2004 عام التحولات الكبرى عربي بامتياز
ميخائيل عوض،
بيروت
21-12-2004
كاتب من لبنان
yaragroup@hotmail.com
الاحداث التي تعتبر تواريخ حاسمة كثيرة في الادبيات السياسية وكل دولة او شعب يمكن له ان يختار ما يراه ليكون لحظة تأسيس او تأريخ لانتهاء حقبة وبداية لحقبة او مرحلة، وفي الاونة الاخيرة تكاثرت التواريخ، فاعتبر عام 2000 انتصار المقاومة اللبنانية عاما نوعيا يؤرخ لتحولات كبيرة في الصراع العربي الصهيوني، و28 ايلول 2000 لحظة تاريخية مؤسسة في الصراع العربي الصهيوني ساعة انطلاق الانتفاضة الفلسطينية، واعتبر 11 ايلول 2001 انه مفصل لتاريخ العالم ما قبله لن يكون كما بعده، وفي اوروبا يعتبرون تاريخ توقيع مسودة الدستور الاوربي امرا مؤسسات وهكذا دواليك.
والسنوات تمر مستعجلة بالكاد ان يلحق بها المرء الفرد او الشعب، ليزيد من رصيده
فيها او يعلي من شأنه، وحضوته، ويريدها افضل السنوات او بالحد الادنى اقلها سوءا.
عالم الالفية الثالثة بات شيئا مختلفا فقد تحولت بصورة او اخرى تواريخ الدول والامم
الى تواريخ عالمية، او على الاقل عناصر تساهم مساهمات كبيرة في تقرير اللحظات
والمحطات التاريخية، والعالم يستعجل باشكال مختلفة الاندماج والتحول الى عالم موحد،
في القيم والثقافات والسياسات والادوات، في النظم والمعارف وشروط التعاقدات
الاجتماعية والاقتصادية القومية على قياس المافوق قومية.
في عالمنا اليوم، وفي عامنا المنصرم، وقعت احداث، وحصلت تطورات، وتغيرت احوال، فيما
لو تم رصدها وقرأتها على انها صفحات في كتاب الانسانية الساعية الى التوحد،
والتفاعل، لشكلت بمجموعها وقائع واحداث، وتحولات هامة، كارهاصات دالة على دنو
العالم من لحظة تغيير نوعي تشكل فيها احداث عام 2004 المفتاح والعناصر المؤسسة،
والحاسمة، لما ستكون عليه الاحوال ليس في العام القادم 2005 بل وفي عقد ان لم تكن
تأسيسيه لعقود وقرن.
على ماذا شهدت سنة ال2004 وما هي اهم التحولات التي جرت فيها:
1- شهدت على تحولات عالمية كونية ذات مؤشرات عظيمية، تقدم نفسها على انها خلاصة
تفاعلات وتراكمات، افعال وردود فعل، انتظمت على مدى عقود طويلة حتى توفرت الشروط
التاريخية المولدة لها، سماتها النوعية انها عربية بامتياز، فقد التحقت عشر دول
بالاتحاد الاوروبي وبات الاتحاد يمثل رقعة جغرافية، وقوة اقتصادية وسياسية وثقافية
ودبلوماسية، وقيمة تاريخية غير مسبوقة، بل ادت الحرب على العراق والمقاومات العربية،
الى توليد شروط تحرر اوروبا من حالة الالتحاق والمظلة الامريكية فحفزت الانتخابات
الاسبانية بسقوط ازنار، وصعود ثباثيرو على حسم الخيار الاوروبي وقطع اليد الامريكية
التي امتدت لاضعاف واعاقة الوحدة، ووفرت الاسباب الواجبة لانطلاق وحدة اوربية تتكرس
بحقائق سياسية واجتماعية ودستورية، وبقوة عسكرية خاصة وحاضنة امنية وبعملة تتحول
بسرعة الى اولى عالميا، ونجحت في تعطيل الاستخدام الكيفي الامريكي لحلف شمال
الاطلسي.
