مستقبل الهدنة الفلسطينية الإسرائيلية

ومصير خطة الفصل وآفاق مرحلة ما بعد الانسحاب

حسين عطوي

 

هل تصمد الهدنة الفلسطينية الإسرائيلية، أم تعود الأمور إلى المربع الأول؟

ما هي أسباب تراجع التأييد الإسرائيلي لخطة فك الارتباط، ومدى تاثير ذلك على قرار الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب الأحادي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية؟

 لماذا تأجلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟

 وما هو علاقة ذلك بالضغط الأميركي الإسرائيلي؟

وما هي الانعكاسات التي ستتركها على التفاهم الفلسطيني الفلسطيني لاعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس سياسية وديمقراطية جديدة؟

كل هذه الاسئلة طرحت نفسها بقوة في الفترة الأخيرة، وسوف تزداد حضوراً مع الاقتراب من الموعد الذي حددته حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للانسحاب الأحادي في آب المقبل، ما يستدعي التوقف عندها بالتمحيص والتحليل للوقوف على اتجاه الاوضاع في فلسطين المحتلة والآفاق المتوقعة.

 

أولاً: هل تصمد الهدنة، أم تنفجر وتعود الأمور إلى المربع الأول؟

تعرض ويتعرض اتفاق الهدنة إلى الاهتزاز، حيث تنفذ قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى عمليات إغتيال لبعض كوادر الانتفاضة وتقوم بعمليات دهم واعتقال في بعض المناطق، وترد عليها المقاومة بقصف المستعمرات ومهاجمة مواقع ودوريات للجيش الإسرائيلي.

وأدى ذلك إلى اثارة الاسئلة حول ما إذا كان الوضع يسير باتجاه انفراط عقد الهدنة، أم أن الأمر لا يعدو مجرد خروقات محدودة سرعان ما يعود الجميع إلى التزام اتفاق التهدئة.

1 ـ يسود انطباع بان شارون لم يعد يرغب الاستمرار بالتهدئة بعدما حقق أهدافه منها وبات بحاجة إلى تنفيس الضغوط الداخلية التي عادت إلى الظهور عبر إستئناف الاعتداءات ضد الفلسطينيين والعودة إلى ممارسة سياسة العصا والجزرة تجاه السلطة الفلسطينية من اجل نزع سلاح المقاومة.

فعلى صعيد الاهداف فقد اعطت الهدنة المتنفس الذي كان يحتاجه الجيش الإسرائيلي الذي ارهقته عمليات المقاومة النوعية حيث شعر في الأشهر الأخيرة بأنه تمكن من التقاط أنفاسه وبات مستعداً للعودة إلى استئناف هجومه وعملياته من جديد ضد المقاومة والشعب الفلسطيني.

وتمكن شارون ايضا من تخفيف الضغوط الداخلية باتجاه تمرير مشروع الموازنة وإزالة جميع المعوقات من امام خطة الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية الأمر الذي مكنه من لجم معارضيه واعادة تعويم وضعه اسرائيلياً ودولياً والظهور بمظهر من يسعى الى السلام عبر تصوير خطة الانسحاب باعتبارها خطة تندرج في هذا السياق، في محاولة للتموية على هزيمته أمام المقاومة من جهة، وخلق الظروف المواتية لكسب الدعم لإستمرار مشروعه الاستيطاني في الضفة الغربية ورفض الانسحاب إلى حدود 67، وجعل القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم المحتلة عام 1948.
إذا كان شارون قد تمكن من بلوغ هذه الأهداف اظهرت التطورات بعد زيارته الاخيرة لواشنطن وحصوله على دعم الرئيس الأميركي جورج بوش، إلا إنه لم يتمكن من تحقيق هدفه الرئيس بتحويل الهدنة إلى محطة لممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لنزع سلاح المقاومة والمراهنة على الانتخابات الفلسطينية وسيلة لمحاصرة المقاومة عبر تصويرها على أنها لا تحظى بالشعبية وبالتالي عليها أن تخضع لإرادة الشعب بان تتخلى عن سلاحها، حيث حققت حركة حماس فوزاً كاسحاً في الانتخابات البلدية الأمر الذي شكل خيبة أمل كبيرة لشاون الذي شعر بان هدفه لم يتحقق وبان السلطة الفلسطينية ليست قادرة على فرض سيطرتها على المقاومة وبالتالي لا بد من العودة إلى ممارسة الضغط عليها وربط أي تفاوض أو تنسيق سياسي بتجريد المقاومة من سلاحها.

