والجلود | 5.9% |
النسيج | 3.7% |
ولكن حصة كل قطاع فرعي يمكن أن تتغير بنسبة عالية من فترة إلى أخرى. ويعود ذلك لأسباب عديدة داخلية وخارجية. فتغير السياسات الضرائبية والجمركية مثلا، وارتفاع أسعار الطاقة على اختلاف أشكالها، وبعض الخدمات الداعمة للصناعة، يمكن أن تسبب أضرارا غير متوازنة على القطاعات، لاختلاف مدخلاتها في بعض السلع والخدمات. وكذلك سياسة فتح الأسواق الداخلية أمام المضاربات الإغراقية في بعض السلع المستوردة. كما أن منظمة التجارة العالمية، بسياساتها غير المتوازنة، أدت إلى إضعاف اقتصادات معظم دول العالم الثالث. وإلى تراجع شروط التجارة الخارجية معها، وبالتالي إقفالها عبر كشف أسواقها غير الناضجة لتدفقات السلع الصناعية والزراعية المستوردة من الدول الناضجة اقتصاديا، وتردي أسعار صادرات دول العالم الثالث، وخاصة صادرات السلع الزراعية. فقد انخفض نصيب صناعة المواد الغذائية اللبنانية من مجمل الإنتاج الصناعي من 25 في المئة لسنة 1994 إلى 20.3 في المئة لسنة 1998. وكذلك انخفض نصيب صناعة الملابس خلال الفترة ذاتها من 26 في المئة إلى 10.3 في المئة، واستمر تدهر هذا القطاع في السنوات التالية.
بنية القطاع:
يتميز قطاع الصناعة، حسب إحصاء سنة 1998 بطغيان المؤسسات الصغيرة على بنيته. إذ أن 72 في المئة من المؤسسات الصناعية كان يعمل فيها أقل من خمسة عمال، وهي النسبة ذاتها التي كانت سائدة في سنة 1964[3]، وأربع بالمئة منها يعمل فيها أكثر من 20 عاملا. وهناك 91 مؤسسة فقط يزيد فيها عدد العمال عن 250 عاملا حسب إحصاء سنة 1994. وتطغى على هذه المؤسسات أشكال الملكية الفردية والعائلية، وعشرة في المئة منها فقط تأخذ شكل شركات مختلفة. كما يتركز 45 في المئة من هذه المؤسسات في ضواحي بيروت. وتكاد المؤسسات الصناعية الكبرى أن تنحصر في الصناعات الغذائية والزراعية وصناعة المشروبات. فسبع مؤسسات إنتاجية في هذا القطاع لديها أكثر من 250 عاملا، وعشر مؤسسات لديها بين المئة والمئتان وخمسين عاملا. وتنحصر ملكية المؤسسات الصناعية في القطاع الخاص دون القطاع العام، ما عدا مؤسستين صناعيتين، والأكبر في المطلق من حيث الإنتاج وحجم العمالة، هما شركتا تكرير النقط المدمرتين حاليا،ومنذ سنة 1992، وشركة التبغ والتنباك اللبنانية والمرشحة للتخصيص.
ويشير صغر حجم المؤسسات الصناعية إلى أن معظم هذه المؤسسات هي أقرب إلى الحرفية منها إلى الصناعة. فمعظم دول العالم تعتمد عتبة الخمسة عمال، أو العشرة عمال، للمؤسسات الإنتاجية الصناعية لتصنيفها كمؤسسات صناعية، بغض النظر عن نوعية الآلات المستعملة وطبيعة الإنتاج. وإذا ما اعتمدنا هذا المقياس، فإن عدد المؤسسات الصناعية حسب إحصاء سنة 1994 –والتي لديها خمسة عمال وأكثر- سينخفض من 23500مؤسسة إلى حوالي 6585 مؤسسة صناعية. كما يشير الإحصاء إلى سرعة اندثار أو زوال معظم هذه المؤسسات، وظهور مؤسسات أخرى جديدة، غالبا ما يكون عمرها قصيرا أيضا. ولذلك فإن الأكثرية الساحقة من هذه المؤسسات لا تستطيع مراكمة خبرات صناعية تكفل لها التميز والتفوق واكتساب قدرات تنافسية في السوقين المحلي والعالمي.
عدد العمال الصناعيين:
ارتفع عدد العمال الصناعيين من حوالي 45000 عامل سنة 1964 إلى حوالي 70000 ألف عامل سنة 1970، ثم إلى 125000 عامل سنة 1975، وذلك في المرحلة الثانية من نمو القطاع الصناعي، ثم عاد إلى الهبوط والتذبذب مرارا خلال سنوات الحرب وبعدها كما يبين الجدول التالي:
عدد العمال الصناعيين في سنوات مختارة
السنة | 1964 | 1970 | 1975 | 1986 | 1988 | 1994 | 1998 |
عدد العمال | 45000 | 70000 | 125000 | 62000 | 100000 | 140000 | 114000 |
يظهر هذا التذبذب في عدد العمال الصناعيين إمكانيات هذا القطاع في خلق فرص عمل بمعدلات مرتفعة جدا إذا ما تمت تهيئة البيئة الملائمة لنموه، ناهيك عن دعمه بأشكال مباشرة وغير مباشرة كما تفعل معظم دول العالم. فهذا القطاع -بجانب قطاع الزراعة- قادر على امتصاص البطالة في سوق العمالة اللبنانية، مع تأمين مرتفع من الدخل للعاملين فيه. فقد ارتفعت فرص العمل في قطاع الصناعة من سنة 1964 إلى سنة 1975 بنسبة 178 بالمئة خلال 11 سنة فقط، وارتفعت فرص العمل المتوفرة من من سنة 1986 إلى سنة 1998، أي خلال سنتين بنسبة 61.3%، ومن سنة 1988 حتى سنة 1994، وبالرغم من سنوات الحرب السيئة بمعدل 40 في المئة.
