العلاقات اللبنانية الفلسطينية

غالب أبو مصلح

 

عوامل عديدة، تاريخية وسياسية وثقافية، ومحلية وقومية وإقليمية لبنانية ضيقة وأجنبية، تحكمت وما زالت تتحكم بالعلاقات اللبنانية الفلسطينية على الصعيدين الرسمي والشعبي، وتجعل الملف اللبناني الفلسطيني معقداً ومتفجراً في معظم الأحيان.

 

قبل الحرب العالمية الأولى، وفي عهد الابراطورية العثمانية، كانت ولاية عكا تمتد إلى نهر الأولي، وراء مدينة صيدا. وكان جبل لبنان، أو إمارة الجبل في عهد المتصرفية، يخضع تارة لوالي دمشق وطوراً لوالي عكا. لم تكن هناك حدود ثابتة بين الولايتين تمنع التنقل والاختلاط وتبادل أو عبور السلع والقوى العاملة، ولم تنشأ بالتالي "وطنيات" محلية متمايزة أو متصارعة. فقد كانت التخوم بين السلطات المحلية تعتمد على قدرات الأمراء المحليين، الذين يمثلون في معظم الأحيان عصبيات قبلية. وكما كان يقول الأمير فخر الدين المعني، الذي وسع سلطانه من العريش في غزة حتى حلب :"السلطنة نقل تخوم".

 

ومع إعلان دولة لبنان الكبير في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ملجأً أساسياً للعديد من الوطنيين اللبنانيين، من رجالات الثورة العربية الكبرى التي سحق جيشها الفرنسيون في معركة ميسلون، ومقصداً لليد العاملة اللبنانية التي وجدت في فلسطنين المزدهرة نسبياً متنفساً اقتصادياً لها. وشكلت مدن وقرى الاصطياف اللبناني مقصداً للأثرياء الفلسطينيين. كما أن الوطنيين العرب، من لبنان وخارجه، كانوا معنيين دائماً بالخطر الصهيوني على فلسطنين والمشرق العربي، خاصة بعد اطلاق وعد بلفور. وبالتالي شكلت القضية الفلسطينية أولوية تمحور حولها النضال الشعبي في المشرق العربي، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك قبل قيام دولة إسرائيل وتهجير حوالي 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم الفلسطينية. فقد توجه نحو مائة ألف من هؤلاء عبر الحدود الشمالية لفلسطين، إلى لبنان، وبات معظم هؤلاء وأبناؤهم يشكلون سكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

 

فقد سمحت السلطات اللبنانية للاجئين بالسكن في بعض المناطق الحدودية في بادئ الأمر، في خيم من القماش "مغطات أحياناً بألواح خشبية وصفائح حديدية" دون أي بنية تحتية (شبكات مياه وصرف صحي) وشكلت هذه الأماكن مخيمات اللاجئين الخمسة عشر المعترف بها رسمياً في لبنان. وفي مراحل لاحقة ظهرت بعض المباني الاسمنتية، غير أن السقوف الاسمنتية والطبقات العليا كانت محظورة من قبل السلطانت اللبنانية[1] وذلك لإبقاء وجود اللاجئين مؤقتاً في لبنان.

 

وشكل سقوط فلسطين في أيدي المنظمات الصهيونية، وما تبع ذلك من مقاطعة عربية لميناء حيفا، وإقفال خطوط أنابيب النفط المارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهجرة بعض أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية إلى لبنان، دفعاً قوياً للإقتصاد اللبناني على كافة الصعد. فقد ازدهر مرفأ بيروت كبديل لمرفأ حيفا بالنسبة للداخل العربي، وأصبح لبنان المصب الوحيد لأنابيب النفط من السعودية والعراق، على شواطئ البحر المتوسط، والتي تزود أوروبا ببعض حاجاتها من النفط.

 

وأعطت الخبرات العلمية والمهنية الفلسطينية لبنان، طاقات بشرية عالية الجودة في المحاسبة والمصارف، وأساتذة الجامعات، خاصة الجامعة الأمريكية في بيروت، وأساتذة الثانويات، كما أعطت لبنان خبرات زراعية متقدمة في زراعة الخضار والحمضيات في السواحل اللبنانية، وعمّالاً قليلي الكلفة في قطاعي الصناعة والبناء.

 

كان الموقف الرسمي للحكومات اللبنانية من اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة سكان المخيمات، كما موقف القوى الحزبية والسياسية اللبنانية، تتحكم بها عوامل طائفية وسياسية متعددة. فقد تم فرز اللاجئين الفلسطينيين طائفياً ومذهبياً، فأنشأت ثلاثة مخيمات للمسيحيين منهم: مخيم مار الياس للروم الأرثوذكس، ومخيمي جسر الباشا وضبية للكاثوليك في المتن، "وتسارعت عملية تجنيس هؤلاء، بدعم نسبي من قادة الأحزاب المارونية. وبلغ عدد الذين منحوا الجنسية اللبنانية حين ذاك (وحتى سنة 1951) 28 ألف مسيحي من اللاجئين الفلسطينيين، مع حق مزاولة العمل، بينما اعتبر بقية اللاجئين المسلمين غرباء وغير مرغوب فيهم"[2]. وفي الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضى "حصل نحو 50 ألف فلسطيني في لبنان، معظمهم من المسيحيين، أو سواهم ممن كان له صلات عائلية، على الجنسية اللبنانية، وحصل حوالي 20 ألف آخرون على الجنسية اللبنانية في التسعينيات[3].

 

لقد كان لبنان منذ عهد الانتداب الفرنسي، مفتوحاً أمام الهجرات المسيحية إليه، من عربية وغير عربية، مثل الأرمن والسريان والكلدان والأشوريين والأقباط، ومقفل في وجه الهجرات العربية الاسلامية، إلا الأثرياء منهم، أي من وفد إليه مع أمواله وخيراته العالية، نتيجة الانقلابات العسكرية والتغيرات الراديكالية في دول المشرق العربي.

 

اتبعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة سياسات عدائية للوجود الفلسطيني عامة ولسكان المخيمات بشكل خاص. تنبع هذه السياسات العدائية من طبيعة النظام اللبناني الطائفي، ومن رؤية النظام وفهمه لهوية لبنان العربية الملتبسة.

 

فقد تكون هذا النظام أبان الانتداب الفرنسي بغلبة مسيحية حسب احصاء سكاني أجرته سلطات الانتداب سنة 1936، وهو احصاء مشكوك كثيراً بصدقيته وأمانته. ولم يجرِ احصاء سكاني آخر منذ ذلك التاريخ رغم طائفية النظام والمتغيرات الديموغرافية العميقة التي حدثت في لبنان. ولم يبدل الاستقلال من طوائفية النظام بل عمقها وأدخلها ميثاق سنة 1943 إلى صلب النظام، مع الابقاء على التوزيع غير العادل لتمثيل الطوائف، وحصصها في الادارة حسب الاحصاء المذكور أعلاه. وأعطى عهد الاستقلال رئيس الجمهورية الماروني حصراً، سلطان المندوب السامي الفرنسي، وهي سلطات شبه مطلقة في النظام.

 

لم يحدد ميثاق 43 هوية النظام اللبناني القومية بشكل واضح. فقد كان الميثاق تعبيراً عن توازنات خارجية أولاً ثم داخلية، أنتجت اتفاقاً بين بعض الزعماء السياسيين، يتخلى بموجبه المسيحيون عن الانتداب الفرنسي بمقابل تخلي المسلمين عن عروبة لبنان وطلب الوحدة مع سورية. فكان لبنان "ذا وجه عربي"، جسراً بين الشرق والغرب، ذا تعدد ثقافي، إذ فهمت الانتماءات الطائفية والمذهبية كهويات قومية أو شبه قومية، وكثقافات متمايزة. لم يولد هذا الميثاق قناعات شعبية راسخة، ولم ينتج "وطنية لبنانية" جامعة، بل مثل مصالحة سياسية مؤقتة بين أبناء الطبقة الحاكمة الواحدة، بين قيادات سياسية طوائفية ذات مصلحة في الحفاظ على طبيعة النظام اللبناني، بمحتواه الإقتصادي الإجتماعي.

 

وبالتالي فإن لجوء الفلسطينيين السنة إلى لبنان شكل، منذ يومه الأول، تهديداً لهذا النظام على أكثر من صعيد. فهؤلاء اللاجئون يشكلون تهديداً للتوازنات الديموغرافية، المكسورة أصلاً، بين الطوائف والمذاهب، ويهددون بالتالي نظام الإمتيازات الطائفية، خاصة امتيازات الطوائف المسيحية عامةً والمارونية بشكل خاص، والتي تشكل أساس النظام الطائفي اللبناني.

 

ثم أن الوجود الفلسطيني بشكل عام، المسلم والمسيحي، يشكل تهديداً ايديولوجياً "للوطنية اللبنانية" المتمايزة إن لم يكن المتناقضة مع عروبة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الحادة. فالمسيحيون الفلسطينيون من هؤلاء اللاجئين، لا يملكون ذاكرة تاريخية مغايرة عن ذاكرة المسلمين الفلسطينيين، كما هو الوضع في لبنان. فقد شكلت القضية الفلسطينية محور السياسات العربية، وكانت قضية مركزية في جميع الانقلابات العسكرية والتحولات الراديكالية في أنظمة دول المشرق العربي.

