"منتدى المستقبل"
الإخفاق من أول
مؤتمر
العوامل التي
فرضت على
واشنطن
التراجع عن سياسة
الإملاء
حسين عطوي، كاتب من لبنان
أنعقد في الربع الأول من شهر كانون الأول بالرباط (منتدى المستقبل) الذي يشكل أول مؤتمر في إطار ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة بهدف فرض المنظور الأميركي للإصلاح والديمقراطية واقتصاد السوق لغرض تحقيق الهيمنة الأميركية على المنطقة التي تعتبر من أغنى مناطق العالم بالموارد النفطية وتتمتع بموقع جيوسياسي مما يجعل نجاح المشروع الإمبراطوري الأميركي مرتبط بالضرورة بإحكام السيطرة على هذه المنطقة. |
شكل احتلال العراق محط رهان الإدارة الأميركية بان تجعل منه منصة لفرض هذا المشروع على دول المنطقة، وإبعاد أوروبا التي تطرح مشروعا مناقضاً يندرج تحت عنوان الشراكة الأوروبية المتوسطية.
التوجه الاميركي الجديد
غير أن ما صدر عن المؤتمر من نتائج وما شهده من مواقف وتصريحات مختلفة لم يحقق الهدف المأمول منه، بل أن المراقبين لاحظوا تراجعاً أميركياً في الإصرار عليه لصالح اعتماد سياسة جديدة بعيدة عن الإملاء. لكن ما هي الدلائل على هذا الإخفاق الأميركي؟ وما هو التوجه الأميركي الجديد البديل عن سياسة فرض الإصلاحات السياسية؟ ولماذا تراجعت واشنطن عن إصرارها في العمل على فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
أولاً: أظهرت النقاشات التي شهدها المنتدى والمواقف التي أعلنت فيه والنتائج التي تمخضت الأمور التالية:
الأمر
الأول: تحفظ
أوروبي عبرت
عنه فرنسا
تجاه فكرة تحويل
المنتدى إلى
مؤسسة،
وإنشاء أمانة
دائمة له، والدفاع
عن الشراكة
(الفريدة
والقديمة) بين
أوروبا
والعرب ما
ابرز التناقض
الأوروبي الأميركي
والتنافس
والصراع في
سعي كل طرف
لفرض رؤيته
ومشروعه، حيث
صيغة
"الشراكة
الأوروبية
المتوسطية"
في مقابل
"مشروع الشرق
الأوسط الكبير".
وهذا ما عبر
عنه بوضوح
وزير
الخارجية الفرنسي
ميشيل
بارنييه
عندما قال أن "برشلونة
هي أداتنا
الرئيسية
للتعاون مع
العالم
العربي"،
رافضا أن تحل
المبادرة
الأميركية
(محل ما بدأه
الأوروبيون). وقد
جاء البيان
الختامي
ليجسد هذه
المعادلة عندما
اعترف بان
مسار برشلونة
كان أسبق إلى
الدعوة للإصلاح
الاقتصادي والسياسي
من مشروع
الشرق الأوسط
الكبير.
الأمر الثاني:
تركيز عربي
على الخصوصية
واحترام
سياسة الدول
ورفض فرض الإصلاح
من الخارج
لصالح
التأكيد على
مفهوم الإصلاح
من الداخل،
فيما ربط
البعض دعمهم للإصلاحات
بالتوصل إلى
تسوية عادلة
وشاملة
للصراع العربي
الإسرائيلي. ولا
شك أن الرؤى
المتباينة في
النظرة إلى الإصلاح
لا تلغي حقيقة
الترابط بين
تحقيق
الديمقراطية
والتحديث
والتنمية،
وبين التحرر
من الاحتلال
وقيود
التبعية التي
تحرم العرب من
استغلال
واستخدام ثرواتهم
ومواردهم
الهائلة من أجل
إشادة
التنمية
وتحقيق
التقدم
والرفاه الذي
يشكل الطريق
الحقيقي
لبلوغ
الديمقراطية
الحقة.
وعلى الرغم من
أن هناك دول
عربية خارج إطار
الاحتلال
والخضوع
للتبعية
الاقتصادية، إلا
أن الاحتلال
الإسرائيلي
والمشاريع
الاستعمارية
للسيطرة على
المنطقة
والمترافقة مع
التهديدات
والضغوطات
المتواصلة
تحول دون تمكن
هذه الدول من
توظيف
قدراتها
ومواردها على
النحو
المطلوب
لبلوغ
التنمية
الشاملة،
لأنها مضطرة
إلى تخصيص جزء
لا يستهان به
من مواردها لأغراض
الدفاع عن
سيادتها
واستقلالها
من جهة، ومواجهة
الاحتلال
الإسرائيلي
من جهة ثانية.
