الوجود السوري في لبنان
انجازات إستراتيجية وأخطاء قاتلة
هل يمكن الارتقاء بالعلاقات لتكون نموذجا للعلاقات العربية العربية المنشودة؟
ميخائيل عوض كاتب من لبنان بيروت 24-1-2005 |
أخطأت سورية في لبنان، وارتكبت الموبقات، وحولته إلى مجرد ساحة خلفية لتنفيس احتقاناتها والصراعات مع الغير عربا وعجما. هذا ما يقوله المعادون للدور السوري في لبنان وقد تبدلوا وتغيروا، بينما الدور السوري واستهدافاته استمرت كثوابت أولويات خلال ثلث قرن ونيف. لم تخطئ سورية البتة، بل كانت السبب والعنصر الأساس والوحيد الذي ضحى وقدم دفاعا عن لبنان ووحدته واستقراره وإنهاء حروبه الأهلية ومحنته الكبرى التي أتت على كل شيء. وليس غير سورية استطاع أو يستطيع جمع اللبنانيين على الخيارات الأفضل، وإدارة صراعاتهم المستديمة. هذه خلاصة أقوال حلفاء سورية، ومن استفاد ويستفيد من وجودها وتضحياتها، ولو أنهم ينقلبون ويتبدلون في كل مرحلة وحقبة، بينما الثوابت السورية على حالها واستهدافاتها لم تتغير بتغيير التحالفات والمستفيدين والمتضررين. |
لعبت سورية دورا حاسما في وقف الحرب الأهلية، ومساعدة اللبنانيين على إدارة شؤونهم والنهوض من تحت الرماد، وأسهمت لوحدها في عملية إنهاض دولة لبنانية وبناء حضورها وقوتها على حساب دويلات الأمر الواقع الطائفية والمذهبية والمناطقية، ولعبت الدور الأبرز في وقف الاحتراب (حروب الإبادة الجماعية الهمجية) وحماية المقاومة وتأمين شروط استمرارها ووقف التآمر عليها، وتعويم لبنان وتكبير دوره بحيث بات يلعب دورا رياديا في إدارة الصراع العربي الصهيوني ومحط اهتمام الجميع من إدارات وشعوب العالم.
خطايا جسيمة، خطايا عرضية
سورية أخطأت كثيرا، وهي تدير الملف اللبناني والأخطاء تتراوح بين خطايا جسيمة وأخرى عرضية. الخطايا الجسيمة، حيث لعب سوريون ولبنانيون دورا مدمرا للعلاقات عندما صرفوا الدور والتضحيات السورية لصالح شخوص وفئات وزعامات بعينها على حساب العلاقات السورية اللبنانية وما يجب أن تكون عليه. والخطايا العرضية غير مقصودة، بل هي بالضرورة نتائج عملية تنعكس عن سياق اعتماد الخطوات والسياسات الاضطرارية تحت الحاجة والضرورة في إدارة الملف الأكثر تعقيدا وتشابكا وصعابا وبسبب حجم التدخلات الخارجية وانفعال لبنان بالجاري في المنطقة والعالم.
يمكن لأي عاقل محايد موضوعي لا يسقط رؤيته أو مصالحه ليسكبها كقالب لتحليل ظاهرة "العلاقات السورية اللبنانية تاريخا وحاضرا ومستقبلا" أن يخلص إلى الكثير من الدروس والعبر تساهم في صياغة رؤية رزينة موضوعية تستجيب للحاجات التاريخية لتطوير العلاقات بصورة إستراتيجية تستلزم إعادة هيكلة الوجود السوري في لبنان إستراتيجيا وأهدافا وآليات ووسائل.
