رياح التغيير ومؤتمر القمة العربية |
العرب والعولمة
عندما تصل هذه المجلة إلى أيدي القراء تكون القمة العربية التاسعة 19 قد عقدت في الرياض، وصدرت قراراتها بموافقة جميع المؤتمرين. وتشير جميع الدلائل أن هذه القمة، غير سابقاتها، ستكون ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، تنعكس على مستقبل العلاقات العربية، كما على معظم القضايا العربية الساخنة، من العراق إلى فلسطين ولبنان والسودان، وربما إلى أوسع من ذلك. وأوضح إجتماع وزراء الخارجية، الممهد لمؤتمر القمة، أن قرارات مهمة تم إتخاذها، وعلى الملوك والرؤساء الموافقة عليها.
وقد أظهر الملك عبدالله بن عبد العزيز، المضيف للقمة ورئيسها، ثقة عالية وطموحا كبيرا بتمكين القمة من إظهار "الإرادة العربية الحرة المستقلة، التي تخاطب آمال الشعب العربي وطموحاته... (وإنها ستقوم) بكل ما يوثق المصالح العربية المشتركة، وتتصدى للتحديات السياسية والإقتصادية والثقافية التي تواجه الوطن العربي، وتتعامل مع القوى السياسية العالمية بتفهم وندية، وتعمق من إنتماءات المجتمع العربي وهويته الإسلامية والوطنية".
وحسب ما أعلنه أمين عام الجامعة العربية، فقد تم وضع إتفاق "مجلس الأمن والسلم العربي" حيز التنفيذ اعتباراً من 26-3-2007، بعد مصادقة جميع دول الجامعة العربية، تلبية لقرار قمة الخرطوم. ويقول عمرو موسى أن الورقة "تنطلق متى أقرها العرب خلال هذين اليومين من إقفال الدائرة لتحصين العمل العربي المشترك، سواء السياسي أو الأمني والإقتصادي، وأنها مشروع يسعى إلى إحياء هذه المؤسسات التي كان من الضروري أن توجد لتحدث التوازن في السياسة العربية".
كما اتفق وزراء الخارجية العرب على إعادة طرح مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت، ويكثر الحديث عنها الآن عربيا وأميركيا وأوروبيا وحتى إسرائيليا، بالرغم من إنعدام إمكانية قبول الكيان الصهيوني بها في صيغتها الحالية. فما عدا مما بدا حتى تستفيق الأنظمة العربية؟ هل حقا أن جامعة الدول العربية سيعاد ترميمها بغية إعادة تأسيس النظام العربي؟ هل هناك متغيرات حقا في النظام العربي المتداعي، وما أسباب هذه المتغيرات؟
إن ما نراه على سطح الأحداث في المشرق العربي لا يعبر عن إستيقاظ ضمير القادة والرؤساء الذين رأيناهم في القمم العربية السابقة. إن رياحا جديدة تهب على المنطقة والعالم، تشتمها الأنظمة العربية، تخافها وتستغلها وتميل معها، خوفا من أن تقتلعها هذه الرياح. وبغض النظر عن قدرة الأنظمة العربية على تحقيق ما تعد به، فربما كانت هناك خمس متغيرات إقليمية ودولية أساسية دفعت إلى هذه "اليقظة" العربية.
أولاً: تعثر الهجمة الإمبريالية الصهيونية على المشرق العربي. فحلم بوش بالإجهاز على سبع دول خلال خمس سنوات، تبدأ بالعراق وسوريا وتنتهي بإيران، قد باءت بالفشل الذريع. إن وقوع بوش في الفخ العراقي أرهق وأضعف الإمبريالية الأميركية، مما أدى إلى إفلات أميركا اللاتينية من قبضتها، وكذلك كوريا الشمالية، وأعطى إيران فرصة ذهبية لتبني قدراتها وتصبح قوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط. غير أن تدمير العراق أثار مخاوف العديد من الأنظمة العربية وكشف أمنها الإقليمي. وذلك يدفع هذه الدول إلى التضامن والتكاتف قبل سقوط المظلة الأميركية التي تستظل بها الآن.
ثانياً: إن الولايات المتحدة العالقة في الفخ العراقي، تجهد للإفلات منه قبيل الإنتخابات الرئاسية، وتقف ربما على أعتاب كساد كبير شبيه بكساد الثلاثينات من القرن الماضي، بسبب إنفجار الفقاعة العقارية وزيادة إستقطاب الثروة، وتوسع الفروقات الطبقية، وإرتفاع القدرات الإنتاجية المعطلة، ونمو العجز الكبير في ميزان المدفوعات الجاري الحقيقي، مما يوجه ضربة قاسية لمركزها العالمي وطموحاتها الإمبريالية. فالقدرات العسكرية تحددها القدرات الإقتصادية في نهاية المطاف.
ثالثاً: سقوط الأحادية القطبية الأميركية وظهور قوى صاعدة تنافس الولايات المتحدة، ولها مصالح وإرتباطات واسعة في العالم، مثل الصين والهند وروسيا، مما يفتح أمام العديد من الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم خيار تشعيب علاقاتها الدولية، والإفلات من الارتهان للمركز الأميركي المهيمن.
رابعاً: إن نهوض قوى المقاومة الشعبية العربية في العراق ولبنان وفلسطين، وقدرة المقاومة اللبنانية على إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني بشكل خاص، خلق لدى الجماهير العربية طموحات وآمالاً عريضة، ليس في إسقاط أسطورة الردع الإسرائيلي، وقبول أعذار الأنظمة العربية للإنبطاح أمامها فقط، بل في إسقاط الأنظمة العربية المستلحقة والإستبدادية، الساعية للإعتراف بهذا الكيان الصهيوني. وغريزة البقاء لدى هذه الأنظمة تدفعها إلى اللحاق ولو جزئيا بجماهيرها، خوفا من السقوط على أيدي هذه الجماهير.
خامساً: إن ارتفاع أسعار النفط بسبب ارتفاع الطلب عليه، أكثر من ارتفاع إنتاجه، ما أعطى هذه الأنظمة، وخاصة النظام السعودي في المشرق العربي، قدرات مالية وإستراتيجية لا بد من استغلالها في إتباع سياسات أكثر تحررا واستقلالية عن المراكز الإمبريالية الغربية، فأخذت توسع علاقاتها الدولية وتوسع طموحاتها فتعمل على قيادة المشرق العربي بعد سقوط مصر والعراق.
العرب والعولمة