إستراتيجية بوش فتنة مذهبية واحتراب عربي وإسلامي |
ميخائيل عوض
بيروت 14-2-2007
قيل الكثير في إستراتيجية بوش التي عرضها بديلا" مؤقتا" عن إستراتيجية المؤسسة الأمريكية الحاكمة المعبر عنها في خطة بيكر هاملتون لإدارة أزمة العراق، والصراع العربي الصهيوني، وإحداث تغيير في سير استراتيجيات الغرب وأمريكا لفرض السيطرة على العرب والمسلمين واستمرار الهيمنة على المنطقة ومحاولة إعادة هيكلتها على الطريقة الغربية لتخديم المصالح الإستراتيجية القومية لأمريكا.
إستراتيجية بوش الجديدة، ليس فيها جديد، ولا تقوم على المزيد من التورط الأمريكي في المنطقة، اللهم إلا إذا أصيب بوش وإدارته بجنون الصيف وحاول الاعتداء على إيران أو سورية، اعتداءً عن بعد. أي على الطريقة الصربية: قصف جوي مستدام ورهان على تفكك داخلي، النموذج غير القابل للتكرار بإزاء سورية وإيران لاختلاف الأسباب، والظروف، والموقع والإمكانات والدور.
يجمع خبراء أمريكيون وأوروبيون، وقادة كبار في المؤسسة الأمريكية الحاكمة على القول أن اعتداء أمريكا على إيران سيكون بمثابة الصاعق الذي يفتح المشروع الأمريكي ويؤدي إلى سقوط الإمبراطورية الأمريكية (برجنسكي).
بوش عاجز عن تأمين عناصر أمريكية تساعده في زيادة التورط العسكري في العراق، وزيادة الإنفاق المالي، والمزيد من التورط في بؤرة الاستنزاف المفتوحة على مصراعيها، ذلك لان الإدارة والمجتمع والمؤسسة الأمريكية الحاكمة قد انتفضت عليه، وتوجت سلسلة انتفاضات بدأت عام 2005 بانتفاضة وسائل الإعلام، ثم بانتفاضة الأكاديميين ضد اللوبي الصهيوني، وانتفاضة العسكريين والجنرالات، وانتفاضة غلاة الصقور والمحافظين الجدد، والانتفاضة الشعبية في نتائج الانتخابات النصفية، مرورا بوحدة الحزبين (المؤسسة الحاكمة) في اختيار لجنة بيكر هاملتون وتوصياتها وإلزام بوش بإقالة رامسفيلد والإتيان بأحد ابرز عناصر اللجنة وزيرا للدفاع ليكون المشرف الميداني لتنفيذ خطة بيكر هاملتون.
الجاري والمؤكد في استطلاعات الرأي الأمريكي دليل قاطع على أن بوش لن يستطيع تأمين تمويل ورجال حملته أو خطته إذا كانت أمريكية الطابع والأدوات، وكذلك صلابة الديمقراطيين في الكونغرس ومجاهرتهم للحؤول دون المزيد من التورط، بل تحميل بوش وعصابته مسؤولية ما آلت إليه أمريكا وأزماتها وسمعتها. ولن يشذ الجمهوريون الذين يتعاملون مع بوش على انه "جرب معدٍ" وقاتل لهم ولمستقبلهم السياسي في أمريكا وفي الانتخابات الرئاسية، وعليه لن يحصل بوش على ما يريده في أمريكا ومنها.
بوش يراهن على ما هو من خارج أمريكا
بما أن بوش وفريقه يدركان أن المجتمع الأمريكي قرر، ومعه المؤسسة الحاكمة، وضع حد لمغامراته والورطات التي أقحم أمريكا فيها، فقد سعيا، مع من تبقى من الصقور، لتوليد آليات جديدة من خارج أمريكا لاستخدامها في محاولاته الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فأرسل ديك تشيني إلى العرب والمسلمين، ثم كرر إرسال رايس لتوليف حلف عربي رسمي ومحاولة إقناع دول إسلامية للانضمام للحلف ليكون أداة الإستراتيجية البوشية، ومصدر تمويلها وتعضيدها، ووسيلتها في فرض مخارج للمأزق الأمريكي الغربي في المنطقة العربية والإسلامية. وهكذا يقال أن حلف المعتدلين العرب "حلف تشيني كوندي" قد تشكل ليكون أحد أهم أوراق وأحصنة وأدوات خطة بوش وإستراتيجيته الجديدة.