2 ـ بالمقابل فان المقاومة الفلسطينية كانت قد اشترطت التزامها بالهدنة بوقف كل اشكال العدوان ضد الشعب الفلسطيني، وهي قبلت بالهدنة في اطار تكتيك مضاد استهدف نزع الذرائع وتفويت الفرصة على أي محاولة لإثارة فتنة داخلية والتقاط الانفاس للعمل على الاستعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي وكشف عقم الاستمرار بالمراهنة على الوعود الإسرائيلية والأميركية بتلبية مطالب الشعب الفلسطيني أو حتى تنفيذ التعهدات التي تم الاتفاق بشأنها بين السلطة وحكومة شارون في اطار التهدئة لناحية اطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والانسحاب من المدن والبلدات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية إلى حدود ما قبل اندلاع الانتفاضة في 28 أيلول من العام ألفين، ووقف كل اشكال الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، وهو ما تبين بعد حوالي اربعة اشهر من إعلان التهدئة حيث لم تنفذ حكومة بشارون أيا من هذه التعهدات التي اعطتها للسلطة الفلسطينية في اجتماع شرم الشيخ، وقد جاء الإجتماع الأخير بين محمود عباس وشارون، لتعويم اتفاق شرم الشيخ، بنتائج مخيبة للسلطة على هذا الصعيد، كما استفادت حركات المقاومة من الانتخابات البلدية فأبرزت شعبيتها وتمتعها بالشرعية الشعبية بان حققت فوزاً كاسحا في هذه الانتخابات.

من هذه المنطلق فان هذه الوقائع والمعطيات تظهر أن التهدئة قد استنفذت أغراضها وأنها تسير في طريق الانهيار والعودة إلى المربع الأول.

 

ثانياً: لكن بالرغم مما تقدم فان هناك اتجاهاً يرى أن تعرض الهدنة للاهتزاز لا يعني أنها قد وضعت أوزارها، ذلك أن الطرفين لهما مصلحة باستمرارها لتمرير مرحلة الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية:

فشارون لا يريد تنفيذ خطة الانسحاب تحت نيران المقاومة ولذلك له مصلحة باستمرار الهدنة.

وحركات المقاومة تريد قطف ثمار صمودها باتاحة المجال أمام الانسحاب الإسرائيلي بدون اي ثمن مقابل على غرار ما حصل في جنوب لبنان عام ألفين خصوصا لأن الانسحاب سوف يوفر للمقاومة قاعدة محررة على ارض فلسطينية تؤمن لها حرية حركة اكبر وترفع من معنويات الشعب الفلسطيني وتؤكد له أن خيار المقاومة مجدي وقادر على الحاق الهزيمة بالمحتل واجباره على الانسحاب من الارض التي يحتلها واستعادة الحقوق، بينما خيار التفاوض وانتظار الوعود كانت له نتائج سلبية خطيرة دون أن يحقق أي نتيجة إيجابية.

 

ثالثاً: أسباب تراجع التأييد الإسرائيلي لخطة فك الإرتباط ومدى تأثيره على قرار الإنسحاب. 

إن التهدئة وما أدت إليه من شعور إسرائيلي بنوع من الاستقرار والأمن نتيجة توقف عمليات المقاومة أدى إلى انعاش الاتجاه اليميني الرافض للانسحاب الآحادي.

وهو ما اظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة التي أشارت إلى أن تأييد الجمهور الإسرائيلي للخطة تراجع للمرة الأولى عن مستوى الخميسن في المئة، ويشعر معارضو خطة الفصل بالنشوة لتزايد شعور شارون بالضيق ولتزود المحذرين من خطورة الخطة بحجج تدعم مواقفهم، ويأتي هذا التراجع في التأييد لخطة الفصل بعدما كانت تحظى بدعم حوالي السبعين في المئة قبل شهور .

وإذا كان المسؤولين في مكتب شارون قد أعادوا هذا التراجع إلى الفشل في تسويق الخطة إعلاميا لدى الجمهور، إلا أن الواقع يشير إلى أن الأمر مرتبط بطبيعة المجتمع الإسرائيلي الذي لا يمكن أن يعتدل في مواقفه ويميل إلى التراجع إلا إذا كان مكرها وتحت الضغط وانعدام الاستقرار ووقوعه تحت دائرة استنزاف وحاجته إلى الخروج من هذا الواقع، ولهذا فان المرحلة التي كانت فيها المقاومة تكثف عمليات وتوجه ضربات موجعه للجيش الإسرائيلي والمستوطنين وما أدت إليه من خسائر كبيرة ماديا وبشريا وانعكاسات ذلك سلباً على الاستقرار وحركة الاقتصاد، هي التي دفعت شارون بضغط من قيادة المؤسسة العسكرية والأمنية والرأي العام للمسارعة إلى البحث عن أفق أو مخرج من هذا الواقع، فكانت خطة الفصل.

