الواقع الفلسطيني والمرحلة الجديدة
أبو أحمد فؤاد عضو المكتب السياسي
للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
ما إن انتهت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية والتي شكلت معلماً بارزاً في الحياة السياسية الفلسطينية، والتي عبرت عن حالة ديمقراطية في العمل السياسي الفلسطيني حيث تمثل ذلك في التعددية السياسية، وقبول الآخر، وكما عبرت عن الوعي المختزن لدى جماهير شعبنا، وقدرتها على ممارسة الديمقراطية وبأسلوب حضاري والتي قدمت من خلاله نموذجاً يحتذى به، والتي كانت سلطات الاحتلال قد حرمت الشعب الفلسطيني من ممارسة هذا الحق طيلة سنوات الاحتلال.
تلك الانتخابات والتي جاءت بالسيد محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، والذي عبر في برنامجه الانتخابي عن طبيعة المرحلة القادمة، والتي أعاد وأكد عليها بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية والمتمثلة في القبول "بخارطة الطريق" كأساس للعملية السلمية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي التفاوض كوسيلة وحيدة للوصول إلى الحل السلمي لهذا الصراع، وإيقاف عمل المقاومة، وإيقاف الانتفاضة، أي أن السيد "أبو مازن" كان قد استجاب ضمناً للدخول في المفاوضات مع إسرائيل من المدخل الأمني والذي حدد شارون أمراً مسبقاً كشرط للتفاوض. وقد ترجم السيد "أبو مازن" ذلك من خلال نشر القوات الفلسطينية على حدود التماس، والطلب إلى الأجهزة الأمنية يمنع أي عمليات عسكرية تستهدف جنود الاحتلال ومستوطنيه، كما أوعز إلى البدء في المشاورات واللقاءات مع الطرف الإسرائيلي، والتي توجت أخيراً بلقاء "دحلان" مع وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، للتباحث في التسهيلات التي ستقدمها إسرائيل للسلطة الفلسطينية، وذلك من أجل إقناع الشارع الفلسطيني والدبلوماسية العربية والعالمية بأن شارون جاد في الوصول إلى تسوية سياسية، وإن ما كان يعيق ذلك سابقاً هذا الطرف الفلسطيني، والذي كان يتمثل في الاستمرار بالانتفاضة والمقاومة.
أمام كل ذلك شهدت الساحة الفلسطينية حركة سياسية ودبلوماسية نشطة تمثلت في جملة من التصريحات الإسرائيلية والتي رحبت بالسيد "عباس"، وكذلك لقاء وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، وكذلك دعوة الرئيس الأمريكي بوش السيد "عباس" لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الإعلان عن جولة تقوم بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، والتي ستدشن عهدها السياسي من الباب الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك الترحيب الأوروبي والذي أبدى استعداده للتعامل مع "عباس" حيث وعدت أوروبا السلطة الفلسطينية بتقديم المساعدات الضرورية في غضون ذلك من أجل تحقيق برنامج "عباس"... وهكذا جرى العديد من اللقاءات والحوارات مع مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، والتي أسفرت جميعها عن ضرورة أن يلتزم "عباس" بميثاق الشرف الذي أعلن عنه في الحملة الانتخابية، والقاضي بالحوار الديمقراطي وصولاً إلى حل الخلافات الفلسطينية، وتحريم الاقتتال الفلسطيني الداخلي وعدم عقد أية اتفاقيات مع إسرائيل إلا بعد تحرير الأسرى والمعتقلين وعودة المبعدين من كنيسة المهد، والمبعدين إلى غزة، والإفراج عن معتقلي سجن أريحا، وفي مقدمتهم الأمين العام للجبهة الشعبية الرفيق أحمد سعدات والانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها.
لقد أبدت الفصائل الفلسطينية حرصها الشديد من أجل إثبات حسن النية ولكي يجرب السيد "عباس" وبالملموس، أن شارون ليس جاداً في حديثه عن السلام، بل هو يسعى لخلق حالة من التناقضات بين السلطة الفلسطينية والمعارضة، وفي ذات الوقت الذي تبدي فيه الفصائل الفلسطينية تفهماً لحاجة "عباس" ولمساعدته في إحراج الإسرائيليين، فإن شارون والإسرائيليين ماضون في تنفيذ مخططاتهم التوسعية. وهذا ما هو حاصل الآن في الضفة الغربية، ففي الوقت الذي تقول فيه إسرائيل إنها تريد الانسحاب من قطاع غزة، ومن عديد من المدن في الضفة الغربية، فإنها على الأرض تقوم بالاستيلاء على المزيد من الأراضي، وتوسيع الاستيطان حيث قامت بتوسيع مدخل القدس من 10 كم إلى 25 كم، وأعادت العمل بقانون الغائب فيما يتعلق بأملاك الفلسطينيين من أبناء القدس ومنعتهم من العودة إلى منازلهم، هذه هي الترجمة العملية للسياسة الإسرائيلية. واستمرت في بناء جدار الفصل العنصري.