لكن سياسات الطبقة الحاكمة، وبالرغم من كل ادعاءاتها بالعمل على تنمية هذا القطاع، لم تنم هذا القطاع، بل ألحقت به في نهاية المطاف أضرارا جسيمة كما تبين الأرقام المتوفرة. لم تضع السلطات اللبنانية خطة عمل لتنمية هذا القطاع عند إطلاق برامجها لإعادة الإعمار والتنمية، مثل "أفق ألفين" وغيرها من المشاريع والبرامج الطموحة، ولم تضع أي برامج جدية لإعادة بناء مؤسسات الخدمات الداعمة للصناعة، مثل الإحصاء، وموسسة Lebnor، ومركز الأبحاث الصناعية، وشبكة المعلومات الصناعية وغيرها، بل اكتفت بإصدار بيانات سياسية حكومية عديدة حددت بعض الأهداف دون العمل الجدي لتحقيقها، بل وضعت سياسات وتشريعات عديدة ألحقت بالقطاع أضرارا جسيمة، وهزمت الأهداف المعلنة للحكومة، وأهمها الأهداف التالية:
أ- تشجيع الصناعات التصديرية القادرة على المنافسة في الأسواق الدولية.
ب- اجتذاب التوظيفات الأجنبية المباشرة من المغتربين لشركات مساهمة صناعية.
ج- تأمين الحوافز لتطوير المبادرات الصناعية.
د- تشجيع الصناعات الريفية، التصنيع الزراعي، والمجمعات الصناعية المناطقية.
ه- المساعدة على امتصاص التقنيات وتطبيقها لتحديث ورفع مستوى الصناعة اللبنانية.
و- تأمين معلومات متعلقة بالصناعة والخدمات الداعمة لها، بالتعاون مع مؤسسات رجال الأعمال والمؤسسات المختلفة.
ز- تبني الإجراءات الضرورية لحماية البيئة في الوقت الذي يتم فيه تحقيق نمو اقتصادي ثابت ودائم[4].
وبقيت هذه النوايا مجرد أقوال، تم نقضها على صعيد التطبيق السياسي.
من الصعب جدا تتبع تطور القطاع الصناعي سنويا منذ انتهاء الحرب الأهلية، وذلك لانعدام المعلومات المنشورة أو الموجودة، وذلك لرفض السلطة إجراء إحصاءات دورية وشاملة، وربما أيضا لحرص الصناعيين على السرية والتكتم على المعلومات، نتيجة عقلية متخلفة، تضع التهرب من الضرائب كأولوية لها لتحقيق الأرباح. ويمكننا فقط تبيان أو تلمس مسيرة القطاع من خلال مقارنة ما نشر من المسحين الصناعيين غير الكاملين لسنتي 1994 و1998، ثم استعمال بعض المؤشرات الأخرى لتطور القطاع حتى سنة 2004.
فقد شهدت بداية التسعينات توظيفات كثيفة في قطاع الصناعة، وبالتالي ارتفعت مجمل الموجودات الثابتة من 1.97 مليار ليرة إلى 3.88 مليار ليرة، وبمعدل حوالي 79%. وربما يكون بعض هذا الارتفاع عائد إلى إعادة تقييم الموجودات الثابتة، وخاصة العقارية منها، نتيجة ارتفاع أسعار العقارات. ويبين الجدول التالي تطورات القطاع الصناعي بين سنتي 1994 و1998:
| سنة 1994 | سنة1998 |
1-عدد المؤسسات | 23518 | 22000 |
2-عدد العاملين في الصناعة | 140000 | 114000 |
معدل العاملين في المؤسسة الواحدة | 6.52 | 5.2 |
3-مجمل الرواتب | 636 مليون دولار | 637 مليون دولار |
معدل الراتب السنوي | 4542 دولار | 6262 دولار |
القيمة المضافة للعامل | 12646 | 14958 |
4-مجمل الإنتاج | 3.72 مليار دولار | 3.95 مليار دولار |
إنتاجية العامل | 26571 دولار | 34642 دولار |
5-المصروف على المدخلات، منها | 1.9 مليار دولار | 2.25 مليار دولار |
مواد خام | غير معروف | 80% |
طاقة | غير معروف | 8% |
التوضيب | غير معروف | 5% |
6-القيمة المضافة | 1.82 مليار دولار | 1.7 مليار دولار |
نسبة القيمة المضافة من الإنتاج | 49% | 43.2% |
معدل القيمة المضافة للعامل | 12.646 | 14.958 |
المساهمة في الناتج المحلي القائم | 18.5% |
|
7-تفاصيل القيمة المضافة |
|
|
أ-أجور عمال دائمين ومؤقتين | 26.6% | 37.4% |
ب-اهتلاك الموجودات | غير معروف | 25% |
ج-كلفة الأموال النظامية (من المصارف) | غير معروف | 11.7% |
د-كلفة الأموال غير النظامية | غير معروف | 1.7% |
ه-الكلفة التأجيرية | غير معروف | 5.3% |
نسبة الاهتلاك من التوظيفات | غير معروف | 111.3% |
8-التوظيفات، منها | غير معروف | 373.4 مليون دولار |
آلات | غير معروف | 51% |
أرض وعقارات | غير معروف | 25% |
9-مجمل الموجودات الثابتة | 1.97 مليار دولار | 3.88 مليار دولار |
10-الأرباح قبل الضرائب |
| 324 مليون دولار |
11-العائد غير الصافي على الرساميل |
| 8.3% |
12-الصادرات الصناعية | 406.6 مليون دولار | 590 مليون دولار |
لا تظهر هذه المقارنة التوظيفات الجديدة في الصناعة، وذلك لعدم توفر الإحصاءات ولكنه تبين أن عدد المؤسسات الصناعية قد تقلص بنسبة إثنين بالمئة، وانخفض عدد العاملين في الصناعة بحوالي 19 بالمئة، وبالتالي فإن معدل عدد العاملين في المؤسسة الصناعية الواحدة انخفض من 6.52 عملا في المؤسسة إلى 5.2 عملا. ومن المعلوم أن التطور الصناعي يؤدي إلى رفع معدل عدد العاملين في المؤسسة الصناعية الواحدة. كما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأجراء إلى مجمل العاملين في الصناعة. ونلاحظ في المؤسسات الصناعية اللبنانية اتجاها معاكسا. كما أن الرواتب في المؤسسات الكبيرة، وكذلك معدل الرأسمال الثابت للعامل، هو أعلى بكثير في المؤسسات الكبيرة منها في المؤسسات الصغيرة الحجم. وبالتالي فإن إنتاجية العامل في المؤسسات الكبيرة هي أعلي بكثير منها في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
لكن الرواتب، مقومة بالسعر الجاري للدولار، بقيت على حجمها السابق تقريبا بين السنتين المذكورتين. أما معدل الراتب للعامل، وبالسعر الجاري للدولار الأميركي فقد ارتفع من 4542 دولار في السنة إلى 6262 دولار في سنة 1998. أما بالقيمة الثابتة للأجر[5]، أو القوة الشرائية للأجر، فإن مجمل الرواتب انخفض من 636 مليون دولار في السنة إلى 474 مليون دولار، وبنسة 34 بالمئة، وارتفعت القيمة الحقيقية للراتب من 4542 دولار إلى 4659 دولار في السنة، وبنسبة 2.3 بالمئة.
