الانتخابات
الفلسطينية
وتتمتها
تفويض لخط
المقاومة
واستثمار
مكاسب الانتفاضة
ميخائيل عوض كاتب من لبنان بيروت 24-1-2005 |
انتهت العملية الانتخابية، وانكشف المستور، واتضحت حقيقة الموقف الشعبي الفلسطيني وموازين القوى عبر صناديق الاقتراع وهي بكل الأحوال أصدق كثيرا من استطلاعات الرأي ومن أوهام المثقفين، وادعاءاتهم و"مونتهم" على الشعب الفلسطيني وخياراته، فماذا قالت الانتخابات بالنتائج والأرقام، ولمن أعطى الشعب الفلسطيني التفويض؟ |
ما كادت تعلن نتائج العملية الانتخابية التي جرت في الضفة والقطاع حتى ارتفعت حمية المستعجلين إلى تصفية الانتفاضة وإسقاطها تلبية لشروط وإملاءات شارون- بوش- شيراك- حسين- مبارك- عبدالله الثاني. فقد نصب أبو مازن رئيسا للسلطة منذ زمن فرضه رئيسا لحكومة على حساب صلاحيات عرفات (حكومة لم تعش سوى ثلاثة أشهر وسقطت لان الشعب الفلسطيني لا يقبل كرازي فلسطيني) وبإرادة أوروبية إسرائيلية أمريكية. كان ذلك قبل أن تجرى العملية "المسرحية" للانتخابات بهدف تسليح أبو مازن وصحبه بحجة "التكليف والتفويض الشعبي على أساس برنامج وانتخابات" لإنفاذ ما كان يقوله قبل وفاة عرفات وما يطرحه من "هجوم على سلاح الانتفاضة، وأعمال المقاومة".
جرى ذلك وسط "الهمروجة" الإعلامية المكثفة التي هيئت الأجواء "لتسويق أبو مازن" تحت الضغط والتهديد، وإعاقة المرشحين الآخرين، وقسرهم ومنعهم من ممارسة الدعاية الانتخابية سيرا بين الحواجز أو في الوسائل الإعلامية، إلى الإغراءات وإغداق الوعود بالمن والسلوى ومليارات الدولارات لتعويم السلطة الفلسطينية بقيادة أبي مازن ومستورثي عرفات المستعجلين للخلاص من الانتفاضة وسلاح المقاومة لإخراج شارون من ورطة الانسحاب من طرف واحد وتحت النار من غزة ومستوطناتها. وما لبثت هذه "الهمروجة" أن انكفأت وتحولت إلى ضغوط وتهويل نفسي ودبلوماسي على السلطة، بما فيها أبو مازن شخصيا، وعلى الشعب الفلسطيني، عندما سارع شارون لقطع الاتصالات مع السلطة وتحشيد القوى في محاولة للإيهام بأن غزة أصبحت لقمة سائغة وبأن الدبابات الإسرائيلية التي عجزت عنها طيلة أربع سنوات ونيف (يوم لم تكن الانتفاضة تملك الأسلحة والعبوات والخبرة والتجربة في القتال النوعي والتصدي) باتت قادرة على اجتياحها "لاستئصال المقاومة وصواريخها وأنفاقها".
كل ذلك في
محاولة
للاستثمار
بسرعة في
نتائج الانتخابات،
وتقديم حجج
وذرائع لأبي
مازن لفرض
قرارات
وخيارات من طابع
آخر، وبقصد
استباق
محاولات
الحوار مع قوى
المقاومة بممارسة
ضغوط نفسية
وترهيبية علّها
تفيد في دفعها
لقبول هدنة
يطلبها شارون
بأي ثمن
لتأمين فرص
الانسحاب من
غزة ومستوطناتها
وتقديم ذلك
على انه نصر،
لا هزيمة كما
تريد قوى
المقاومة
وكما هو
قرارها.
