طاولة الحوار السياسي الداخلي اللبناني "محلية أم مستوردة"؟ |
د. حمد الطفيلي
أستاذ جامعي من لبنان، منسق هيئات ثقافية واجتماعية وإنمائية
إن المواقف المتشنجة والتصريحات العلنية النارية للأطراف السياسية في لبنان لا توحي بأن الحوار السياسي المرتقب، سواء داخل مجلس النواب أو خارجه،سيصل إلى الوفاق الوطني المنشود، أو يحقق توافقاً جدياً حول إدارة حكم البلاد بشفافية، بعيداً عن إملاءات خارجية واتهامات لهذا الفريق أو ذاك بارتباط خارجي.
إن عقدة الخوف المتنامية عند الأطراف السياسية اللبنانية قلص قدراتها الاستيعابية لفهم بعضها البعض، وجعل التشكيك وفقدان الثقة متبادلاً بين هذه الأطراف السياسية التي تحولت إلى معسكرين متقابلين يرفعان شعاراً واحداً هو معرفة حقيقة اغتيال الرئيس الحريري، ووقف مسلسل الاغتيالات السياسية.
يتمثل المعسكر السياسي الأول بفريق الأغلبية النيابية وقوى الرابع عشر من آذار الذي يشيد بإنجازاته في التحرير والسيادة والاستقلال وباتهامه المباشر لسورية وأجهزتها الأمنية بكل محاولات التفجير والجرائم التي ارتكبت في لبنان منذ 15 عاماً مضت حتى اليوم.
كما يتراءى لهذا المعسكر بأن سورية لم تتراجع عن سياسة التفجير والاغتيال لرموز هذا المعسكر السياسي الذي ناصبها العداء وسبب لها حالة عدائية دولية وإقليمية وحالة إرباك واضطراب من الداخل، وذلك جراء صدور القرار 1559 والقرارات الملحقة به والتي أدت إلى اتهامها مباشرة بعملية اغتيال الرئيس الحريري والتحقيق الدولي الذي يضيق الخناق على سورية وقادتها الأمنيين والسياسيين وصولاً إلى كشف الحقيقة ومحاكمة المجرمين أمام المحاكم الدولية.
ويستند هذا المعسكر السياسي اللبناني على دعم المجتمع الدولي ووقوفه إلى جانب القرارات الصادرة عنه وتنفيذ بنودها بدءاً من كشف الحقيقة ومحاكمة المجرمين وصولاً إلى ترسيم الحدود الدولية بين لبنان وسورية وفتح سفارة معتمدة لكل من البلدين وإطلاق سراح المعتقلين في السجون السورية، وتحقيق سيادة مطلقة على كل شبر من أرض لبنان، وذلك بعد ضغط المجتمع الدولي على إسرائيل وإرغامها على الانسحاب من مزارع شبعا ومن بعض تلال كفرشوبا وإطلاق سراح بعض الأسرى المعتقلين في سجونها وإعلان اتفاق هدنة مؤقتة بين لبنان وإسرائيل تمهيداً إلى مؤتمر سلام قريب جداً.
ويعتبر معسكر الأغلبية النيابية وقى 14 آذار أن تحقيق هذه المكتسبات الوطنية قد ينفذ عبر برنامج زمني قصير، وقد يستفاد من الدعم الدولي المساند لعملية التنفيذ والتطبيق، مما يعيد للبنان وحدته وحريته واستقلاله.
أما المعسكر السياسي الثاني الذي يتمثل بفريق الأقلية النيابية وقوى الثامن من آذار، والذي يشيد بإنجازاته في السيادة والتحرير والاستقلال، واتهامه المباشر لإسرائيل بكل الجرائم التي تصيب لبنان واللبنانيين. ولا يرتاح هذا المعسكر وأقطابه والمتحالفون معه من قوى سياسية أخرى إلى ما تخطط له الولايات المتحدة بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا منذ فترة بعيدة لشرق أوسط جديد ولفوضى هدامة تزعزع استقرار المنطقة وتخلق صراعات عرقية وطائفية ومذهبية تؤدي إلى التقسيم والشرذمة والتقاتل. وكل ذلك يحدث بعد صدور القرار 1559، وما تلاه من تداعيات وأحداث محلية وإقليمية، والشواهد على ذلك ماثلة في أفغانستان والعراق وفلسطين.