أين أخطأت سورية؟ ولماذا ؟ وكيف عبرت الأخطاء عن نفسها؟
- تأخرت سورية كثيرا في إحداث نقلة إستراتيجية وتغييرات في إعادة هيكلة الدور بناء على ما تحقق وما يجب تحقيقه، فاستمرار الوجود العسكري والانتشار في المدن والأحياء والمداخلات الأمنية على ما كانت عليه فترة طويلة بعد عام 1990، حيث فقدت مبرراتها الموضوعية وتراجعت الحاجة إليها بعد وقف الحرب وإنهاء تمرد عون والشروع ببناء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، كان بمثابة خطيئة إستراتيجية ما كان يجب أن تخفى على العقل السوري الإستراتيجي، سيما وان الكثير من الأدلة والمبادرات أشارت إلى أن القيادة السورية أدركت طبيعة التحولات في العلاقات وضرورة تطوير وسائلها وأدواتها (اتفاقية التعاون والأخوة، المجلس الأعلى، الأمانة العامة للمجلس الأعلى، اللجان الوزارية). فالتأخير الطويل زمنيا حول الوجود الكثيف إلى عبء ووجود بلا وظيفية سوى استفزاز الناس وتقديم مادة للقوى المترصدة للدور السوري، وتسبب بقيام شراكات بين عناصر في الأمن والجيش السوري وفي الإدارة السياسية للملف مع قوى وعناصر لبنانية وظفت الدور السوري لمصالحها، فقزمته وأدخلته زواريب السياسة والمصالح اللبنانية، فقامت حقيقة تلازم "الفسادين".
- لعب منفذو السياسات السورية دور "سكرتاريا للطبقة السياسية"، وتعاملوا مع لبنان على قاعدة "إدارة الممكن والتعامل مع القائم لتنظيم الخلافات والمصالح"، وساهم في غياب الجهد المنظم لتحقيق الأهداف الإستراتيجية تعدد مراكز القرار وإدارة العلاقات (عنجر- قيادة الأركان – نائب الرئيس). يشكو حلفاء سورية من واقع التدخلات المحسوبة لصالح الطبقة السياسية ومراكزها في انتخابات سنة2000 وطريقة التعامل مع الرئيس لحود وحكومة الحص، وقد استغلت الفترة الحرجة التي أعقبت وفاة الرئيس الأسد على نحو خطير فأضعفت لحود، وأثرت على مصداقيته، وأسقطت سليم الحص، وأضعفت كل حلفاء سورية لصالح الحريري – جنبلاط- اليمين المسيحي وتعويم عناصر هامشية.
- أتقنت الطبقة السياسية (الحريري-الهراوي- بري- ونواب وكتل محسوبة على سورية) صرف الدور السوري على انه مصالح ومكاسب شخصية وطائفية وحزبيه. وتقصد الجميع تحميل سورية المسؤولية السلبية في أي تصرف أو عمل، دون أن تجبه تلك السياسات والممارسة أو يجري وضع حد فاصل بين الدور السوري وتصرفات الحلفاء والمحسوبين على سورية، ولم تمارس عملية تنوير وإشهار لحقيقة الدور والموقف السوري واستهدافاته.
- بينما سيطرت القوى المعادية لسورية، أو الحليف المؤقت "المتكسب" على الساحة الإعلامية، وقامت بتهميش الإعلام الوطني وإسقاط الإعلام الرسمي، ومحاصرة الإعلام "غير المنضبط" في خطط الطبقة السياسية ومصالحها، تركت الساحة خالية تعبث بها الجهات الساعية إلى إضعاف سورية وحلفائها والنيل من الدولة كمؤسسة، ومن مؤسسات الأمن والجيش (الوضع الحياتي- التقديمات للمؤسسة العسكرية والأمنية- العمالة السورية- اتهام نافذين سوريين بصفقات مشتركة...) والأخطر أن كل ذلك جرى تحت بصر وسمع الدور السوري بل قيل إنه "هو الذي يسعى إلى ذلك"، بينما الحقائق الوقائع كانت تشير إلى العكس وبأن المصلحة السورية اللبنانية لا تقتضي تدمير الإعلام الرسمي لصالح إعلام الطبقة السياسية والطوائف.
- لم تبذل الإدارة السورية على مدى الثلاثين عاما أي جهد يذكر لتصعيد نخب وطبقة سياسية واقتصادية جديدة تنسجم مع طبيعة وحاجات التحالف السوري اللبناني، ومستقبله، بل أسهمت الممارسات السورية عن قصد أو بدونه في إضعاف قوى كان يمكن أن تكون صاعدة تحمل مشروعا تاريخيا لتعميق التحالف وتمتين العلاقات السورية اللبنانية وتشذيبها من الأخطاء والخطايا لصالح تكريس الطبقة السياسية والمحاصات الطائفية والمذهبية وتجديد القديم وإدارته.