أطلق أبو مازن
خطته لتعويم
السلطة وأجهزتها،
وأطلق تصريحاته
ضد السلاح
المقاوم، وأدان
العمليات
العسكرية المحكمة
التنفيذ
والتخطيط
التي تستهدف
المواقع
العسكرية حصرا
(كان ذلك مسلكاً
مفهوماً في
التنصل من
العمليات
الاستشهادية في
الأسواق
والمجمعات
المدنية بحجة
مخاطبة الرأي
العام العالمي)
لكنه غير
مفهوم البتة
وقد التزمت
المقاومة عمليات
ضرب المواقع
والتجمعات
العسكرية
والاستيطانية
في أراضي 1967
وحصرها في
المواجهات
العسكرية
البطولية حيث امتلكت
زمام
المبادرة وأحسنت
التطوير
النوعي
للعمليات والأهداف
في آن. وقرر
نشر قوات الأمن
(المنهكة والمتداعية
والعزلاء)
بسبب الضربات
التي كالها
لها شارون وجيشه،
على طول
المواجهة مع
قطاع غزة لمنع
المقاومة من تنفيذ
عملياتها
النوعية
والمتطورة.
وربما نسي أبو
مازن وأجهزته الأمنية
أن حدود رام
الله حيث يقيم
وحيث مقر القيادة
مازالت عرضة
يوميا
لاعتداءات إسرائيلية،
ويجب أن تنشر
حولها القوات الأمنية
للتصدي
للغارات الإسرائيلية
التي تستهدف
هيبة السلطة
الفلسطينية
وتغتصب الأرض
وتدمر البيوت
وتغتال
المناضلين
والمواطنين الأبرياء
في كل ساعة
تريد.
على العموم،
انتهت
العملية
الانتخابية،
وانكشف
المستور، واتضحت
حقيقة الموقف
الشعبي
الفلسطيني
وموازين
القوى عبر
صناديق
الاقتراع وهي
بكل الأحوال أصدق
كثيراً من استطلاعات
الرأي ومن أوهام
المثقفين،
وادعاءاتهم و"مونتهم"
على الشعب
الفلسطيني
وخياراته،
فماذا قالت الانتخابات
بالنتائج والأرقام،
ولمن أعطى
الشعب
الفلسطيني
التفويض؟
1- لم تكن عملية
انتخابية،
ولم تجري
انتخابات حقيقية
بل قسر
الفلسطينيون
على التعامل
مع مرشح وحيد،
لفتح وللسلطة
ولمنظمة
التحرير،
وللتدخلات
الخارجية من
كل حدب وصوب.
فلم تختلف عن
انتخابات "النظم
الاستبدادية"
كما يصف
انتخابات هذه
النظم توصيف الأمريكيين
والأوروبيين.
بل يمكن القول
أنها الأكثر
استبدادا،
فقد فرض
الرئيس بقوة
التدخل الخارجي
واختاره
الخارج وفرضه
على الشعب
الفلسطيني لأهداف
خارجية لا تمت
بصلة لمصالح وإرادة
الشعب
الفلسطيني
صاحب الحق بالاختيار
وممارسة
الديمقراطية
والحرية ولو
تحت الاحتلال.
وعليه يجب
التعامل مع
العملية على أنها
استفتاء
وليست انتخابات.
2- شارك في
الانتخابات 45%
من ناخبي
فلسطيني
الضفة
والقطاع، ولم
تكن لتبلغ هذه
النسبة لولا
فتح
الانتخابات أمام
كل المسجلين
في الساعات الأخيرة،
وتحشيد
المشاركين
بالتهويل أو بالإغراء،
وارتكاب
الكثير من
التجاوزات
كما دلت الوقائع
وشهادات
الصحفيين
والمراقبين
وما تقوله
حماس والقوى
الفلسطينية الأخرى.
3- وفلسطينيو
الضفة
والقطاع لا
يتجاوزون 40% من
عدد الشعب
الفلسطيني"صاحب
القضية" إن لم
نقل أنها بالأصل
قضية عربية وإسلامية
وأممية.
