حرب العراق مصدر استياء الشارع الأميركي

ستيف فوجيل ومايكل أليسون شاندلير
محرر الشؤون الخارجية في "واشنطن بوست"

 

يوم الخميس الماضي نظم الآلاف من المتظاهرين مسيرة احتجاجية ضد الحرب في العراق بمناسبة حلول الذكرى الرابعة للغزو الأميركي لبلاد الرافدين، وذلك أمام "البنتاجون". غير أن هؤلاء المتظاهرين تعرضوا للسخرية من قبل حشود أخرى جاءت لتعارض المسيرة الاحتجاجية. أما المتظاهرون الذين لم يكترثوا فقد شبهوا المسيرة الحالية بتلك التي شهدتها واشنطن قبل أربعين عاماً في 1967 احتجاجاً على حرب فيتنام.


وقد كانت المسيرة جزءاً من الاحتجاجات التي اندلعت على امتداد نهاية الأسبوع الماضي وطالت مدناً أميركية أخرى عدا واشنطن، كما انتقلت إلى خارج الولايات المتحدة. المسيرة جاءت أيضاً احتجاجاً على قيام الرئيس بوش بإرسال قوات أميركية إضافية إلى العراق لإحكام السيطرة على بغداد، بينما تتصاعد المطالب داخل الكونجرس لإرجاع تلك القوات إلى أرض الوطن. "بول ميلر"، البالغ من العمر 72 عاماً وأحد المحاربين القدامى في مشاة البحرية الأميركية، شارك في المسيرة الاحتجاجية مع أخيه الذي ينضم لأول مرة إلى مظاهرة تندد بالحرب على العراق، حيث وضح سبب مشاركته بقوله: "لقد كنتُ مثل باقي الشعب الأميركي أثق في القادة، لكنني مللت من كذبهم، إنني أشفق على الجنود المتواجدين في العراق". وأكد منظمو المسيرة أن تحركهم الاحتجاجي إنما جاء ليعكس شعورهم بالخيانة بسبب الاتجاه المتصاعد للحرب في واشنطن. ولم يتوانَ بعض المتحدثين في المسيرة عن المطالبة برفع دعوى قضائية على الرئيس بوش، ونائبه ديك تشيني، كما ندد آخرون بالكونجرس الأميركي الذي فشل في قطع التمويل على المجهود الحربي.


لكن التحرك الذي شهدته واشنطن أمس لم يقتصر على المنددين بالحرب، بل شارك فيه أيضاً المؤيدون لها. فقد كان الكثير من هؤلاء من قدامى المحاربين الذين تحلقوا حول النصب التذكاري للجنود الأميركيين الذين سقطوا في فيتنام، مؤكدين أنهم جاءوا لحماية النصب التذكاري من أية محاولات قد يقوم بها الطرف الآخر للمس بحرمة القتلى الأميركيين. "جاي روكا"، أحد المحاربين القدامى في حرب فيتنام جاء لأنه اعتبر أن مناهضي الحرب لا يعكسون الصوت الوحيد الموجود في الساحة الأميركية قائلاً: "إنني هنا لأني أعتقد أنه علينا الالتزام بالوقوف وراء جنودنا في العراق، وليس التخلي عنهم". وخلال المسيرة تراشق الطرفان بكلمات نابية وسخروا من بعضهما بعضاً، ووجدت قوات الشرطة نفسها مضطرة للتدخل للحيلولة دون اشتباك الطرفين.


وعندما وصل المحتجون إلى جسر فرجينيا استقبلهم عدد آخر من المعارضين لحركتهم الاحتجاجية، لاسيما أمام مقبرة "آرلينجتون" الوطنية رافعين لافتة كتب عليها "إنكم تجلبون العار للقتلى الأميركيين". لكن المحتجين وجدوا المكان فارغاً تقريباً أمام "البنتاجون" إلا من رجال الشرطة الذين طوقوا المكان. "مارا فيهيدن هيليار"، إحدى قادة المظاهرة المناهضة للحرب قالت "إنه أمر غريب أن أقول هذا، لكن مرحباً بكم في البنتاجون".