- شكل اتفاق الطائف بمختلف مواده خطة نوعية لصالح تجديد لبنان وبنيته ونظامه، غير أن التعطيل المقصود من الطبقة السياسية، وتحالفاتها (جرت وتجري عملية تحميل سورية المسؤولية عن التعطيل) وغياب العقد "الطائف" الاقتصادي الاجتماعي مكن النافذين، بدعم أو تغطية أو سكوت من سورية، من الإجهاز على القضايا الهامة في تطوير بنية لبنان الاجتماعية والسياسية (مجلس نواب بلا طائفية- مجلس الشيوخ- تهميش المجلس الاجتماعي الاقتصادي والمجلس الوطني للإعلام، مجلس القضاء الأعلى، تعطيل آلية تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية- قانون اللامركزية الإدارية ..الخ). وعطل الجانب الإيجابي في تأهيل لبنان المستقبلي لصالح اقتصار التطبيق على التسوية السياسية من فوق (بين الطبقة السياسية والطوائف وقوى الحرب، والمال العائد من الخارج)، وإعادة تعويم النظام القديم على قياس رموز وأسماء، بعضها جديد، ما وفر الأساسات المادية لانقلابات عصبية ضد سورية والعلاقات السورية اللبنانية وتعويم الأوهام على التدخل الخارجي لإعادة تكييف لبنان اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بحيث يعود إلى وظيفته القديمة (الأمر المستحيل) التي قررها الانتداب وحاجات المشروع الصهيوني في فلسطين، وبقصد كسر دور لبنان الجديد وعلاماته الناهضة في صالح تعزيز خيارات المقاومة والصمود وإعادة هيكلة البنية لدور وظيفي جديد منفتح على العرب وقوة ريادية في إطلاق تقاربهم وتفاعلهم وتكبير سوقهم وتوحيدها.
- غاب أي دور ذي جدوى للأمانة العامة للمجلس الأعلى السوري اللبناني وتحول إلى مؤسسة عاطلة عن العمل برغم أهمية دورها وبرغم أنها استحدثت لتكون المؤسسة الدستورية والقانونية لإدارة العلاقات المشتركة في البعدين الإستراتيجيين الاقتصاد والاجتماع والثقافة.
- تعطلت بفعل فاعل الاتفاقات الاقتصادية والاجتماعية ولم تشرح أصلا للجمهور. وحُملت سورية مسؤولية أزمات قطاعات الإنتاج (زراعة– صناعة- تجارة المفرق) بينما هي لم تبذل أي جهد توضيحي ولم تسعَ إلى معرفة حقيقة القوى الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية، وأين تكمن مصالحها في تطوير العلاقات بين البلدين والسوقين.
- غاب أي فعل منظم لكسب أو إقناع القطاعات الاجتماعية بجدوى وأهمية العلاقات السورية اللبنانية (نقابات عمالية-نقابات مهنية- تجمعات رجال الأعمال والصناعة والزارعة- النخب الجديدة)، بل بذلت جهود تهميشية وتطفيشية (جرت عمليات استعداء مقصودة أحيانا كثيرة وبلا مبرر)، بل وحُملت سورية مسؤولية انهيار وتفتيت القوى النقابية والمهنية (وزراء العمل كانوا حلفاء سورية).
- غابت أي فاعلية منظمة في الوسط الإعلامي وصناعة الرأي العام بل شكلت التدخلات الحادة الأمنية والظرفية "عناصر استفزاز" وتطفيش للأقلام والكادرات التي تعاطت مع الأمر من زاوية المشروع التاريخي وضرورة التعبير عنه والدفاع عن خياراته الإستراتيجية، بما في ذلك نقد ممارسات وتصرفات مسؤولين سوريين مخولين إدارة العلاقات.
ما
لم يدركه السوريون
وحلفاؤهم
خلال العقود
الثلاثة
مأثرة هامة قالها قائد تاريخي في توصيف الحالة الراهنة وموقف الثوريين منها: "في العادة يطالب ويسعى الثوريون إلى خلق شروط موضوعية مناسبة لثورتهم، وعندما تتحقق تلك الظروف لا يستطيعون تلمسها ومعرفتها، الأمر الذي يفقدهم القدرة على استثمارها".
