مستقبل الحياة السياسية في إسرائيل

 وعملية التسوية بعد انتصار حماس

ميخائيل عوض

بيروت 6-2- 2006

 

عبثا حاولت الإدارات الأوروبية والأمريكية ترهيب حماس، وتخويف الشعب الفلسطيني، ومعاقبته على قراره الديمقراطي عبر الصناديق وباعتماد الوسيلة التي بشرت بها أمريكا ومشروعها لإصلاح المنطقة والشرق الأوسط الكبير، فقد أنتجت جهود بوش وحروبه لفرض الديمقراطية على العرب، انتصارا كاسحا لخط المقاومة في فلسطين، قلب الحدث الإقليمي والدولي منذ قرن ونيف.

المقاومة تحكم في فلسطين، ومعركة القدس"فلسطين" تحسم لصالح خط المقاومة وسلطتها، وقوى التسوية والتصالح الفلسطينية والعربية تخسر معركة إستراتيجية في أبعادها وقيمتها، وما ستطلقه من تفاعلات لا يقوى عقل مهما بلغت درجة إستراتيجيته من أن يحيط بآثارها ونتائجها التاريخية على الإقليم وخط سيره، وعبره على العالم وإعادة هيكلته وفرض توازنات جديدة نوعيا.

 

انتصار حماس: مرحلة تاريخية جديدة

ليس اقل مفاعيل الانتصار الانتخابي في فلسطين إطلاق موجه مد "تسونامي بقيادة الحالة الإسلامية الجهادية الوطنية والقومية".

عوامل وشروط، ومؤشرات لا تحصى، تتجمع لتشير إلى أن التاريخ العربي والإسلامي، وتاريخ المنطقة ومستقبلها يتحرك بسرعة باتجاهات جديدة، في مقدمة علاماته انهيار المشروع الاستعماري، وتفكيك عناصر قوته وأدواته لصالح إطلاق مرحلة تاريخية بسمات إسلامية وببصمات عربية خالصة، فالمقاومات التي تنتصر هي عربية من فلسطين إلى لبنان والعراق وتستند إلى دولة الصمود، تتحول إلى دولة قائدة قاعدة لمرحلة مقاومة ظافرة تؤسس لحقبة نهوض ومشروع تنمية وتحرير.

زلزال انتصار المقاومة في فلسطين عبر صناديق الاقتراع، يصيب النظام العربي الرسمي ويغير في بنيته وطبيعته، فالمقاومات أصبحت في القمة عبر سورية، وفلسطين، ولبنان.

ويغير في قدرة المشروع الأمريكي الأوروبي الإسرائيلي لإحداث فتنة بين العرب والمسلمين من بوابة بيروت وبغداد. فالانتصار يثبت أن الإسلام الجهادي والوطنية القومية العربية على تحالف وثيق يمثل كافة أطياف الأمة وقواها الحية، ويتعانق المذهب الشيعي المقاوم مع السني المقاوم مع القومي العربي على قاعدة ائتلاف المقاومة العربية الإسلامية المعلن بين دمشق وطهران، والمكرس واقعا بزيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد لسورية، واستقباله القادة الفلسطينيين وإعلان المقاومة الفلسطينية أنها على خط النار إلى جانب إيران، وسورية والمقاومات في العراق ولبنان.

شيء كبير نشأ ويتأسس، واختلاف جذري في موازين القوى وسير الإحداث المستقبلية على وقع الانتصار "الحماسي" في فلسطين. فالمقاومة تحكم في القلب وتقبض على رياح الأرض الأربعة، حيث تلتقي كل الطرق في مثلث بغداد– بيروت- القدس، والقاعدة دمشق وطهران.

 

انتصار حماس وتداعياته الإسرائيلية

كيف سيكون حاصل الزلزال والهزة الأرضية في إسرائيل، المجتمع والحياة السياسية، وفي نتائج الانتخابات المزمع إجرائها، وفي طبيعة وخطط الكيان وعدوانيته، ووسائله.

خرجت في إسرائيل صحف وتحليلاتها تتحدث عن صاعقة مفاجئة، وعن عجز النخبة الصهيونية، وأجهزة المخابرات وقادة الأركان عن توقع الزلزال، وصحف أخرى تتحدث عن هزة، أرضية وأخرى عن زلزال وعاصفة عاتية تخرج المارد من القمقم.

في إسرائيل كلام كثير عما سيكون، وكيف يجب التعامل مع الحالة، وأجواء ارتباك حاد ومفاجئة صاعقة. وكما في القوى السياسية والأحزاب والقيادات، كذلك في الشارع وفي استطلاعات الرأي العام التي عادت إليه حالة الهذيان، والاضطراب النفسي الجماعي، والخوف من الأتي المجهول، والقلق. وأقوال وكلام كثير عن نهاية حلم، وعن افتقاد الثقة بقدرة الدولة على الاستمرار. وحديث متمادي وتسابق بين القوى السياسية وفاعليتها على إقرار مشروعات وبرامج انسحاب من طرف واحد وترك الضفة إلى حدود الجدار الفاصل والسعي لتأمين حماية دولية عبر قوات أطلسية أو دولية، وما شابه.

في النخبة الصهيونية قراءة موضوعية لما جرى، وللأسباب الحقيقة والدوافع التي أطلقت مارد المقاومة من القمقم واتى بها إلى السلطة، ولو أنها سلطة إدارية تحت الاحتلال. لكن للحدث مفاعيل تجديد الثورة الفلسطينية ومؤسساتها وأدواتها، داخل الخط الأخضر، وفي الضفة والقطاع، وبلاد الشتات، وإطلاق مرحة جديدة منها تختزن وتختبر دروس الماضي وتغادر آلياته ووسائله.