2- بتحفيز من قضايا العرب، ومقاوماتهم، وبعد ان انكشف العدوان الامريكي وانعطب
المشروع في العراق وفي فلسطين، استثمرت اوروبا المأزق ونجحت في الزام امريكا
بالتعاطي معها في الملفات العربية والعالمية كشريك، وليس كتابع وشكلت قمة الثمانية
واحتفالات النورمندي، وقمة الاطلسي في اسطنبول، حلقات التأسيس لعلاقات امريكية
اوروبية تقوم على التنافس بدل التبعية والاعتراض، وانكشفت بذلك حقيقة ان النخب
الاوروبية مازالت نخب استعمارية بعكس الامم الاوربية التي طلقت استمعاريتها وتحولت
الى النضال الاجتماعي الاممي لرفض الامركة و العدوان والغزوات الاستعمارية، فشكل
مشروع الشراكة المتوسطية نقطة انطلاق لتفاهمات وتعاون امريكي اوروبي استعماري يحاول
اسقاط المنطقة العربية والاقليم من داخله بسبب العجز عن غزوه واسقاطه بالقوة
العسكرية، في قصد مشترك لمنع قيامة المنطقة بروافعها "سورية العربية- ايران
الفارسية- تركيا العثمانية" والنهوض لاملاء ما
يسمى بمنطقة الفراغ.
3- شهدت امريكا اللاتنية والجنوبية تعزيزا لخياراتها الجديدة" البحث عن يسار عالمي
ذو طابع جديد" فنجحت فنزويلا في الحاق الهزيمة بالمشروع الامريكي وخرج شافيز وخطه
منتصرا من الاستفتاء فيما كسرت الذراع الامريكية التأمرية، ثم نجح لولا وشافيز على
اثر الانتخابات في الاروغواي التي انتجت ظاهرة مماثلة للتجربتين في تعزيز النهج
التحرري والسير على خطا بوليفار، وعقدت قمة دول امريكا الجنوبية التي ظمت 12 دولة
تحت عنوان الوحدة لمواجهة التحديات الامريكي والاوروبية، وكذلك السعي الحثيث لعقد
قمة عربية لاتينية بقصد تجميع الجهد وفتح ابواب العلاقات من خارج دائرة التقسيم
الدولي الذي تفرضه امريكا في اربع رياح الارض وتستهدف عبره دول الجنوب وعلى رأسها
دول المنطقة والعالم العربي.
4- نجح ليكوديي البيت الابيض في انتزاع تجديد وتفويض للادارة البوشية لولاية ثانية
بالكثير من الكذب وتفعيل الاعلام الموجه، واستخدام الخدع والتضليل، والمراوغة،
وتعديل القوانين للتقييد على الحريات الاجتماعية والشخصية، وتجريد الطبقات الوسطى
والصغيرة والفقراء من مكاسبهم لزيادة مناسيب سيطرة الشركات المتعددة الجنسية وتحقيق
اعفاءات لها، واطلاق يدها في السيطرة على المجتمع والادارة الامريكية، غير ان
الانتخابات الامريكية كشفت المجتمع الامريكي لاول مرة في تاريخه على حالة انقسام
عامودية تفجرت عبرها مختلف عناصر الازمات الكامنة والتاريخية، مما دفع بالعديد من
الكتاب والمتابعين الى القول بأن امريكا دخلت مرحلة التأسيس للتذرر او تفاعل
الازمات بحيث تلزم الادارة الحالية بوقف مغامراتها الامبراطورية المجنونة، او
سقوطها قبل نهاية ولايتها بفعل فضيحة ما والملفات جاهزة، فالمجمتمع الامريكي
والياتها تحول دون قدرته على تخديم
طموحات امبراطورية في مرحلة تأزم حادة في الاقتصاد وافتقاد امريكا لعناصر قوتها
التاريخة" فقد باتت عبئا على العالم ولم يعد بحاجة اليها بعد ان تحولت الى مستهلك
يمتص فوائض الاموال العالمية وينفقها على الاستهلاك والطموحات الامبراطورية
العدوانية" بالاضافة الى حجم الكلفة الاقتصادية والبشرية الهائلة التي تسببت بها
المغامرات في اقتصاد مأزوم" كلفة حرب العراق قاربت حتى الان 300 مليار دولار وعجز
الموازنة فاق 500 مليار دولار، وعجز الميزان التجاري فاق 650 مليار دولار والمتوقع ان يكون في العام القادم اكثر من تريليون دولار، مع تراجع التحويلات الخارجية
وانقلاب ميزان الاستثمارات وهروبها من امريكا".