أما القيمة المضافة للعامل بالسعر الثابت للعملة فقد انخفضت من 12646 دولار إلى 11129 دولار، وبنسبة 12 في المئة وهذا يدل على تراجع القدرة الإنتاجية الفعلية للعامل في الصناعة، وتراجع القدرات الإنتاجية للصناعة اللبنانية.
أما إنتاج القطاع فقد ارتفع بالسعر الجاري للدولار من 3.72 مليار دولار إلى 3.95 مليار دولار، ولكنه تراجع بالسعر الثابت إلى 2.94 مليار دولار، وبنسبة 21 بالمئة. وتراجعت إنتاجية العامل بالقيمة الثابتة بنسبة 3%. ويعود الفرق للتفاوت بين تراجع قيمة إنتاج العامل وتراجع القيمة المضافة للعامل الواحد إلى تراجع نسبة القيمة المضافة من 49% من الإنتاج إلى 43.2%، وذلك مؤشر على تراجع مستوى الصناعة في لبنان وتخلفها. إذ أن الصناعات الأكثر تقدما، والتي تحتاج إلى تقنيات مرتفعة هي الصناعات التي تنتج قيمة إضافية أعلى كنسبة من الناتج الصناعي. كما أن هذا التراجع يمكن أن يعود جزئيا إلى رفع نسبة المدخلات الصناعية نصف المصنعة أو المصنعة كليا، ويعاد توضيبها –مثل الزيوت وبعض الأغذية المعلبة- أو يعاد تغليفها –مثل بعض أنواع الورق، وبعض الألكترونيات-، وتباع على أنها من منشأ لبناني.
إن تردي القطاع الصناعي اللبناني وزيادة تخلفه يظهر بانخفاض القيمة المضافة بالسعر الثابت للعامل، وارتفاع أجره كنسبة من القيمة المضافة من 26.6% إلى 37.4%، وبالتالي تآكل الأرباح، وانخفاض المردود غير الصافي للتوظيف في الصناعة، مما يوقف نمو القطاع، بل ويؤدي إلى تراجعه، وهجرة العديد من الصناعات اللبنانية إلى خارج لبنان، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، ومنطقة الخليج على سبيل المثال.
إن الدخول في تفاصيل القيمة المضافة يظهر لنا أن كلفة الأموال تبلغ حوالي 13.4% من القيمة المضافة في سنة 1998، بينما العائد غير الصافي على الرساميل الموظفة في الصناعة يبلغ حوالي 8.3% فقط، وبالتالي فإن المردود الصافي أي بعد الضريبة - للتوظيف في الصناعة، يبلغ حوالي 7% فقط. وإذا كانت القيمة المضافة تبلغ أقل من نصف مجمل الموجودات الثابتة (حوالي 43% من الموجودات الثابتة) فإن الاستدانة من السوق المالية عملية خاسرة كليا، ولا ينتظر من رجال الأعمال التوظيف في هذا القطاع. أما صافي التوظيف في الصناعة (التوظيف ناقص الاهتلاك) فكان سلبيا لسنة 1998. إن معدل الاهتلاك إلى التوظيف الصناعي بلغ حوالي 113%، أي أن التوظيف الصافي كان سلبيا، وبالتالي تراجع الناتج الصناعي الحقيقي، وتراجعت التوظيفات، أو الموجودات الثابتة، بالقيمة الحقيقية، وكذلك تراجعت إنتاجية العامل، والقيمة المضافة، كما تقلص حجم المؤسسة الصناعية، وتقلصت العمالة في القطاع أيضا.
كيف عالجت الحكومات المتتالية في التسعينات وحتى اليوم هذا المأزق؟ فقد عالجته عن طريق محاولة إخفاء المعلومات، والامتناع عن إجراء مسوحات صناعية جديدة، وحجب الإحصاءات، إلا تلك الإحصاءات الجزئية التي تخدع القارئ، مثل الكلام عن المؤسسات الصناعية التي يتم إنشاؤها، دون الكلام عن المؤسسات التي يتم إقفالها أو إفلاسها، وعن فرص العمل التي تتيحها المؤسسات الجديدة، دون الكلام عن فرص العمل التي تم قتلها في القطاع بشكل عام.
الأسباب الكامنة وراء تردي قطاع الصناعة:
يمكن إعادة الأسباب التي أدت الى تراجع القطاع للأسباب التالية:
1-بنية القطاع:
إن المؤسسات الصناعية الصغيرة لا يمكن أن ترتفع إلى صفوف المؤسسات الصناعية الحديثة، وأن تمتص التقنيات الحديثة لأسباب عديدة أهمها:
أ- إن الأكثرية الساحقة من هذه المؤسسات ذات الملكية الفردية تعيش في فراغ من المعلومات المتعلقة بالسوق المحلية والسواق الخارجية، والتطورات التقنية، وبالتالي فهي عاجزة عن رؤية محيطها وعن التخطيط المستقبلي.
ب- إن هذه المؤسسات الصغيرة لا تملك محاسبة نظامية تمكنها من معرفة أدائها الفعلي بشكل علمي، من حيث كلفة إنتاجها ومعدلات الربح أو الخسارة لديها، مقدار القيمة المضافة وتفاصيلها، وبالتالي فإنها غير قادرة في معظم الأحيان على تصحيح أدائها وتنمية قدراتها التنافسية.
ج-إن هذه المؤسسات لا تملك بنية تسويقية قادرة على الوصول إلى الأسواق المحلية أو الخارجية، أو تطوير هذه الأسواق.
د-إن هذه المؤسسات لا تملك القدرة على تجاوز الاحتكارات الشديدة التي تؤمن لها مدخلات الإنتاج، وبالتالي فإن كلفة المدخلات لديها جد مرتفعة، وربما وصلت إلى أكثر من ضعف كلفتها في الأسواق الخارجية.
ه-إن هذه المؤسسات غير قادرة على الوصول إلى أسواق المال النظامية، بسبب انعدام المحاسبة النظامية لديها، وبسبب ضعف موجوداتها الثابتة التي يمكن أخذها كضمانات للقروض، ولذلك فإن هذه المؤسسات تعتمد في جزء من تمويل مدخلاتها على تجار المدخلات، وبأكلاف حقيقية جد مرتفعة. وتعمل هذه المؤسسات في إطار السوق المحلية، بل في إطار جوارها الجغرافي الضيق، مما يربط إنتاجيتها بالطلب من هذا الجوار، ويحجم هذا الطلب الموسمي في معظم الأحيان.