على ذات النسق أحرج بوش وتشني ورايس قوى محلية في الساحات المتفجرة، وحثها وطالبها بأن تدلوا بدلوها ما دامت قد أعلنت مواقف عاصفة من خطة بيكر هاملتون. وهذه القوى كما هي معروفة، في لبنان الفريق الحاكم وميليشياته، وفي فلسطين الحكومة الإسرائيلية وأجهزة السلطة الفلسطينية المتنفذين فيها، وفي العراق حكومة المالكي والقيادات الكردية. وطلب منها بوش أن تنفذ وعودها، وان تخلق عناصر مادية من شأنها تخليق فرص وبدائل لخطة بيكر هاملتون، واعداً بان تقوم الإدارة الأمريكية بدعمها عبر "سي أي إيه"، والتمويل والتوجيه، وضبط استراتيجيات العمل في الساحات الثلاثة بتنسيق وتكامل، وحمايتها دبلوماسيا، وفي مجلس الأمن والتحالف مع أوروبا التي تخضع لمشيئته.
أفصح بوش عن خطته إستراتيجيته بوضوح سافر، وأعلن ساحات عمله بصورة واضحة في خطاب حالة الاتحاد، وقال أن الساحات المقصودة والأهداف المحددة هي في لبنان وفلسطين والعراق، وأعطى الأمر لل"سي أي إيه" ولفرق الموت، أن تبدأ المعركة السياسية والعسكرية. فتصاعدت التفجيرات متزامنة في النجف "جنود السماء"، وفي لبنان الخميس الأسود، وفي فلسطين جولة العنف العاصف في غزة.
في قول متكرر لعدد من الخبراء والمتابعين، أن بوش يكرر خطة نيكسون عندما اتخذت المؤسسة الحاكمة في أمريكا قرارا بإستراتيجية الانسحاب من فيتنام، يومها قرر الرئيس وفريقه أن يستخدم الأدوات المحلية إلى أقصى حد يمكن استخدامها، وجرت عملية فتنمة الحرب، أي تدعيم الجيش الجنوبي وتسليحه وتوريطه في حرب تدميرية مع الفيتكونغ وفيتنام الشمالية، بدعم من الطائرات الأمريكية والوحدات الخاصة والعمليات الاستخبارية.
على جري العادة والمقارنة، يمكن الجزم بان خطة بوش هي الطلقة الأخيرة في ذخيرته، يستخدمها في لحظة اليأس والإحباط والعجز علها تفيد، وان لم تفد فلن تضر به في أمريكا حيث يدرك انه لا يستطيع تأمين احتياجات كبيرة لعمليات عسكرية أميركية متسعة.
في خطة بوش رهان كبير بإحداث فتنة سنية شيعية، هدفها قسم الأمة وإشغالها لزمن طويل واستنزافها وكسر إرادتها، سعيا إلى افتعال حروب استنزاف بين الجهادية الإسلامية من الشيعية والسنة. ولذلك ساوى في خطابه بين المقاومات السنية والشيعية واعتبرها عدوا مشتركا.
الفتنة، يعمل عليها فريق بوش، ويؤلب الجميع على الجميع، ويسعى لبناء سد قوي عماده دول الخليج العربي ومصر والأردن والمغرب العربي، ويحاول امتدادا إلى تركيا وباكستان واندونيسيا، لتكون بمثابة جدار حامي لمشروعه في تفجير سورية، والانتقال إلى تفجير إيران، أو الاعتداء عليها.