5- اتسعت شقة الخلافات بين روسية والتفاهم الامريكي الاوروبي في مختلف القضايا
الدولية نموذج الموقف من القرار "1559" وبما يمس سيادة روسية وحقلها الاقليمي،
ومناطق نفوذها، وتبين ان التفاهمات الامريكية الاوروبية تتجاوز المنطقة العربية
والاقليم الى مختلف قضايا الشعوب والازمات العالمية، وشكلت مشكلة اوكرانيا القشة
التي تقصم ظهر البعير وتدفع المراقبين للقول بان حربا باردة جديدة تلوح في الافق مع
اعلان بوتين عن اسلحة جديدة، وعن استراتيجية الضربات الوقائية، والانزعاج من
التدخلات الامريكي الاوروبية في اوكرانيا والجمهوريات السوفيتية السابقة.
6- نهضت الصين، واستمرت تحقق اعلى معدلات للنمو، وقطعت شوطا هاما في خلق التوازنات
التي تفرض تعديلات جوهرية في منظمة التجارة العالمية بالتحالف مع البرازيل، ودول
الجنوب، واندفعت خطوة كبيرة جدا في التعاقد مع اسيان لخلق اكبر سوق دولية " اعظم
تكتل اقتصادي يتميز بمجموعه بالنمو السريع، واستقطاب الاستثمارات العالمية" واعدة
بأن تتحول بقواها الصاعدة الى اولى على الصعيد الاقتصادي العالمي، كما بدأت خطوات
محسوسة في تحقيق دور مميز في الدبلوماسية وباستخدام موقعها في مجلس الامن فسجلت
اعتراضا وحالت مع روسيا دون اصدار الصيغة
الاولى لقرار 1559 ضد سورية ولبنان، كما حالت دون صدور قرار ضد السودان كانت تسعى
اليه بريطانيا وامريكا.
7- نجحت ايران في تلافي خطر ومنعكسات سقوط بغداد، واعادت تنظيم نفسها وبنيتها بعد
فترة اضطراب وصراع داخلي، فتوحدت واستطاعت المناورة والمداورة في ملفها النووي برغم
انحياز الترويكا الاوروبية للمشروع الامريكي الاسرائيلي.
8- عززت تركيا من دورها، وموقعها، ونجحت نخبتها الحاكمة الجديدة في اطلاق مرحلة
نمو، ومحاربة للفساد فكرست خياراتها وضغطت لالزام اوروبا قبولها وفتح المفاوضات
معها كمشروع عضو كامل العضوية، واقامت علاقات قوية مع كل من سورية وايران والبيئة
الاسلامية، وانفتحت على روسيا في محاولة لتعديد الخيارات وامتلاك خيارات اخرى غير
الالتحاق باوروبا اذا ما استمرت النخبة الاوروبية تفرض عليها الدونية بسبب
اسلاميتها، بينما حصل ابتعاد مدروس عن المشروع الامريكي الاسرائيلية وتحررت من بعض
التعاقدات العسكرية مع اسرائيل، وتسعى لتقليص دور الجنرالات وسيطرتهم على الحياة
الدستورية والسياسية بما يمثلونه من قوة تضغط للتحالف مع المشروع الامريكي والتحالف
مع اسرائيل.
9- تعزز انهيار النظام الرسمي العربي، وتراجعت عناصر التماسك بين قوى الامن العربي"
السعودية_ مصر-سورية" بسبب الازمات العاصفة في السعودية، والازمة الاقتصادية
والوطنية في مصر التي استغلتها قيادتها الساعية الى التوريث او التجديد لتعزيز
التعاقد مع اسرائيل وامريكا والتحول الى استطالة في محاولة انقاذ المشروع الشاروني
المأزوم في غزة والضفة، وقبلت على نفسها مهمة حماية الكيان الصهيوني ونشر قوات
عسكرية وامنية في محور فيلادلفيا برغم تعارضها مع كامب ديفيد والتزاماتها، والتطوع
لنشر عناصر امنية في غزة والضفة، والترويج لمشروع مفاوضات وسلام جديد مع الفلسطينين
لاستثمار غياب عرفات وتنصيب قيادة تقبل بالاملاءات والشروط الامريكية الاوروبية
الاسرائيلية.
