شبان المدن المنتفضة

 

شادي أبو عايد

 

السمرة ذاتها، وكذلك تقاسيم الوجوه التعبة، المثقلة بالأسى والهم، والمعجونة بالعزيمة والعناد. هم ذاتهم يحملون السلاح والعتاد، ويتراكضون في شوارع المدن "العاصية"، المنتفضة على الحصار والموت والمتمردة على العصا الأميركية الغليظة.

 

شبان تلك المدن ليسوا كباقي شبان العالم. لهم فلسفتهم في الحياة وتعريفاتهم الخاصة لمفاهيم السعادة والكرامة والموت. هم يفرحون لأشياء لا نفرح لها، ويموتون لأجل أشياء لا نفهمها، هم يعيشون على طريقتهم ويقاتلون على طريقتهم ويموتون على طريقتهم. هؤلاء الشبان ليسوا فلاسفة، ولا مفكرين، ولا يعنيهم كثيرا ما يصدر عن مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية حول وضع المنطقة ومستقبلها. وهم ربما لم يدرسوا البنية الإمبريالية للولايات المتحدة الأميركية وسعيها لتعزيز هيمنتها على السوق الاستهلاكية العالمية، ومدى تأثير ذلك على البسطاء من أمثالهم. لكنهم عرفوا منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الغزاة ارض وطنهم أن يحددوا هوية عدوهم بدقة… إنه الاستعمار الجديد ومصدر فقرهم وبؤسهم. لقد ارتفعت بنادقهم كهاماتهم الشامخة منذ اللحظة الأولى للعدوان، فخطوا بالدم والعرق خارطة العراق العزيز الأبي لا "العراق الجديد" بالحكومات العميلة. هم رجال العراق وحراسه الحقيقيون، حراس أحلامه بالنصر والحرية.

 

أما "الغرباء"، بحسب التعبير العلاوي على لسان وزير خارجيته، فهم أبناء الأمة ممن أتوا ببنادقهم ونعوشهم من دمشق الشام أو الجزيرة العربية أو الأردن أو لبنان… أو غيرها من بقاع الوطن الكبير يلبون نداء الواجب، إنها فرصتهم مع إخوتهم من أبناء العراق لتحقيق آمال وتمنيات قديمة. لقد جسدوا جميعهم على تلك الأرض حلم الوحدة، وحدة المصير والدم. إنهم يصنعون بالنار الانقلاب الكبير على التاريخ والجغرافيا الاستعماريين بالألوان الجديدة ويرسمون آفاقا أخرى لمقاومة صلبة وموحدة، تحلقوا جميعهم حولها يرعونها ويطيعونها ويحرسون نومها كأنها نومهم، مقاومة اصطفوا خلفها رغم اختلاف عناوينهم ومشاربهم وتعددها، مقاومة باسم الجهاد المقدس أو النضال القومي أو الكفاح الأممي… أو سوى ذلك… أو كل ذلك، مقاومة تستمر رغم الفارق الهائل في موازين القوى وتنتصر رغم التآمر العربي والتكالب العالمي.

 

شادي أبو عايد