4- أعطي أبو
مازن، مرشح
فتح الوحيد، أي
أعطيت فتح،
بقصد تأمين
صلابتها
واستمرار
وحدتها
وتأكيد
شراكتها في
الدم
والمقاومة، 62%
من أصوات
المقترعين من
الضفة
والقطاع، بينما
أعطي
المرشحون الآخرون،
وهم بمجموعهم
قالوا بتوازي
الانتفاضة
والتفاوض، أي
التمسك
بالانتفاضة،
38%، برغم مقاطعة
القوى
الوطنية
الفلسطينية
للانتخابات
ترشيحا وتصويتاً.
وقد أصابت في
موقفها وأكدت أنها
تمثل الأكثرية
المطلقة في
الشارع
الفلسطيني،
لفلسطيني 1967
الذين استفتوا،
وبالحري فهي
تمثل أكثرية
كاسحة من
الشعب الفلسطيني
في فلسطين 1948
وفلسطيني
الشتات الذين
يربوا عددهم
عن ستة ملاين
ونصف، بينما
سكان الضفة
والقطاع لا يتجاوزون
3 ملايين في أحسن
الأحوال.
إذن: في قراءة أرقام
الاستفتاء
يمكن الجزم
ببساطة ويسر أن
أقلية من أقلية
شاركت، فأعطت أبا
مازن "أكثرية
نسبية 62% من أصل
45% من أصل 40% أو
دون من مجموع
الشعب الفلسطيني.
وليس ذلك لأنه
يمثل نهجا
تفريطياً، بل لأنه
زعم أنه عازم
على التزام ثوابت
فتح وثوابت
الرئيس
عرفات، واتفق
مع "الكتائب"
ومع البرغوثي
ورفاقه
الفتحاويين
السجناء والمطاردين
والمقاومين
على سلسلة إجراءات
إصلاحية في
فتح والسلطة والأجهزة
إذا التزمها أبو
مازن سيكون
التصويت لفتح
حاجزا قاطعا
يمنع أي تنازل
أو تفريط.
الاستفتاء
الذي جرى في
الضفة
والقطاع لم
يفوض أبا مازن
التفريط والتنازل
بل فوض
المقاومة
الاستمرار
والثبات وتصعيد
الهجمات
وتطويرها كما
ونوعا. هذا
ابسط استنتاج يمكن
أن يسجل على
قراءة
النتائج بعقل
بارد وموضوعي
منفتح على
التطورات
والتوازنات.
لان الإحباط أصاب
القوى الاقليمية
والدولية
والقيادة الإسرائيلية
التي راهنت
على الانتخابات
على اثر
انتهاء العملية
الانتخابية،
ووقعت
النتائج وقع
الصاعقة على الرؤوس
الحامية
والمستعجلة
تفويضا
لتقليص
الانتفاضة وإجهاضها
وافتعال حرب أهلية
فلسطينية
تخرج شارون من
ورطته وبوش من
مأزقه، سارعت
القيادة
الصهيونية إلى
استخدام
العصا
والجزرة
وتخويف أبي مازن
وسحب البساط
من تحته (التهويل
بالتعامل معه
كما جرى مع
عرفات). ترافق ذلك
مع ابتلاع
شيراك
للسانه،
وشارون
لوعوده ورهاناته
على القيادة
الجديدة،
وبعض العرب
لوعودهم وإغراءاتهم
التي أغدقوها
قبل
الاستفتاء،
بدأت عملية
ابتزاز عالية
المستوى وتدخلات
سافرة لتدفع أبا
مازن
لاستعجال "حماقة"
قبل أن يجف
حبر الحملة الإعلامية
التي رافقت
التخلص من
عرفات
"العقبة أمام
السلام" بنشر الأوهام
عن إقلاع
للتسوية والمفاوضات
ودنو الصراع
مرحلة جديدة
مختلفة نوعيا.
ولنفس
السبب يبدو أن
أبا مازن
استعجل إطلاق
مبادرات
الحوار مع المقاومة
الفلسطينية،
ومطالبة "
كتائب شهداء
الأقصى" بحل
نفسها والانخراط
في المؤسسة
الرسمية والأجهزة
الأمنية،
والضغط على
المقاومة
لوقف هجماتها
ونشر قوى الأمن
الفلسطينية للحؤول
دون إطلاق
الصواريخ
وحفر الأنفاق
والهجوم على الحصون
الصهيونية
المتداعية من
الداخل.