ويستند هذا المعسكر السياسي الثاني على الدعم الإيراني والسوري وبعض التيارات السياسية التي تتصدى للشرق أوسطية ومفهومها التغييري أو التفكيكي لبلدان المنطقة...
أين موقع الحوار الداخلي اللبناني من هذين المعسكرين السياسيين المتناقضين، وكل معسكر منهما يدعي أن قراره حر، ولا يرتبط أو يتأثر بأي موقف خارجي سواء كان إقليمياً أو دولياً، وهو ادعاء باطل، لا يحمل التأويل الصحيح كما تشير التصريحات والممارسات اليومية.
فهل ستنجح الوساطة السعودية المصرية بوقف الحملات الإعلامية والتهم المتبادلة بين فريق الأغلبية النيابية وقوى 14 آذار ضد سورية وضد المتحالفين معها من اللبنانيين؟ وهل تتمكن هذه الوساطة من ردم الهوة وإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين الشقيقين قبل معرفة نتائج التحقيق الدولي وما سيسفر عنه؟ أرى الجواب سلباً...
يبدو للمراقب والمحلل السياسي أن المسافة بعيدة جداً بين الواقع السياسي اللبناني المضطرب ونتيجة التحقيق الدولي حول جريمة اغتيال الحريري... ويتقاطع داخل هذه المسافة الشاسعة من الزمن مواقف متناقضة قد ترفع من سقف التأزم والتشنج والاحتقان الداخلي اللبناني، وتؤدي إلى تأجيج صراع مذهبي أو حزبي قد يستفحل، وقد تسعى قوى إقليمية أو دولية لإشعال فتيل هذا التأجيج عبر أطرافها المتواجدة على الساحة اللبنانية أو خارجها.
كما تعترف كل الطوائف والقوى السياسية والاجتماعية اللبنانية بأن بلدهم محكوم بالتوافق بين هذه الطوائف والقوى، وليس بأكثرية عددية أو مطلقة تحط من قدر طائفة أو قوة سياسية أو اجتماعية، مهما قل عددها أو تقلص مجال نفوذها الجغرافي أو التمثيلي...
وهل بمقدور أي طائفة أو قوة سياسية أن تتحمل مسؤولية تأزيم البلد أو تفجيره أو السير به إلى حرب داخلية عبثية جديدة، جربتها الطوائف والقوى السياسية وذاقت مرارتها لعشرات السنين الماضية؟
ومن المضحك الخيالي التصريح الأخير لقطب سياسي لبناني لإحدى الصحف الفرنسية بأنه يطلب من الولايات المتحدة بالتعاون مع فرنسا وانكلترا استحداث شبكة أمنية مرتبطة بالقمر الصناعي لرصد عمليات التسلل عبر الحدود السورية اللبنانية للأسلحة والمتفجرات التي تدخل لبنان وتعرض أقطابه لعمليات الاغتيال والتفجيرات.
أخيراً، لا ينجح الحوار السياسي اللبناني الداخلي إذا لم تتخلّ القيادات السياسية والروحية عن شخصانياتها وعن مراهناتها الخارجية وعن استعراضاتها العضلية أو العددية وعن مزايداتها الإنتمائية للوطن وعن تقليب يعضها ضد البعض الآخر، وعن اتهاماتها وتهجماتها الإعلانية والإعلامية لاستقطاب المزيد من المؤيدين والمناصرين من أبناء هذا الشعب الذي ينتظر قيامة وطن حقيقي يشعر فيه بالمساواة والعدالة والعيش اللائق...
د. حمد الطفيلي
أستاذ جامعي من لبنان، منسق هيئات ثقافية واجتماعية وإنمائية