غير أن الأمر لا يقتصر فقط على تراجع التأييد للخطة، إنما هناك اعتراض من نوع أخر يواجه شارون، وهو أخذ بالازدياد وسط قيادات الجيش وأحزاب سياسية، خوفاً من نشؤ مخاطر أكبر على أمن الكيان الصهيوني إذا لم تكن الخطة في سياق حل سياسي شامل يؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار.

في هذا الاطار يمكن ادراج كلام رئيس اركان الجيش الإسرائيلي السابق موشيه يعلون الذي قال ان الفصل يقرب إسرائيل من حرب أهلية أخرى وسيكون بمثابة كارثة.

فالانسحاب الإسرائيلي، بدون حل سياسي نهائي لقضايا الوضع النهائي، وفي ظل استمرار المقاومة والانتفاضة والفشل في القضاء عليها أو نزع سلاحها، سوف يؤدي إلى اقتراب صواريخ وقذائف المقاومة من الخط الأخضر وبالتالي ستكون قادرة على توجيه ضربات اكثر إيلاماً لإسرائيل، ولهذا فان الصحافة الإسرائيلية حذرت من أن هذه الصواريخ والقذائف سوف تطال ليس عسقلان فقط، بل وايضا مناطق أخرى في العمق الإسرائيلي، حيث ذكرت صحيفة هآرتس أن الجيش الإسرائيلي يخشى من إنتقال عدوى راجمات القذائف والصواريخ إلى شمال الضفة الغربية عقب قيام "حركة الجهاد" باطلاق خمسة صواريخ من جنين باتجاه مستوطنتي غنيم وكديم، وهذا ما دفع معارضو الخطة في الليكود إلى شن حملة مكثفة تحت عنوان "الفصل يجلب الارهاب".

ومثل هذه الضغوط الداخلية التي تواجه شارون هي التي تدفعه إلى محاولة تصديرها باتجاه تصعيد مدروس ضد الفلسطينيين عبر تنفيذ بعض عمليات الاغتيال وتوجيه الانذارات إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأن عليه العمل بقوة ضد حماس واتهامة بالعجز والشلل السياسي لأنه لا يقوم بالافعال المطلوبة ويتستر على وجود حماس وقوى المقاومة الفلسطينية وصار يتقدم بسرعة لاحتلال المكان الذي كان فيه الرئيس الراحل ياسر عرفات.

 

رابعأ، واشنطن: بديل عباس حماس

إلا أن الادارة الأميركية لا توافق إسرائيل في حملتها ضد محمود عباس لأنه ليس هناك بديل له وإذا تم التخلي عنه فان البديل الواقعي القائم هو حركة حماس، "وهذا ما لا يريده أحد" لذلك ضغطت واشنطن على شارون كي يلطف حملته ضد عباس والايحاء بانه يريد مساعدته، وفي هذا الاطار جاء قرار الحكومة الإسرائيلية بالافراج عن اربعمئة معتقل فلسطيني آخر، وهو ما دفع المراقبين إلى القول بان إدارة بوش تدير حملة علاقات عامة لتثبيت التهدئة على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية بالحديث عن الربط بين خطة الفصل وخارطة الطريق دون أن يصل الأمر إلى حد الضغط على إسرائيل للقبول بذلك، ما جعل الاعتقاد بان المحافظة على نوع من التنسيق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني مصلحة أميركية أكثر مما هو مصلحة إسرائيلية أو فلسطينية، ذلك أن ما يهم الإدارة الأميركية في هذه المرحلة هو تثبيت الهدوء وعدم انفجار الوضع مجدداً في ظل المأزق المتفاقم الذي تواجهه في العراق .

غير أن شارون يرفض أن تكون خطة الانسحاب جزءاً من خارطة الطريق لأن ذلك يتعارض مع مشروعه لفرض منظوره للحل بما خص قضايا الوضع النهائي كأمر واقع، والذي لا يمكن للسلطة الفلسطينية الموافقة عليه، ولذلك يرى شارون ان لا بديل أمامه سوى تنفيذ خطة فك الارتباط، لأن جيشه لا يستطيع البقاء منتشراً في حالة قتال دائمة منذ خمس سنوات، ولا يجد في الأفق إمكانية للانتصار على المقاومة والانتفاضة، ما يعني ان أفق التسوية معدوم، وكل الاطراف تسعى في هذه المرحلة إلى المحافظة على التهدئة كل من منظاره.