غير أن عناصر كثيرة
موضوعية تكمن
في خيارات
وتجارب الشعب الفلسطيني،
وفي الاختلال
الحاد في
موازين القوى الداخلية،
وفي معرفة
الفلسطينيين
بأغلبيتهم أن إسرائيل
دخلت طور الأزمة
الداخلية
المتفاقمة
ودخلت مرحلة
الهزائم المتناسلة،
على اثر سقوط
القوة،
وانهيار التكتيكات
والاستراتيجيات
العسكرية في
التعامل مع
الانتفاضة والمقاومة،
وانهيار
المعنويات
للجنود والضباط
الصهاينة، والعجز
الفاضح عن
التعامل مع
المقاومة وأعمالها
النوعية المتطورة
على درجة غاية
في الأهمية
والثقة
بالنفس وبالنصر.
وهذه العناصر
باتت تفعل
فعلها في
تصليب
المواجهة،
وفي منع التطاول
على سلاح
المقاومة
وقواها، وفي إلزام
إسرائيل "شارون"
الانسحاب من
طرف واحد وتحت
النار (والانسحاب
هزيمة واضحة
لا لبس فيها).
وهي توفر الأسباب
الموضوعية
مرفقة بالوعي الذاتي
المتطور
لقيادة
المقاومة والانتفاضة
بحيث تجعل من التفويض
الشعبي
للمقاومة
ومنع التنازلات
والتفريط
السمة الغالبة
للزمن الآتي
من المواجهة
المتقدمة
والمستدامة بوتائر
مختلفة
منخفضة إذا
دعت الحاجة "هدنة
ومناورات تقتضيها
لحظة الصراع" وعاصفة
عندما تتوفر
الفرصة، فلا
خوف ولا من
يحزنون على
المقاومة
وليس من قدرة لأحد
على افتعال حرب
أهلية
فلسطينية،
ولن يغير في
واقع
التوازنات
تعويم مصالحة
بين قادة الأجهزة
وتغيير في
الحكومة،
وتصريحات وإجراءات
تتخذها سلطة أبي
مازن غير
المفوضة
بالتخلي عن الثوابت
وعن السلاح.
تتدعم هذه
العبر
والدروس
المستفادة من
العملية الاستفتائية
التي جرت، ومن
خلال رصد
التحولات النوعية
في أداء
المقاومة على
الصعيد
السياسي
والعسكري التي
نضبط منها على
سبيل المثال الآتي:
1- برغم فقدان
قادة عظام
بسبب
الاغتيالات، أمثال
الرنتسي والشيخ
احمد ياسين
والعياش
وصلاح وغيرهم،
أو بسبب الاعتقالات
كمثل اسر
مروان
البرغوثي
وحسام خضر وأحمد
سعدات
والمئات من
كوادر "القسام"
و"الأقصى" و"القدس"
و"أبو علي مصطفى"،
استطاعت
الانتفاضة
تصعيد قيادات
سياسية وعسكرية
لا تقل خبرة وأهمية
وقدرات إستراتيجية
على إدارة
المعركة السياسية
المعقدة في
الساحة
الفلسطينية
ومع الساحة العربية
ومع الكيان
الصهيوني،
واقرب الأمثلة
الشواهد العملاقة
في كيفية
تعامل قيادة
الانتفاضة مع العملية
الانتخابية "الاستفتاء"
عندما فوتت
الفرصة على
تشريعها أو إعطائها
صبغة إجماعية
يفوض فيها أبو
مازن "عنوة وبالقسر"
لإضعاف
الانتفاضة
وسحب سلاحها.
