تحالفات حزب الله الانتخابية

خطأ فادح أم تصويب ناجح

بيروت 16-6-2005

ميخائيل عوض

 

 أعلن حزب الله اللبناني عن نفسه عام 1985 بعد سلسلة عمليات عسكرية نوعية ضد الوجود العسكري الاحتلالي الإسرائيلي والأجنبي في لبنان بدأها في مواجهة قوات الغزو الإسرائيلي عام  1982، وتقصدت المجموعة المبادرة تأجيل الإعلان عن الحزب حتى دقت ساعة افترضت ضرورة إعلان ولادة "أمة حزب الله".

 

استخدم المؤسسون في الإعلان الأول كلمة أمة قبل اسم الحزب تطابقا مع نصوص القرآن الكريم ثم تراجع استخدام كلمة أمة من الأدبيات السياسية والحزبية والإعلانية ليستقر الاسم الرسمي على حزب الله.

 

في البيان التأسيسي برزت بقوة ووضوح أفكار وشعارات وعناوين مركزة على المسألة الوطنية وأولوية طرد الاحتلال ومقاومة إسرائيل والسعي لنفيها، وتكريس العمل الفكري والنظري والاستقطابي على الكادرات والنخب "قبل التوجه للشارع" تحت عناوين إستراتيجية قصوويية: إقامة الجمهورية الإسلامية، الزحف لتحرير القدس، وتحرير كامل التراب الفلسطيني، الموت لأمريكا وإسرائيل، الولاء للمرجعية الإيرانية، ولاية الفقيه، والتشدد الديني والطائفي.

 

اتهمت الخلايا الأولى لحزب الله بأنها وقفت وراء الاغتيالات لشخصيات علمائية وعلمية، سنية، وقيادات شيوعية، ويسارية حفلت بها سنوات منتصف الثمانينات، كما اتهم الحزب بعمليات خطف الأجانب، وألصقت به تهم التشدد الديني الأصولي في الأوساط الشيعية حيث كثرت عمليات التطاول على الحريات المدنية للمواطنين من اختيار طريقة عيشهم وإقامة الأفراح، والحفلات وارتداء الملابس، وتفجرت أزمة شيعية شيعية عاصفة عندما تورط الحزب بمعارك طاحنة مع حركة أمل في الجنوب، إقليم التفاح والبقاع الغربي، وامتدت إلى بيروت والضاحية الجنوبية، استمرت لسنوات، واستوجبت تدخل القيادتين السورية والإيرانية على أعلى المستويات لضبط مفاعيلها وأثارها.

 

على اثر تلك المعارك والإخفاقات التي تحققت، وحالة النزف في الكادر والسمعة، وانشغال المقاومة عن مهمتها المركزية وتراجع حجم ونوع العمليات العسكرية ضد الاحتلال، سارع الحزب ونجح في تجديد قيادته، استبدال الأمين العام السابق الطفيلي بالأمين العام الشهيد عباس الموسوي، وترافق ذلك مع إقصاء وطرد عدد من الكوادر والمناصرين، وإحداث تغييرات هيكلية في بنيته وتوجهاته السياسية. فقدم الراهن والتكتيكي في شعاراته على الاستراتيجي العقيدي والمبدئي، دون أن يسحب أو يتخلى عن شعاراته الإستراتيجية أو ينقضها. وأحدث انعطافة قوية باتجاه إرادة الجمهور بقصد توسيع دائرة التفاعل مع الشارع واستقطاب كتله، وتحول تدريجا عن ممارسات خاطئة وراديكالية في الشؤون الحياتية والحريات الشخصية، وامتنع عن فرض العادات والتقاليد على قاعدته الاجتماعية وعلى جمهور المناطق التي نجح في كسب تأييدها وعطفها، وغير كثيرا من طريقة تعاطيه مع المسائل ذات الطابع الاجتماعي والخدمي، وتميز بقدرته على تقديم مختلف أشكال المساعدات الاجتماعية والاقتصادية وبناء المؤسسات التعليمية والإنمائية والاغاثية... وهذا ما وفر له أرضية خصبة زادت من مناسيب تأييده والالتفاف حوله، والتحول من حالة نخبوية إلى حالة جماهيرية قوية التأثير والنفوذ في الأوساط الشيعية. ثم جاءت الانجازات الكبيرة التي حققتها المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وقدرته البارعة على خوض معارك هجومية ودفاعية مفتوحة والظفر بها والاستمرار بكفاحية عالية، مرفقة بمصداقية لعناصره وقيادته أوصلته في نهاية المطاف إلى قوة وازنة متفردة في فعل المقاومة وانجاز الانتصار التاريخي الأول على إسرائيل عندما أجبرها على الانسحاب من الجنوب تحت النار ودون تحقيق أية مكاسب سياسية أو عسكرية جراء الاجتياحات المتكررة للبنان والمكوث في مناطق الجنوب لثلاثة عقود متواصلة.