 

كما شكلت الجماهير الفلسطينية، خاصة سكان المخيمات في لبنان، تربة خصبة للحركات والحزاب القومية العربية، مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب، والتي لا تعترف بقدسية وأزلية الكيان اللبناني، بل تسعى إلى إزالته، وتسعى في الوقت ذاته إلى تغيير النظام اللبناني الطوائفي بمحتواه الطبقي البرجوازي، وسياساته الاجتماعية الاقتصادية الظالمة. وكان للمخيمات دور أساسي نشط على الصعيد السياسي، وفي جميع التحركات الشعبية المنظمة، وخاصة في ما يتعلق بالقضايا العربية الجامعة.

 

وقد أعطى التداخل السكاني للمخيمات مع جوارها المسلم السني خاصةً زخماً وثقلاً للوجود الفلسطيني السياسي كما للطائفة السنية، وخاصة في بيروت وصيدا وطرابلس.

 

لجميع الأسباب الواردة أعلاه، اتخذ النظام اللبناني موقفاً معادياً من سكان المخيمات، وفرض عليهم قيوداً شديدة على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية، فحول المخيمات إلى سجون كبيرة وغير انسانية. فبالرغم من تضاعف عدد سكان المخيمات في لبنان، لم تسمح السلطات اللبنانية بتوسيع رقعتها أو تمددها العمودي، إضافة إلى ذلك "شددت السلطات الأمنية سلتطها على المخيمات من أواخر الخمسينيات، وفرضت اجازة مرور على كل من يريد دخول المخيم أو الخروج منه، وكذلك فرضت نظام منع التجول أثناء ساعات الليل"[4].

 

ومنذ بداية الستينيات، خاصة بعد انهيار الوحدة بين مصر وسورية، بدأ بالتراجع الأمل في ثورة عربية وحدوية تشكل القاعدة الصلبة والقوة العسكرية لاستعادة فلسطين المغتصبة، فالاتجاهات الاشتراكية في مصر عبد الناصر، أعطت اشارة واضحة أن الهم الداخلي المصري سيكون له الأولوية في المستقبل، وليس تحرير فلسطين. واكب ذلك نجاح الثورة الجزائرية في تحرير الجزائر من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي- إذ كانت فرنسا تعتبر الجزائر جزءاً من التراب الفرنسي وراء البحار- وذلك باعتماد حرب التحرير الشعبية، وليس عبر الحروب النظامية الكلاسيكية. فقد كان لانتصار الثورة الجزائرية، المستندة إلى تضحيات الجماهير الجزائرية، ودعم الأنظمة العربية وقوى المعسكر الاشتراكي المعادية للاستعمار والامبريالية، تأثيرات عميقة في توجهات النخب الفلسطينية، وفي خلق حراك شعبي فلسطيني لخوض حرب تحرير شعبية ضد الكيان الصهيوني. وظهر في بداية الستينيات حوالي 35 تنظيماً فلسطينياً يدعو كلّ منها لخوض غمار حرب التحرير الشعبية.

 

مقابل هذا الحراك الفلسطيني في لبنان، شددت السلطات اللبنانية قبضتها على المخيمات خاصة، "وأخضع المكتب الثاني في الجيش اللبناني أهالي المخيمات لمراقبة شديدة طالت شرائح المجتمع الفلسطيني كله"[5]، وتحولت المخيمات إلى معتقلات فعلية للفلسطينيين، تمارس أجهزة الأمن اللبنانية فيها كل أنواع الضغوطات والتخويف والارهاب، من اعتقالات عشوائية وتعذيب للمعتقلين والناشطين السياسيين. وكان لا بد أن تترك هذه الممارسات غير الانسانية، مع منع الفلسطينيين من العمل في العديد من المهن، آثاراً عميقة في نفوس الفلسطينيين ظهرت سريعاً في سلوكية بعضهم الانتقامية فيما بعد.

فبعد هزيمة 5 حزيران 1967، وظهور عجز الجيوش النظامية العربية، لا عن تحرير فلسطين، بل عن احتواء التمدد الصهيوني، أصبحت حرب التحرير الشعبية هي البديل المقنع للتحرير لدى الأكثرية الساحقة من الجماهير الفلسطينية والعربية. وعزز هذا الشعور أو هذه القناعة، الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية في معركة الكرامة، حيث تم تغييب دور الجيش الاردني في تلك المعركة، وأعطي الانتصار للمقاومة الفلسطينية، والتي حضيت بالتأييد الواسع على الصعيدين الرسمي والشعبي في كافة أنحاء الوطن العربي.

 

وكانت معظم الأنظمة العربية قد تعبت من العبء الفلسطيني، فوجدت في منظمة التحرير الفلسطينية، التي تم انشاؤها في سنة 1964 بعد الانفصال، أداة تريحها من تحمل العبء الفلسطيني، بأبعاده النضالية السياسية والعسكرية، أمام جماهيرها، وأصبح عمل بعضها محصوراً في تقديم الدعم الدبلوماسي والمساعدات المادية لمنظمة التحرير "الممثلة الوحيدة للشعب الفلسطيني". بشكل ما، تحول الهم الفلسطيني من هم قومي تحرري، إلى هم قطري فلسطيني، وأراح ذلك معظم الأنظمة العربية من ضغوط الجماهير الشعبية فيها.

 

وفي سنة 1969 سيطرت المقاومة الفلسطينية على منظمة التحرير، وتم اغداق الأموال العربية عليها، كما على معظم المنظمات الفلسطينية المقاتلة، وسط تأييد شعبي عارم، وضغوط شعبية اسلامية بأكثريتها الساحقة في لبنان، تطالب باطلاق يد العمل الفدائي الفلسطيني عبر الحدود. وبدأت المواجهات بين المقاومة الفلسطينية في المخيمات وعناصر قوات الأمن اللبناني فيها. وبحلول خريف تلك السنة كانت قوات الأمن اللبنانية قد طردت من المخيمات الفلسطينية، وفي شهر تشرين الثاني وقعت القوات الفلسطينية المسلحة والجيش اللبناني "اتفاقية القاهرة".

 

كانت اتفاقية القاهرة "تكفل حق الفلسطينيين المدنيين في العمل، وحرية التنقل والاقامة، إلى جانب حق نشاط المقاتلين الفلسطينيين في لبنان"[6]. لكن هذه الاتفاقية لم تلغ التناقضات والاشتباكات بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية، وكان أبرز هذه الصدامات إغارة سلاح الجو اللبناني على مخيم برج البراحنة في ضواحي بيروت، في أيار 1973.

 

إن اتفاقية القاهرة، وما واكبها وأحاط بها من ضغوطات شعبية مؤيدة ورافضة لها، شكلت بداية مرحلة جديدة في العلاقات اللبنانية الفلسطينية. فقد تحررت المخيمات في الأسر والحكم العسكري المخبراتي، وأخذ الفلسطينيون حقوقهم المدنية والانسانية، وحقهم في قتال اسرائيل عبر الحدود اللبنانية، فدخل لبنان في ذلك دائرة الصراع العربي الصهيوني، تلك الدائرة التي عمل النظام اللبناني على البقاء خارجها منذ انشاء الكيان الصهيوني. كانت سويسرا في حيادها عن الصراعات الأوروبية، وازدهارها الاقتصادي، هي المثل الذي حاولت الطبقة الحاكمة في لبنان تقليده، مبدية سعادتها في وصف لبنان "سويسرا الشرق". أكثر من ذلك دخل الفلسطينيون إلى دائرة الصراعات السياسية الداخلية في لبنان، مجبرين وغير مختارين، بكل ثقلهم وقدراتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية. إن هذا الدخول لم يكن نتيجة رؤية قومية شاملة، ومفهوم قومي للصراع مع الهيمنة الامبريالية الصهيونية على المشرق العربي، ولم يكن نتيجة إيمان أن تحرير الأرض الفلسطينية يمر عبر تحرير جميع العواصم العربية المحيطة بفلسطين، أي أن تغيير الأنظمة العربية وتحريرها من التبعية، وبناء قدرات ذاتية عربية فيها هي الطريق إلى التحرير، بل كان هذا الدخول حاجة فلسطينية للحفاظ على الذات عبر التحالف مع القوى السياسية القومية واليسارية، الداعمة للحق الفلسطيني في النضال من أجل التحرير، وتمكين قوى الثورة الفلسطينية من استخدام الأراضي اللبنانية لشن حرب تحرير شعبية ضد الاحتلال الصهيوني، كما استخدمت الثورة الجزائرية الارض التونسية والمغربية كملاجئ آمنة لمقاتليها ونقاط انطلاق لها في الوقت ذاته.

 

فقد تم التحالف بين المنظمات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط. لم يكن هناك برنامج نضالي شامل وواحد بين قوى الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. كان للحركة الوطنية برنامجها المرحلي التغييري المعبر عن رؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبنان الذي تريد. وكانت تسعى حسب هذا البرنامج إلى إحداث تغيرات جذرية في بنية النظام وتوجهاته على كافة الصعد. ولم تكن المنظمات الفلسطينية معنية فعلياً بهذا البرنامج التغييري، بل كان همها محصوراً بالقتال ضد الكيان الصهيوني. وبالرغم من أن البرنامجين لا يتعارضان بالضرورة، غير أن صياغة برنامج واحد كان أمراً متعذراً بل شبه مستحيل. ومن جراء ذلك ظهرت علاقة استخدامية، إذا صح القول، بين طرفي التحالف. وبرزت التناقضات بشكل خاص بين قيادة الحركة الوطنية اللبنانية وقيادة حركة فتح المسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية. كما أخذت التوترات بين العمل الفلسطيني المسلح وجماهير القرى الحدودية بالظهور.