في الصحف الصهيونية، وفي مؤتمرات ودراسات النخبة قول واضح بأن الجاري في فلسطيني ينهي حقبة برمتها ويضع المنطقة، وفي الأصل المشروع الصهيوني، أمام مرحلة تاريخية خطيرة غير مسبوقة في طبيعتها ونتائجها. فالانتصار بالتصويت جاء لصالح المقاومة ونهجها. فكل الإطراف المقاومة، وإجماع الشعب الفلسطيني وحجم المشاركة وما أعطي للمقاومة غير مسبوق في أية تجربة عربية و/أو عالمية. وجل الذين نجحوا هم من المقاومين وحركاتهم بما في ذلك فتح التي نجحت لائحتها وحققت هذه النتيجة بسبب ترؤسها من قبل مقاومين، وكون بنية اللائحة في غالبها لصالح خط المقاومة الفتحاوية على حساب خط المساومة في فتح والسلطة.

يقول الصهاينة أن هذا التحول جاء بسبب انكشاف التسوية، وتعليق المفاوضات، والحصار، والضغوط الإسرائيلية، وانهيار منطق القوة والبطش، ولأن إسرائيل وقادتها عجزوا عن تنفيذ اتفاقات أوسلو، ولأنهم لا يملكون مشروعا أو خطابا سياسيا سلميا، ولأن أمريكا وأوروبا انحازت بالمطلق لصالح الخط الشاروني العسكريتاري بديلا عن المشروع السلامي والمفاوضات، ولأن إسرائيل أحرجت، وأخرجت عرفات، وبعده أبو مازن، ومعه الحكومات المصرية والأردنية والرباعية وكل من تقدم بمبادرات أسقطت في ارض الواقع واستهلكت.

في إسرائيل قول كثير عن ضرورة الاتعاظ من الأزمة ومن النتائج، وتسريع البحث عن مخرج سياسي، لأن الاحتلال لم يعد قادراً على الاستمرار، ولا بديل عن عمل لإنقاذ الدولة الصهيونية والاحتفاظ بالأكثرية اليهودية. وقد يعني ذلك تفكيك مستوطنات، وتنازلات عن الأرض، وعن  السيطرة الجوية والبرية، والتخلي عن خط نهر الأردن، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولة ذات سيادة والسعي لإنهاء الصراع وحسم قضايا الحل النهائي بمشاركة وحماية دولية.

في إسرائيل زلزال، يعصف بالعقول، والقلوب، وبالاستقرار، ووحدة المجتمع، ويغير من أولوياته. افقد الجميع صوابهم وغير في توجهاتهم، وفي برامجهم وتحالفاتهم، والعاصفة لم تهدأ والآثار لم ترسو على هدى، وعلى خيارات أجماعية أو أكثرية لتأتي الانتخابات الإسرائيلية المزمعة على وقع هذا التحول العاصف بدون مؤشرات قوية على نتائجها من اللحظة.

إسرائيل وخياراتها الداخلية، وخياراتها في الصراع العربي الصهيوني قبل وصول حماس والمقاومة إلى المجلس التشريعي شيء وبعده شيء آخر.

الوسائل العسكرية، ليست مجدية، الضغوط المالية، والتهويل الإعلامي لن يغير في إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته بشيء بل إن واحدة من الأسباب التي دفعت الشعب الفلسطيني لانتخاب المقاومة هو روح التحدي مع الممارسات الإسرائيلية والاشتراطات بمنع حماس من المشاركة، والضغوط للحؤول دون حكم حماس أو اشتراط ذلك بتغيير حماس لجلدها وبرامجها ورؤيتها للصراع العربي الصهيوني.

في فلسطين حدث قاطع بأهميته الإستراتيجية وأول وأثمن ترددات الزلزال تضرب في فلسطين وفي إرادة الصهاينة وخيارتهم، والجميع يسعى للملمة الأزمة وتكريس خط الانسحابية باتجاه الاحتماء بالجدار، والأكثرية اليهودية للدولة، ونقائها.

مسيرة التاريخ ودروسه تفيد بشيء مختلف والسؤال المحق: لماذا عندما ظهرت عناصر انسحابية استسلامية في الصفوف العربية تشبث الصهاينة بفكرهم التلمودي وسعوا للاستيطان واقتلاع الفلسطينيين بذريعة أنها ارض الميعاد لا يمكن التنازل عنها، أو عن أي شبر منها؟ ولماذا عندما ظهرت حالات إعياء على المشروع الصهيوني وبدأ البعض يقول بانسحاب من طرف واحد والتخلي عن بعض الأرض كغزة ومدن الضفة نهض في الفلسطينيين والعرب خيار القول بالحق الكامل على كل الأرض وكل التراب الفلسطينيين من البحر إلى النهر؟ ربما في نتائج انتخابات فلسطين كلمة فصل، لأنها ارض عربية بكليتها لا تقبل قسمة. وما أن تغير بعض الإسرائيليين بسبب الإنهاك والمقاومة أصبح العرب أكثر تشددا، وأكثر صلابة في التمسك بالحق التاريخي بكل فلسطين، لا فرق إن تحقق التحرير عبر استمرار المقاومة ودخولها أطوار جديدة، أو بفعل تغييرات حادة في موازين القوى أساسه في ما أرسته المقاومة من تحولات، أو كان عبر تطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها حق العودة الكاملة.

بانتصار المقاومة في صناديق الاقتراع في فلسطين بات البعيد قريباً، والاستراتيجي تكتيكياً، وصدقت النبوءة السياسية القائلة بان الانتفاضة جعلت "تحرير فلسطين أمراً راهناً".

فالمشروع الصهيوني دخل مرحلة التراجع والهزيمة على كل الصعد.

 

ميخائيل عوض

بيروت 6-2- 2006