 

نجح حزب الله مع قائده الملهم السيد حسن نصر الله صاحب الكاريزما النوعية، والصادق الصدوق، المنفتح، في مقاربة الملفات اللبنانية الشائكة، والانفتاح على القوى والحركات السياسية والزعامات الطائفية السياسية والدينية، واستحوذ على عطف وتأييد قطاعات شعبية واسعة أوصلت الحزب إلى المجلس النيابي بكتلة نيابية وازنة ومقررة في توازنات السلطة والمجتمع اللبناني.

 

ظل حزب الله يحاذر الدخول في السلطة التنفيذية، وفي اللعبة السياسية اللبنانية التقليدية زمنا طويلا بالرغم من مطالبات متكررة من قوى حليفة وبرغم ضغوط وحاجات الجمهور الذي بات يمثله ويتشكل بقاعدته العريضة والواسعة من قوى اجتماعية وسطى وصغيرة وفقيرة، محرومة وازدادت حرمانا قبيل وبعد تحرير الجنوب برغم تضحياتها في المقاومة، والتفافها حول حزب الله "سياسات عقابية مارستها الحكومات المتتالية".

 

على الرغم من تحسن علاقاته نوعيا مع مختلف التيارات والقوى السياسية والزعامات ذات النفوذ التقليدي أو اليسارية والعلمانية والوطنية، ومع المؤسسات والقيادات الدينية، إلا أن علاقاته بالشريك الشيعي الممثل بحركة أمل ورئيس المجلس النيابي استمرت على حالة من التوتر والمزاحمة على قيادة الطائفة وتمثيلها كما تجسدت في الانتخابات البلدية، وكادت أحيانا تتفجر صراعات حادة لولا تدخل مباشر من السوريين لوقف الانزلاق إلى حالة صراع. هذا بينما علاقة الحزب بالرئيس الحريري وظاهرته وسياساته الوطنية والاقتصادية لم تكن على ما يرام، وتهددت بانفجارات وصراعات أسهمت سورية وحلفاء محليين في ضبطها تحت سقف التعايش. وعمد حزب الله، بصورة دورية، للتملص من اشتباك داخلي ذي طابع اقتصادي أو اجتماعي إنمائي بذريعة تخديم المقاومة وأولوية الصراع مع العدو الصهيوني ورفض التورط والانخراط في اللعبة اللبنانية الداخلية القذرة، حتى كان المشكل المسلح في حي السلم بين الجيش والمتظاهرين عام 2004 حيث شكلت قضية معالجته فرصة لعقد لقاءات متكررة بين الأمين العام حسن نصر الله ورفيق الحريري كشفت وقائعه بعد رحيل الحريري على لسان السيد نصر الله وبعض الوسطاء وتبين حصول تقارب قوي وتفاهمات على قضايا جوهرية بينها مستقبل سلاح المقاومة ودور حزب الله والتزامات لبنان.