 

خامساً: تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بين الضغط الأميركي الإسرائيلي ومصلحة السلطة

على عكس ما كان منتظراً قررت السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات التشريعية، في خروج واضح على اتفاق القاهرة، وجرى التذرع بان القانون لم يتم أعداده بعد، والأمر لا يزال يحتاج إلى حوار.

لكن حقيقة الأمور غير ذلك تماماً، فالتأجيل تم نتيجة عدة عوامل:

العامل الأول مصلحة السلطة؛ إن الانتخابات التشريعية إذا ما حصلت في توقيتها المقرر في 17 تموز، فانها نتائجها ستسفرعن فوز مؤكد لحركة حماس وحلفائها انطلاقاً من تقييم النتائج التي حصلت عليها حركة حماس في الانتخابات البلدية، والتي أظهرت تنامي شعبية حماس بشكل لافت على حساب حركة فتح، ليس في قطاع غزة فقط، بل وايضا في الضفة الغربية. فقد تبين من خلال التدقيق في نتائج الانتخابات البلدية أنه من اصل 38 بلدية فازت فيها فتح 7 منها فقط هي بلديات يسكن فيها اكثر من 4 الآف ناخب، بالمقابل من اصل 30 بلدية فازت فيها حماس بشكل واضح فان 11 منها هي بلديات يسكن فيها اكثر من 4 الآف ناخب، وكما الانتخابات التي سبقت لم تؤكد فقط تفوق حماس على فتح في قطاع غزة، بل أن الفارق هذه المرة هو أنه في الضفة الغربية أيضا ظهرت مؤشرات مقلقة جداً لناحية فتح .

في ضوء هذه النتائج التي أثارت القلق لدى السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح، اذا لم تؤجل الانتخابات التشريعية المقررة في 17 تموز المقبل، فان المعطيات تشير إلى أن حماس، من خلال ائتلافها مع الفصائل الاخرى، سوف تسيطر على مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، ما دفع محمود عباس إلى تأجيل الانتخابت كي لا تقع هزيمة أخرى ستكون لها انعكاسات دراماتيكية على صعيد انتاج القرار السياسي الفلسطيني وتركيبة منظمة التحرير الفلسطينية التي أتفق على إعادة بنائها بموجب اتفاق القاهرة.

العامل الثاني الضغط الأميركي؛ إن الولايات المتحدة الأميركية التي ضغطت من أجل إجراء الانتخابات في مواعيدها، انطلاقا من سياسة تستهدف اجتياح وعزل المقاومة عبر الانتخابات، ورفضت تأجيلها في العراق ولبنان وأصرت على اجرائها في موعدها، عادت وانقلبت على موقفها وسارعت إلى ممارسة ضغوط استثنائية من اجل تأجيلها في فلسطين المحتلة، فمحمود عباس، حسب صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، تخوف من الاعلان عن تأجيل موعد الانتخابات خشية أن يرى الاميركيون في ذلك خطوة مناهضة للديمقراطية، ولكنه فوجئ في زيارته لواشنطن بان إدارة بوش هي الأخرى تؤيد تأجيل الانتخابات خشية انتصار حماس والمس بخطوة فك الارتباط.

العامل الثالث الضغط الإسرائيلي؛ تبين لحكومة شارون من خلال إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفلسطينية إنه في حال أخلت إسرائيل قطاع غزة، فانها ستجعل السيطرة على الأمور في القطاع تنتقل إلى أيدي حماس، إلا في حالة جرى تغيير على الرأي العام الفلسطيني.

ويرى الكاتب الإسرائيلي داني رابنشتاين "أن الصورة من المنظور الإسرائيلي قد تكون اسوأ لأن حماس على حافة استلام قطاع غزة بدون القيام باي شيء بالمقابل يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي.

ولهذه الاسباب مارست إسرائيل ضغوطا متزايدة على السلطة الفلسطينية من أجل تأجيل الانتخابات، واعلن وزير الخارجية سيلفان شالوم أن إسرائيل لن تمضي قدما في تنفيذ خطة الفصل إذا فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. أضاف يقول: "لكي تبقى السلطة الفلسطينية عليها ألا تدع حماس تكتسب مزيداً من السلطة بينما تحتفظ بجناحها العسكري".