أهداف إستراتيجية بوش
ولتأمين هذه الخطة يقوم بوش بتقويض القوى المحلية العربية في الساحات المتفجرة، وتأمين حمايتها وتغطيتها من دول الاعتدال، ويقوم بتحشيد قوة عسكرية محمولة، وزيادة عدد حاملات الطائرات في بحر العرب والمحيط، وإرسال الغواصات، ووحدات الكومندوس، وراجمات الصواريخ، وزرع الخليج العربي بالدرع الصاروخي وله في ذلك أهداف متعددة.
- تحميل العرب مسؤولية أي حرب جديدة، وتلزيمهم كلفها المالية؛
- تعزيز قوة أمريكا في دول الخليج تحسبا لانهيار الاحتلال في العراق، ولمنع تداعي أحجار الدومينو، وتأمين استمرار السيطرة على آبار النفط وخطوط نقله، وحماية قاعدته في شمال العراق والأردن والكويت ودول الخليج قاطبة ومنع انهيار نظمها وإداراتها؛
- تأمين خلفية للقوات التي ستنسحب من العراق، وتعزيز الوجود الأمريكي الفاعل في محاولات مستقبلية للتأثير بخيارات العراق وتطوره ووضعه تحت السيطرة؛
- في حال نجاح خطة الفتنة، وتفخيخ سورية وإيران والتأثير على قدراتها، وإذا ما نجحت الخطة في تصفية الانتفاضة في فلسطين وإشغال المقاومة اللبنانية في شوارع بيروت، وإضعاف المقاومة في العراق، تكون خطة بوش قد نجحت في خلق بيئة مناسبة، وأتمت تحضير مسرح العمليات لتوجيه ضربة جوية لإيران عبر إسرائيل أو عبر القوة الأميركية، وبذلك يكون الحشد محسوبا على أساس الاحتمالين والخيارين: احتمال تأمين الانسحاب من العراق ووقف التداعي، أو استخدامه في العدوان على إيران إذا توفرت أسباب ذلك وتهيأت بيئته.
في مستقبل خطة بوش، يجزم الخبراء والمتابعين أنها إلى الطريق المسدود. فعرب النظم غير قادرين على حماية المشروع الغربي المتداعي، وغير قادرين على تغطية فتنة سنية شيعية لكون معظم دولهم ستكون متضررة بعكس إيران ذات الأغلبية الشيعية الساحقة، وتركيا رفضت الانجرار والانخراط في الحلف وليس لها مصلحة في ذلك. فالفتنة المذهبية والفتن الإتنية لها مفاعيل خطيرة على وحدة تركيا وتؤدي إلى تفكيكها كما في تقسيم العراق. والخطة برمتها لن تنجح. ففي فلسطين تلقت صفعة كبيرة اضطرت مصر والسعودية وأبو مازن للدعوة لتفاهم مكة. وفي العراق تبدو الأزمة أعمق من أن يحلها 21000 جندي أمريكي وخطة أمنية عمادها البشمركة وميليشيا بدر وحزب الدعوة، لاسيما مع اتساع دائرة المقاومة ودائرة الاستهداف الأمريكي، ودخول الشيعة وإيران طرفا محوريا في المقاومة، والشاهد عدد الطائرات المروحية التي تسقط وعدد قتلى جيش الاحتلال الأمريكي.
يحاول بوش استخدام رصيده العربي والإسلامي، لكنه رصيد سريع النفاذ، وهذا ما سيكون.
أما بعد سقوط خطة بوش، فالمنطقة إلى حقبة نوعية جديدة مختلفة تتأسس معالمها في عام 2007، وتتكرس قواعدها في الساحات التي انتصرت فيها المقاومة وتخوض معركتها الكبرى في إسقاط القوى الهامشية التي اختارت أن تكون أدوات في خطة بوش تشيني شيراك أولمرت.
ماذا بعد نجاح المقاومات العربية والإسلامية، وماذا بعد إفشال خطة بوش؟
تفيد دروس التاريخ ومعطيات الواقع أن العرب والمسلمين أمام خيار النهوض وتجديد المشروع التحرري، أو إلى اضطراب مستدام.
ميخائيل عوض
بيروت 14-2-2007