ميخائيل عوض بيروت 4-1-2006 |
إلى أين تسير الأزمة الحكومية؟ إلى أين تؤخذ البلاد؟ ما هي الاحتمالات والخيارات المفتوحة؟
البلاد التي انتقلت من الأزمات والتعايش معها إلى حالة الاستعصاء، تقف على عتبة خيارين في حراكها السياسي، ولكل خيار سيناريوهات مختلفة سنحاول ضبط بعضها.
لبنان في قلب الأزمة المفتوحة، والخيارات ذات طابع استراتيجي في مجملها: إما انفجار يزعزع الأسباب والشروط التي أنتجت الكيان ووظيفته السابقة التي استنفذت، أو العبور بسلام إلى مرحلة جديدة عنصرها الأساس في تغيير البنية وإصلاحها وتطويرها ليصبح لبنان رياديا نموذجا مختلفا على المستويات السياسية والاقتصادية والوطنية أي لبنان إلى اليسار در. لبنان بين الفوضى والتبدد أو اليسار الوطني والاجتماعي.
ميخائيل عوض، بيروت 4-1-2006
يستطيع المتابع لمجلة العرب والعولمة أن يلمس صحة رؤيتنا للجاري في لبنان وتوقع ما لم يكن احد يتوقعه أو يحاول مقاربته في معمعان المعركة الإعلامية الطافية على السطح.
ففي مقال سابق قدمنا لأحداث العام 2004 بمقال مطول هو خلاصة حوارات ونقاشات في هيئة إدارة المجلة ومنتديات أخرى، تحت عنوان عام الاستحقاقات الكبرى رصدنا فيه طبيعة الأزمة وعنفها وعمقها وموقعها على خط تماس دولي إقليمي متوتر ومتفجر وفي واقع محلي استوجب تاريخيا حصول تغيير نوعي مدوي في بنية البلاد لزوم افتقاد الطبقة السياسية لقدراتها على الاستمرار أو التطوير، واستنفاذ الطائف لمشروعيته التاريخية لجهة ما جرى تطبيقه، وبلوغ الليبرالية الاقتصادية والسياسية مطافها النهائي ودخولها مرحلة الأفول عالميا وإقليميا وبالأحرى لبنانيا الأكثر لبرلة والأكثر انفعالا بالجاري في العالم والإقليم.
توقعنا أن تكون الاستحقاقات الأربع الكبرى، الانتخابات البلدية، الانتخابات النيابية، الانتخابات الرئاسية، الأزمة الاقتصادية وأزمة العلاقات السورية اللبنانية عناصر تفخيخ للأزمة تؤدي إلى انفجارات وهزات سياسية، وربما أمنية، تفتح البلاد على خيارين لا ثالث لهما: إما إعادة صياغة الدولة والمجتمع والنظام العام بما يولد وظيفة جديدة للبنان تكون راديكالية وطنيا واجتماعيا، أو أن الشروط التاريخية التي أنتجت الكيان باتت تضغط لإلغائه.
ذات يوم كتب ذلك ولم يجد آذاناً صاغية، ولا وجد اهتمامات جدية، ولا دار حوار معمق حول تلك الاستنتاجات، بينما تدحرجت الأحداث واحدة اثر الأخرى فوصلت البلاد إلى عنق الزجاجة وانفجرت أزماتها بتداعيات خطيرة جدا، فاهتزت التوازنات فيها على اثر التمديد للرئيس لحود، فاغتيال الرئيس الحريري، وخروج السوريين بصورة درامية، وإجراء الانتخابات النيابية بما ولدته من أكثرية في المجلس النيابي لا توازي الحراك في الشارع وموازين القوى الفعلية.
