مشروع قانون انتخاب 1960 وصيغة الطبقة السياسية الحاكمة

 

د.غالب نور الدين

كاتب من لبنان
24-2-2005

 

منذ خطاب القسم عام 1998 والناس بانتظار بداية إصلاح معينة باتجاه دولة المؤسسات والقانون الموعودة. فقد مضت سنوات ودوامة السياسة اللبنانية تدور في حلاقاتها المفرغة، لم يتحقق شيء يذكر من إصلاح أو تغيير بل تحققت المحاصصات، وتجذرت الاصطفافات الطائفية وكثر الفساد. عجز خطاب القسم عن ترجمة نفسه ولو جزئياً فاستقر مجرد خطاب ثم جاء التجديد لرئيس الجمهورية، وفي أجواء متشنجة، تشكلت حكومة أعلنت أن مبرر وجودها يكمن في وضع قانون انتخابي جديد يكفل العدل وصحة التمثيل فتفاءل البعض خيراً من قانون متطور قد يؤسس لبداية سيرة الإصلاح والتغيير، وكانت المفاجأة المخيبة للآمال بقانون يعود إلى عام 1960: معادلة لبنان الرجعي الطائفي المتخلف.

 

ماذا بقي من مشروع دولة القانون والمؤسسات؟

إن دولة القانون والمؤسسات لا تتحقق إلا عبر الخروج من زواريب الاعتبارات الطائفية والزعامات التقليدية، فبوابة الإصلاح الحقيقي تكمن في إصلاح سياسي يحرر مؤسسات الدولة ومرافقها من الاعتبارات الفئوية والحمايات السياسية وتوزيع المغانم، ولا يتم ذلك إلا بتحرير العملية السياسية الانتخابية من ارتهانها لهكذا حالات.

 

إن الحكومة بطرحها مشروع الانتخاب التقليدي قد أقفلت الباب أمام فرص الإصلاح السياسي، الذي يشكل الأساس لكل الاصلاحات، فقانون 1960 يعيد البلاد سياسياً إلى نفس العملية التقليدية في إنتاج السلطة ويغرقها في لعبة الطوائف والمناطق والمصالح الضيقة فيعيد إنتاج نفس الطبقة السياسية المسؤولة عن كل مآسي لبنان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالاضافة إلى تعميق الانقسامات بين اللبنانيين.

 

في طرح مشروع القانون الانتخابي أثبتت الحكومة أنها عاجزة عن احداث تغييرات باتجاه الاصلاح وأنها تفتقر إلى الابداع ... فلم يبقَ عندها سوى اللجوء إلى الماضي كي تخفي عجزها باسم مراعاة الخصوصيات والمرجعيات والتوازنات إذ بررت ذلك عندما أعلنت عن حرصها على إرضاء البطريرك الماروني وجماعة قرنة شهوان وآخرين من رموز الطوائف الذين يشعرون بالغبن من الآليات المتبعة، وكأن الحكومة قررت أنه من أجل استرضاء بعض المرجعيات، يجب التنازل عن كل خطابات الاصلاح بما فيها خطاب القسم.

 

إفلاس قانون 1960 بلسان أصحابه

إن إفلاس النظام السياسي الانتخابي التقليدي وتحديداً موديل 1960. قد أعلن منذ زمن بعيد، وبلسان من كانوا مرجعياته الأساسية. فالكردينال المعوشي في خطاب ألقاه في عينطورة عام 1969 يقول: "ها هو لبنان كما ترونه بنظامه الديمقراطي في احتضار، ووضعه الدستوري في انهيار، وحياته النيابية في انحدار، ومستويات حكمه في ميوعة وتدهور، وليس أدل عن ذلك من الأزمات التي نعانيها، فالأزمة السياسية مكشوفة بجميع ملابساتها، والأزمة الاقتصادية ملموسة بمختلف مضاعفاتها، والازمة الاجتماعية مفتوحة في أوسع مجالاتها".

 

أما الرئيس فؤاد شهاب في الرسالة التي رفض فيها ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في صيف 1970 يقول: "إن المؤسسات السياسيسة اللبنانية والأصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي لم تعد باعتقادي تشكل أداة صالحة للنهوض بلبنان وفقاً لما تفرضه السبعينيات في جميع الميادين، وذلك بأن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعياً وراء فعالية الحكم، وقوانيننا الانتخابية التي فرضتها أحكام عابرة ومؤقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهّل سؤ تطبيقه قيام الاحتكارات، كل ذلك لا يفسح في المجال للقيام بعمل جدي على الصعيد الوطني".