هذه المقولة تنطبق كثيرا على واقع الحال اللبناني السوري، فقد حددت المبادرة السورية الإستراتيجية التي أطلقت مع التدخل السوري في الأزمة اللبنانية أواسط السبعينيات أهدافاً إستراتيجية، وحددت أدوات تحقيقها. وعندما تحققت الأهداف كلها لم تدرك الجهات المعنية ولم تدرك النخب والشعب ما جرى، فاستمر التعامل وكأن الظروف لم تنضج بعد لنقلة جديدة، فاستمرت الأدوات القديمة لإدارة واقع جديد فكانت المعضلة والمأزق، فتشكلت بيئة حاضنة لأزمة في العلاقات بين بعض اللبنانيين من معارضي الدور السوري ولبنانيين وسورية.
المبادرة السورية واستهدافاتها
قامت المبادرة السورية عام 76 على رؤية إستراتيجية تحددت فيها الشعارات "الأهداف والوسائل"، وجرت عملية تحضير البيئة والمناخ السوري- اللبناني- العربي- العالمي لتحقيقها واستمرت على وتيرتها مع زيادة حجم التدخل والوجود العسكري والأمني تبعا للتطورات تحت سقف الإصرار على تحقيق الأهداف برغم تبدل المناخات والقوى والتحالفات.
استهدافات المبادرة:
- امن سورية من امن لبنان.
- منع إسرائيل من التدخل.
- وقف الحرب الأهلية ومنع التقسيم والفرز.
- الحفاظ على وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات، وعودة سلطة الشرعية ومؤسساتها.
- إسقاط 17 أيار وتحرير الأرض اللبنانية التي اغتصبتها إسرائيل في اجتياح 78-82 وتطهير لبنان من النفوذ الإسرائيلي والغربي.
خلال الفترة الطويلة التي مرت على المبادرة، والتدخلات الخارجية والانقلابات الداخلية، اضطرت سورية للتعامل مع واقع داخلي وخارجي متغير ومتقلب فرض عليها لعب دور الشرطي لوقف الحروب الأهلية (حرب أمل حزب الله، أمل المخيمات، أمل الحزب التقدمي، عون جعجع، إنهاء تمرد عون) وفرض عليها لعب دور المخفر والقضاء لفض المنازعات الأهلية، والسياسية بين القوى والأحزاب والجماعات.
أدى الاجتياح الإسرائيلي- الأطلسي في عام 1982 إلى التعامل مع مهمة المقاومة والتحرير كأولوية تنتظم على قاعدتها المسائل الأخرى.
الوسائل والاساليب
وقد اعتمدت وسائل وأساليب لتحقيق تلك الأهداف على النحو الآتي
- القوة العسكرية "القوة الصلبة" في إسقاط تمرد عون، في إضعاف القوات اللبنانية في حرب الاشرفية، في فض النزاعات بين الفصائل الوطنية، في إضعاف العرفاتية، في حماية المقاومة، في رد الاعتداءات الإسرائيلية.
- كثافة الانتشار لتثبيت الأمن والاستقرار "الانتشار والحواجز".
- الأمن والاستطلاع بقصد (التحصين الداخلي وحماية المؤسسات والرموز، وتطهير بنية الجيش والأمن اللبناني والمجتمع من العملاء والشبكات).
- الفاعلية السياسية والتأثير على القوى الممسكة بالميدان "الاتفاق الثلاثي".
- تغيير التحالفات وتقلب العلاقات.
- احتواء التعددية اللبنانية من خلال وجود أكثر من مركز في سورية ولبنان للتعامل مع الجميع في آن (إدارة واحدة لنظامين ومجتمعين مختلفين).
- وزن وحضور الرئيس الراحل حافظ الأسد (القول الفصل) في الأمور الأساسية "منع أي اجتهاد" .
- اتفاق الطائف "تعديل الدستور".
- بناء ودعم الجيش والأمن اللبناني.