حتى الصناعات المتوسطة الحجم يصح عليها هذا التوصيف.
2-إن سنوات طويلة من الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، حيث دمر أكثر من نصف القطاع وطاقته افنتاجية، والذي استطاع فيه القطاع رفع إنتاجيته بشكل حاد نتيجة الظروف المحيطة، لم تشجع على تجديد الآلات والتقنيات في الصناعة اللبنانية. وقد تبين في سنة 1999 أن معدل عمر الآلات في أكثرية الوحدات الإنتاجية هو حوالي 25 سنة، أي أن هذه الآلات أصبحت غير صالحة للإنتاج (obsdete). الحد الأقصى لعمر الآلات الصناعية في الدول المتقدمة لا يتعدى الخمس سنوات، وذلك بغية الحفاظ على القدرة التنافسية –من حيث النوعية والكلفة- للوحدات الصناعية[6]
3- كلفة المدخلات. إن كلفة المدخلات الصناعية جد مرتفع. فالبنية الاحتكارية في التجارة الخارجية، الوكالات الحصرية، وقانون حماية هذه الوكالات، يرفع أسعار معظم المدخلات الصناعية المستوردة بنسب عالية. كما أن صغر حجم الوحدات الإنتاجية يمتصها من الاستيراد المباشر من الأسواق الدولية، والذي يمكن أن يخفض كلفتها في السوق المحلية في معظم الأحيان، ناهيك عن مواصفات هذه المدخلات غير الثابتة، مما ينعكس سلبا على نوعية المنتجات المحلية في بعض القطاعات التابعة. أضف إلى ذلك الضرائب التي تفرض على هذه المدخلات، وتكون في مجملها أعلى من الضرائب على البضاعة الجاهزة المستوردة التي تستعمل المدخلات ذاتها.
بجانب ذلك فإن المدخلات الساسية في عملية الإنتاج هي أعلى بكثير في لبنان منها في دول الجوار كما يبين الجدول التالي:
كلفة المدخلات الصناعية في لبنان ودول الجوار (دولار أميركي)
البلد | أجر العامل العادي | ثمن الكهرباء Kwh | الفيول (طن) | الضمان الاجتماعي كنسبة من الأجر |
لبنان | 200 | 0.09 | 145 | 21.5% |
مصر | 40 | 0.02 | 94 | 25% |
الأردن | 112.5 | 0.05 | 102 | 11% |
سوريا | 60 | 0.02 | 120 | 14% |
المصدر جريدة السفير بتاريخ 12/10/2000
4-إن المؤسسات الصناعية اللبنانية يتفاوت أدائها كثيرا من حيث استغلال الطاقة الإنتاجية لديها، والطاقة الإنتاجية للمعدات الصناعية تتفاوت في المؤسسة ذاتها. إن الأكثرية الساحقة من الوحدات الإنتاجية تعتمد التكامل الرأسي في الإنتاج بدل التكامل الأفقي بين مؤسسات الإنتاج المختلفة. وبالتالي فإن بعض الآلات، أو بعض وحدات افنتاج داخل المؤسسة الإنتاجية، تعمل بأقل من عشر طاقتها الإنتاجية، مثال على ذلك، وحدات التجليد في المطابع، ويخفض ذلك تلقائيا من قدرة المؤسسات على استغلال كامل طاقات وحداتها الإنتاجية. وتنخفض الطاقة القصوى للإنتاج لديها إلى مستوى طاقة أضعف مراحل الإنتاج أو آلات الإنتاج المستعملة، وذلك يرفع من كلفة الإنتاج لديها، إذ أن الأكثرية الساحقة من مؤسسات الإنتاج لا تشتري مصانع متكاملة من حيث طاقة الآلات ومراحل الإنتاج، بل تشتري آلات مستعمل معظمها، وذات طاقة إنتاجية متفاوتة كثيرا. إن ذلك يرفع من كلفة الإنتاج لديها.
ويتفاوت استعمال الطاقة الإنتاجية لأسباب أخرى عديدة، منها حجم الطلب، عدم توفر جميع المدخلات احيانا، مثل الطاقة، المواد نصف المصنعة أو المواد الخام، الأعطال في آلات إنتاج مستهلكة وغيرها من أسباب.
كل ذلك جعل التفاوت في استخدام الطاقة الإنتاجية لدى المؤسسات يتفاوت كثيرا بين 7 بالمئة و100 بالمئة في سنة 1999. وكان المعدل العام لعمل المؤسسات الصناعية حوالي 50 بالمئة من كامل الطاقة الإنتاجية القصوى. ويعد معدل 80 بالمئة هو الحد الأدني المطلوب لتحقيق ربحية مقبولة[7].
ويمكن الوصول إلى معدل مقبول في استعمال الطاقة الإنتاجية عن طريق تحسين الإدارة في المشتريات والإنتاج والتسويق، وبالتكامل الأفقي بين مؤسسات الإنتاج في قطاع تابع. يستلزم ذلك إنشاء مناطق صناعية تتقارب فيها وحدات الإنتاج حتى تتكامل- وبالتوظيف في معدات إنتاج حديثة.
5-صعوبات التمويل: إن بنية الأسواق المالية اللبنانية، والتي سبق بحثها، لا تؤمن التمويل المتوسط والطويل الجل، بالشروط المطلوبة، وبالكلفة الملائمة لقطاع الصناعة. فهذه المصارف التجارية التي تشكل عماد السوق لا تملك لجان تسليف متخصصة، ولا قدرة على تتبع الإقراض وحاجات مؤسسات الإنتاج. وبالتالي فإن معدل القروض المصرفية لمؤسسات الإنتاج القادرة على الوصول إلى السوق النظامية لا يتجاوز ال15 بالمئة من مجمل الموجودات لدى الشركات. يقارن هذا الرقم مع معدل 50 بالمئة في أميركا، وحوالي 75 بالمئة في فرنسا على سبيل المثال. ولإظهار القصور في تمويل الصناعة في لبنان. وتعتبر نسبة القروض إلى الرأسمال الثابت لدى المؤسسات الصناعية 4 إلى واحد، كمعدل مقبول في الدول المتقدمة. وبالتالي فإن الأسواق المالية في لبنان عاجزة عن تأمين جزء يسير من القروض المطلوبة لقطاع الصناعة.