 

غير إن التناقض الأساسي بين تحالف الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية من جهة، والنظام اللبناني والقوى الانعزالية وميليشياتها المسلحة من جهة أخرى، كتناقض أساسي، أخضع التناقضات الثانوية وطمسها ولو إلى حين. لقد شكلت القوات الفلسطينية حماية عسكرية للحركة الوطنية اللبنانية في وجه قوى السلطة والميليشيات التابعة لها في بادئ الأمر. ومنذ صيف 1967، أي مباشرة بعد هزيمة 5 جزيران، بدأ حزب "الكتائب اللبنانية" في بناء قواه المسلحة بمساعدة الجيش اللبناني، وتبعه في ذلك "حزب الوطنيين الأحرار". وفي السبعينيات، ومع تصاعد الثورة الفلسطينية، أصبح الوجود الفلسطيني في لبنان هو الهدف الأساسي لهذه الميليشيات المسيحية.

 

تميزت هذه المرحلة التي امتدت من سنة 1969 إلى سنة 1982 بالظواهر الآتية:

أولاً، خرجت قوى الثورة الفلسطينية من أسر المخيمات، ونالت الجماهير الفلسطينية في لبنان حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية لأول مرة. وبنت المنظمات العسكرية الفلسطينية مكاتب لها خارج المخيمات، وقواعد عسكرية ثابتة في أنحاء شتى من لبنان في المناطق الإسلامية، حيث كانت الجماهير اللبنانية تحيط بها وتحميها. وكذلك بنت المقاومة الفلسطينية قواعد انطلاق لعملياتها العسكرية في قرى الجنوب المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. وسرعان ما تحولت قواعد الانطلاق السرية، حسب فكر حرب الغوار، إلى قواعد عسكرية ثابتة وعلنية، يسهل رصدها وضربها من قبل الجيش الإسرائيلي. وتم تزويد معظم هذه القواعد بأسلحة ثقيلة بطيئة الحركة وغير مؤاتية لحرب الغوار. ولعب التسابق وحب الظهور والتنافس بين المنظمات الفلسطينية غير الموحدة، من حيث الفكر والتنظيم والقيادة، ومحاولة كل فصيل لإثبات وجوده، دوراً في ارتكاب العديد من الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية القاتلة.

 

ثانياً، تم تدريجياً تقليص نطاق السلطة المركزية وتفكيك أدوات الدولة العسكرية وسيطرتها على الحدود البرية والبحرية، خاصة على المعابر والمرافئ، لمصلحة توسع سيطرة الميليشيات اللبنانية المختلفة وقوى المقاومة الفلسطينية. وتم عزل المناطق اللبنانية بعضها عن بعض وفقاً لبنيتها الطائفية. وأخذت الخزينة اللبنانية تفقد معظم وارداتها، وتلجأ إلى الاستدانة، مع فقدان سيطرة الدولة اللبنانية على الأرض. وبدأ أداء الاقتصاد اللبناني بالتراجع. ولكن الفورة النفطية العربية، وتنامي الطلب على بعض الانتاج اللبناني وعلى الخبرات والعمال اللبنانيين في دول النفط، عوّض كثيراً عن هذا التدهور الاقتصادي الشامل.

 

ثالثاً، نتيجة الرؤية الضيقة والمفهوم المبتور للعمل العسكري الفلسطيني، وكردود أفعال على الاضطهاد الذي عانى منه الفلسطينيون في السابق، خاصة سكان المخيمات، تغلبت العصبية الفلسطينية ومنطقها الإقليمي الضيق في العمل السياسي والعسكري في لبنان على فكر ومنطق العمل القومي الشامل، التحرري والتقدمي. فقد أصبح الطرف الفلسطيني في العلاقة مع الحركة الوطنية اللبنانية هو الأقوى والأقدر، مالياً وعسكرياً. وأصبح قليل الاهتمام بانعكاسات عملياته العسكرية وتعاطيه الفوقي مع الجماهير اللبنانية عامة، وخاصة أبناء قرى الجنوب اللبناني الذين يتحملون أعباء ردود الفعل (أو الفعل) العسكرية الإسرائيلية. فبالرغم من التأييد الواسع الذي لقيته المقاومة الفلسطينية من الجماهير اللبنانية، وانخراط العديد من اللبنانيين في صفوفها، فإن الطابع الفلسطيني الضيق والهموم الفلسطينية وأولوياتها المنطقية العادلة وغير العادلة... استمرت في التحكم بهذه العلاقات، مع غياب الهموم الوطنية اللبنانية، مما خلق هوة بين المقاومة الفلسطينية والجماهير اللبنانية. وأخذت هذه الهوة بالاتساع مع مرور الوقت، وإن لم تتحول إلى رفض للمقاومة الفلسطينية أو العداء لها، لدى أكثرية الجماهير من أبناء الطوائف الاسلامية على الأقل. إن فقدان الرؤية القومية الشاملة، المتلازمة مع الهموم الجماهرية اللبنانية السياسية والمعيشية والأمنية، خلقت هذه الهوة.

 

رابعاً، اتخذت العمليات العسكرية الإسرائلية على لبنان منحاً تصاعدياً، مستهدفاً القرى والمصالح الجماهرية، محملاً مسؤلية اعتداءاته للمقاومة الفلسطينية المنطلقة من الأرض اللبنانية، وذلك بغية توسيع الهوة بين المقاومة والجماهير اللبنانية، ودفع السلطات اللبنانية، وخاصة الجيش اللبناني، لتضييق الخناق على حركة المقاومة الفلسطينية. كما اندفع الكيان الصهيوني إلى تقوية علاقاته ورفع مستوى دعمه للقوى الانعزالية المعادية أصلاً، لا للمقاومة الفلسطينية فقط بل لأي وجود مدني فلسطيني فوق الأرض اللبنانية. فقد أمدت اسرائيل بالسلاح والأموال، بإشراف ودعم من السلطات الأميريكية، "القوات اللبنانية"، و"نمور الأحرار"، و"حراس الأرز"، ووحدات الجيش اللبناني الموجودة في الجنوب بقيادة أنطوان لحد، والتي تحولت في ما بعد إلى "جيش لبنان الجنوبي"، العاملة تحت القيادة العسكرية والسياسية الاسرائلية، ولأهداف اسرائيل الاستراتيجية.

 

خامساُ: اتخذت الانقسامات الحادة في لبنان والتحالفات المحلية، أبعاداً عربية واقليمية ودولية. وبالتالي أصبحت الصراعات في لبنان أحد مظاهر الهجمة الامبريالية الصهيونية الشاملة على المشرق العربي، أو أحد تفاصيلها. فقد تبلورت التناقضات بين معسكرين إثنين: القوى التقدمية اللبنانية المتمثلة بالحركة الوطنية التي يمثل برنامجها المرحلي رؤية شبه شاملة لموقع لبنان العربي وواجباته النضالية، والهموم التغييرية لنظامه السياسي الاقتصادي الاجتماعي، والمتحالفة مع قوى الثورة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية، ومع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والأحزاب اليسارية والقوى الثورية المعادية للامبرالية على الصعيد العالمي من ناحية، والسلطات اللبنانية- "أو معظمها- ببنيتها التقليدية المحافظة، والتي تمثل مصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة، والقوى الأنعزالية الطائفية الفاشية والمتحالفة مع اسرائيل، وبعض الأنظمة العربية والمعسكر الامبريالي بقيادة الولايات النمتحدة الأميركية من ناحية ثانية. بكلام آخر أخذت الانقسامات والصراعات في لبنان أبعاداً محلية لبنانية واقليمية عربية- كثيراً ما مثلت حقيقة الصراع بين الأنظمة العربية- وأبعاداً دولية متشابكة.