10- تطور اداء المقاومة الفلسطينية نوعيا خلال عام 2004، فضربت في القدس" عمليات
استشهادية" ونجحت في الحفاظ على بنيتها وصلابتها وقدراتها وتصعيد الكوادر القيادية
برغم اغتيال قادة كبار امثال الشيخ ياسين والرنتيسي وتشديد الضربات الابادية
والتدميرية لمخيمات غزة ومدنها ومدن الضفة، بل نجحت في نقل الحرب الى طور جديد" حرب
التحرير الشعبية طويلة الامد" واستخدمت تكتيكات الصمود والمواجهة المكشوفة في حي
الزيتون، وطورت حرب الانفاق، وحرب الصواريخ فاوقعت عددا كبيرا من القتلى والجرحى في
صفوف الجنود والضباط الاسرائيلين الامر الذي
دفع بقيادة الجيش الى التمرد على القيادة السياسية ومطالبتها بالانسحاب السريع ووقف
عمليات الابادة والاجتياحات، والبحث عن حلول سياسية، الزمت شارون الذهاب في مشروعه
للانسحاب من طرف واحد الى نهاية الشوط بما في ذلك الاختلاف مع الليكود واليمين
والمستوطنين والاستجارة بحكومة وحدة وطنية مع حزب العمل، فكشفت اعطاب المجتمع
الصهيوني وعجزه عن توليد ادارة هجومية، وعن عنف الازمة الاقتصادية والارتباك والعجز
العسكري الامني، الامر الذي استدرج تدخلا عربيا رجعيا، واوروبيا، وامريكا، تجسد
باغتيال عرفات لتمهيد الطريق امام صعود قيادات
تقبل الاملاءات وتفرض على الشعب الفلسطيني عنوة، وقبل اجراء العملية الانتخابية،
الامر الذي يفتح الشارع الفلسطيني على احتمال تحولات عاصفة في
المرحلة القادمة اذا ما سارت القوى المنصبة في منهج التخلي عن سلاح الانتفاضة
والعمل على اجهاضها اكراما للعجز والسقوط الامريكي الاسرائيلي.
11- في العراق شهدت سنة 2004 تحولات عاصفة ونوعية، فقد استنفذ المحتل كل الاعيبه،
وتكتياته السياسية والعسكرية والدبلوماسية، وفشلت عملية نقل السلطة، وتسليط اجهزة
وادوات عراقية مصنعة في فبارك السي اي ايه، وتحولت مشكلة الانتخابات ومواعيدها الى
ازمة عويصة، فان اجلت" استجابة لمقاطعة السنة ومطالب الاكراد واحزاب الحكومة" وقعت
الواقعة وغيرت الكتلة الشعبية الاساسية اتجاهاتها ودورها وانظمت الى المقاومة
باشكال مختلفة، وان تمت فستحصد لائحة السيستاني العدد الاوفر ما يجعل العملية
الدستورية في خاتمتها ليست في صالح تأبيد الاحتلال او بقائه لان الحكومة التي ستخلف
الحكومة العلاوية المتأمركة ستضع على رأس جدول اعمالها مهمة تصفية الاحتلال،
والجدول الزمني للانسحاب الامر الذي افقد الحكومة العلاوية ووزرائها والادارة
الامريكية الصواب، فبدأت حملة تعبئة وتحريض عاصفة وظالمة، على سورية وايران، بل
بدأت مجاميع وادوات الاحتلال بالسعي لافتعال ازمات امنية واطلاق نذر حرب اهلية
للحؤول دون انعقاد الانتخابات او التاثير على ارادة الناخبين" وهكذا بدأت السيارات
المفخخة تحصد العشرات من الابرياء في النجف وكربلاء، وكذلك افتعال الاعتداءات على
المساجد السنية".