وقد بلغ مجموع تسليفات المصارف لقطاع الصناعة في أواخر سنة 1998 حوالي 1.62 مليار دولار، بينما بلغت مجمل الموجودات الثابتة في قطاع الصناعة 3.88 مليار دولار.
إن الصناعة اللبنانية تحتاج إلى قروض في حدود 11 مليار دولار ليتم تحديثها ورفع كفاءتها الإنتاجية، وهي قادرة على استدانة هذا المبلغ حسب المعايير في الدول المتقدمة.
ويجانب صعوبات التمويل، فإن معدلات الفائدة على القروض عامة وعلى القروض الصناعية، يجعل هذه الاستدانة محفوفة بالمخاطر في القطاع –كما رأينا سابقا. أما الإقراض الميسر في لبنان فهو بحدود 3 بالمئة من مجمل الإقراض للصناعة، ويحاط بضجة إعلامية كبيرة، ولا يستفيد منه إلا المحظيون في إدارة عامة فاسدة ومسيسة، ولا يمكن أن يشكل حلا لمشكلة الفوائد الفاحشة.
النسبة | 1993 | 1994 | 1995 | 1996 | 1997 | 1998 | 1999 | 2000 | 2001 | 2002 |
نسبة التسليف% | 9 | 10.33 | 13.24 | 13.02 | 12.89 | 12.6 | 12.6 | 12.6 | 13 | 12.6 |
المصدر –النشرات الدورية لمصرف لبنان-
وبالتالي لا توجد اماكن مقبولة كبدائل عن هذه العقارات المرتفعة الكلفة, وبذلك فقد ارتفع معدل التوظيف في العقار لدى الصناعة الى حوالي 25 بالمئة من التوظيفات الثابتة, وذلك كمعدل عام لسنة 1998, وهو معدل جد مرتفع, ويرفع كثيراً من كلفة الانتاج, ويرفع الكلفة التأجيرية من القيمة المضافة الى 5.3 ٪. ويعود سبب ارتفاع قيمة العقارات الى عدم وجود ضريبة على الثروة, والى البنية الحتكارية في مدخلات البناء كما رأينا سابقاً.
7- انعدام الموصفات والمقاييس.
ان انعدام وجود وتطبيق المواصفات والمقاييس اللبنانية للسلع المنتجة محلياً او المستوردة, يخفض من مستوى الانتاج المحلي, ويفقد المستهلك ثقته يالانتاج المحلي, وتفقد الصناعة قدرتها على التصدير والمنافسة في السوق المحلية. كما يفتح فقدان المواصفات والمقاييس, الباب واسعاً امام اغراق السوق المحلية بسلع مستوردة رخيصة وذات مواصفات متدنية, وذلك يلحق اضراراً مادية وصحية بالمستهلك اللبناني. ان غياب مؤسسة Lebnor للمواصفات والمقاييس عن العمل, وفرض مواصفات على مستوى مرتفع للانتاج المحلي وللسلع المستوردة أدى الى فوضى عارمة في السوق المحلية, مما استغله بعض التجار المغامرين, الذين يعتمدون على صفقات تجارية محددة ذات مردود مرتفع من الارباع, وليس على انسياب مستمر لسلع ذات نوعية جيدة الى السوق اللبنانية بغية بناء سمعة جيدة للبضاعة المستوردة, وبالتالي فان غياب المواصفات والمقاييس لا تعني لهم شيئاً, ويغرقون السوق المحلية بها, وذلك على حساب المستهلك والصانع اللبناني.
8- محدودية القدرة على التصدير.
ان الاسباب الواردة اعلاه افقدت الصناعة اللبنانية قدراتها التنافسية وبالتالي القدرة على التصدير وفنح اقنية تجارية جديدة للصادرات الصناعية.
ان القدرة على التصدير, وخاصة في سوق ضيقة ومحدودة مثل السوق اللبنانية, هي احدى الشروط الاساسية لقدرة معظم الصناعات على الاستمرار والنمو وتحقيق معدلات مقبولة من الربحية. وتقف القدرة التصدرية للصناعات اللبنانية عتد اقل من 20 بالمئة من مجمل الانتاج الصناعي المحلي. ومعدلات التصدير المقبولة عالمياً للصناعة تتراوح بين حدين ادناهما 30 بالمئة من الانتاج للوحدة الصناعية واعلاهما 70 بالمئة (1). وبالنسبة لسوق ضيقة مثل السوق اللبنانية فمعدلات التصدير المطلوبة لصناعات ناجحة هي أقرب الى الحد الأعلى العالمي.
9- سياسة الاغراق بالسلع المدعومة المستوردة:
ان السلطة اللبنانية, ومن اجل خدمة مصالح التجار, فتحت الاسواق اللبنانية امام استيراد السلع الزراعية والصناعية المدعومة في البلدان المصدرة, وفرضت ضريبة القيمة المضافة, بدل الموانع الجمركية, لازالة معظم انواع الحماية للانتاج المحلي, وتوسيع معدلات الاغراق للعديد من الساع المستوردة. وضريبة القيمة المضافة كما هي مطبقة, وكما بيّنا سابقاً, تميز ضد الصناعة والانتاج اللبناني لمصلحة الاستيراد. فصناعة الأحذية مثلاً تعاني من مزاحمة خارجية غير عادلة, وقد اعترض الصناعيون على استيراد الأحذية المصنعة في الصين مثلاً, اذ ان عذه الصناعة الصينية مدعومة بمعدل 17 بالمئة. وبذلك نجد ان عدداً من قطاعات الصناعة الفرعية قد ضمرت وشارفت على الافلاس, مثل صناعة الملبوسات والنسيج والأحذية والصناعات الجلدية الأخرى. كأمثلة على ذلك, وحسب احصاء لجمعية الصناعيين, فقد خسر لبنان 7 آلاف فرصة عمل, وتم اقفال 570 مصنعاً في قطاع الملبوسات خلال 15 شهراً, وانخفض عدد العمال في هذا القطاع الى 8880 عاملاً, وبنسبة 44 في المئة بين سنة 1999 وسنة 2000 مع العلم ان الطاقة التشغلية للمصانع في هذا القطاع تستوعب 40 الف عامل. وتعيد جمعية الصناعيين ذلك الى خفض الرسوم الجمركية على الالبسة "البالة" المستعملة, والتي تمر دون ضرائب جمركية, وتمر معها وباسمها اكثرية انواع الالبسة وبأفضل اصنفها(2) .