فكان تكتيك مقاطعة
الانتخابات
الرئاسية
مجديا بل
مبدعا تماما كما
جاء تكتيك
المشاركة في
الانتخابات
البلدية، وبرغم
الشروط القاسية
والضغوط
والمطاردات
واختيار البلديات
ذات الثقل النوعي
للسلطة وفتح
بارعا في إدارة
المعركة وفي إثبات
أن التوازنات
في الساحة
الفلسطينية
تغيرت عناصرها
وباتت قوى المقاومة
المسلحة
وازنة بقوة
كبيرة بل تحوز
على نسبة عالية
من إرادة
الشعب
الفلسطيني في
الضفة
والقطاع بحيث لم
يعد من إمكانية
للاستفراد
بها أو جرها
لمعركة
داخلية أو
محاولة احد
تصفيتها
واتهامها
بالانعزالية والأقلوية
"الإرهاب"،
وعليه فقيادة
المقاومة
ناضجة
والانتفاضة قادرة
على توليد
قيادات
وتصعيدها لتحتل
مكانة
القيادات التاريخية
العظيمة في أدائها
وفي استشهادها
وكفاحيتها في السجن
أو في
الميدان.
2- أشارت
العمليات
العسكرية الأخيرة
التي جرى
توقيتها
بإحكام وإبداع،
إلى دلالات في
جميع
الاتجاهات
على حجم
التطور
النوعي الذي
بلغته
المقاومة إعدادا
وتجهيزا وتدريبا
وقدرات. ففي
عمليات الأنفاق
أسقط بيد إسرائيل
(أخلى الجيش الإسرائيلي
قبل أسبوع
مواقع خوفا من
أن تكون قد
حفرت تحتها الأنفاق)،
وبسبب تمنع
الجنود
والضباط عن الخدمة
فيها- أليس
هذا إشارة إلى
ضعضعة
المعنويات العسكرية
للعدو
وانتصار
للمقاومة وإدارتها).
ثم سددت القوى
المقاومة
سلسلة عمليات
في غزة، وفي
الضفة
الغربية أوقعت
العشرات بين
قتيل وجريح من
الجنود
والضباط، أي
هناك عمليات
ذات طابع
عسكري بحت. إلى
أن كانت عملية
حاجز المنطار،
القلعة الأكثر
تحصينا، حيث نفذت
عملية ذات
طابع نوعي،
احترافا
وسياسة
وعسكرة، فقد نفذت
ثلاث قوى
مقاومة بصورة
مشتركة، ما
يؤكد وجود
قيادة موحدة
للمقاومة
وليس فقط
تنسيق وتعاون.
وجاءت الخطة الموفقة
تشير إلى
الحجم النوعي
للتخطيط
والتنفيذ
فكانت مركبة،
عبارة عن أربع
عمليات في
عملية واحدة (نسف
الجدار لفتح
ثغرة لاقتحام
الموقع،
اقتحامية بعد
فتح الجدار وإدارة
معركة مع
حامية الموقع وإصابتهم
جميعا بين
قتيل وجريح، ثم
قصف وحدات الإمداد
والإسعاف
باستخدام
الهاون والصواريخ).
لا بد لأي
معلق عسكري ولأي
متابع أن يعجب
بهذا المستوى
من الأداء
والتطور برغم
الحصار والتآمر
والاجتياحات
والمطاردات الأمنية،
باستخدام الجو
والبحر والبر
من قبل قوة
يقال أنها
نوعية في
تقانتها وأمنها
وقوتها
الجوية
الجبارة.