جاءت حكومة السنيورة وريثة لحكومة ميقاتي التي تشكلت كنقطة عبور من حال إلى حال، وارثة حكومة كرامي التي لم توفق ولم يسعفها الوقت بسبب تصاعد الحراك الصراعي بان تنجز برنامجا تلطيفيا للازمة على مستويات المعيشة وعلى قاعدة قانون انتخابي اقترحته على أساس القضاء، وعلى قاعدة تغطية التمديد وتأمين انسحاب مأمون للسوريين إلى حدود مناطق الطائف مع تفعيل الطائف كدستور واتفاق لتطوير أدائه وتطبيق ما علق منه في قصد غير واع لتجديد الصيغة وتحسينها ما أمكن. واقترن ذلك باتفاق صيغ لإطلاق جعجع، وإعادة الجنرال عون إلى الحياة السياسية لتفعيل الكامن فيها وتأمين عودة الأداء والمشاركة لفئة طائفية واسعة أبعدت عن المشاركة خلال العهد السوري المتحكم بمفاصل الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية. وجدير بنا التأكيد على أن ذلك الإبعاد إنما تم عبر تحالف الطبقة السياسية اللبنانية الممثلة بالحريري وجنبلاط مع فريق سوري، انشغل منذ التدخل السوري برعاية الأزمة وإدارتها، كان على تواصل محكم مع الطبقة اللبنانية. ونشأت في واقع الحال شراكات سياسية ومالية واجتماعية بين ثلاثي سوري، وثنائي لبناني عابر للحدود والسدود وقاطع لسايكس بيكو الجغرافي بتوافقات اجتماعية سياسية لتجميع القوى والتحكم بمسارات الأحداث لبنانيا وسوريا.
انفجرت الأزمة، وتحولت من محلية إلى إقليمية، فدولية مع القرار الدولي الذي شكل سابقة غير معهودة في الأمم المتحدة عندما اصدر مجلس الأمن قرار 1559 وما تبعه من قرارات. فاشتعلت أزمة سياسية عاصفة وجرت عمليات تخندق في الحياة السياسية واستقطابات حادة وفرت البيئة المناسبة لأعمال عنف طاولت ابرز رموز الحالة اللبنانية. وجرت معها تحولات درامية أوصلت البلاد إلى مجلس نيابي مأزوم، وحكومة مهتزة، وصراع مفتوح بين المؤسسات الدستورية وفيها وتعطيل متبادل... فصارت البلاد مع بداية العام 2006 في مرحلة الأزمة المستعصية والمفتوحة على كل الخيارات وشتى السيناريوهات.
لقد فشل التوافق الرباعي الذي أنتج الانتخابات النيابية، ومن ثم تشكيل الحكومة، في انتشال البلاد من بؤرة التوتر. وفشل في إخراج الأزمة من تداخل وعبث تيارات الرياح الإقليمية والدولية، والصراعات المحتدمة في غير ساحة، وبات ومركزها لبنان وسورية. وكان القصد منها إعادة هيكلة المنطقة جغرافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
حكم التحالف الرباعي على انه تقاطع مصالح إقليمية ودولية، وعلى انه تحالف أنجزه تفاهم رباعي إقليمي دولي لعبت فيه فرنسا، والسعودية، وإيران، والولايات المتحدة دورا حافزا وحاميا. وسرعان ما تفاقمت أزمة الخلاف في الرباعي الدولي، على اثر الاشتباك الأوروبي الأمريكي مع الإيراني بخصوص الملف النووي ووصول نجاد إلى الحكم بخطابه وخياراته الراديكالية الوطنية والاجتماعية، ومع تصريحات وزير الخارجية السعودي عن تحكم إيران في العراق وتقدم دورها وحضورها بسبب الاحتلال الأمريكي والتحولات التي جرت في العراق على مدى السنوات الثلاث المنصرمة.
تغيرت قواعد اللعبة الدولية، وسقطت الرهانات المشتركة لأوروبا وأمريكا على توحيد جهدها لإعادة تنظيم شؤون المنطقة العربية والإسلامية والشرق أوسطية، وتراجع بصورة درامية الحضور الأمريكي وقدرته على ضبط الحالة العراقية بسبب العملية السياسية ونتائجها من جهة، وهي في إدارة إيران وبسبب المعارضة القوية للاحتلال والمقاومة التي تحتضنها سورية، ما اضطر أمريكا لإعلان بدء الانكفاء العسكري المباشر وتوسيط العرب وتنشيط الجامعة العربية، ومحاولة إصلاح ذات البين مع سنة العراق، بما في ذلك إرسال رسائل تطمين لسورية كما جاء في قرار مجلس الأمن 1644 بعد قرار تصعيد حربي في فقرات القرار 1636. وبين القرارين أعلن الرئيس الأسد في خطاب نوعي قلب الطاولة على الجميع معتمدا إستراتيجية المقاومة والصمود، ورفض الإملاءات أو أية قرارات دولية تمس أمن واستقرار وسيادة سورية وقانونها الوطني. وتمخض الخطاب السوري عن إعادة هيكلة نوعية في بنية النظام السوري، جرى التأسيس لها في انعقاد المؤتمر القطري وتصفية القيادة القديمة وإعلان الحرب على الفساد، وما يشبه التعبئة الوطنية واستنفار الشارع الذي حقق التفافاً حول الرئيس وصفه المراقبون على انه غير مسبوق في تاريخ سورية الحديث.