وعانت صناعة الأحذية والجلود من التدهور الشديد ايضاً, فقد كان عدد العمال في هذا القطاع 15 الف عامل, وكان يصدر انتاجه بنسب عالية الى الاسواق الخارجية, ومنها الاسواق الاوروبية, وتراجع عدد المصانع من 1000 مصنع الى 320 مصنعاً يعمل فيها 10 آلاف عامل, وذلك بسبب المزاحمة الاغرافية, كما تراجع عدد الدباغات من 70 دباغة الى 24 دباغة يعمل منها 10 دباغات, وبطاقة انتاجية لا تتعدى 10٪ وذلك حتى سنة 2000 (3)
10- تخلف الانظمة والقوانين وفساد الادارة.
لم يتم تحديث القوانين والانظمة في لبنان ليواكب هذا التحديث التطورات العلمية والتقنية, ومتخيرات الاقتصاد والمجتمع بشكل عام. وتمت مراكمة التشريعات والقوانين تلبية لحاجات طارئة وجزئية, او لمعالجة عجز بعض الادارات الرسمية عن القيام بواجباتها, مثل حاجات المالية العامة او الضمان الاجتماعي على سبيل المثال, او حتى معالجة المشاكل البيئية, ولو ادى ذلك الى اعاقة بعض قطاعات الانتاج او خفض القدرات التنافسية لديها, وذلك بسبب فقدان الرؤية الشاملة للاقتصاد وحاجات المجتمع. كما ان نمو القدرات التنافسية والانتاجية لدى معظم دول العلم, وتوجه العديد منها الى تنمية صادراتها السلعية والخدماتية كقاطرة للنمو الاقتصادي, ولو عن طريق الدعم المباشر وغير المباشر للانتاج والتصدير, جعل من قضية اغراق الاسواق الخارجية قضية اساسية, ومن حماية اسواق الدول المستوردة من الاغراق, قضية مركزية, بحاجة الى قوانين وانظمة جديدة لتحقيق العدالة في حقل التجارة الخارجية بين الدول. ويفتقد لبنان هذه القوانين.
كما إن القوانين التي تحكم العلاقات بين المساهمين في الشركات والمؤسسات الإنتاجية، وبين المؤسسات والشركات في علاقاتها الأفقية والعمودية، وبين القطاعات ، أصبحت عاجزة عن حل الخلافات بالسرعة المطلوبة، وعاجزة عن حماية الأطراف الضعيفة في هذه العلاقات. فخلافات العمل، وحقوق صغار المساهمين، والقوانين التي تحكم العلاقة التأجيرية للآلات والمعدات، وكذلك العلاقة بين قطاعي المال والصناعة على سبيل المثال، والمطلوب البت فيها بسرعة من قبل القضاء المختص خلال أيام أو أسابيع، تستمر لأشهر وسنوات طويلة، وهذا ما يعيق الإنتاج والتوظيف، ويرفع من كلفته.
كما أن براءات الذمة المفروضة من قبل الضمان، وغير الضمان الاجتماعي، لإتمام معاملات روتينية من قبل مؤسسات الإنتاج- مثل معاملات استيراد مدخلات الإنتاج، وإجبار بعض المنتجين الذين يعانون من صعوبات في السيولة، إلى الاعتماد على السوق الداخلية لتوفير مدخلات الإنتاج المستوردة- إذا توفرت هذه المدخلات بالكميات والنوعية المطلوبة- يرفع من كلفة الإنتاج بنسب كبيرة إذا لم يوقفه لآجال محددة. وكذلك إعطاء موظفي الجمارك سلطات استنسابية في تقدير ثمن المستوردات، والذي يفتح المجال واسعاً أمام الفساد والرشوة والابتزاز، فيعيق الإنتاج ويرفع من كلفته.
ثم إن العديد من الأنظمة المتعلقة بعبور البضائع للحدود، أصبحت معيقة للإنتاج ومستجلبة للفساد، ويتم علاج بعضها حالياً. فمعاملات الإستيراد مثلاً، تحتاج إلى حوالي 22 توقيعاً جمركياً لإتمامها، ويستغرق ذلك يومين تقريباً مع الرشاوى، وعبر عميل جمركي مكلف مادياً، بينما تحتاج حسب الأنظمة الجمركية الحديثة إلى توقيعين إلكترونيين، ويتم إنجازها خلال خمس دقائق ودون وسيط، مما يوفر الكثير من الوقت والكلفة ويلغي الفساد المنظم. فتغيير الأنظمة الجمركية وتحديثها، وقبول التوقيع الإلكتروني، والقبول بالبيانات المرفقة في عمليات الاستيراد بدل التقديرات العشوائية، تلقى معارضة فاعلة وقوية من قبل موظفي الجمارك بشكل عام، وذلك لأسباب معروفة.
لمجمل السباب السابق ذكرها، نجد أن قطاع الصناعة يسلك مساراً تراجعياً، فيتم إقفال المصانع بمعدلات متنامية. فقد تم إقفال حوالي 250 مصنعاً في سنة 2002 (السفير 3/3/2003) وحدها. ويتم تشريد آلاف العمال لينضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل والطالبين والساعين إلى الهجرة، حيث بلغت نسبة البطالة أكثر من 35 بالمئة من مجمل القوى العاملة، وذلك بجانب البطالة الخفية في القطاع العام. فقد بلغت شكاوى العمل معدلات مرتفعة ومتصاعدة، بسبب الطرد من العمل وإقفال المصانع المسجلة رسمياً، مع العلم أن المؤسسات الصناعية غير المسجلة تبلغ نسبتها 50 بالمئة من مجموع المؤسسات الصناعية اللبنانية. ويشير الجدول التالي إلى منحى تطور أزمة العمالة في قطاع الصناعة.
شكاوى العمل المقدمة إلى وزارة العمل وصرف العمال (السفير، 12-7-2000)
السنة 1997 1998 1999 نصف سنة 2002
عدد الشكاوى 590 1000 1312 512
عدد العمال المصروفين غير معروف غير معروف 4500 3500
وإذا أردنا الوصول إلى الأرقام الحقيقية فعلينا مضاعفة هذه الأرقام أو زيادتها بنسبة 50 بالمئة على الأقل، لتشمل العمال الذين تم صرفهم بالتوافق مع أرباب العمل، أو الذين لم يقدموا شكاوى عمل، وخاصة في المؤسسات الصغيرة غير النظامية والتي تستخدم عمال مياومين أو العديد من الأقارب والمعارف.