- فرض الاستقرار بالقوة والسياسة والدبلوماسية (سحب سلاح المليشيات، حكومة كرامي، تعيينات مجلس النواب، ثم الانتخابات المتكررة نيابية وبلدية).
النتائج
بنتيجة ما بذلته سورية من تضحيات، وسياسات حكيمة وصائبة، وقدرة على إدارة ملف الأزمة وبسبب نضج الحالة اللبنانية وحاجة الأكثرية لوقف الحرب والانتهاء من فصولها وأدواتها، نجحت في أن حققت المبادرة ما أرادت في وقت طويل نسبيا لكن بجهد دؤوب
- استقر لبنان، وتوقفت الحروب الأهلية (لم يعد خطرا على الأمن السوري).
- تحول لبنان بالمقاومة والجيش والدولة إلى قوة تعضيد لسورية في الصراع العربي الصهيوني (تحول استراتيجي، إنهاء مفاعيل سايكس بيكو عمليا وماديا).
- منع التقسيم وأضعفت قدرات القوة المحلية الداعية له.
- طرد النفوذ الأجنبي عموما والإسرائيلي بشكل خاص من البنية السياسية والاجتماعية ومن النظام السياسي وأجهزته.
- أضعفت القوى الاجتماعية والسياسية الموالية للغرب.
- عادت الدولة ومؤسساتها إلى الفاعلية الكاملة (دولة حليفة لسورية وقوة تعضيد في مختلف الملفات).
واقع الحال والمهام المطلوبة
الحال الراهن والحاجات التاريخية وعملية البناء على ما تحقق تستوجب إعادة هيكلة إستراتيجية للدور السوري وللعلاقات السورية اللبنانية أهدافا ووسائل العالم والمنطقة، والصراع العربي الصهيوني، وأزمة المشروع الأمريكي في فلسطين والعراق، والتغييرات في الموقف التركي وثبات إيران وصعودها قوة اجتماعية وتقنية واقتصادية، وتشظي النظام الرسمي العربي، وانفكاك الأطراف، ومحاولة البعض الالتحاق بالمشروعات الأمريكية الإسرائيلية، وتنوع وتعدد مشاريع "الإصلاح" للمنطقة العربية، والتفاهمات الامبريالية الأمريكية مع النخب الأوروبية الساعية إلى ملء منطقة الفراغ، وصعود خيار المقاومات العربية وتحولها إلى عناصر مؤسسة في المرحلة الراهنة والمستقبلية، وحجم تركيز الاستهداف الأمريكي الأوروبي على العلاقات السورية اللبنانية خوفا من تحولها إلى قاعدة صلبة لإطلاق مرحلة عربية جديدة، تبدو الحاجات ماسة لتطوير العلاقات السورية اللبنانية بما ينسجم مع التبدلات ويسهم في تأهيل العلاقات لتكون نقطة ارتكاز قوية للمساهمة في التحولات المرتقبة وعليه نرى ضرورة العمل على التالي من المهام والتغييرات.
- صياغة العلاقات السورية اللبنانية وتشذيبها بحيث تصبح قوة نموذج يحتذى للعلاقات العربية العربية التي تنسجم مع حقائق التاريخ وتضغط لتحقيقها الحاجات المادية وسمات العصر، والضرورات الماسة السياسية والاقتصادية (تكبير الأسواق، والاستفادة من الميزات التفاضلية للسوقين والاقتصادين).
- المساعدة القصوى لتصليب لبنان ومنع العودة إلى التوترات الداخلية (طائفية- سياسية- اجتماعية).
- التمسك بسلاح المقاومة وعدم المساومة عليها باعتبارها عنصرا حاسما في لم وحدة لبنان وقوته وتأكيد حضوره في المعادلات الاقليمية كقوة نموذج للمقاومة والصمود.
- تقوية الدولة المركزية بتفعيلها على حساب دول الطوائف والأحزاب والمذاهب التي مازلت في المجتمع والدولة كتخصيص وزارات لأحزاب أو طوائف تتحول إلى "دولة في الدولة" (محاصصات في التعيينات والتلزيمات، تحويل الدولة إلى مصدر للنفوذ والزعامة السياسية).