الأمر الثالث:
أدى التركيز
على الصلة بين
الإصلاحات في
العالم الإسلامي
والصراع
العربي
الإسرائيلي
إلى إعلان
وزير الخارجية
الأميركي
كولن باول عن
شعوره بخيبة "لأن
البعثات أصرت
على ربط الإصلاحات
الداخلية
بالنزاع
العربي
الإسرائيلي"
غير أنه مع
ذلك اضطر باول
إلى الإقرار بأنه
"من الضروري
أن تراعى
خصوصيات كل
دولة
وخلفياتها
وأن تنسجم "الدعوة
إلى الإصلاح"
مع حاجاتها
وطموحاتها
وأن الإصلاح
لا يمكن أن
يفرض من
الخارج".
وجاء البيان
الختامي
معبراً عن
المطلب العربي
عندما أكد "الحق
السيادي لكل
بلد في تطوير
نظامه
السياسي بكل
حرية من ضمن وحدته
الوطنية
وسيادته
الترابية".
ثانياً: سجل تبدل في التوجه الأميركي من خلال التركيز على الجانب الاقتصادي بدلا من الإصرار على فرض التغييرات السياسية وهو ما ظهر من خلال شعور بعض كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية بالإحباط "لإحجام زملائهم عن تقديم مبادرات سياسية في هذا الاجتماع".
ونقل الكاتب
الأميركي
جويل بريتكلي
عن مسؤول كبير
بالإدارة على
علاقات
بسياسات
الشرق
الأوسط، أن
البرنامج الأميركي
لو بقي
محصوراً في
التجارة
والمبادرات
المالية "فان
هذا لن يكون
كافيا كما لن
يكون أمراً
جيداً" إذ أن
على الولايات
المتحدة أن
تضمن مسؤولية الآخرين
عن الوفاء
بتعهداتهم.
بالمقابل
توصلت دراسة
قام بها اثنان
من الباحثين
بمعهد
بروكنغز إلى
أن البرنامج
من اجل الديمقراطية
"يتجه
باستمرار إلى
تحويل موارده
من تطوير الديمقراطية
إلى دعم الخطط
الاقتصادية
الأقل استفزازاً،
والتي تقودها
الدول".
وفي هذا الإطار
قال ليزلي
كامبل مدير
برنامج الشرق
الأوسط بالمعهد
الديمقراطي
للشؤون
الدولية، وهو
معهد مدعوم من
قبل الإدارة
الأميركية: "إن
المناسب
حالياً هو دعم
مشاريع
التجارة الحرة
بدلا من
التغيير
السياسي".
ثالثاً: إذا كان من الواضح أن هناك تراجعا أميركياً عن مواصلة سياسة الفرض والإملاء لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، إلا أن هذا التراجع ما كان له ليحصل لولا حصول تطورات ومستجدات فرضته، فما هي؟
إذا كان
الكاتب
الأميركي
بريتكلي قد
أعاد هذا
التراجع أو
التبدل في
التوجه
الأميركي إلى
"الغضب الذي
يشعر به
الكثيرون من
جراء ما يعتبرونه
انحيازاً
أميركياً
لصالح
إسرائيل وما
يحدث في
العراق والذي
جعل الولايات
المتحدة مكروهة
في المنطقة"، إلا
أن المؤشرات
والمعطيات
تشير إلى أن الأسباب
الكامنة وراء
هذا التراجع
تعود إلى
أمرين:
الأول: الفشل
الأميركي
المدوي في
العرق حيث
عجزت القوات
الأميركية عن
فرض سيطرتها
وتحويل
العراق إلى
منصة انطلاق
لفرض مشروعها
على كامل
المنطقة بسبب
المقاومة القوية
والشاملة
التي تواجهها
وجعلتها تغرق في
رمال العراق
مما وضع
الإدارة
الأميركية أمام
مخاطر تكرار
ما حصل في
فيتنام أو
تعمد إلى
البحث عن مخرج
سريع من هذه
الرمال.
الثاني: حاجة
واشنطن إلى
مساعدة دول
جوار العراق
للخروج من "الورطة
العراقية"
دفعها كما
يبدو إلى
اعتماد سياسة
جديدة تخطب فيها
ود هذه الدول
الأمر الذي
يدفعها إلى
إعادة النظر
في خطتها لفرض
مشروع الشرق
الأوسط الكبير
الذي أثأر
المزيد من
الغضب والسخط
ضد السياسة
الأميركية،
وهذا ما جعل
أول مؤتمر لمنتدى
للمستقبل
يشهد تراجعاً
في اندفاعة
واشنطن لفرض
مشروعها
بدلاً من أن
يكون منطلقاً
لتنفيذه وفق
الخطة التي
طرحها الرئيس
الأميركي
جورج بوش منذ
بداية إطلاق
المشروع.
حسين عطوي
كاتب من لبنان