ودخلت عناصر جديدة في المعادلة الدولية والإقليمية والمحلية غيرت التوازنات، فانعكست أزمة مفتوحة في الحكومة اللبنانية، وفي قدرة "الأكثرية" النيابية على الاستمرار وتحقيق أي من الأهداف والمشاريع التي سعت إليها أوروبا وأمريكا تنفيذا لإرادة ومصلحة إسرائيلية بحتة. فالهجوم في لبنان بعد اغتيال الحريري والاستثمار بالدماء وبالأعمال الأمنية والاغتيالات توقف على عتبة التوازنات اللبنانية، فعجزت الأكثرية عن الإمساك بالمجلس النيابي واختيار رئيس له يناسبها، كما عجزت الأكثرية عن إسقاط الرئيس لحود، وفشلت في إحداث تغييرات نوعية في بنية الجيش والأمن العام وعموم أجهزة الدولة، باستثناء وزارة الداخلية وأجهزتها التي باتت في عهدة الأكثرية وتحت الوصاية الأمريكية والتدريب الفرنسي. وعجزت الأكثرية، برغم الدعم الهائل الذي قدمته لها أوروبا وأمريكا ومجلس الأمن ودول عربية وازنة، عن تلبية الحاجات الإسرائيلية الأمريكية لتقييد سلاح المخيمات، وسلاح القواعد الفلسطينية خارج المخيمات، ومقاربة سلاح المقاومة اللبنانية. وباتت الأكثرية في حالة إحباط وتفكك بعد انقسام 14 آذار إلى نصفين النصف الأكثر وزنا يقف مع العماد عون وخياراته المختلفة، بينما أحلت الوسائل الإعلامية والصوت المرتفع والقصف الإعلامي محل عناصر القوة المادية التي استنفذتها سريعا وعجزت عبرها عن تحقيق ما تريد بالسرعة القصوى.
جرى ذلك على أرضية من تحولات كبيرة ونوعية في الساحات الأخرى، ذات التأثير الحاسم على الحال اللبنانية: فإيران خرجت من تذبذبها ومن مسايرتها للمشروع الأوروبي وقبولها بعض الإملاءات إلى راديكالية موصوفة؛ والرئيس بشار الأسد نجح في استثمار الانسحاب من لبنان لتطهير النظام السوري من العناصر السورية التي كانت على تحالف مع الطبقة السياسية اللبنانية، فرحل خدام، وتقاعد آخرون، وانتحر غازي كنعان... فيما عادت الراديكالية في الخطاب السياسي والاقتصادي السوري إلى الواجهة مع حسم خيارات الاقتصادي ليكون غير ليبرالي، بحسب توصيفه في مقولة اقتصاد السوق الاجتماعي.
في مكان آخر حصلت تحولات متسارعة تؤثر عل مجمل التطورات: فأوروبا التي جنحت نخبتها الحاكمة إلى الليبرالية فقدت السيطرة على مسار الاتحاد الأوروبي واسقط الدستور، والنخبة الفرنسية التي تخلت عن مشروعها الاعتراضي على الليبرالية الأمريكية والجهود الإمبراطورية انفجرت بنيتها الداخلية وانكشفت أزمة قاتلة في عنف الضواحي، وألمانيا التي تصالحت مع أمريكا ومشروعها تأزمت سياسيا في انتخابات أنتجت توازنا يقعدها عن أداء دور هجومي على أي صعيد داخلي أو أوروبي أو في الملفات الدولية المتفجرة، وروسيا خرجت من سباتها وأزماتها بعد أن طوقها التحالف الأوروبي الأمريكي وكاد يحاصرها بالثورات الملونة التي اقتربت كثيرا من موسكو... فكانت زيارة الأسد وحل مشكلة الديون حلقة مفتاحية لإعادة تسليح سورية، وتسليح إيران، والدخول على خط أزمة التكنولوجيا النووية وحل الأزمة السورية مع لجنة التحقيق الدولية بمثابة إنذار واضح بأن روسيا استيقظت على نفسها وعلى مصالحها واختارت العودة إلى الملفات المتفجرة، وإصدار تحذيرات عملية لأمريكا وأوروبا بوقف العبث مع آسيا ومع روسيا؛ وعلى نفس المنوال كان النشاط المباشر والمتسارع لتشكيل منظمة شنغهاي وتطوير أدائها وتطوير التفاهمات الروسية الصينية الهندية عنصرا حاسما في لجم القدرات الأمريكية والأوروبية في العالم وفي مناطق بؤر التوتر.