- التحفيز والمساعدة على معالجة الأزمات الاقتصادية وآثارها الاجتماعية المدمرة (المديونية، الهدر، ارتفاع الضرائب وأسعار الخدمات العامة)، وتحصين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والحؤول دون انهيار يؤثر على الاستقرار السياسي والدور، ويؤثر سلبا على الاقتصاد السوري وقدرات سورية على الصمود والمواجهة.
- المساعدة على تحرير الدولة والمجتمع من الاحتكارات الاقتصادية التي تعزز وتولد الاحتكارات السياسية والنفوذ، وتشكل مرتكزات للتدخلات الخارجية (الوكالات الحصرية، الإعلام، الإعلان، المصارف، غرفة التجارة، التعليم، الطبابة والاستشفاء).
- تقوية العناصر التي تسعى لإضعاف المراكز الطائفية والمذهبية وكسر هيمنة الأحزاب والزعامات الطائفية تسهيلا لاحتوائها بصورة إستراتيجية.
- المساعدة في إعادة صياغة دور لبنان ووظيفته بما يتساوق مع المتغيرات السياسية والوطنية (لبنان رسالة الشرق للتفاعل مع الغرب، لا لبنان سوق الغرب لغزو الشرق).
- استكمال تطبيق الطائف نصا وروحا سيما ما يتعلق بالداخل مع وبعد تنظيم العلاقات السورية اللبنانية، وتحديدا في إصلاح بنية النظام في القانون الانتخابي والمسألة الطائفية والمذهبية، واللامركزية الإدارية، وإضعاف مرتكزات النظام العتيق المتصابي في محاولة للاستثمار في الدور السوري أو استبداله بالرهان على الخارج "الرهان الواهم والمغامر".
الوسائل المطلوبة للمرحلة الراهنة
كيف وبأي وسائل يمكن لسورية أن تلعب دورا في المرحلة القادمة لتطوير العلاقات وتعزيزها وتصليبها، والنفاذ في المعركة التي تستهدفها عبر لبنان وتستهدف لبنان عبر التركيز على كسر العلاقات السورية اللبنانية وتصفية المقاومة وافتعال حروب أهلية مع الفلسطينيين ومع حزب الله لخدمة المشروع الأميركي وإنقاذ شارون والتخفيف من وطأة الأزمة في العراق بعزل سورية ولبنان وتحويل لبنان إلى ساحة تصفية حسابات وإضعاف خط المقاومات والصمود.
نرى إمكانية لتشذيب العلاقات وإعادة تكييف وسائلها في خدمة الأهداف الاستراتيجية الجديدة على النحو الآتي
- إعادة تنظيم الوجود العسكري والأمني بما يحقق الفائدة العملية المرجوة بما في ذلك الانتشار "العسكري والأمني حصرا" في مناطق من بيروت والساحل عملا بفقرات الطائف" حيث دعت الحاجة واتفقت الدولتين "وتكريسها باتفاقات معلنة ومحصنة بموافقة مجلس النواب ومجلس الشعب، والمؤسسات ذات الصلة "على الطريقة الأمريكية في ألمانيا واليابان" وإعلان ذلك لقطع الطريق على محاولات تصوير إعادة الانتشار كل مرة على أنها تنازلات أو تحت الضغط.
- تنشيط الأمن المضاد، والأمن الاجتماعي والسياسي "التعاون الأمني" لكشف الشبكات المعادية وتفكيكها، وإحباط إستراتيجية أمريكا الاحتلال بالانتخابات ومنظمات المجتمع المدني والمليشيات (التظاهرات والتحشدات المدفوعة الأجر من قبل السي أي إيه) كما في تجربة أوكرانيا وجورجيا.
- الإشارة بقوة إلى الخطر الإسرائيلي الأمريكي الفرنسي على الوحدة الوطنية والاستقرار اللبناني، وضرورة النهوض لمواجهة السعي لتحويل لبنان ساحة.
- التنبه إلى أن الموساد، والسي أي إيه بدأوا عمليا استخدام لبنان ساحة عمل مفتوحة (سيشهد لبنان عمليات تصفية لقادة ورموز ويمكن أن تستهدف المواقع السورية، وبعض النواب والوزراء) تتعزز قدراتهم في المناخات السياسية والانقسامات وتبني قوى لبنانية للشعارات والمطالب الإسرائيلية الأمريكية وفي تحريك المعارضة للشارع وتعبئته.