12- في العراق ايضا تطورت المقاومة العراقية، ونجحت في أن تحولت الى حرب التحرير
الشعبية طويلة الامد بحسب كل التكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها، فقد صمدت في
الفلوجة رغم العسف والقوة النارية ورغم اعمال الابادة الجماعية وكسرت ظهر الهجوم
الامريكي بدل ان تكسر امريكا ظهرها ونقلت المعركة الى كل مكان، واستولت على طرق
الامداد، وعلى المدن، وفرضت الحصار على المنطقة الخضراء وعلى الحصون الامريكية التي
لم تعد قادرة على الانتقال او ايصال الدعم الا عن طريق الجو، ونجحت المقاومة في كشف
اكذوبة الزرقاوي التي تبين انه مجرد اسم تستخدمه امريكا واسرائيل للتشهير بالمقاومة
وتبين ان حقيقة المقاومة وقيادتها وقاعدتها تمثل اغلبية الشارع العراقي لاسيما
المنخرط في المقاومة المسلحة من مدن الشمال والوسط، وبأن القوى الاساسية في
المقاومة هي هيئة العلماء المسلمين والبعثيين والقوميين والصدريين، وحلفائهم ، لذلك
باتت امريكا تستعجل دورا للامم
المتحدة في رعاية العملية الانتخابية ودورا للاطلسي في اعداد الاجهزة والجيش
العراقي" توريط اوروبا والعالم" بعد ان وجدت لنفسها مساحة للتفاهم مع
الاوروبيين بما في ذلك اخلاء مواقع وادوار لهم في عملية اعادة اعمار العراق" نهب
العراق" وفي عملية اصلاح الشرق الاوسط، وفي مبادرات للتفاوض في فلسطين.
13- على الجبهة اللبنانية كانت الاحداث والتطورات نوعية ايضا، فقد احرجت المقاومة
الجيش الاسرائيلي في اطلاقها مرصاد 1، وحرمت اسرائيل من التطاول على الامن والارض
والجو، واستعدت للمواجهة فدفعت بنخب القيادة والمجتمع الصهيوني للتحذير من خطر
الاشتباك في الجنوب اللبناني ودفعت بمستشار الامن القومي للتحذير من مغبة الانسحاب
السوري من لبنان.
14- ونجحت القيادتين السورية واللبنانية، من تمرير التمديد بما هو تمديد للخيار
الوطني الاصلاحي والاقصاء لخيار الليبرالية الاقتصادية والتعاون مع الخارج، وسجلت
خطوات متقدمة في استيعاب الحالة، وفي فرض خطوات اصلاحية ممتازة عبر تشكيل الحكومة
واقصاء الجنبلاطية والحريرية، وفي الانجازات الفورية التي بدأتها الحكومة بما في
ذلك اطلاق ورشة اصلاح القوانين المالية التي مررتها الحريرية، واستعادة دور الدولة
في النفط، والهاتف، وفي وقف مزاريب الهدر والسرقة في شركة كهرباء لبنان والنفايات،
واجراء التعيينات في المراكز الشاغرة في الادارة وفي مؤسسات الرقابة والمجالس
لاطلاق ديناميات وطنية شاملة بقصد السعي لوقف خطر المديونية والسياسات الليبرالية
الاقتصادية والسياسية، وعلى الرغم من القرار 1559 ومشاركة اطراف لبنانية وعربية في
التمهيد له وتمريره، فقد نجحت السياسات السورية اللبنانية بسحب البساط من تحت اقدام
القوى المرتبطة بالخارج واستعرضت
قوتها الشعبية في تظاهرة ضخمة غير مسبوقة في لبنان، وبدأت سلسلة خطوات لتعميق
الاصلاح وتعزيز الوحدة الوطنية، وتأكيد خيار لبنان العروبي وعلاقته بسورية واستمرار
دوره الريادي في ادارة الصراع العربي الصهيوني ودعم خيار المقاومة والممانعة،
وتوفير السبل لتمرير الاستحقاق الانتخابي بحيث تكون المعركة الفاصلة في اسقاط
واضعاف الطبقة السياسية والقوى المأجورة للخارج والعاملة بوحي من ارشاداته ومصالحه،
بما يؤهل البلاد الى اعادة هيكلتها الاقتصادية والاجتماعية بما يتناسب مع دورها في
الصراع على المنطقة وفيها.