 

سادساً: مثلت مرحلة السبعينيات، خاصة بعد حرب تشرين، مرحلة تفكك النظام الإقليمي العربي وانهياره. واكب ذلك اشتداد الصراعات والتناقضات بين الأنظمة العربية الفاعلة على ساحة المشرق العربي، خاصة الأنظمة المصرية والسورية والعراقية. وانعكست هذه التناقضات على تبدل تحالفاتها مع طرفي الصراع في لبنان. ولعبت المناورات السياسية الأميركية وحملات الخداع التي قادها كيسينجر دوراً كبيراً في تأجيج الصراعات وإرباك الأنظمة العربية. لقد ألحقت إسرائيل والصراعات الداخلية في لبنان أضراراً جسيمة بالوجود الفلسطيني، خاصة بالمخيمات الفلسطينية. فقد سجلت السلطات اللبنانية ثلاثة آلاف اعتداء إسرائيلي على لبنان من سنة 1968 حتى سنة 1974، نجم عنها مقتل 880 فلسطينياً ولبنانياً مدنياً. كما دمر الطيران الإسرائيلي مخيم النبطية تدميراً كاملاً، ولم يسمح بإعادة بنائه في ما بعد. ثم سقط 29 قتيلاً فلسطينياً في عين الرمانة في إطلاق النار على حافلة نقل تقل فلسطينيين، بتاريخ 13 نيسان 1975، ما أشعل الحرب الداخلية اللبنانية. وفي العام 1976 سقطت ثلاثة مخيمات فلسطينية في "بيروت الشرقية" وضواحيها بيد قوات "الكتائب اللبنانية". وهي مخيمات جسر الباشا وضبية وتل الزعتر. فقد صمد الأخير مدة 53 يوماً أمام حصار خانق قبل أن يسقط، وسقط فيه حوالي ثلاثة آلاف لاجئ فلسطيني وعدد من اللبنانيين من سكان المخيم. ثم اجتاحت القوات الإسرائيلية الجنوب اللبناني في آذار 1978، وقتلت أكثر من ألفي شخص معظمهم من المدنيين. واحتل الجيش الإسرائيلي شريطاً بعمق 10 كلم، سمته "الحزام الأمني" سيرت فيه دوريات مشتركة من الموالين لها من الميليشيات وقوات من الجيش اللبناني المعروف باسم "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة سعد حداد.

 

لقد تم "تنظيف" بيروت الشرقية من الوجود الفلسطيني والمسلم بوحشية كبيرة، إذ سقط منهم آلاف القتلى، وتم تدمير مناطق سكنهم تدميراً تاماً. ومنعوا بعد ذلك من العودة إليها.

ثم تسببت هذه الصراعات والحروب بإلحاق هزيمة كبيرة بقوى الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية على يد القوات العربية السورية، كما ورد سابقاً.

 

سابعاً، أعطى تحالف الحركة الوطنية اللبنانية مع الثورة الفلسطينية أحزاب الحركة الوطنية خبرات وقدرات عسكرية كبيرة، وأتاحت الفرصة للاتحاد السوفييتي ليسلح ويدرب كوادرها العسكرية، ما مكنها في ما بعد من مجابهة الاجتياح الإسرائيلي المدعوم من قبل حلف الأطلسي وأميركا خاصة، وإجبار هذه القوى على التقهقر والانسحاب.

 

 

مرحلة الاجتياح الإسرائيلي

مثل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، سنة 1982، مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات اللبنانية الفلسطينية. كان الهدف المعلن لهذا الاجتياح القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية والوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وبالتالي فقد ركز الإعلام الصهيوني على أن القوات الإسرائيلية الغازية لا تستهدف لبنان واللبنانيين، ولا تستهدف الوجود العسكري السوري. بقي الجيش اللبناني محايداً أمام اجتياح الوطن، ولم يطلق طلقة واحدة ضد المحتل الإسرائيلي، فكأن الأمر لا يعنيه. ولم تتخذ القوات العسكرية السورية في الخطوط الأمامية الجنوبية وضعاً قتالياً إلاً بعد أن صدمتها القوات الإسرائيلية المتقدمة وأنزلت بها خسائر فادحة. كانت هذه القوات تتوقع غزواً إسرائيلياً محدوداً لا يتجاوز نهر الأولي على أبعد تقدير، كما أشاع الإعلام الإسرائيلي في بادئ الأمر. فقد جرى التمويه على حقيقة الأهداف الإسرائيلية التي حددتها خطة "الصنوبرة الوسطى" والتي تم اجتياح لبنان وفقاً لها. كانت أهداف هذه الخطة تتعدى استهداف منظمة التحرير الفلسطينية والوجود الفلسطيني المسلح في لبنان إلى الوجود السوري فيه، كما كانت تستهدف لبنان بكامله لتغيير تركيبة النظام وتوجهاته، ليصبح لبنان ثاني بلد عربي يعقد الصلح مع إسرائيل، ويطبع علاقاته معها ويدور في فلكها برعاية أميركية.

 

تسبب هذا الاجتياح بقتل حوالي 19 ألف مدني لبناني وفلسطيني، وتم تدمير سبعين بالمئة من مساكن مخيم الرشيدية في صور، كما تم تدمير مخيم عين الحلوة تدميراً كاملاً، وتم جرفه بالجرافات الإسرائيلية. وأصدرت الحكومة الإسرائيلية أوامر صريحة بعدم السماح بإعادة بناء مخيمات الفلسطينيين في جنوب لبنان، ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة شمالاً بعيداً عن حدود فلسطين المحتلة.

 

ثم كان حصار بيروت وقصفها بشكل وحشي حتى خروج القوات الفلسطينية والسورية منها، بضمانات أميركية وأوروبية، وبإشراف المندوب الأميركي فيليب حبيب، لعدم اجتياحها وسلامة المدنيين الفلسطينيين فيها.

 

ولكن ما أن تمت إزالة الدشم والتحصينات عن أبواب بيروت الغربية، ومقتل بشير الجميل، الرئيس المنتخب بحماية ودعم الدبابات الإسرائيلية، حتى اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت الغربية وضواحيها، وأدخلت القوات اللبنانية إليها، وإلى مخيمي صبرا وشاتيلا بالتحديد، بتاريخ 17 أيلول 1982، لارتكاب مجزرة مريعة بسكان المخيمين من المدنيين غير المسلحين، وذهب ضحية هذه المجزرة التي استمرت 48 ساعة أكثر من 1500 قتيل. ودمرت القوات الإسرائيلية مراكز منظمة التحرير الفلسطينية جميعها في بيروت الغربية، بعد الاستيلاء على محتوياتها.

ثم أعادت قوات الأمن والجيش اللبناني السيطرة على المخيمات الفلسطينية في بيروت وحاصرتها. بينما بقيت مخيمات الشمال والبقاع تحت سيطرة القوات السورية.

 

فاقمت الهزيمة التناقضات والخلافات داخل منظمة التحرير الفلسطينية وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، والتنتاقضات بين منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح والنظام السوري. وحصلت اشتباكات دامية، خاصة في مخيمي البداوي والبارد في الشمال، وحول مدينة طرابلس وفي داخلها. وكانت قوات فتح بقيادة أبي عمار وبالتحالف مع حركة التوحيد الإسلامي بقيادة الشيخ سعيد شعبان قد فرضت سيطرتها على المخيمين وعلى مدينة طرابلس. وانتهت المعارك بسيطرة القوات السورية وحلفائها من الأحزاب اللبنانية والقوات المنشقة عن فتح بتاريخ 20 كانون الأول 1983. وانسحب أبو عمار وحوالي أربعة آلاف من مؤيديه بحراً إلى تونس والجزائر واليمن، بحماية الأمم المتحدة.

 

بعد الانسحاب الإسرائيلي من بيروت وضواحيها استعادت المقاومة الفلسطينية حضورها المسلح الجزئي داخل المخيمات، مع اشتداد التناقضات والصراعات بين المنظمات الفلسطينية داخل المخيمات والتناقضات الفلسطينية مع بعض قوى الاحزاب اللبنانية خارج المخيمات.

إن خروج المقاتلين الفلسطينيين المحاصرين من بيروت إلى خارج منطقة الاحتلال الإسرائيلي، لم يخرج هذه القوى من المعركة مع العدو الإسرائيلي. فسرعان ما انفجرت حرب الجبل بوجه الاحتلال وأعوانه وحلفائه من الميليشيات المسيحية الفاشية، وعلى رأسها "القوات اللبنانية" التي حملتها الدبابات الإسرائيلية إلى كافة مناطق الجبل لتقطع أوصاله وتمنع على القوى الوطنية الحركة الحرة فيه. كانت مهمة هذه القوات العميلة إلهاء القوى الوطنية عن قتال قوات الاحتلال باجتذاب العداء والقتال ضدها. فقد شكلت هذه القوى الفاشية الطائفية التهديد المباشر والأخطر لأمن المناطق الوطنية وسكانها، فأرتكبت العديد من الجرائم بحق السكان الآمنين.

 

وبينما كان التصدي للقوى الفاشية الطائفية علنياً كان القتال ضد القوات الإسرائيلية المحتلة يتسم بالسرية التامة، وبدون تنظيم مركزي هرمي واحد، بغية الحفاظ على سلامته وسريته. وشاركت القوات الفلسطينية في هذا القتال أبان الوجود الإسرائيلي في مناطق الجبل. كما أن المنظمات الفلسطينية، خاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قدمت القسم الأكبر من السلاح الذي خيضت به معركة الجبل ضد العدو المركب، الإسرائيلي الميليشياوي الإنعزالي، والمدعوم من النظام اللبناني، وبإشراف ودعم أميركي.

 

إن حرب الجبل التي لم تأخذ حقها في أدبيات المقاومة اللبنانية هي التي أسقطت إتفاق 17 أيار، وأجبرت العدو الإسرائيلي على التقهقر، إذ كانت خسائره البشرية في الجبل هي الأعلى حتى انسحابه من تلك المنطقة. ولقد تم ذلك بدعم ومساندة بعض قوى المقاومة الفلسطينية، وبدعم ومساندة من القوات العربية السورية.