إن إعلان السيد "عباس" وقبيل جولته الخارجية بأن خارطة الطريق هي الإطار السياسي الذي يجب التعامل معه لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما يتعارض مع الثوابت الفلسطينية، والتي أعلن تمسكه بها في حواراته مع الفصائل الفلسطينية في غزة.
إننا نطالب السلطة بأن تكون واضحة وصريحة في توجهاتها، إلى الرأي العام العالمي بأن القضية الفلسطينية مضى عليها ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، ومطلوب وضع حد لهذا الصراع، بما يستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية، وبذلك تكسب الرأي العام العالمي إلى جانب القضية الفلسطينية.
إننا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن موقع الحرص والشعور العالي بالمسؤولية نلفت انتباه السيد "عباس" والسلطة الفلسطينية، بأن القضية الفلسطينية ليست قضية "عقار" قابل للبيع أو التفاوض. كما إنها ليست قضية خلاف على حدود بين دولتين يمكن حلها بالتفاوض، وإنما هي قضية شعب مشرد، ووطن مغتصب، ولا يمكن الإقرار بهذه الحقوق بدون الاستناد إلى المقاومة، وعليه فإننا نطالب السيد "عباس" والسلطة، بالحفاظ على الثوابت الفلسطينية والتي تشكل القاسم المشترك لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وان العودة بالقضية الفلسطينية إلى قرارات الشرعية الدولية لهو الضمان لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني، وان تكون تلك الدعوة هي الأساس في جولة "عباس" الحالية.
إن الإدارة الأمريكية وإسرائيل تريدان تحويل القضية الفلسطينية والتي هي بالأساس قضية وطن مغتصب وشعب مشرد إلى قضية خلاف يمكن الوصول إليه بالتفاوض وهي بذلك تريد أن تضع نهاية مأساوية للقضية الفلسطينية، لا تقل عن مأساة نكبة العام 1948، كما أنها تريد أن تبعد الأمم المتحدة والشرعية الدولية عن العملية السياسية لأن سقف الحل وحسب قرارات الشرعية الدولية يطيح بخارطة الطرق ويتجاوزها.
إن أقصى ما تطمح إليه إسرائيل هو عقد اتفاقات مرحلية مع الطرف الفلسطيني. وليس إلى عقد تسوية تنهي الاحتلال، ويعيد للشعب الفلسطيني حقوقه، وللتدليل على ذلك نورد ما قاله "سلمان شوفال" مستشار شارون حيث قال "في رأيي لن يكون هناك اتفاق نهائي في جيلنا"، ومن هنا يتضح أن إسرائيل لا تسعى إلى حل أو تسوية، وإنما تريد كسب الوقت وخلق حقائق جغرافية جيوسياسية، وإضعاف الطرف الفلسطيني، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب يطالب بالحرية والاستقلال وعودة اللاجئين إلى قضية مفاوضات تبدأ ولا تنتهي، الأمر الذي يفرغ القضية الفلسطينية من محتواها الوطني. إننا نرى أن الهدنة التي يطالب بها السيد "عباس" فصائل المقاومة يجب أن تبحث في إطار واسع يضم كل الفصائل، وبدون أي ضغوطات أو تدخلات خارجية، وإن استمرار المقاومة والانتفاضة يجب وبالضرورة أن تكون ضمن برنامج وطني يتم الاتفاق عليه من قبل كل الفصائل، جوهره استمرار الانتفاضة والمقاومة.
إننا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كفصيل أساسي من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية, وكفصيل فاعل من فصائل العمل الوطني الفلسطيني، نرفض تلك الدعوة التي صدرت عن السيد "عباس" رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تطالب الفصائل بوقف العمليات العسكرية ضد الاحتلال، ونعتبر أن هذه الدعوة لا تخدم وفي أي من الأحوال القضية الفلسطينية، بل تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية والتي أقرت فيها حق الشعب الفلسطيني بالكفاح المسلح والمقاومة كحق مشروع لإزالة الاحتلال وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.
إننا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نؤكد على العناوين الأساسية التالية كأساس لتعزيز الوحدة الوطنية ورص الصفوف لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة.
مؤتمر شرم الشيخ
إن مؤتمر شرم الشيخ بمقدماته ونتائجه ليس لمصلحة الشعب الفلسطيني، والعدو الصهيوني حقق مكاسب كبيرة في هذا المؤتمر، حيث لم تبحث القضايا الجوهرية مثل الانسحاب الشامل من الأراضي الفلسطينية والإفراج عن جميع الأسرى، والجدار العنصري، والمستوطنات والحدود والقدس...إلخ، وحقق عودة السفراء العرب إلى تل أبيب، وجملت صورة شارون من مجرم حرب إلى رجل سلام، ووقف إطلاق النار حسب وجهة النظر الإسرائيلية.
إننا كجبهة شعبية نرفض قرارات مؤتمر شرم الشيخ، ونطالب السلطة بعدم التقيد بها كذلك نطالب حكومتي الأردن ومصر بعدم إعادة السفراء إلى تل أبيب لأن الأسباب التي أدت إلى سحبهما لا زالت قائمة وأكثر بشاعة وإحراجاً من تلك الفترة.