وما كادت تتضح مفاعيل وأهمية هذه العملية النوعية حتى سجلت "كتائب القسام" نصرا باهرا آخر تمثل في قدرتها على تنفيذ عملية أمنية نوعية غير مسبوقة عندما نجحت باستدراج أفضل ضباط الأمن وأكثرهم خبرة إلى كمين في قلب مركزه وفجر انتحاري نفسه فقتل الضابط وجرح العديد من الضباط والجنود الأمنيين في قلب الموقع. "يا لها من عملية نوعية إبداعية"، هذا ما يقوله أي خبير عسكري وأمني إستراتيجي في توصيف هذا النمط من العمل المحكم. هذا فضلاً عن حالة الذعر التي تجتاح قيادة الأركان الإسرائيلية من وصول صواريخ مضادة للطائرات، وصواريخ مضادة للدروع لأيدي المقاومين، ناهيك عن القدرة على تصنيع السلاح والعبوات ذات الفاعلية العالية والقدرة على الاستطلاع والاختراق والتخطيط وإدارة النار وتنسيق الاشتباك بين الأسلحة المختلفة. وبعد هل يمكن لعاقل أن يفترض أن هذا المستوى من الأداء السياسي والعسكري النوعي والتطور المضطرد برغم الظروف القاسية جدا، يمكن له أن ينهزم بمجرد تهويل إسرائيلي وممارسة سياسة العصى والجزرة، وإعطاء مبررات إعلامية لأبي مازن لتخويف فصائل المقاومة لإلزامها تقديم تنازلات وحل نفسها وإعطاء إسرائيل فرصة النفاذ بهدنة لتعيد فيما بعد تجهيز قواها للهجوم على العزل الفلسطينيين مرة بعد المليون!
ليس من عاقل يتصور أن ما عجزت عنه إسرائيل يمكن لفلسطيني أو لمصري أو لأردني... أن يحققه، واقرب الأمثلة التجربة اللبنانية. فبعد هزيمة إسرائيل ألم يعجز العالم والجميع عن التطاول على المقاومة اللبنانية التي مازلت على خط الاشتباك تتحين فرصة تدمير مدرعة وضرب جرافة وإطلاق "المرصاد1" ومنع التطاول الإسرائيلي على المياه والأجواء والأرض، بل تخلق حالة قلق وارتباك إستراتيجي وتكتي لدى قادة الكيان ونخبته العسكرية من خطر جر الشمال إلى معركة غير متكافئة في مصلحة المقاومات العربية، التي تجيد استخدام عناصر قوتها وتمنع العدو من امتلاك الزمام أو إحداث أي تغيير في قواعد اللعبة والصراع.
وعلى الجانب الإسرائيلي
تبدو الأزمة أعمق
واعنف بكثير مما
يحاول فهمها
البعض أو إخفاء
علاماتها
لتبرير خط التنازل
والتفريط
والتخويف
بالحرب
النفسية والأوهام
لاستثمارها
في فت عضد
المقاومة
الفلسطينية واللبنانية،
بحيث باتت الأزمة
أعمق من أن
تعطي فرصة
لشارون
لترميم وضعه
الداخلي،
ولترميم
الحياة
السياسية في الكيان،
وتجعل من أزمة
شارون وأزمة كيانه
بذاتها ضمانة
لمنع التطاول الفلسطيني
على
الانتفاضة
ولمنع وقوع
حرب أهلية
داخلية تفيد
شارون وبوش
وحدهما ليس إلاً.
في إسرائيل
يمكن رصد الأزمة
وانعكاساتها
على النحو الآتي:
- مجتمع متعب ومتداع، ويعاني من أزمة اقتصادية اجتماعية حادة غير مسبوقة (اضطرت وزارة المالية لاستعارة حاكم المصرف المركزي من أمريكا وبجنسية أمريكية– غير يهودية)، ويعاني من انهيار في المعنويات وفي القدرات العسكرية والسياسية، ولم يعد قادرا على تصعيد قيادة أكثرية تمتلك قدرة وضع سياسات هجومية ذات جدوى.
- حياة سياسية
مرتبكة، بل
مأزومة ومترجرجة
غير مستقرة. فاليمين
المتطرف فقد
القدرة على
التماسك، وألاعيب
شارون
البهلوانية
والتلاعب
بالقانون وبالأكثرية
في الكنيست
وفي الحكومة
بلغت ذروتها
ولم تعد تفيد
بشيء، تماما
كما التفاهم
مع حزب العمل
على حكومة سميت
حكومة "وحدة
وطنية"، وهي
بكل حال حكومة
أقليات مأزومة
في واقع مأزوم
لا تستطيع
مواجهته إلاّ إدارة
أزمة بانتظار
فرج ما.