 

بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي سلم مواقعه العسكرية في جميع المحاور، خاصة في بحمدون، إلى "القوات اللبنانية"، وسلم مواقع أخرى إلى الجيش اللبناني الفئوي، مثل منطقة الشحار... انفجرت المعارك الطاحنة في الجبل خاصة، لتحديد هوية لبنان ومستقبله وعلاقاته مع إسرائيل. وكان لقوات الثورة الفلسطينية دور أساسي فيها. فسال الدم الفلسطيني على جميع محاور منطقة عاليه بشكل خاص.

 

لم تترك قوى المقاومة الفلسطينية مواقعها النضالية في لبنان نتيجة الاجتياح الإسرائيلي، وبعد خروجها من بيروت، بل استمرت في نضالها فوق الأرض اللبنانية للمساهمة في تثبيت حرية واستقلال وعروبة لبنان, و حقها في الوجود فوق أرضه. إن تاريخ النضال الفلسطيني في لبنان هو الذي يسعر العداء للوجود الفلسطيني فوق أرضه عند القوى اليمينية الطائفية المعادية لعروبة لبنان وحريته. وهو الذي يجعل إسقاط السلاح الفلسطيني في لبنان هدفاً أساسياً لدى صناع القرار 1559 ومؤيديه من اللبنانيين.

 

وربما كانت رفقة السلاح والنضال اللبناني الفلسطيني في الجبل هي التي جعلت منطقة الجبل خاصة هي الأكثر تعاطفاً والأكثر حرصاً على الوجود الفلسطيني في لبنان، كما أظهرت بعض استطلاعات الرأي العام اللبناني تجاه الفلسطينيين وقضاياهم وحقوقهم الإنسانية المهدورة.

 

وإذا كانت الطائفة السنية هي الأكثر اختلاطاً وتمازجاً مع الفلسطينيين بسبب تداخل وقرب السكن، وبسبب وحدة المذهب، خاصة مع سكان مخيمات اللاجئين، وبالتالي فهي شديدة التعاطف مع قضاياهم وحقوقهم المدنية والاقتصادية، فإن حالة من التوجس و العداء قد نشأت بين السكان المحليين و الوجود الفلسطيني المسلح في أماكن أخرى. هذه الحالة قد نشأت ابان الوجود الفلسطيني المسلح في مناطق عدة من قرى الجنوب. إن هذه العلاقات أفسحت المجال لصدامات دامية بين حركة أمل الشيعية والمخيمات الفلسطينية في ما بعد.

 

ففي أيار 1985 بدأت المناوشات بين ميليشيا حركة أمل المدعومة سورياً والمخيمات الفلسطينية، في بيروت والجنوب (حيث اندحرت قوات الاحتلال الإسرائيلي). واستمر القتال عبر ثلاث جولات من العنف، حتى سنة 1987. ولم تفلح حركة أمل في السيطرة على أي من المخيمات الفلسطينية. ولكن الحصار والقصف المستمر على المخيمات أدى إلى تدمير مخيم صبرا تدميراً كاملاً، كما تم تدمير حوالي 80 بالمئة من مخيم شاتيلا، وحوالي 50 بالمئة من مساكن مخيم برج البراجنة. كما تسبب القصف والحصار في مقتل حوالي 2500 فلسطيني من سكان المخيمات. وتم تدمير البنية التحتية، خاصة المستشفيات والمدارس وغيرها من المؤسسات الخدماتية. وفي ربيع 1987 تم إيقاف القصف على المخيمات في بيروت واتخذ الجيش السوري العائد إليها مواقع حول المخيمات. كما تم إيقاف قصف مخيمات الجنوب بعد ذلك ببضعة أشهر.

 

لقد عانى اللاجئون الفلسطينيون، خاصة في لبنان، عذابات شديدة منذ بداية السبعينيات وحتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. وتعرضت خلالها مخيماتهم إلى الاجتياح والقصف والتدمير والحصار والمجازر. "فبين سنتي 1972 و1988، طرد 90 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين بالقوة من منازلهم مرة واحدة على الأقل، وطرد ثلثاهم مرتين، بينما طرد 20 بالمئة منهم ثلاث مرات فأكثر"[7].

إن هذه المعاناة الطويلة وما لاقاه سكان المخيمات من سياسات رسمية جائرة من قبل السلطات اللبنانية أقنع الفلسطينيين بأنهم يعيشون في محيط معادٍ، وأن البندقية الفلسطينية هي الضمانة الوحيدة لحمايتهم وتأمين حريتهم السياسية، ولو في داخل المخيمات التي تحولت إلى محاجر لهم.

 

 

المرحلة الثالثة

تبدأ المرحلة الثالثة في العلاقات اللبنانية الفلسطينية بعد اندحار قوات الاحتلال الصهيوني، واستعادة السلطة اللبنانية سيطرتها على معظم الأراضي اللبنانية. تميزت هذه المرحلة بإعادة حصار المخيمات الفلسطينية وممارسة الضغوطات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على الوجود الفلسطيني في لبنان، بوسائل شتى وغير إنسانية، بغية دفع الفلسطينيين إلى الرحيل عن الأرض اللبنانية.

 

توجد وثيقتان مهمتان تحددان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، بجانب شرعة حقوق الإنسان، وحقوق اللاجئين التي أقرتها القوانين والأنظمة الدولية. تنكرت الحكومات اللبنانية المتعاقبة لهذه المواثيق والشرائع الدولية. وأما الوثيقتان فهما "بروتوكول الدار البيضاء" و"اتفاقية القاهرة". وقعت الحكومة اللبنانية على "بروتوكول الدار البيضاء" الذي أقرته جامعة الدول العربية في العام 1965. يعطي هذا البروتوكول اللاجئين الفلسطينيين حق العمل وحرية التنقل والإقامة. ولكن هذا البروتوكول لم يطبق في لبنان بكامله في أي وقت. أما "اتفاقية القاهرة" فقد ألغاها مجلس النواب اللبناني، من طرف واحد، في أيار من العام 1987، مع أنها موقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1969، وهي كانت تكفل، في قسم منها، حق الفلسطينيين المدنيين بالعمل والتنقل والإقامة.

 

وبعد اتفاق الطائف، أصدرت السلطات اللبنانية توجيهات صارمة إلى منظمة "الأونروا" المعنية برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين بمنع إعادة إعمار أو ترميم البنى التحتية، مثل المستشفيات والمدارس والمساكن، التي دمرتها الحروب المتتالية في المخيمات، خاصة في مخيمات بيروت، ومنعت دخول مواد البناء إليها.

وبحجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة داخل المخيمات، حاصرها الجيش اللبناني، وأغلق بالسواتر الترابية مداخلها، وأبقى على مدخل واحد لكل مخيم، وذلك ليخضع الدخول إليها والخروج منها لمراقبته، وخاصة المخيمات الواقعة في الجنوب اللبناني، بغية دفع الفلسطينيين للرحيل منها إلى خارج لبنان، أو على الأقل لإبعادهم إلى مخيمات الشمال البعيدة عن الحدود الفلسطينية. بدأ الجيش بحصار مخيمات صور الثلاثة عام 1991، ثم امتد الحصار إلى مخيمات صيدا عام 1999. وفي هذا الإطار شجعت السلطات اللبنانية منظمة "الأونروا" لبناء مساكن جديدة في مخيم نهر البارد، بدل بعض المساكن المدمرة في مخيمات بيروت والجنوب.

 

ومع توقيع اتفاقية أوسلو في أيلول 1993، تصاعدت دعوات التحريض على الفلسطينيين وأعمال التحريض عليهم، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، وأخذت أصوات عديدة تطالب علناً بترحيلهم من لبنان وتضييق سبل العيش عليهم، وهم محرومون أصلا من ممارسة العمل في 64 مهنة[8]. وظهرت إلى العلن خطط لترحيل الفلسطينيين من لبنان، إلى العراق أو كندا أو أوستراليا، المهم إخراجهم من الأرض اللبنانية. إحدى هذه الخطط طرحها النائب والوزير السابق فارس بويز. ويقول بويز أن هذه الخطة هي من تصميم بعض الدول الإقليمية والدولية وتختصر بعدة بنود هي:

أ‌-       نقل الراغبين من اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حوالي 20 في المئة من الفلسطينيين.

ب‌-   نقل من لهم أقارب في بعض الدول العربية وإسرائيل إلى تلك الدول تحت شعار "لم شمل الأسر"، حوالي 25 في المئة من الفلسطينيين.

ت‌-   تساهم بلدان الشرق الأوسط في حل مشكلة التوطين، عبر منح الفلسطينيين فرص عمل وإمكانية استقرار فيها.

ث‌-   ترحيل باقي الفلسطينيين من لبنان إلى دول المهاجر مثل كندا والولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا ودول أوروبا الغربية[9].

وفي 22 أيلول 1995 جعلت الحكومة اللبنانية الحصول على تأشيرات دخول (فيزا) إجبارية للاجئين الفلسطينيين الساكنين في لبنان، ويحملون وثائق سفر لبنانية. "وذلك يعني أن الفلسطينيين الذين يغادرون البلد، يواجهون إمكانية عدم السماح لهم بالعودة إليه"[10]. ألغي هذا التدبير في 12 كانون الثاني 1999، بعد الضجة السياسية التي أثيرت حوله في داخل لبنان وخارجه.

 

وفي سنة 2001 تم تعديل قانون تملك الأجانب للعقارات بهدف منع الفلسطينيين من تملك المساكن في لبنان. فقد تمت إضافة فقرة إلى المرسوم رقم 1164 المؤرخ في 4/1/1969، تقول: "لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان، لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص، إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور، لجهة رفض التوطين".