 

شكل الوجود السوري، واستمراره فترة طويلة نسبيا، والرعاية السورية للحالة السياسية اللبنانية إحدى صمامات أمان حزب الله، وأسهم في لجم أي تحولات في غير صالح المقاومة، وكان لمجيء لحود قائدا للجيش ثم رئيسا للبلاد دورا محوريا في حماية المقاومة وسلاحها وتحويلها إلى ظاهرة وطنية عامة، وتم الحؤول دون التطاول عليها أو حصول أزمات بعد الانسحاب الإسرائيلي من الشريط المحتل الذي يتشكل من فسيفساء طائفي ومذهبي، فكان الانتصار الجنوبي شفافا ونظيفا وتكريسا للوحدة الوطنية وانتفاء شروط وظروف وقوع حروب أهلية أو صراعات طائفية ومذهبية.

خلال السنوات العشرين التي انقضت على تأسيس حزب الله، وإطلاق مقاومته، جرت تحولات نوعية في أداء الحزب وقاعدته ومؤسساته، على مختلف الصعد، ولم تقتصر فقط على الأداء العسكري والمقاوم، بل شملت مختلف أوجه الحياة. وتطورت نوعيا العلاقات السياسية والعامة بين الحزب ومكونات المجتمع اللبناني. ونجح الحزب في توفير الشروط الذاتية وقدم تجربة نوعية تحتذى عن كيف يمكن لحزب أن يتكيف ويطور بنيته وسياساته وبرامجه بما ينسجم مع معطيات الواقع ذاته وتحولاته، وبما لا يتطابق مع عقيدته وإيديولوجيته.

 

دهمت البلاد استحقاقات كبيرة، ووقعت زلازل عاتية في تأثيراتها مع قرار مجلس الأمن 1559 ولحظة دنو استحقاق الانتخابات الرئاسية والقرار السوري بالتمديد للرئيس لحود لقطع الطريق على انتخابات تأتي برئيس مقرب من الغرب أو يمكن استمالته في لحظة سياسية إقليمية ودولية ومحلية عصيبة، كما يقول السوريون في تبريرهم للتمديد.

 

غير أن الأمور لم تستقم بحسب الروزنامة السورية التي لم يكن حزب الله بعيدا عن تفاصيلها وسيناريوهاتها، بل كان شريكا كامل الشراكة تجسدت في انه صوت للتمديد وعمل من اجله، ناهيك عن انه للمرة الأولى في تاريخ مشاركته في الاستشارات الحكومية يسمي كرامي لرئاسة الحكومة ثم يمنح حكومته الثقة، ويغطيها في كل سياساتها وممارساتها بما فيها تلك التي أعقبت اغتيال الرئيس الحريري.

 

إن العاصفة التي أثارها اغتيال الرئيس الحريري، وتوجيه الاتهام لسورية مباشرة، وانخراط الأمم المتحدة والعواصم الأوروبية وعواصم عربية بالحملة... أدى كل ذلك إلى استمالة الطائفة السنية وهجومية الطائفة الدرزية في استعداء سورية عبر ما مثله الوزير جنبلاط وحزبه، وإلى وضع حزب الله في زاوية ضيقة جدا، وتهديد البلاد باحتمال حصول فتنة طائفية مذهبية يكون أطرافها من الطوائف الإسلامية، وتشكل الصاعق المفجر لمسألة سلاح حزب الله والوجود الفلسطيني.

 

لم تتأخر النتائج الزلزالية لاغتيال الحريري والحملة التي رافقتها حتى أنتجت زلزالاً كبيراً جديداً تمثل في قرار القيادة السورية بالانسحاب الفوري والشامل من لبنان والانكفاء التام للإدارة السورية عن الملفات اللبنانية، بما في ذلك ملف الحلفاء وشؤون إدارة العلاقة فيما بينهم ومع الآخرين.