إن هذه الضغوط الأميركية الإسرائيلية والتي تلاقت مع مصلحة السلطة الفلسطينية لتأجيل الانتخابات التشريعية، تكشف بشكل واضح إنه بعد الفشل العسكري والأمني في النيل من المقاومة أو اضعافها، والإقرار الإسرائيلي بالهزيمة أمامها صاحبه فشل آخر وتمثل في الفشل بمحاصرة المقاومة وعزلها بواسطة الانتخابات ما أدى إلى ارباك خطط واشنطن وتل أبيب واصابتهما بالخيبة والمرارة.

 

سادساً: الآفاق

من الواضح أن جهود واشنطن في دعم السلطة الفلسطينية لم تفلح في مساعدة إسرائيل على تهيئة الظروف المؤاتية لتوفير انسحاب إسرائيلي على النحو الذي يريده شارون بأن لا يكون تحت نار المقاومة على غرار جنوب لبنان حتى لا يظهر كهزيمة نكراء لإسرائيل وجيشها، وأن يتم على أساس مقايضة الانسحاب في مقابل وقف المقاومة واجهاض الانتفاضة الثانية، بحيث تتسلم السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور في قطاع غزة، كما حصل في الانتفاضة الأولى عندما اجهضت في مقابل صفقة اتفاق اوسلو، غير أن مثل هذه الصفقة اليوم باتت غير ممكنة لأن موازين القوى فلسطينيا قد تبدلت في صالح المقاومة.

ولذلك يبدو واضحاً أن الشغل الشاغل إسرائيلياً وأميركا وفلسطينيا، يتركز على المستقبل الذي يلي الانسحاب الإسرائيلي.

على الجانب الإسرائيلي؛ تسعى اسرائيل إلى أن يكون الانسحاب بمثابة محطة لفرض مشروعها للتسوية النهائية بما يحقق الأمور التالية:

1 ـ عدم العودة إلى حدود 67.

2 ـ عدم تقسيم القدس والإحتفاظ بها موحدة.

3 ـ عدم تفكيك مستوطنات الضفة الغربية.

4 ـ عدم عودة اللاجئين إلى الأرض المحتلة عام 48.

5 ـ الدولة الفلسطينية التي تقام يجب أن تبقى محصورة في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية.

 

على الجانب الفلسطيني؛ أما السلطة الفلسطينية فهي تحاول ان تجعل الانسحاب خطوة على طريق تنفيذ خارطة الطريق، وهي تراهن على الموقف الأميركي في هذا المجال بعد زيارة أبو مازن لواشنطن، غير أن واشنطن التي اتخدت موقفاً مناوراً للمحافظة على التهدئة لتمرير روزنامة الانسحاب الإسرائيلي بهدوء، هي اقرب إلى الموقف الإسرائيلي، حيث أعلن بوش التزامة خلال زيارة شارون بدعم الموقف الإسرائيلي من مسائل الوضع النهائي.

من هنا فأن المرحلة القادمة التي تلي الانسحاب الإسرائيلي سوف تؤسس لظروف جديدة يتجدد فيها الصراع بقوة لأن حركات المقاومة سوف ترفض فرض أمر واقع يقضي بتصفية القضية الفلسطينية، ولهذا سوف تنشأ ظروف تجعل المقاومة قادرة على استئناف عملياتها بشروط سياسية وميدانية أفضل تحت عنوان العمل على فرض الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء حدود 76 وإقامة دولة فلسطينية على كامل الضفة الغربية والقطاع وعاصمتها القدس وتأمين عودة اللاجئين.

وسيكون موقف السلطة الفلسطينية ضعيفاً جداً خاصة بعد أن يظهر مجدداً للشعب الفلسطيني أن الطريق الذي سلكته بالمراهنة على خط التفاوض وربط الانسحاب بخريطة الطريق قد اصطدام مجدداً بالتعنت الإسرائيلي وبالتالي أدى إلى فشل جديد، وهذا بالطبع سوف يعزز منطق المقاومة.

هذه الظروف سوف تخلق مناخات جديدة فلسطينياً تجعل من الممكن عندها تطبيق التفاهم الفلسطيني الفلسطيني لناحية إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وخصوصا إعادة بناء "منظمة التحرير" لتشكل اطاراً تمثيلاً حقيقياً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وبما يسمح بتمثيل حقيقي لجميع القوى الفلسطينية على قاعدة ديمقراطية وسياسية تحفظ الثوابت الوطنية وتبلور قيادة وطنية جديدة تعكس واقع المنظمة الجديد.

 

حسين عطوي