فلبنان لم يعترف حتى اليوم بمنظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي، ولم يسمح بإقامة بعثة دبلوماسية لها فيه، بالرغم من اعتراف معظم الدول العربية والأجنبية بهذه المنظمة. وبالتالي فإن الفلسطينيين في لبنان لا ينتمون إلى دولة معترف بها، ولا يملكون حق امتلاك المساكن فيه. ويعلق الكاتب سهيل الناطور على ذلك قائلا: "إن السياسيين اللبنانيين بدؤوا اتخاذ إجراءات قانونية ذات مفاعيل مؤثرة في الحياة اليومية لمجموع اللاجئين على الأرض اللبنانية في اتجاه حملهم على المغادرة، أو على الأقل إغلاق أفق أي مستقبل لهم في لبنان، بأية صيغة كانت، مما يمنعهم من التفكير في البقاء، واختيار لبنان، إذا ترك لهم حق تحديد بلد مضيف"[11].

 

وحسب هذا القانون، يكون حق التوريث قد انتفى بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والذين يملكون العديد من المساكن خارج المخيمات. "كان اللاجئون يحصلون على شهادة وفاة من محكمة دينية تسمي ورثة المتوفي، وبعد ذلك يسجلون العقار لدى الحكومة (باسم الوريث الشرعي). أصبح هذا الانتقال غير قانوني. وأحد المؤسسات المعترضة (على هذا القانون)، غرفة صيدا التجارية، استباقا للمشاكل التي ينتظر بروزها، نتيجة أن 60 في المئة من العقارات في صيدا يملكها فلسطينيون"[12].

 

غير أن الميسورين من الفلسطينيين، يملكون جوازات سفر أجنبية أو لبنانية تحميهم من هذا القانون العنصري المناقض لشرعة حقوق الإنسان، التي وقعها لبنان، بل كان مندوبه، شارل مالك، أحد واضعيها. تقول المادة الأولى في تعريف التمييز العنصري: "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق، أو اللون، أو النسب، أو الأصل القومي أو الإثني، يستهف أو يستتبع تعطيل، أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة اليومية".

 

فالسلطة اللبنانية، ونتيجة ضغوطات قسم كبير من القوى المسيحية اللبنانية، اتجهت إلى التضييق الشديد على اللاجئين الفلسطينيين المسلمين في لبنان بغية تهجيرهم منه، لأي بلد في العالم، خوفا من توطينهم فيه، مما يزيد الخلل الديمغرافي بين الطوائف، وخاصة بعد اتفاقات أوسلو، واتفاق بيلين- أبومازن. فهذه الاتفاقات تسقط عمليا حقوق الاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم المحتل. فوثيقة بيلين- أبومازن، الموقعة في تشرين الأول 1995، "تعترف بأن شروط الولوج إلى السلم والتعايش في الفترة المقبلة، كما الحقائق التي خلقت على الأرض منذ سنة 1948، جعلت تنفيذ حق العودة غير ممكن عمليا"[13].

 

ولقد برز اتجاه بين النخب المسيحية اللبنانية، عبر عنه العديد من الصحفيين، أمثال جبران تويني وفارس خشان، وبعض أساتذة الجامعات، مثل الأب عبو وجان شرف، وبعض النواب من أمثال نعمة الله أبي نصر، وبطرس حرب... "يرى أن لبنان يشكل أمة خاصة، فعلى الرغم من التزامهم الدستور اللبناني الجديد المكرس لعروبة لبنان، فأن تفسيرهم العملي أقرب إلى اعتبار الأمة اللبنانية لا تمت إلى الأمة العربية والقومية العربية إلا بصلة الجوار... وبذا يكون الفلسطينيين شعبا آخر وقومية أخرى، يستمر العمل للتخلص من وجودهم في لبنان" كما يقول سهيل الناطور.

ويعترف شكيب قرطباوي، نقيب سابق للمحامين في بيروت، بتعارض منع تملك الفلسطينيين مساكن في لبنان، مع شرعة حقوق الإنسان، ولكنه يغلّب المخاوف السياسية، الطائفية والمذهبية على شرعة حقوق الإنسان، وبحجة مساواة تملك المساكن بالتوطين، فيقول: "لا شك أن هذا القانون له جانب أساسي سياسي بالإضافة إلى جانبه القانوني. لا شك أنه يحوي مخالفة للمواثيق الدولية، لكن أيضا إن غيرناه، سيكون هناك مخالفة للدستور اللبناني الذي يمنع التوطين... أن مبدأ لا توطين أهم بكثير من تغليب مصلحة حقوق الإنسان"[14].

 

أما القول أن الدستور أهم من شرعة حقوق الإنسان، فبحاجة إلى نقاش. ولكن التذرع بمخالفة الدستور لا سند له، إذ أن إعطاء الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية التي تفرضها شرعة حقوق الإنسان، تختلف كليا عن إعطاء الجنسية اللبنانية للاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون أنفسهم قبل أن يرفضه نقيب المحامين السابق. وفي هذا الصدد يقول مجلس المفتين في لبنان، في بيان يدعو فيه إلى إعادة النظر بهذا القانون: "لجهة حرمان الفلسطينيين المقيمين في لبنان من حقوقهم الشرعية في الإرث وتملك الشقق السكنية التي تقيهم الحر والبرد، وتوفر لهم المأوى، والتي لا صلة لها بموضوع التوطين لا من قريب ولا من بعيد"[15].

 

إن حرمان اللاجئين الفلسطينيين من كامل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، يشكل جوهر سياسة الطبقة الحاكمة في لبنان بغض النظر عن انتماءاتها الطائفية والمذهبية. هذه السياسة نابعة من بنية الطبقة الحاكمة وارتباطاتها العضوية بمراكز النظام الرأسمالي العالمي، وخاصة أميركا وسياساتها الأمبريالية. فها هو رئيس الوزراء السني، رفيق الحريري، يقول في تصريح له لجريدة إنترناشيونال هيرالد تربيون في عددها الصادر بتاريخ 21 كانون الأول 1998 ما يلي: "لبنان لم ولن يسمح بدمج الفلسطينيين، لن يحصلوا على حقوق مدنية واقتصادية أو حتى أذونات عمل".

 

أما رئيس الجمهورية، آميل لحود، فيصف المخيمات الفلسطينية على أنها "قنابل موقوتة"[16]، ولا أحد يحب أن يجلس على قنبلة موقوتة. فقد شكلت المخيمات منذ الخمسينيات بؤرا ثورية نشطة، وأرضا خصبة للأحزاب اللبنانية القومية واليسارية، العربية التوجه، الداعية للتغيير الشامل، وساهمت هذه الجماهير في كل التحركات الشعبية الوطنية، من دعم سياسات عبد الناصر العربية الوحدوية المعادية للأحلاف الاستعمارية، ولاستعادة فلسطين المغتصبة، إلى تأييد ثورة الجزائر، إلى المشاركة في كل النضالات الشعبية، السلمية وغير السلمية، وهذا ما يخيف الطبقة الحاكمة في لبنان، ويهدد مصالحها وارتباطاتها الخارجية.

 

وتختلف النظرة للوجود الفلسطيني بين الأحزاب اللبنانية. فبينما يرفع حزب "حراس الأرز" شعار "لن يبقى فلسطيني فوق أرض لبنان"، يوزع فرع الخدمات الاجتماعية في حزب الله مساعدات دورية على السكان الأكثر حاجة في المخيمات الفلسطينية، ويدعم نضال المنظمات الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني. وبينما تقف الأحزاب القومية واليسارية والإسلامية بجانب الحقوق الفلسطينية المهددة في لبنان، تقف الأحزاب اليمينية الإنعزالية ضد إعطاء أي حق للفلسطينيين سوى حق الموت أو الرحيل. وبينما ترتفع نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين وحقوقهم بين أبناء الطائفتين الدرزية والسنية ثم الشيعية، نجد أن نسبة التعاطف هذه تتناقص كثيرا بين أبناء الطوائف المسيحية عامة والمارونية والكاثوليكية بشكل خاص، حسب دراسة أجربت بالعينة الإحصائية في لبنان.

 

إن مجمل السياسات التي مورست ضد الوجود الفلسطيني في لبنان، وخاصة تجاه المخيمات، أدت إلى تدهور أوضاع المخيمات وحياة سكانها إلى مستويات غير إنسانية. فقد انخفض متوسط دخل الأسرة الفلسطينية في لبنان، إلى حولي ثلث معدل دخل الأسرة اللبنانية، وتدنت نسبة العاملين من القوى العاملة الفلسطينية إلى 42 في المئة من مجمل القوة العاملة، وأربعة وعشرين في المئة من مجموع الأسر الفلسطينية ليس لديها أي فرد عامل. وتسعون في المئة من الأسر الفلسطينية في المخيمات، تتلقى حوالات مالية من مصادر متعددة أهمها الأونروا (28 في المئة من الأسر)، من الخارج أي من أقارب عاملين في الخارج، 21 في المئة، من أقارب عاملين داخل لبنان، 18 في المئة من الأسر.