15- تعززت في سورية خيارات الصمود، والتمسك بالثوابت والنموذج، والسعي لتطوير
الاقتصاد والدور بما يتناسب مع الحقائق الجديدة والفاعلية الاقليمية لسورية المحققة
بقوة الثبات ورفض التسويات المنفردة، ورفض الاملاءات والاستسلام، فتعززت العلاقات
مع الساحة الفلسطينية وعادت سورية طرفا فاعلا باقرار الجميع ممن كان يرفض اي دور
لها"زيارة الوفد الفلسطيني" وتعززت العلاقات مع تركيا، ومع الصين ومع ايران، وتملصت
من قانون العقوبات الاقتصادية ومفاعيله، ولم يرهبها تحول اووربا بقيادة فرنسا الى
حالة التحالف مع الامريكي وممارسة الضغوط على سورية لقطع دورها وتجريدها من وسائل
وساحات قوتها" 1559" والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، وبرغم ظهور نزعات ليبرالية
اقتصادية وسياسية في النخب وبعض مواقع السلطة الا ان التجربة اللبنانية والموقف
الهجومي والصلب" فرض التمديد، والشروع بالاصلاح الاداري والاقتصادي" والموقف من
المقاومات في العراق وفلسطين، تشير الى ان سورية المعروفة ما زالت على مواقفها وان
عصبها الاساس المحقق في المجتمع وارادته وفي القيادة السياسية مازال على ماكان عليه
من ثوابت وقدرات، تزداد مناسيبها بزيادة ازمة المشروع الامريكي في العراق والصهيوني
في فلسطين.
16- شهد العالم على سقوط الحرب العالمية على الارهاب وخرجت عشرات الدرسات الامريكية
والمراكز تتحدث عن اعطاب قاتله في مشروع الامبراطورية، والعجز الفاضح عن تخديمها مع
زيادة مناسيب الاستنزاف في العراق" بشريا واقتصاديا" وزيادة الكلفة الى حدود فلكية
تجاوزت والعجوزات الكبير في الموازنة ، وميزان المدفوعات والارتفاعات الفلكية في
المديونية العامة" والعجز عن التجنيد مع ظواهر التمرد في الجيش الامريكي، والانفضاض
عن الالتحاق بالجيش والمؤسسات الامنية والعسكرية، الامر الذي دفع بالعديد من الكتاب
والباحثين" ايمانويل فاليرشتاين، كمال الطويل" الى القول بأن الانسحاب الامريكي من
العراق مع بوش اسرع منه مع اي ادارة اخرى، ويجمع المحللون على ان الهزيمة في العراق
ستكون العنصر الاساس في اعادة هيكلة الدور الامريكي في المنطقة والعالم، وبالتالي
اعادة هيكلة امريكا نفسها، واحداث تغييرات جوهرية في الحراك العالمي وتوازن القوى
وفي مختلف التطورات.
انه بامتياز عام الاحداث الكبرى، وعام التحولات
التاريخية، عام التأسيس لسقوط الامبراطورية، واطلاق المارد الشعبي كما في العالم"
مقاومة العولمة والغزو" كذلك في الوطن العربي والاقليم، والشواهد تتكرر في تصاعد
اعمال المقاومة المسلحة والسلمية للمصالح الامريكي والاروبية وللنظم الموالية،
والمتعاقدة، والملتحقة بالمشروعات الامريكية وادواتها. وتتأكد في لحمة وصمود وثبات
الدول التي شكلت اساس هذه التحولات ساعة رفضت
الانصياع للعالم المتأمرك عشية سقوط الاتحاد السوفيتي وبرغم سقوط كابل، وبغداد،
والاصطفاف العالمي والعربي تحت المظلة الامريكية بعد 11 ايلول واعلان الحرب على
الارهاب بما هو" عربي واسلامي"، وعلى الرغم من تحول اوروبا الى شريك للمشروع
الامريكي يحاول الاستثمار في ازمته، ويسعى عبر الشراكة الى منع التطورات المولدة
لحالة عربية واقليمية تملء فراغ انحسار الامبراطورية الامريكية في العراق بهزيمتها
العسكرية وفي فلسطين بسقوط الكيان الصهيوني وتأزمه وعجزه عن جبه الانتفاضة
والمقاومة الفلسطينية.
العالم يتغير، العرب يتغيرون، المقاومة تتقدم، والقوى الاستعمارية وادواتها تتأزم.
هذه هي دروس التحولات في عام 2004 فهو عام التأسيس لتغييرات هيكلية موسوم بسمات
عربية خالصة.
ميخائيل عوض
بيروت 21-12-2004