 

إن مجلس عام 1972 الذي كان ابن قانون 1960 أثبت فشله في معالجة أسباب الحرب الاهلية التي اندلعت عام 1975 ولم يستطع المساهمة في ايقافها وهو نفس الجلس الذي أقر اتفاقية 17 أيار وانصاع لإرادة الاحتلال الإسرائيلي في انتخاب رئيسه وهو نفسه عاد وألغى اتفاقية 17 أيار. هذا المجلس كان يمثل أقلية الشعب اللبناني وكان بعض أقطاب زعماء الحرب وأصحاب المتاريس والزواريب فيها. هل تريد الحكومة اعادة نفس المعادلات والآليات العاجزة عن الإصلاح وإيقاف الفتن التي أنجبت حروباً ومآسي واصطفافات طائفية؟

 

الطبقة السياسية واحدة في المعارضة والموالاة

قد يختلف أركان الطبقة السياسية التقليدية في لبنان عن الاصطفافات السياسية المصلحية لجهة نفوذهم ومنافعهم ولكنهم يتفقون على الاساس الطائفي وجوهر العملية السياسية وهذا ما أثبتته الوقائع في تلاقي جماعة السلطة مع المعارضة حول قانون انخاب 1960. فوجد التغييريون العلمانيون أنفسهم معزولين مبعدين وخارج اللعبة بالاضافة إلى بعض المتضررين من هكذا قانون. إن حرص الطبقة السياسية الحاكمة، معارضة كانت أم موالاة، على الإبقاء على النظام التقليدي، يعني أن هذا النظام الطائفي الاحتكاري المتخلف هو عندهم أهم من الوطن وتطوره وحتى سلامته. فالنظام بالنسبة لهم اهم من الوطن نفسه. وفي سياق تاريخ لبنان وعند كل الأزمات كانت تعلوا أصوات تطالب بكل أنواع التغيير ما عدا المساس بجوهر التركيبة التقليدية وكأن هذا الكيان وجد من اجل النظام. إن موقف بعض أركان الحكومة المتلاقي مع المعارضة في موضوع قانون الانتخاب هو أكبر دليل على تفاهم الطبقة السياسية التقليدية واتفاقها واحتضانها للتركيبة التقليدية.

 

منذ 1960 طورت معظم أنظمة العالم آلياتها الانتخابية وتجاوزت بعضها وهي مستمرة في ذلك في حين أن جهابذة السياسة عندنا يقفلون على التطوير والتغيير كل أبوابه.

 

الاطاحة بالطائف عبر قرار 1559 وقانون 1960

إن قرار مجلس الأمن 1559 يستهدف الاطاحة باتفاقية الطائف لجهة العلاقات القومية مع سوريا ووجود المقاومة. إن قانون 1960 يطيح بالطائف لجهة الاصلاحات السياسية التي نص عليها كاعتماد المحافظة واجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي، فيأتي القانون ليكرس دوائر ما قبل الحرب الأهلية (القضاء) ونفس الآلية الطائفية المتبعة آنذاك. لقد ساهمت السلطة التي تستظل الطائف في إجهاض بنوده وكأنها تعلن أن آلية اتفاقية الطائف غير مجدية في تطوير البلد ولا مناص من العودة إلى المادة التقليدية التي تؤمن برأيهم وحدها العدل وصحة التمثيل.

 

إن اتفاق الطائف يتهدده خطران. الأول بعض المعارضة التي تحاول إسقاط بنوده القومية في العلاقة مع سوريا وعزل لبنان وتدويله واغتيال المقاومة وذلك عبر قرار 1559. أما الخطر الثاني فهو إفراغ اتفاق الطائف من كل محتوياته الإصلاحية وإجهاض بنوده عبر اعتماد قانون 1960.

 

هل يستدرك المجلس النيابي الأمر؟

إن قانون 1960 سيطرح قريباً على المجلس النيابي وعند هذا المجلس القرار النهائي. فمن المهم العمل على إقناع النواب بوجوب إسقاطه ولو كلف الأمر تأجيل الانتخابات النيابية. إن إقرار هذا القانون يعني القضاء على كل بوادر التغيير والتطوير وسيقحم الجميع مرة أخرى في دهاليز مرعبة ستؤسس حكماً لفتن ومصائب وتصيب المواطن بفقدان الأمل. إن إقرار قانون 1960 إذا ما حصل سيكون يوم حداد على ما تبقّى من أمل في الإصلاح السلمي.

 

د.غالب نور الدين

كاتب من لبنان
24-2-2005