يبلغ متوسط مساحة المسكن في المخيمات 40 مترا مربعا، وهو يشتمل على 2,2 غرفة، وبمعدل 5,6 أشخاص لكل مسكن. 57 في المئة من المساكن موصولة بشبكة صرف صحي، و50 في المئة غير متصلة بشبكات المياه.

تبلغ نسبة الأطفال غير المسجلين في المدارس 21 في المئة من الأطفال بين سن السابعة والثامنة عشر، وخمسة في المئة من المسجلين في المدارس لم يذهبوا إليها. إن تسعة في المئة من الذكور و22 في المئة من الإناث في سن الخامسة عشر وما فوق، لم يذهبوا قط إلى المدارس، ولم يكمل المرحلة الثانوية منهم إلا 12 في المئة، وهي نسبة تمثل أقل من ثلث نسبة الفئة ذاتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تبلغ النسبة هناك حوالي 39 في المئة، وأقل من نصف النسبة عينها في الأردن، إذ تبلغ النسبة 28 في المئة.

إن خمسة في المئة من الأطفال في بين العام الأول والثالث من العمر، يعانون من سوء التغذية، مقابل أقل من واحد في المئة، من نفس الفئة العمرية، في مخيمات الأردن. ونتيجة قصف المخيمات، وتدمير بنيتها التحتية والخدماتية، انخفض عدد أسرة المستشفيات المتاحة للفلسطينيين في لبنان بين عامي 1989 و1995 أكثر من النصف، من 0,65 سرير إلى 0,25 سرير لكل ألف شخص، في الوقت الذي يعاني فيه واحد من كل خمسة أشخاص من مشكلة صحية مزمنة.[17]

 

 

مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان

إن جميع القوى السياسية اللبنانية والفلسطينية تتفق على رفض توطين الفلسطينيين في لبنان، ولأسباب مختلفة، بل متناقضة في بعض الأحيان. فبينما ترفض المنظمات الفلسطينية والقوى السياسية اللبنانية الوطنية، من يسارية وقومية وإسلامية، مبدأ التوطين، إصرارا على حق العودة، وصيانة لهذا الحق، وتصر على إعطاء الفلسطينيين اللاجئين كامل حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، ترفض القوى السياسية اليمينية الإنعزالية، ليس مبدأ التوطين فقط، بل ترفض إعطاء الفلسطينيين في لبنان أيا من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والمدنية، وتدعو وتعمل على ترحيلهم من لبنان لأي مكان على الكرة الأرضية، بسبب المخاوف السياسية والديمغرافية الطائفية كما ورد أعلاه.

 

إن ظهور المقاومة الفلسطينية منذ أوائل الستينيات، أدى إلى تحولات فكرية ونضالية عميقة في صفوف الجماهير الفلسطينية. فبالرغم من الحماس الشعبي اللبناني للمقاومة وانخراط العديد من اللبنانيين في صفوفها بخلفية قومية أو دينية أو يسارية، وبالرغم من التحالف بين فصائل المقاومة الفلسطينية وأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، فقد حدث شرخ عميق في التوجهات الفكرية والتنظيمية والنضالية بين اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان.

فقد استولى النهج والقكر الإقليميان على الأكثرية الساحقة من الجماهير الفلسطينية ومنظماتها، إذ انحصر الهم الفلسطيني في النضال ضد العدو الصهيوني، بمعزل عن الهموم القومية والوطنية اللبنانية. وامتص الهم الفلسطيني بمفهومه الضيق معظم الجماهير الفلسطينية، وأصبحت مهمة تحرير فلسطين مهمة فلسطينية محضة من حيث التوجه النضالي والقرار، وعلى الآخرين واجب الدعم والمساندة خارج إطار المشاركة في القرار. ولقد تعارضت هذه التوجهات في كثير من الأحيان مع الهموم القومية الشاملة، وحتى مع الهموم الوطنية اللبنانية. إن الهم الوطني الفلسطيني بمفهومه القطري الضيق امتص معظم الجماهير الفلسطينية، وأصبحت بعض الهموم الفلسطينية تتعارض في كثير من الأحيان مع الهموم الوطنية الأخرى، وربما ايضا مع الهم القومي الشامل. أصبح المطلوب من لبنان أن يشكل طريقا ومنطلقا للفدائيين الفلسطينيين المتوجهين نحو الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. وسقط الشعار الذي كان مرفوعا حتى بداية الستينيات من القرن الماضي والذي يقول بأن طريق تحرير فلسطين يمر عبر جميع العواصم العربية، وخاصة تلك المحيطة بفلسطين، بمعنى أن مهمة تحرير فلسطين هي مهمة قومية تستدعي تحرير إرادة الجماهير والحكومات العربية من الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية– ليس بواسطة الفلسطينيين، بل بحركة شعوبها ومناضليها- حتى تستطيع القيام بدورها وواجبها في تحرير فلسطين. فإسرائيل، أو الكيان الصهيوني، يهدد المستقبل العربي والوجود العربي بمعنى ما. وإسرائيل منذ وجودها، وبأطماعها التوسعية، احتلالا وهيمنة، شكلت قاعدة ثابتة استعمارية وإمبريالية، بجانب كونها استعمارا استيطانيا وكيانا عنصريا مغتصبا. فقد أظهرت التجربة الوطنية الفلسطينية منذ بداية الستينات حتى يومنا الراهن النتائج التالية:

 

1-إن فكرة حرب الغوار، أو الحرب غير المتوازية، أثبتت فعاليتها من حيث المبدأ، كبديل عن حروب الجيوش النظامية، حتى إبان وجود ثنائية قطبية عالمية، مما مكن الأنظمة العربية الراديكالية المتحررة من الهيمنة الغربية، من الاتكاء على المعسكر الاشتراكي لمواجهة التوسعية الإسرائيلية المدعومة كليا من قبل مراكز النظام الرأسمالي العالمي، والأميركي منه بشكل خاص. ولكن فكرة إسقاط كل دور للجيوش العربية النظامية كان فرضية خاطئة، عسكريا وأمنيا وسياسيا.

 

2-إن فكرة تحرير فلسطين عبر حرب الغوار من قبل اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، وعبر أراضي الدول العربية المحيطة بفلسطين، ثبت عدم جدواه، ومحدودية مردوده وفعاليته. فقد استطاعت إسرائيل أن تقفل حدودها إلى حد بعيد في وجه تسلل الفدائيين، إذ أصبح معظمهم يسقطون في محاولة عبور الحدود، كما اصطدمت قوى الثورة الفلسطينية مع الأنظمة العربية غير القادرة على تحمل أعباء العمل الفدائي الفلسطيني وردود الفعل الإسرائيلية و الامبريالية تجاهها. فقد منعت الحكومات الراديكالية الممسكة بالأمن وذات القدرات العسكرية حرية العمل الفدائي المنطلق من أراضيها. أما الحكومات الضعيفة نسبيا، مثل الأردن ولبنان، فقد اصطدمت مع العمل الفدائي. وكانت التجربة الأبرز والأطول في هذا الإطار التجربة اللبنانية، بكل نجاحاتها وإخفاقاتها ونتائجها على لبنان كما على الفلسطينيين.

 

3-أثبتت التجربة أن أي نظام عربي لن يسمح باستخدام أراضيه كمناطق تدريب وإعداد وانطلاق وعبور للعمل الفدائي الفلسطيني، باستقلال عن قراره ورؤيته وبرنامجه وخارج إشرافه المباشر، وبالتعارض مع مصالحه الوطنية السياسية والأمنية والاقتصادية، كما يفهمها هو. وبالتالي، فإن إصرار العمل الفدائي الفلسطيني على استقلاليته، وضعه في صدام مع جميع الأنظمة العربية. وقد سارعت بعض الأنظمة العربية الراديكالية إلى إقامة تنظيمات فلسطينية مقاتلة، ملحقة بها وباستراتيجيتها، لتبرير معارضتها لبقية فصائل العمل الفدائي الفلسطيني، وأصبح هم هذه الأنظمة تطويع العمل الفدائي لاستراتيجيتها وقراراتها السياسية.

 

4- أثبتت التجربة أن استراتيجية "التوريط" التي اتبعتها منظمة فتح منذ بداية الستينات، كانت فكرة خاطئة ومضرة. فقد أثبتت تلك الاستراتيجية المبنية على فرضية أن الأنظمة العربية، بما فيها نظام عبد الناصر، قادرة على تحرير فلسطين، ولكنها غير راغبة في ذلك، أو بالأحرى لعدم رغبتها واستعدادها لدفع ثمن التحرير. وعلى الفلسطينيين بالتالي شن هجمات على إسرائيل لدفع الأنظمة العربية للتصدي لردود الفعل الإسرائيلية، وتوريطها في معركة تحرير فلسطين، حيث يكون الفلسطينيون هم رأس الحربة في معركة التحرير. ولكن ردود فعل الأنظمة العربية كان التوجه إلى قمع الفلسطينيين لا التصدي إلى ردود الفعل الإسرائيلية.

 

5-أثبتت التجربة أن حرب الغوار المنطلقة من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالرغم من الحصار الرسمي العربي عليها، هي الأقدر والأجدى على الصعيدين السياسي والعسكري والإعلامي، في الضغط على الكيان الصهيوني وعزله نسبيا على الصعيد العالمي بالرغم من الدعم الأميركي الكامل له، وخاصة بالنسبة لشعوب العالم وحركاته التحررية.