في ذات السياق لم تتأخر أمريكا اللاتينية والجنوبية عن استثمار المأزق الأمريكي الأوروبي في مختلف الدوائر فجرت فيها تحولات نوعية اعتراضية على الدور والأمريكي وعلى النموذج الليبرالي فكان أن انتصر اليسار الوطني والثوري في الكثير من دول القارة الأميركية ليتشكل بداية مشروع إقليمي وازن أركانه كوبا والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين وبوليفيا...
في سياق هذه اللوحة المركبة والمزركشة، والتطورات التأسيسية المتسارعة، لعبت فلسطين دورا هاما في تغيير اللوحة ووسمها بسمات نوعية، فتصاعدت حملة المقاومة الفلسطينية وعادت إلى العمل الاستشهادي في ضربة مؤلمة للأمن والاستقرار الصهيوني في عملية الجهاد الإسلامي في نتانيا، كما وتساقطت صورايخ القسام في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 وكادت تهدد ميناء عسقلان الاستراتيجي كما بدأ القسام ينطلق من الضفة الغربية، وتداعت سلطة أبو مازن وانهارت الجهود الأوروبية الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القوى الوطنية والمسلحة، بل صعدت فتح الشباب وكتائب الأقصى إلى المواقع المتقدمة في فتح، وظفرت حماس بأكثرية في الانتخابات البلدية في الضفة، وتهاوت الوحدة والتماسك السياسي في إسرائيل مع صعود اليسار الصهيوني وقائده الجديد بيرتس بينما انهار الليكود وانعطف شارون إلى الوسط (كاديما) وبات تصارع البرامج السياسية في الكيان مركزا على إعادة هيكلة مشروع الكيان برمته والبحث عن حل نهائي للصراع العربي الصهيوني.
لم يكن لبنان وحده الذي أصيب بزلازل سياسية مدوية، وبتغييرات درامية في بنيته وتوازن قواه وعناصر استقراره بل ضربت الزلازل في كل حدب وصوب في الكرة الأرضية وكلها تأتي لتخديم مرحلة تاريخية جديدة سماتها صعود الشعوب والمقاومات، واهتزاز السيطرة الامبريالية وقدرة الدول الاستعمارية على التحكم بمسارات الأحداث الدولية والإقليمية.
في قلب هذا الحراك يقع لبنان وأزمته ويتقدم كحلقة مفتاحية للتطورات المستقبلية في المنطقة وعبرها في توازنات القوى العالمية والشاهد الحي حجم الاهتمام الدولي بالأحداث اللبنانية وانشغال مجلس الأمن والدوائر الإقليمية بصورة شبه يومية.
إلى أين تسير الأزمة الحكومية؟ إلى أين تؤخذ البلاد؟ ما هي الاحتمالات والخيارات المفتوحة؟
البلاد التي انتقلت من الأزمات والتعايش معها إلى حالة الاستعصاء، تقف على عتبة خيارين في حراكها السياسي، ولكل خيار سيناريوهات مختلفة سنحاول ضبط بعضها.
الاحتمال الأول: الانزلاق إلى العنف لكسر حلقة التوازن والاستعصاء ومدخلها عمل امني ضخم، أو مجزرة تفتح البلاد على حفلة عنف واسعة لا تصل إلى حرب أهلية أو ما شابه، أو دخول قوى جديدة على خط الأزمة تبدو مسألة الصواريخ التي استهدفت شمال فلسطين وإعلان القاعدة مسؤوليتها نذير ومؤشر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، فالقاعدة التي تسعى لدخول حلبة الصراع والاقتراب من الكيان الصهيوني كانت قد أعطت نذراً في عمليات سيناء وشرم الشيخ، والعقبة، وتبدو الساحة اللبنانية وأزماتها وعجز حكومتها وانفلات الأمن بمثابة بيئة حاضنة نموذجيه بكل المقاييس.