وعندما حاولت مجموعة من المتظاهرين الوصول إلى مقر وزارة الدفاع من الناحية الجنوبية، واجهوا مقاومة شرسة من قبل رجال الشرطة، حيث تم اعتقال خمسة من المحتجين، لكن فيما عدا بعض الاحتكاكات البسيطة لم تسجل أعمال عنف.

 
ولم تحُلْ الليلة الماطرة التي تخللها تساقط الثلوج والبرد، مع انخفاض في درجة الحرارة من تجمع المتظاهرين صبيحة اليوم التالي في أحد الملاعب الموحلة في شارع 23 وشارع "كونستوتيشن". وحسب منظمي المسيرة الذين توقعوا أن تصل أعداد المشاركين إلى عشرات الآلاف أشاروا إلى أن العدد تراوح بين 15، و30 ألف مشارك، بينما قدرت الشرطة العدد الحقيقي بين 10 و20 ألفاً، بالإضافة إلى جماعة صغيرة من المعارضين للمسيرة قدمت للاحتجاج عليهم.


وبرر منظمو المسيرة قلة الحضور بالعاصفة الثلجية التي ضربت شمال شرق أميركا وقلصت من الحضور. وحسب "برايان بيكر"، وهو المنسق الوطني لاتحاد يطلق على نفسه "جواب" والراعي الأساسي للاحتجاج فقد تم إلغاء 60 رحلة كانت مقررة إلى واشنطن للمشاركة في المظاهرة لكنها أجلت بسبب العاصفة الثلجية. هذه العاصفة الثلجية لم تمنع معارضي الاحتجاج من المشاركة في مسيرتهم المضادة التي عبروا فيها عن مساندتهم للحرب في العراق. وقبل بدء المسيرة تجمع المعارضون لها في شارع "كونستوتيشن" وبدأوا يشتمون المشاركين بأقذع الألفاظ. وقد وجه أحد المعارضين للمظاهرة كلمات نابية للمشاركين في المسيرة دون مراعاة للأطفال الذين كان بعضهم متواجداً في المكان.


وفي الوقت الذي انخرط فيه بعض المتظاهرين من المساندين للحرب في حوار ودي مع المحتجين على الحرب، قام آخرون بقطع الطريق على المشاركين في المسيرة، وحالوا دون وصولهم إلى النصب التذكاري الذي يضم أسماء القتلى الأميركيين في حرب فيتنام، خصوصاً الذين يحملون لافتات في أيديهم. "إيريك أندرسون"، البالغ 47 عاماً وأحد سكان الحي قال إن اللافتة التي كان يحملها انتزعت منه ورميت في الوحل. أما "بوب أندريس"، المصرفي البالغ من العمر 60 عاماً والقادم من ولاية "أيوا" فقد جاء من ولايته البعيدة إلى واشنطن للاحتجاج على الحرب، وعلى رغم أنه كان يود رؤية النصب التذكاري، لكنه عدل عن ذلك عندما شاهد الفوضى التي عمت المكان.


وبعد الخطابات التي ألقاها الناشطون المعارضون للحرب بمن فيهم "سيندي شيهان"، واصل المحتجون مسيرتهم عبر الجسر قبل الساعة الواحدة ظهراً، ثم بدأوا مع الساعة 1.45 دقيقة ظهراً يتقاطرون بالقرب من وزارة الدفاع الأميركية، بعضهم قصد أحد مواقف السيارات، بينما فضل البعض الآخر اعتلاء تلة تشرف على مقر وزارة الدفاع. وفي تمام الساعة 2.10 ظهراً تابعت مجموعة مكونة من بضع مئات من المشاركين الشباب طريقها عبر شارع 27 متجهة إلى الجنوب، حيث قامت بإيقافهم الحواجز التي أقامتها الشرطة في المكان.

 

ستيف فوجيل ومايكل أليسون شاندلير
محرر الشؤون الخارجية في "واشنطن بوست"

19-3-2007 المصدر: http://www.arabinfocenter.net