فالدعم الحقيقي للمقاومة الفلسطينية يأتي من الشعوب، ومن الأحزاب وفصائل المقاومات العربية وليس من الحكومات الخاضعة إجمالا للهيمنة الأميركية، أو الخائفة من العصا الأميركية الغليظة. أما الانتصار النهائي لهذه المقاومة فمرهون بقدرة المقاومات العربية الأخرى, وخاصة المقاومة العراقية، على الانتصار ودحر العدوان الإمبريالي الأميركي.

 

6-إن التطورات السياسية على الصعيد العالمي، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وارتفاع منطقة الشرق الأوسط من حيث الأهمية، لتصبح المنطقة ذات الأولوية بالنسبة للاستراتيجية الأميركية العالمية، وذلك لاحتوائها على أكثر من 65 في المئة من الاحتياطي النفطي العالمي، ولموقعها الاستراتيجي، جعل إسرائيل أحدى الولايات الأكثر رعاية من قبل دولة الولايلت المتحدة. فإسرائيل بطبيعة تكوينها البشري، كما بثقافة سكانها اليهود وعلاقاتها العضوية بالغرب، هي الدولة الأكثر ثباتا وارتباطا بالغرب الاستعماري والإمبريالي، عكس دول المنطقة الأخرى التي حاولت أميركا اتخاذها كقواعد ثابتة لها، مثل إثيوبيا وإيران والعراق وتركيا. وبالتالي فإن تحرير فلسطين أصبح يعني بوضوح هزيمة الأمبريالية الأميركية ومخططاتها في الشرق العربي خاصة وعلى صعيد الشرق الأوسط الكبير، كما تسميه أميركا، كمنطقة استراتيجية واحدة بالنسبة للإمبريالية الأميركية. واتضح أكثر من أي يوم مضى، أن معركة تحرير فلسطين، وبكلام آخر، إسقاط النظام الصهيوني العنصري، والقاعدة الإمبريالية الكبرى، هي مهمة قومية وإسلامية ثم عالمية، وليست مهمة فلسطينية داخلية فقط. فالمقاومة الفلسطينية لا بد أن تكون رأس الحربة وجزءاً أساسيا متقدما من مقاومة عربية أسلامية فاعلة، في لبنان والعراق، وقابلة للتمدد، كفكر ونهج تحرري شامل، إلى كافة أرجاء الوطن العربي، لإسقاط الأنظمة التابعة والراضخة أمام الهجمة الإمبريالية. فإسقاط نظام ورثة السادات في مصر مثلا، وعودة مصر لتكون محورا لإعادة بناء النظام الإقليمي العربي المتصدي للإمبريالية ومخططاتها، كما انتصار المقاومة غير النهائي في بعده العسكري في لبنان، يشكل رافعة سياسية وفكرية ونضالية للمقاومة في فلسطين. كما أن انتصار المقاومة في العراق، والذي أصبح في حكم الحتمي، رغم المخاطر المذهبية والإتنية القابلة للإنفجار، سيدفع المقاومة الفلسطينية إلى آفاق جديدة، ويفتح أمامها باب الانتصار الشامل.

 

7-إن التطورات الفكرية السابق ذكرها والمسيطرة على عقل معظم الفلسطينيين في لبنان بصورة خاصة، كما مسلسلات الحرب اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي، قد أدى إلى انقطاع شبه تام بين الحركة النضالية الفلسطينية، وبين الأحزاب التي شكلت الحركة الوطنية اللبنانية في السابق بشكل خاص. فقد انفصل النضال الفلسطيني إلى حد بعيد جدا عن نبض الحياة السياسية اللبنانية. وبكلام آخر، تم عزل الفلسطينيين في لبنان سياسيا، كما لم يتم عزلهم منذ سنة 1948. إن هذه العزلة شبه التامة ساهمت وتساهم في هدر حقوق الفلسطينيين، وسكان المخيمات منهم بشكل خاص، وتجعل تمرير التشريعات والقوانين والأنظمة العنصرية والجائرة بحقهم أمرا ممكنا. كما أن هذه العزلة تفتح المجال أمام تهجيرهم من لبنان. بعد إسقاط السلاح الفلسطيني في المخيمات، وإعادة سيطرة المخابرات وقوى القمع الرسمية إليها، وبالتالي إعادة أجواء المخيمات إلى ما كانت عليه قبل انطلاقة المقاومة الفلسطينية.

 

إن إعادة العلاقات النضالية بين الأحزاب الوطنية والمقاومة اللبنانية، مع المقاومة الفلسطينية وفصائلها المتقدمة، ضرورة للطرفين، ولأسباب عدة أهمها:

أ-إن المقاومة الفلسطينية وسلاحها في المخيمات، بل الوجود الفلسطيني في لبنان، سيكون مستهدفا في المرحلة المقبلة، حسب القرار 1559، وحسب مشاريع التوطين التي تعدها أميركا وإسرائيل تحت شعار الحلول السلمية في الشرق الأوسط. إن تلاحم القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية مع المقاومة الفلسطينية يشكل الضمانة الأساسية، وربما الوحيدة، لإفشال هذه المخططات.

ب-إن استعادة الفلسطينيين لحقوقهم المهدورة، لا يمكن أن يتم إلا عندما تصبح المطالب والحقوق الفلسطينية الاجتماعية والاقتصادية، جزءاً من برنامج عمل القوى الوطنية والإسلامية في لبنان.

ج-إن هذا التحالف المطلوب يفرض على القوى الثورية الفلسطينية، أن تغير رؤيتها واستراتيجيتها في الخارج بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، وإن تتبنى وتلتزم المشروع الوطني التغييري والإنقاذي للبنان، بإفقه والتزاماته العربية عامة، وبالقضية الفلسطينية بشكل خاص، كمحور أساسي من محاور النضال العربي القومي والإسلامي، التقدمي الديمقراطي الإنساني.

 

ثانيا: على صعيد القوى الوطنية والإسلامية

أ-على هذه القوى أن تحسم مواقفها من قضايا الفلسطينيين في لبنان، بتوضيح رؤيتها لحقوق الفلسطينيين في لبنان، وجعلها جزءاً من برامجها النضالية المطلبية، وذلك يعني أولا رفض التوطين لصالح العودة، وليس بهدف التهجير من لبنان. فتهجير الفلسطينيين من لبنان مرفوض كما التوطين وإعطاء الجنسية اللبنانية.

ب-على القوى الوطنية والإسلامية أن تربط في برامجها بين ما هو وطني لبناني، وما هو قومي وإسلامي، وما هو ذو بعد تحرري عالمي. فلبنان، الدولة الأكثر انكشافا، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، في الشرق العربي، لا يمكن أن يقرر سياساته ومصيره بالانفصال عن محيطه العربي خاصة والإقليمي بشكل عام. إن النضال الوطني اللبناني، الهادف إلى انتشال لبنان من مأزقه البنيوي، يصطدم بالهجمة الإمبريالية على صعيد المنطقة العربية الإسلامية، والشاملة لجميع المستويات السياسية والدبلوماسية والثقافية والأمنية والتجارية والاقتصادية، كلها متشابكة وفي الوقت ذاته. وبالتالي يصبح دعم المقاومين لهذه الهجمة في فلسطين والعراق بشكل خاص، بالتعاون والتنسيق مع كافة قوى التغيير المعادية للإمبريالية على كافة الصعد المذكورة إعلاه، جزءاً من برنامج النضال الوطني الداخلي في لبنان. أما رفع شعار لبنان أولا، فيعني عمليا "أميركا أولا" و"إسرائيل أولا"، ويصبح الركوع أمام الهجمة الإمبريالية الصهيونية هي السياسة المطلوبة، كما هي الحال في معظم الأقطار العربية.

ج-المطلوب بإلحاح على الصعيد اللبناني، صياغة برنامج تغييري واضح لجبهة وطنية عريضة، يحدد الحلول المطلوبة على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بغية انتشال لبنان من مأزقه التاريخي.



[1] الخالدي، محمد علي: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2002، بيروت، ص 2.

[2] الحسيني، مأمون: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بين مطرقة المأساة المستمرة وسندان ضياع حق العودة، دراسات باحث، السنة الأولى، ربيع 2003، ص 139.

[3] الخالدي، مرجع سابق، ص 23.

[4] المرجع السابق، ص 3.

[5] المرجع السابق، ص 4.

[6] المرجع السابق

[7] المرجع السابق، وعن دراسة للمركز اللبناني للدراسات.

[8] الحسيني، مأمون. المرجع السابق- ص 139.

[9] نفس المصدر ص 140.

[10] نفس المصدر

[11] الناطور، سهيل. مجلة الدراسات الفلسطينية. ربيع 2000 ص 125.

[12] Sayigh, Rosemary  o.b.c.l   p.23   

[13] Sayigh, Rosemary, Palestenian Refuges In Lebanon, Inplememtation, Transfer or Return? Midle East Policy. Vo1 v111   No 1 March 2001 P. 96

[14] الناطور، سهيل. المرجع السابق ص 128.

[15] نفس المصدر. ص 130.

[16] Sayigh, Rosemary  ref(2) ob.c.l

[17] الخالدي، المرجع السابق ص 17-21.

 

غالب أبو مصلح