كيف تكون ديمقراطياً جيداً؟

العرب والعولمة

 

في عصر الهيمنة الأميركية، عصر بوش وأتباعه، بلير وشيراك وميركل، حيث تستباح أوطان الشعوب وخيراتها تحت رايات الديمقراطية الغربية بمفهومها الضيق والشكلي، كيف تستطيع دولة ما من دول العالم الثالث أن تكون ديمقراطية؟ ما الذي عليها فعله وقوله لتستحق شهادة الديمقراطية من أميركا وأتباعها؟

 

أميركا هي صاحبة الحق الحصري في تصنيف الدول والأنظمة وإعطائها شهادات حسن السلوك أو إدانتها والحكم عليها، وتنفيذ هذا الحكم بالقدرات العسكرية والإقتصادية والدبلوماسية.

 

لا يكفي أن تكون السلطة في بلد ما من بلدان العالم الثالث منتخبة، وممثلة حقيقية لمصالح الجماهير وآمالها، لتنال شهادة "الديمقراطية"، بل عليها أن تمتثل لتوجيهات واشنطن، وتحمي مصالح أميركا الإقتصادية والسياسية، وتعمل ضمن رؤيتها العالمية، ولو كان كل ذلك يتناقض مع مصالح شعبها. فجماهير العالم الثالث المهمشة والتي تقف في عين الغرب على حافة اللاإنسانية، لا يمكن أن تكون موضع اهتمام العالم الغربي المتقدم. فإذا كان الله محور هذا الكون، وشعوبه المختارة محور هذا العالم، فعلى شعوب العالم الثالث أن تكون في خدمتها، أن تدور في فلكها، وأن تكدح لتلبية حاجاتها الإستهلاكية وتعطيها خيرات أرضها.

 

منذ القدم، منذ أن حملت بواخر الغرب شعب الله المختار من الأنغلو- ساكسون البروتستانت البيض إلى أراضي أشباه البشر من الهنود الحمر، منذ أن حملت العبرانيين الجدد إلى أرض كنعان الجديدة، حمل هؤلاء عبء خلاص العالم، فأبادوا السكان الأصليين، واستعبدوا الأفارقة، ونهبوا دول العالم الثالث وشعوبه باسم الإرادة الإلهية، باسم الديمقراطية والحرية، ولخلاص هذا العالم المولود في الخطيئة.

 

بعض الدول خلقت ديمقراطية، مثل الكيان الصهيوني، بعقيدته العنصرية الاستعلائية وسياساته الفاشية وعدوانيته الإستيطانية التوسعية. وبالرغم من كل ما ارتكبه ويرتكبه من جرائم ضد الإنسانية، يبقى مثالا للديمقراطية الغربية، ويستحق عتاة المجرمين فيه جوائز نوبل للسلام. فلهذا الكيان مهمة إستعمارية إمبريالية يقوم بواجباتها خير قيام.

 

شعوب أخرى ولدت في الخطيئة، مثل معظم الشعوب العربية والإسلامية. فهي غير قادرة على فهم وقبول مثل وأخلاقيات الغرب المتحضر، ولا بد من فرض الديمقراطية عليها بالحديد والنار، بالقنابل المشعة والانشطارية، بالأسلحة الذكية والغبية، بالإبادات الجماعية كما يحدث في العراق.

 

بعض القوى والأنظمة يمكن أن تتحول من حال إلى حال. فتنظيم القاعدة كان تنظيما جهاديا مقاتلا في سبيل الحرية والديمقراطية يوم كان يقاتل القوات السوفياتية في أفغانستان، فانقلب إلى منظمة إرهابية ظلامية معادية للحرية والديمقراطية يوم وجه بنادقه إلى صدر أميركا ومصالحها. كان نظام عبد الناصر مثالا للإستبداد والظلم، ولكن أنور السادات جعل من مصر رمزا للسلام والديمقراطية والحرية يوم حج إلى تل أبيب واستسلم لإسرائيل وتنكر للعروبة، وألغى قوانين الإصلاح الزراعي، وفكك قاعدة مصر الصناعية، وأغرقها في المديونية الخارجية وفتح أسواقها أمام الغزو الأميركي الشامل، وفتح أبواب سجونها لابتلاع كل الأحرار المعادين للإمبريالية والصهيونية.

 

أنظمة الحكم في باكستان والأردن والبحرين وموريتانيا وغيرها وغيرها من الأنظمة التي ترهف السمع لتوجيهات سفراء أميركا وتعليمات "إجماع واشنطن"، وتسير على هدي الليبرالية الجديدة وتقمع شعوبها، كل هذه الأنظمة ديمقراطية، تنال رضا ومساندة السيد الأميركي. الديمقراطية الأميركية لا تتناقض مع الإحتلال الأجنبي بل تنمو في كنفه، ولكنها تتناقض مع حركات التحرر الوطني. فمقاومة الإحتلال في لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان إرهاب يتناقض مع الديمقراطية الأميركية، بل هو عدوان على الديمقراطية. والإسلام الداعي للجهاد ضد العدوان، الرافض للذل والتبعية، يغدو دينا إرهابيا يجب إعادة تفسيره وتأويله ليتلائم مع الديمقراطية الأميركية.

 

هكذا نفهم هذا السعار في أميركا وأوروبا الغربية من اجتياح حماس للمجلس التشريعي الفلسطيني في الإنتخابات الأخيرة! كان على الشعب الفلسطيني أن ينتخب من تريده أميركا وإسرائيل، أن ينتخب من يعمل على إجهاض الإنتفاضة وإسقاط البندقية الفلسطينية، من يحقق لإسرائيل ما لم تستطع آلة الحرب الإسرائيلية تحقيقه، من يسير على درب أوسلو وما تلاها من محطات إسقاط الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، من يعترف بأحقية الصهاينة في أرض فلسطين! كان على الشعب الفلسطيني أن ينتخب جلاديه لتكون الإنتخابات ديمقراطية. الديمقراطية في خدمة الإمبريالية والصهيونية وليست في خدمة حرية الشعوب وكرامتها.

 

حتى تتقبل الديمقراطية الغربية نتائج الإنتخابات التشريعية، على حماس أن تتنكر لبرامجها، لدم شهدائها وعرق مناضليها، لبرنامجها الذي كسبت ثقة الشعب على أساسه. عليها أن تسقط بندقيتها وتعمل لإسقاط بنادق الآخرين في فلسطين، أن تسقط حق الشعب في وطنه، أن تكون في خدمة الإمبريالية والصهيونية. عليها أن تنحر شعبها وتنتحر حتى تصبح ديمقراطية مقبولة من بوش وبلير وشيراك. أن تكون ديمقراطيا جيدا، عليك أن تكون في خدمة الإمبريالية والصهيونية.

 

العرب والعولمة