الافتتاحية

 

 ... بكاء، ولكنه كالضحك في عرس الدم

 

العرب والعولمة

 

شكل اغتيال الرئيس رفيق الحريري لوحة وثوب للمعرضات اللبنانية المتشنجة والمنتظرة استقبال الجحافل الأميركية الفرنسية لتنصيبها في السلطة في لبنان. قبل الاغتيال كما بعده، كانت سوريا هي المستهدفة من وراء استهداف السلطة اللبنانية، ولكن ما بعد الاغتيال أصبح تهييج الغرائز وإسقاط العقل والمنطق هو السمة الأبرز للهجمة الصاخبة عبر جميع وسائل الإعلام التي يمكن شراؤها وزجها وراء القرار 1559.

 

بسحر ساحر خلعت قيادات المعارضة الأكثر هيجانا جلدها، وأسقطت تاريخها البعيد والقريب المتسم بالاستبداد والممارسات الإجرامية بحق الأفراد والجماعات والوطن، حين كان الوطن أشلاء تتناهشها هذه القيادات، وظهرت من جديد كقيادات وطنية ديمقراطية عليها مسوح الرهبان.

 

بسحر ساحر أسقطت هذه القيادات تاريخ تحالفاتها مع ألد أعداء لبنان، مع إسرائيل، وأصبحت جد وطنية متشبثة باستقلال لبنان وسيادته وحريته، وخاصة في وجه كل ما هو عربي ومقاوم للهجمة الإمبريالية الصهيونية.

 

بسحر ساحر، أسقطت بعض هذه القيادات تاريخها القريب في السلطة، في الفساد، في الاتكاء على أجهزة الأمن السورية، في بناء وتملك الاحتكارات الضخمة، الناهبة للأموال العامة والخاصة، في الامتناع عن تطبيق اتفاق الطائف، في تزيين الاستبداد باسم الديمقراطية التوافقية المرتكزة إلى الطائفية والمعمقة لها في نفوس الشعب، وأصبحت من متهمي السلطة بكل الموبقات التي مارستها عندما كانت هي في السلطة.

 

بسحر ساحر، تم تغييب كل النهج الاقتصادي الاجتماعي، وطيلة أكثر من عشر سنوات، وبقيادة الرئيس رفيق الحريري، والذي أوقع لبنان في فخ المديونية، وألبس كل لبناني دينا معدله أكثر من عشرة آلاف دولار، ووسع الفروقات الطبقية، ودفع بقسم كبير من اللبنانيين إلى البطالة أو إلى دون خط الفقر، وإلى معدلات للهجرة لم يعرفها لبنان منذ "سفر برلك".

 

بسحر ساحر، لم يعد للعروبة معتنقوها، ولا للعدالة والمساواة طالبوها، ولا لإسرائيل أعداؤها، وللإمبريالية والاستعمار مناضلون ضدهما، فقد تم تهييج قسم كبير من اللبنانيين لإسقاط كل ما هو وطني وقومي وتقدمي، لإسقاط المصالح الحقيقية للجماهير، واستعداء سوريا بالتحديد، كمدخل للعروبة والمقاومة والممانعة.

 

في عرس دم الرئيس الحريري تحولت قيادات المعارضة، الأصلية والطارئة، من كان منهم في السلطة أو خارجها، إلى خبراء جنائيين ومدعين عامين وقضاة وجلادين في الوقت نفسه. جميعهم يرقصون في عرس الدم المراق، يبكون بنشوة على قائد أصاب حينا وأخطأ أحيانا، كان يقف أمام البريستول وهو حي فأدخل إليه بعد اغتياله كقميص عثمان، على أيدي تجار الأحقاد والطائفية.

 

إن غرائزية المعارضات في عرس الدم، تنفخ أبواقها عند جدران السلطة لهدمها. ولكن المستهدف في الحقيقة هو لبنان الوطن، لبنان العروبة والمقاومة، لبنان الرافض للنير الأميركي والفرنسي أو الإسرائيلي.

 

لكن لبنان هو غير أوكرانيا وجورجيا. فقد تطهر بالنار والدم، وخرج من براثن أميركا وإسرائيل منتصرا يوم ظن الآخرون أنه قد ابتُلِع، ونصبت عليه الدبابات الإسرائيلية من يجلس في الصفوف الأمامية في البريستول وقريطم.

 

واهم كل من يعتقد أن نباح الغرائز في عرس الدم سيرهب المقاومة لتلقي بسلاحها عند أبواب السفارة الأميركية في عوكر.

واهم كل من يعتقد أن المقاومة الفلسطينية ستلقي بسلاحها عند أقدام ورثة جزاريها في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا.

واهم كل من يعتقد أن سورية ستهرب فزعاً من لبنان متخلية عن أمنها وأمن لبنان القومي.

 

واهم كل من يعتقد أن زمن العروبة والمقاومة قد ولى، وأن زمن الركوع والتبعية للإمبريالية الأميركية والفرنسية وإسرائيل هو الزمن الآتي.

 

العرب والعولمة