 

هكذا وجد حزب الله نفسه منكشفا أمام عاصفة عاتية، خارجية وداخلية، وبات مطلوبا منه "أن يقلع شوكه بيده" وان يدير تحالفاته وعلاقاته تبعا لاحتياجاته ومشاريعه ولتوازن القوى اللبنانية، آخذا بعين الاعتبار انه "بيت قصيد" المشروع الأمريكي الفرنسي بدفع إسرائيلي، وان مستقبله السياسي والشعبي ومستقبل مشروعه العسكري والتاريخي بات على المحك دون حليف إقليمي قوي نافذ وقادر على إدارة المعركة وحماية ظهر المقاومة وسلاحها، أي ما كان يمثله الوجود السوري، وما كان يبرر إطالة هذا الوجود حتى بات عبئا ثقيلا على عموم اللبنانيين وعلى قواعد الحركة السياسية وتوازناتها.

 

بين الوفاء لسورية، والتشديد على ضرورة تطوير واستمرار العلاقات اللبنانية السورية، ورفض الهجمة اللبنانية والدولية عليها، وحماية ظهرها، المهمة التي انتدب حزب الله نفسه لها ردا للجميل وإيفاء بموجبات التحالف الاستراتيجي المدفوع ثمنه من قبل السوريين، والحاجة الماسة لتمييز نفسه عن الأخطاء السورية، واحناء الظهر للعاصفة التي اقتلعت الوجود السوري على النحو الذي تم، وما خلفه من فراغ، والرغبة في حماية ظهر المقاومة والحؤول دون حصول إشكالات مذهبية تؤدي إلى انهيار الحالة اللبنانية وإنفاذ المشروع الغربي بفرض فتنة شيعية سنية يخطط لها لان تكون ممتدة على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، اظهر حزب الله مرونة فائقة، وتفرد قائده بقدرة بارعة على التعامل مع المعطيات الجديدة والمهام والتحديات، فبرز كإطفائي في دوره وحركته الشخصية وخطبه، وقدرته على ممارسة اللعبة السياسية اللبنانية المعقدة. فبينما شكل احد أركان لقاء عين التينة لم يقطع مع قريطم ووليد جنبلاط وقوى البريستول. وبينما هو يتبنى ويناصر الرئيس المكلف كرامي لتشكيل الحكومة كان على خط اتصال مع الفرنسيين والسعوديين مباشرة أو عبر إيران لتأمين انتقال هادئ إلى حكومة ميقاتي التي شارك فيها بوزير لأول مرة في تاريخه السياسي، وشارك في برنامجها، وفي استشاراتها برغم انه سمى عبد الرحيم مراد  في الاستشارات أمام الرئيس وأعلن ذلك على الملأ.

 

ثم غير من وجهة نظره في مسألة القانون الانتخابي بينما كان يرفض التدخل الخارجي والإملاء ويصر على دوائر وسطى، أو كبرى مع نسبية إرضاء لحليفه الذي جرى تمتين التحالف معه "الرئيس بري" وقبل موعد الانتخابات الذي قرره السفيران الأمريكي والفرنسي مع لارسن، وعلى أساس القانون الذي كان يمقته ويرفضه قانون 2000.

 

 

حزب الله في انتخابات 2005 غير حزب الله المعروف سابقاً

في العملية الانتخابية وتحالفاتها اختلف حزب الله عما كان في السابق، فقبل ما كان يرفضه وتحالف مع من يفترض انه استعد لينقلب على حزب الله وسلاحه، ودخل في صفقة "التحالف الرباعي"، برغم انه يدرك تماما ويعرف بالوقائع الملموسة أن تعويم التحالف السني الدرزي، وتطويب كل من السنة والدروز وتأميمهم لصالح أل الحريري وجنبلاط، إنما هو هدف وسيناريو أمريكي فرنسي أممي، بقصد تفويض هاتين الطائفتين بإدارة لبنان وسلطاته بمقابل انقلابهم على سلاح المقاومة والمخيمات الفلسطينية، وتلبية المشروعات الأمريكية الأوروبية في الساحة اللبناني، وانجاز الانقلاب النهائي على العلاقات مع سورية وقلب الاتجاه بإسقاط لحود، والاستيلاء على المجلس النيابي، وتهميش القوى الشعبية الممثلة للشارع، وفرض أجندة إعادة هيكلة الدولة والأجهزة الأمنية خاصة الجيش لتوفير الشروط المادية لطرح سلاح المخيمات وسلاح حزب الله على بساط البحث والسحب وفرض التوطين.