السياسة الصّناعيّة البديلة
لا بدّ من تحديد أهداف السّياسة الصناعيّة المطلوبة بدلاً من سياسات تهميش قطاعات الانتاج السلعي من قبل الطّبقة الحاكمة ، ويمكن وضع أهداف أساسيّة لهذه السياسة وباختصار شديد:
1)الوصول إلى بنية اقتصاديّة لبنانيّة متوازنة، أكثر ثباتًا واستقرارًا ، وأقلّ تأثّرًا بمتغيّرات الخارج.
2)خلق فرص عمل متنامية أكثر انتاجيّة لامتصاص البطالة.
3)الحدّ من نزف الأدمغة والكفاءات العلميّة والمهنيّة ، ومن هجرتها للخارج.
4)خلق بيئة تمكّن القطاع الصّناعي من العمل بنجاح ، أي بربحيّة صافية مقبولة ، وقادرة على استقطاب الرّساميل والتّوظيفات للقطاع.
5)تطوير قاعدة صناعيّة متنوّعة (أو أكثر تنوّعًا) ومتكاملة أفقيًّا وعاموديًّا.
6)تأهيل وتحديث الخدمات الدّاعمة للصّناعة ، وبناء شبكة معلومات صناعيّة متطوّرة.
7)تشجيع البحث والابتكار وتوطين التقانة الملائمة على صعيد المؤسّسات.
8)تحسين المواصفات والمقاييس ، وضبط نوعيّة الإنتاج ، وإدخال Iso 900.
9)خلق مناطق للتّوضيب ورقابة النوعيّة من أجل التّصدير.
10)خلق مناطق حرّة للصّناعة.
11)رفع معدّلات الأجور والرّواتب في القطاع ، مع ارتفاع معدّل انتاجيّة العامل.
12)توسيع السّوق أمام الصّادرات الصّناعيّة اللّبنانيّة ، عربيًّا وعالميًّا.
وعند بحث وسائل تطبيق هذه الأهداف يتّضح مدى التّداخل بين قطاع الصّناعة وبقيّة قطاعات الاقتصاد ، بحيث يتعذّر فعليًّا تطوير هذا القطاع وحلّ مشاكله دون وجود سياسة اقتصاديّة شاملة لمعالجة مشاكل الاقتصاد في كافّة قطاعاته ، ودون إجراء إصلاح إداريّ شامل في القطاع العامّ.
فحلّ مشاكل القطاع وتطوير الصّناعة لخلق قطاع صناعي نابض ونامٍ يحتاج إلى الإجراءات التّالية:
1)بناء مناطق صناعيّة ومؤهّلة في ضواحي بيروت وفي كافّة المناطق اللّبنانيّة وبكلفة متدنّية للمؤسّسات الصّناعيّة ، إن من حيث القيمة التّأجيريّة كنسبة من مجمل الكلفة في الإنتاج ، أو من حيث نسبة الرّأسمال الموظّف في العقار كنسبة من مجمل رأسمال المؤسّسات الإنتاجيّة.
2)تطوير البنية التحتيّة للصّناعة مثل :أ-الطّاقة الكهربائيّة بحيث يتمّ إمداد الصّناعة بها على مدار السّاعة ، ممّا يوفّر على الصّناعة التّوظيف في مولّدات بديلة عالية الكلفة والتّشغيل والصّيانة.
ب-الموارد المائيّة.
ج-الاتّصالات.
د-الخدمات البريديّة شبه المعدومة ، وخاصّة بعد تخصيص هذا القطاع.
هـ النّقل أي الطّرقات الملائمة للنّقل الثّقيل للبضائع .
و-كلفة النّقل والطّاقة العالية جدًّا.
فكلفة الطّاقة الكهربائيّة في لبنان يجب خفضها إلى الثّلث تقريبًا، وكذلك كلفة النّقل ، وخاصّة إلى الخارج . فنقل حاوية مثلاً من المصنع في ضواحي بيروت إلى داخل المرفأ ، تزيد عن كلفة نقلها من مرفأ بيروت إلى مرفأ مرسيليا على سبيل المثال.
3)الوساطة الماليّة:وتشمل كميّة الأموال الموظّفة من قبل الأسواق الماليّة اللّبنانيّة في قطاع الصّناعة ، كنسبة من موجودات هذا القطاع ،والّتي يجب مضاعفتها حوالي أربع مرّات تقريبًا لتصل إلى المعدّلات العالميّة المقبولة ؛ وكذلك معدّلات الفائدة الحقيقيّة على هذه الأموال والّتي لا يجوز أن ترتفع فوق اثنين أو ثلاثة في المئة ،ونوعيّة الأقراض المتوسّط والطّويل الأجل ، المطلوب لهذا القطاع. وذلك بغرض ، كما أسلفنا، خلق مؤسّسات أقراض
متخصّصة متوسّطة وطويلة الأجل، وبناء سوق ماليّة لبنانيّة (بورصة) متطوّرة وحديثة ، وتطوير قطاع المصارف نحو المصارف الشّاملة.
4)تطوير بنية المؤسّسات الإنتاجيّة وتحديث هذه البنية:
أ-تشجيع ودعم تحوّل المؤسّسات الفرديّة الطّابع إلى شركات مساهمة قادرة على توسيع قاعدة المالكين واستقطاب توظيفات جديدة في هذه المؤسّسات.
ب-تشجيع فصل الملكيّة عن الإدارة.
ج-تحديث الإدارات وتطويرها عبر التّدريب الدّائم ومواكبة التّطوّرات الإداريّة في العالم المتقدّم.
د-تطوير المحاسبة والقاعدة الإحصائيّة لدى المؤسّسات.
هـ تشجيع التّكامل الأفقي بين المؤسّسات في كلّ قطاع فرعيّ وبين القطاعات الفرعيّة.
و-التّوجّه إلى رفع معدّل الصّادرات من الإنتاج وتثبيت الأسواق الخارجيّة الأكثر استقرارًا.
5)تحديث البنية الإنتاجيّة من ناحية الآلات المستعملة والمستهلك معظمها بحيث ينخفض معدّل عمر الآلات من 25 سنة إلى أقلّ من خمس سنوات وذلك يرفع كثيرًا من إنتاجيّة العامل ، ويحسّن نوعيّة الإنتاج اللّبناني .