- الاستثمار في الحالة الشعبية المعارضة للوجود الأجنبي وللغزوات الغربية بما في ذلك المعارضة للعلاقات مع فرنسا وأمريكا ومشاريعها، بإطلاق حملة تعبئة وطنية تدين الانخراط بالمشاريع الغربية علنا أو سرا، بالسياسة أو الأمن.
تركيز الجهد في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية
1- التعرف على خصائص الاقتصادين، واليات التفاعل، والتكامل "الميزات التفاضلية لكليهما" والاستفادة من النموذجين المختلفين عبر إيجاد مساحات لتكبير الكعكة في صالح الاقتصادين والمجتمعين.
2- معظم التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية والسورية لها مصلحة حقيقية بانفتاح وتكامل السوقين، والمطلوب اكتشاف ذلك وإشراك ممثلي هذه القطاعات عمليا في الحوار والصياغة واستبيان المصالح المشتركة والتركيز عليها.
3- تركيز الجهد وتسريعه في المشاركة بين الاقتصادين في قطاعات قاطرة تؤسس لتثبيت العلاقات وترشيدها وقيادتها "النموذج الأوروبي مع الصلب" يصلح بين لبنان وسورية (قطاع السياحة- الترانزيت- الإعلام والإعلان- التقانة- سوق المفرق– الطبابة والدواء- القطاع المالي والاستثمارات- حماية الطبيعة).
4- يشكل قطاع المال اللبناني قوة حاكمة في لبنان وبنيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وله مصالح عميقة في سورية تتركز في "كونه يستقطب الودائع السورية المقيمة ويقوم بوظيفية الخدمات المالية وتمويل الاستيراد لسوق السورية، ويعاني من مشكلة ضعف البيئة الاستثمارية في لبنان وانحسارها على تمويل القطاع العام المأزوم "وبالتالي تتوفر فرصة للتشبيك مع هذا القطاع مما يؤدي إلى تعزيز مناخات التكامل بمختلف أوجهها، يمكن القطاع من التوظيف في سوق ناشئة وبكر "السوق السورية المحتاجة للأموال والتوظيفات الاستثمارية".
5- تعزيز وتطوير تبادل الخدمات والحاجات بين الدولتين وإقامة مشاريع مشتركة كخطوة نوعية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية ويكون ذلك عبر (تعزيز الربط الكهربائي وبيع سورية الكهرباء للبنان- ربط الغاز- مشاريع السدود- مشاريع تصنيع النفط- مد أنابيب النفط السوري والعراقي والسعودي وتنشيط مرافئ التصدير بين البلدين).
6- حسم موضوع وحدة أبنية وإجراءات الحدود: حرية تنقل السيارات والأموال والعمالة وحمايتها.
أفضل الأدوات
تبدو مؤسسة المجلس الأعلى، واللجان الوزارية المنبثقة عن الاتفاقات وعن معاهدة الأخوة والتعاون، وتبدو مؤسسة الأمانة العامة للمجلس الأعلى، وأي مؤسسات ذات طبيعة مدنية اجتماعية اقتصادية سياسية الأدوات الأفضل في رعاية العلاقات وتطويرها إلى الأهداف المرجوة والممكنة التحقيق أو الواجبة بالضرورة التاريخية والمصالح.
هل من احد سيقرأ أو يسمع ويبادر؟
ربما نعم، وربما لا. لكن علينا أن نطرح المسائل بصورة جوهرية وبدون خجل أو تردد، لأن التعاقدات الوطنية والعلاقات السورية اللبنانية كائنات حية، تشب وتكبر وتشيخ، تعيش وتموت، وتحتاج إلى رعاية في كل زمان ومكان، ولا بد من ملامسة الواقع ذاته وفهمه للعمل على تلبية حاجاته وتطوير الأدوات والوسائل والأهداف بما يتناسب مع كل حقبة وطبيعتها والمهام التي تفرضها، ومن أجل تعزيز البنيان والبناء على ما تم بعد إصلاح الخلل.
بيروت 24-1-2005
ميخائيل عوض