 

أثار انقلاب حزب الله على منطقه وحلفائه الأكثر موثوقية، بحكم التجربة والالتزامات والطبيعة الوطنية والاجتماعية أسئلة كثيرة حول مستقبل حزب الله ذاته. فهل وفق بهذه التحالفات، أم انه اخطأ؟ هل تكون النتائج سليمة أم أنها "الدعسة الناقصة" التي من شأنها أن تربك الحزب والمقاومة وتؤدي إلى عزلها عن قاعدتها الشعبية وعن حلفائها الحقيقيين، فيسهل فيما بعد اصطيادها؟ هل اخطأ حزب الله الحسابات العملية التي كان يجيدها سابقا، فلم يكتشف ما حققته عودة عون من زلزال شعبي مسيحي؟ هل أخطا في تقدير وفهم ردة الفعل المسيحية الشارعية على غدر الأمريكي والفرنسي ورموز الطائفتين السنية والدرزية بالطوائف المسيحية فانقلبت الطائفة بسرعة البرق وعادت إلى وظيفتها طائفة كيانية استقلالية مؤسسة في لبنان وخياراته لا تقبل بأن يبيعها قادتها لصالح مشروع يطوب السنة والدروز حكاما للبنان ولو بإرادة دولية تعجز أدواتها عن فرض مشيئتها في الميدان العملي؟

 

أسئلة كثيرة، وبحث مستدام عن الأسباب التي دفعت بحزب الله للتحالف مع آل الحرير وجنبلاط فأهداهم خمسة عشر نائبا، كتلة نواب عاليه– بعبدا ونواب البقاع الغربي، على "البارد المريح" وأسهم في إسقاط حلفاء تاريخيين كأمثال الوزير طلال ارسلان، وعبد الرحيم مراد وآخرين، بلا ذنب سوى أنهم كانوا مع المقاومة وخياراتها وتحالفاتها، كما وضع حجر عقبة في التحالف والتفاهم مع عون العائد قائدا مسيحيا تسوويا وإصلاحيا مظفرا كما كشفت انتخابات جبل لبنان ونتائجها؟

 

مما لا شك فيه تبدو سياسات حزب الله وتحالفاته الانتخابية، وما أسهمت فيه من نتائج تحت قوس الاستفهام والبحث، يحاول الجميع قراءة ما جرى من تحولات في الحزب وسياساته ومستقبل تحالفاته بل مستقبله.

 

ذرائع حزب الله وتنظيراته عن مصادرة فتنة سنية شيعية درزية، وعن محاولة لتطويق جنبلاط وآل الحريري في قاعدتهم، لمنعهم من الانخراط في مخطط تجريد المقاومة من السلاح عبر التحالف معهم وإهدائهم كتل نيابية كبيرة، ليست مقبولة في شارعه الذي تمرد في بيروت وألزم الأمين العام شخصيا أن ينخرط في الماكينة الانتخابية للائحة وحدة الجبل الجنبلاطية الحريرية، وفي بيئة القوى التي تضررت من تحالفاته الانتخابية، وأدت إلى ردات فعل شارعية مسيحية واسعة أفقدته رصيده القوي الذي تأسس في السابق، ولم تؤمن له رصيدا في قاعدة آل الحريري وجنبلاط.