فالحكومة
وبرغم التنازلات
المتبادلة
بين حزب العمل
وليكوديي
شارون لم تحقق
إجماعاً بل
نجحت بفارق
صوتين، لعرب
ويسار، لم تكن
لتحسب في
السابق بحسب
القاموس
الصهيوني، وهي
على قاب قوسين
من انفجار وتداع،
ويحميها ويمد
بعمرها فقط
خوف الجميع من
انتخابات
مبكرة تقلص
الحصص وتزيد
في التذرر وعدم
القدرة على
توليد أكثرية
قادرة على
الحكم وإدارة الأزمة.
- إن تمرد
الليكود
واليمين على
خطط الانسحاب
من غزة (قالها شارون
بفم ملآن "إما
الانسحاب من
غزة أو بقاء
الدولة،
الانسحاب الآن
قبل فوات الأوان")
انعكس تمردا
في الشارع وبدأت
تصل آثاره إلى
الجيش حيث
فتاوى الحاخامات
بعدم جواز
تفكيك
المستوطنات
وترحيل
المستوطنين (الحديث
يتسارع في إسرائيل
عن خطر اندلاع
حرب أهلية
داخلية وفي
الجيش) ويقوم
تجييش في كل
مكان وتعبئة
حاشدة وجذرية
بعضا ضد بعض،
والمأزق يكبر
وتقترب
الساعة في نفس
الوقت الذي تتبلور
عناصر هزيمة
المشروع الأمريكي
في العراق وما
سيتركه من آثار
نوعية ربما
تقلب الأمور
والمنطقة
رأسا على عقب
في ظل عجز
النخبة
الحاكمة في أوروبا
وتحديدا في فرنسا
عن لعب دور
عملي بديل.
إذن، العقدة
الكأداء تكمن
في بنية
الكيان الصهيوني
أيضا، وفي أزمته
وتجلياتها،
ما يسمح
بالاعتقاد
بأن شارون المأزوم
والحكومة
الضعيفة
واليمين
الحاكم في
الشارع وفي بنية
الجيش،
سيحولان دون
قدرة شارون
على إعطاء أبي
مازن الوقت (الذي
يحتاجه كثيرا)،
ولن يعطي أبا
مازن ما يحفظ ماء
الوجه وما
يغري على الإقدام
على خطوات
تفريطيه وإجراءات
للمس بقدرة
المقاومة
وسلاحها.
الأزمة في
استعصاء،
والمشروع الإسرائيلي
في عجز، والأدوات
التي يجري إعدادها
ليس لديها
الوقت أو
القوة، أو الإغراء
لكسر عزلة إسرائيل
وإخراجها من
مأزق
الانسحاب- الهزيمة
من غزة، تلك
الهزيمة
سيكون لها آثار
درامية لا يمكن
الإحاطة بها
من الآن،
لكنها على الأقل
ستتبع خطى الانتصار
الجنوبي (في
لبنان) الذي
لم يكن أحد
يتوقع أنه
سيصرف انتفاضة
مقاومة نوعية
في فلسطين
تصمد لأربعة
سنوات ونيف، برغم
العواصف
الزلازل التي
اجتاحت
العالم ووظفت
نتائجها ضد
الانتفاضة
ولتقوية
الكيان
الصهيوني وشلة
القادة الفلسطينيين
"التفريطيين".
فما ستكون
عليه الحال
وقد تداعى المشروع
الأمريكي في
العراق وفقد
هجوميته
وتحول الكيان الصهيوني
إلى الانشغال بأزماته
الداخلية
التي تتفجر وتتناسل
بالجملة؟
الشعب
الفلسطيني
قال كلمته في
صناديق
الاقتراع وفي المقاطعة،
ففوض
المقاومة
والانتفاضة
بالاستمرار
ولحجم خط التفريط
والتنازل
وعقد مهمته.
والمقاومة
تقول كلمتها: "أمر
اليوم لي"،
وقد أمسكت بناصية
القرار
والمبادرة والمبادأة
ف"لا خوف ولا من
يحزنون".
ميخائيل عوض
بيروت 24-1-2005