6)تطوير التّعليم المهني وربطه بحاجات قطاعات الصّناعة ، وربط مؤسّسات الإنتاج بمعاهد التّعليم المهني للدمج بين التّعليم والتّدريب.
7)تطوير البحوث وتوطين التّقنيّات ، وذلك عبر التّمويل العامّ للبحوث في الجامعات وخارجها في المؤسّسات البحثيّة، وربط الصّناعة بكلّيات الهندسة والعلوم في الجامعات اللّبنانيّة ، وفتح أبواب المصانع أمام الباحثين، ومساهمة الصّناعة أيضًا في تمويل البحوث والاستفادة من نتائجها.
8)إعادة إحياء مركز البحوث الصّناعيّة: فقد أسّس هذا المركز سنة 1953وأصبح مؤسّسة وطنيّة لا تبغي الرّبح سنة 1955،ذو استقلال ماليّ وإداريّ ومرتبط بوزارة الصّناعة والبترول. وقدّم المركز الكثير من الخدمات المختصّة والمجانيّة في حقول التّحليلات المخبريّة والفحوصات والتّجارب في المؤسّسات، الأبحاث التطبيقيّة والاستشارات.دمّرت المؤسّسة خلال الحرب الأهليّة ، وهي الآن بحاجة إلى حوالي 8 ملايين دولار لإعادة إحيائها وفق خطّة موضوعة ، ومن الضّروريّ أن يقدّم القطاع العامّ هذا الدّعم لإعادة إحياء المؤسّسة الحيويّة للصّناعة.
9)إحياء مؤسّسة المواصفات والمقاييس (LIBNOR)والّتي تمّت إقامتها سنة 1987 أي خلال سنوات الحرب اللّبنانيّة ، ولا تجبر القوانين اللّبنانيّة تطبيق مواصفاتها،إن على الإنتاج المحلّي أو الاستيراد .فمن الضّروريّ وبإلحاح تطوير هذه المؤسّسة ، وتبنّي المقاييس الدّوليّة، والعربيّة منها خصوصًا، لتنمية الصّادرات اللّبنانيّة، وضبط السّوق المحليّة، لمنع الإغراق ببضائع لا تتمتّع بالمواصفات المطلوبة ، وحماية المستهلكين من الغشّ . ومن الضّروريّ تأمين الدّعم الخارجيّ لهذه المؤسّسة ، تقنيًّا ومهنيًّا، لتحديث المواصفات والمقاييس اللّبنانيّة لتتلاءم مع المقاييس العالميّة والأوروبيّة، وجعل تطبيق المواصفات والمقاييس إجباريًّا للإنتاج المحلّي والاستيراد.
10)بناء شبكة معلومات فاعلة وكفوءة لدعم صنع السّياسات لدى مؤسّسات الإنتاج الصّناعي.
11)إجراء مسوحات صناعيّة دوريّة، وإجبار المؤسّسات الصّناعيّة على الخروج من قوقعتها لتقديم المعلومات المطلوبةمن قبل مؤسّسات الإحصاء وتحميلها مسؤوليّة إعطاء معلومات خاطئة ،مع الحفاظ على سريّة المعلومات عن المؤسّسات الفرديّة.
12)إجراء إصلاح إداريّ ، وتطوير الأنظمة والقوانين المتعلّقة بالصّناعة وبالخدمات الدّاعمة للصّناعة.
13)وضع دراسات جدوى اقتصاديّة لإنشاء صناعات جديدة ، وطرحها للتمويل من قبل القطاع الخاصّ، وربّما بمشاركة القطاع العامّ أيضًا، ولو لمدّة معيّنة وذلك تشجيعًا للقطاع الخاصّ.
14)حماية الصّناعة اللّبنانيّة من سياسات الإغراق الخارجيّة، عن طريق استيراد سلع مدعومة من حيث الإنتاج أو التّصدير. وكذلك حماية الصّناعات الوليدة من المزاحمة الخارجيّة ،أو حتّى الصّناعات الّتي يتمّ إعادة هيكلتها، وبمعدّلات متناقصة خلال 12 سنة ، ليتمّ تأهيلها للمنافسة في السّوق الدّاخليّة كما العالميّة.
15)توسيع السّوق للصّناعات اللّبنانيّة ،عربيًّا أوّلاً ثمّ عالميًّا، وذلك عبر الاتّفاقات العربيّة والدّوليّة.
16)رفع معدّلات الرّواتب والأجور في قطاع الصّناعة ،لاستقطاب أصحاب الكفاءات العاليّة، وللحدّ من نزيف الأدمغة والكفاءات العلميّة الّتي يوظّف فيها الاقتصاد اللّبناني نسبة مرتفعة من مدّخراته.
مراجع البحث
3-UNIDO, Country support strategy, Lebanon, Arab countries. Bureau country program and funds mobilization. Division, Vienna, 1997 5-Ministry of Industry and GTZ; Developing an Industrial Strategy 1999 6-ملخّص عن المسح الصّناعي لسنة 1994 –ورقة غير مؤرّخة. 14-United Nations Development Program , Lebanon GDP 2GNP1988 |
[1] راجع: UNIDO country support strategy, Lebanon. Arab countries bureau, country program and Fund Mobilization Division_Vienna, 1997 p. 7
[2] إن بحث قطاع الزراعة يعتمد بشكل أساسي على الحلقات الدراسية التي تمت في مصرف لبنان خلال سنتي 1999 و2000 واشترك فيها كل من: موسى نعمة: أستاذ مادة فيزياء التربة والري في الجامعة الأميركية في بيروت، وعصمت بولس: رئيس دائرة الثروة السمكية في وزارة الزراعة، ومنصور كساب: مدير دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، وجان اصطفان: مهندس مختص في المحاصيل المثمرة، وميشال أبي أنطون: مسؤول المحاصيل الزراعية في وزارة الزراعة.
وحضر هذه الحلقات من مصرف لبنان كل من: غالب أبو مصلح وفوزي أبو دياب ورولى حماده.
[3] جريدة العمل اللبنانية تاريخ 8/5/1978
[4] UNIDO, ob.sit. p.11
[5] تم احتساب القيمة الثابتة للأجر حسب مؤشر غلاء المعيشة في لبنان، مع تقدير سعر صرف الليرة اللبنانية، وذلك بين سنة 1994 وسنة 1998.
[6] Moukadem, Souheil; Performance Measurement Model for Lebanese Industries. Final Report presented to the U.N – TOKTEN Program. Jan.22/1999.
[7] نفس المصدر
[8] نفس المصدر