الاحتمال الثاني: التسوية السياسية، وشرطها تغيير في التحالفات، ولهذا سيناريوهات متنوعة، أبرزها اثنان. الأول أن يُصار إلى تحالف مسيحي شيعي يستطيع حمل مشروع للتغيير والإصلاح السياسي الاقتصادي الاجتماعي يؤدي في حال قيامه إلى حكومة وحدة وطنية تؤسس لانتخابات نيابية على أساس قانون جديد ينتج توازنات جديدة أكثر مطابقة لحال الشارع بعد الانسحاب السوري، وتراجع قدرات الأكثرية النيابية ووصولها إلى ذروة ما تستطيعه بل دخولها مرحلة تأزم بين إطرافها وتباين بين رؤاها. أما السيناريو الثاني الممكن، فهو تغيير في التحالف السني الشيعي يتمثل بتوافقات بين الكتلة الشيعية وتيار المستقبل، وشرطه تغيير قواعد التحالف بين تيار المستقبل وسمير جعجع ووليد جنبلاط بحيث يكون تجديد التحالف على حساب الأخيرين ودورهما الذي يبدو الآن قائدا إلى دور ثانوي تابع، وهذا مشروط بتفاهمات عميقة بين سورية إيران السعودية، بعد تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف اللبناني وتسليمه للفرنسيين ومحاولة الفرنسيين مشاركة المصريين وتوسيطهم للتفاهم مع سورية باستبعاد السعودية أو بعض التيارات فيها.
السباق معقود بين الخيارين والسيناريوهات المختلفة، والساحة متفجرة، والعالم وقواه المؤثرة تنشغل في دوائر وأزمات وأمكنة أخرى، والأزمة مستعصية ما يعني أن أي حدث داخلي أو خارجي أو إقليمي من شأنه أن يغير في سير التطورات المتوقعة.
البلاد على عتبة مرحلة تاريخية انتقالية لم تستنفذ عناصرها بعد، وعليه لا يعود مستبعدا توترات في الجنوب اللبناني، أو تسارع محاولات لتشكيل جبهة وطنية من الأحزاب والقوى المحسوبة على التحالف مع سورية بالتفاهم مع عون، والكتلة الشيعية، بحيث يدخل هذا الفريق طرفا يسهم في تغيير قواعد اللعبة السياسية الجارية حتى اللحظة، لكن ذلك يحتاج إلى دفع جدي من قبل الكتلة الشيعية لتلك الأطراف، أو يحتاج قراراً سوريا جديا وعمليا لتفعيل الحضور الوطني في الساحة اللبنانية بعد حالة الانكفاء السوري المشهود.
بين هذه وتلك من التطورات تبدوا اللعبة الإعلامية والقصف الإعلامي وتوفير الأحداث للتصعيد الإعلامي قائمة عل قدم وساق لكنها القشرة التي تخفي تحتها التحولات النوعية والتغييرات في موازين القوى، وتبدو قنبلة خدام الإعلامية ذات وظيفية إعلامية فحسب لن يكون لها صدى في تغيير التوازنات ولا في العلاقة بين سورية ولجنة التحقيق الدولية، أو التأثير على خيارات سورية التي تكرست في المؤتمر القطري وفي كلمة الرئيس على مدرج جامعة دمشق.
لبنان في قلب الأزمة المفتوحة، وتبقى الخيارات ذات طابع استراتيجي في مجملها: إما انفجار يزعزع الأسباب والشروط التي أنتجت الكيان ووظيفته السابقة التي استنفذت، أو العبور بسلام إلى مرحلة جديدة عنصرها الأساس في تغيير البنية وإصلاحها وتطويرها ليصبح لبنان رياديا نموذجا مختلفا على المستويات السياسية والاقتصادية والوطنية أي لبنان إلى اليسار در.
لبنان بين الفوضى والتبدد أو اليسار الوطني والاجتماعي.
وكل لبنان وانتم بخير.
ميخائيل عوض
بيروت 4-1-2006