 

في الوقائع وما ألت إليه نتائج الانتخابات، يمكن الجزم أن حزب الله خسر كثيرا في تكتيكات إدارة المعركة الانتخابية والتحالفات، فهو لن يأمن سياسات جنبلاط الحريري المستقبلية، ولن يكون له نفس قدرات سورية التي استخدمت نفس الأساليب التي يستخدمها حزب الله كالاستجابة للابتزاز وتأميم السنة والدروز لصالحهما، ومع هذا سرعان ما انقلبا على سورية. وبرغم أن جنبلاط مدين بحياته، على ما يرويه نفسه، وبنفوذه وتفرده درزيا لدماء القوات السورية والقوى الفلسطينية، إلا انه انقلب على تلك الدماء. ولربما لن يكون حريصا على هدية حزب الله الانتخابية.

 

وبسبب تحالفات الحزب الانتخابية كشف عن جانب خطير في رؤيته ودوافعه الانتخابية وقواعد عمله السياسي إذ التزم المنطق والمصالح الطائفية في التحالفات والمخاصمات، ولم يجسد انفتاحه الوطني ودعواته السابقة، ففرط بالشيوعيين والوطنيين، في طائفته وفي غير طائفته، وفضل التحالف مع القوى الإسلامية على الانفتاح والتحالف مع  القوى الفاعلة في الطائفة المسيحية، وقوى وازنة في السنة والدروز، وبذلك يكون قد خسر تكتيكيا خسارة جسيمة قد لا تعوض، فخسر مصداقيته، وخالف إرادة جمهوره ورغبته، وهي سابقة خطيرة في عمل الحزب وعلاقته بالقاعدة الشعبية، دون أن يكسب من الآخرين الذين أهداهم مواقف وقوة نيابية فاعلة في تقرير مستقبل لبنان وسلطاته، دون أن يضمن الثمن المطلوب.

 

فرض حزب الله على نفسه الانكفاء إلى طائفته التي أعطته الكثير وزادت عطاءاً، وأسهم في تأميم الطوائف الأخرى لزعاماتها، فأسهم عن وعي أو عن جهل في إعادة إنتاج وتكريس الحالة الطائفية، واختصار الجمهور وإرادته ومصالحه من بوابة زعامات الطوائف المركزة حيث يسهل استيعابها في المخطط الخارجي وقد بدأت الإدارة الأمريكية والفرنسية تغير من مواقفها بإزاء الحالة العونية ودورها والمسيحيين في إدارة المشروع الاممي في لبنان.

 

تقاعس الحزب عن تقديم مشروعه السياسي والاقتصادي الإصلاحي والتغيري في لبنان، فخسر قصب السبق الذي أنتزعه عون فزادت مصداقيته وقدرته على اختراق الطوائف بعكس حزب الله الذي فرط بما كان له من نفوذ وتأثير في بناها، وزاد في تخلفه عن هذا الشأن انه تحالف مع رموز الفساد، والإفساد والهدر، وأسهم في تثبيت الطبقة السياسية المرفوضة في الشارع.

 

بكل تأكيد خسائر حزب الله التكتيكية كثيرة وربما تكون قاتلة، أما عن أرباحه الإستراتيجية التي يصر هو على انه سعى إليها فتلك تبقى في ذمة المستقبل.

هل يكون الحزب قد ارتكب الخطأ القاتل، في الوقت القاتل؟

هل تصح رؤية الحزب ويكون الآخرون على قراءة خاطئة لمواقفه؟

هل تأتي التحولات والتطورات التي لم يسهم بها حزب الله بل عاندها في غير صالح المشروع الأمريكي، بدون قصد الحزب وسياساته، بل بسبب طبيعة الازمة اللبنانية وتفاعلاتها فتخرج الحزب من الورطة؟

تلك أسئلة سيجيب عليها المستقبل القريب، ففي لبنان كل شيء يتحرك هذه الأيام بسرعته القصوى.

 

بيروت 16-6-05

ميخائيل عوض