طريق الديمقراطيين لمغادرة العراق |
هارولد مايرسون
كاتب ومحلل سياسي أميركي
لم يُعرف عن ديفيد أوبي النائب الديمقراطي في الكونجرس الأميركي من ولاية ويسكونسن الذي يترأس لجنة الاعتمادات المالية، أنه هادئ الأعصاب. فكلما برز خلاف ما في وجهات النظر، ينفجر "أوبي" في وجه مخاطبه بطريقة توحي بالفظاظة وسوء التصرف. لذا فبينما كان في الأسبوع الماضي يحشد الدعم للتعديلات التي اقترحها "الديمقراطيون" وتقضي بفرض موعد محدد لإنهاء العمليات القتالية الأميركية في العراق مع حلول عام 2008، شوهد "أوبي" وهو يرافق "تينا ريتشارد"، وهي ناشطة ضد الحرب وأم لأحد جنود "المارينز". هذه اللحظة النادرة تم تسجيلها وبثها على الإنترنت، حيث ظهر فيها "أوبي" وهو يصرخ في وجه "تينا ريتشارد" التي سألته عن سبب دعمه لمشروع القانون الخاص بالاعتمادات المالية للحرب في العراق، وعن سبب عدم إقدام الكونجرس على قطع التمويل وإنهاء الحرب. حينها رفع "أوبي" صوته: "إننا لا نستطيع الحصول على الأصوات اللازمة، ألا تدركين أني لا أملك عصا سحرية؟".
ومنذ ذلك الحين وكتاب المدوَّنات يلاحقون "أوبي" ويصفونه بالمتعطِّش للحرب، على رغم أنه اعتذر عن معاملته السيئة للمرأة التي سألته. وامتدت هذه الملاحقة إلى "نانسي بيلوسي" التي لا يكف هاتف منزلها عن الرنين لحثها على إعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن. والواقع أن موقف "أوبي" ليس بعيداً تماماً عن الصواب، على رغم اختلافنا معه في الأسلوب، حيث يصعب فعلاً تأمين الأصوات داخل الكونجرس الأميركي لقطع التمويل عن الجنود الأميركيين في العراق، وبالتالي إنهاء الحرب هناك. لذا فإن ما يسعى إليه "أوبي"، إلى جانب باقي الأعضاء "الديمقراطيين" في كلا مجلسي الكونجرس، هو العثور على وسيلة لمنع الرئيس جورج بوش من إدامة الحرب وتوريثها لمن سيخلفه في البيت الأبيض، دون مراعاة للتكلفة الباهظة التي تتكبدها أميركا من المال والأرواح. وكما يقر بذلك "أوبي" و"نانسي بيلوسي"، لن تكون الشروط التي يسعى "الديمقراطيون" إلى إلحاقها بمشروع قانون الاعتمادات المالية، كافية لإنهاء الحرب فوراً، لكنها تظل أفضل الخيارات المتاحة للحد من مغامرة التدخل الأميركي في العراق، وبالتالي تقليل خسائرها المهولة، بالنظر إلى هامش الأغلبية الضئيل الذي يتوفرون عليه، ووجود رجل مثل بوش في البيت الأبيض.
وليست الجهود التي تنخرط فيها "نانسي بيلوسي" و"ديفيد أوبي" مجرد جعجعة للفت الأنظار، بل هي مساعٍ حقيقية ذات تأثير يفوق معارضة مرشحي "الحزب الديمقراطي" للانتخابات الرئاسية المقبلة، للحرب المذكورة. ولا زلنا نذكر كيف واجهت "بيلوسي" في أكتوبر 2002 رئيس الكتلة "الديمقراطية" وقتها في الكونجرس "ريتشارد جيفارت"، حيث عارضت مشروع القانون الذي يخول الرئيس سلطة شن الحرب على العراق. وقد انضم إليها "أوبي" الذي صوت مع "بيلوسي" وندد بالتدخل الأميركي في بلاد الرافدين. ولعل ما يدركه "أوبي" و"بيلوسي" معاً، من أعضاء "الحزب الديمقراطي" ذوي الميول اليسارية، هو أن الحصول على الدعم اللازم لإنهاء الحرب في العراق، يتطلب تأمين أصوات الكونجرس ثم الدخول في مواجهة شرسة مع البيت الأبيض. وبسبب مبدأ الفصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور الأميركي، فقد دخل الكونجرس وإدارة بوش في صراع حول تحديد الشروط التي يتعين على الإدارة التقيد بها قبل تمرير الاعتمادات المالية اللازمة للجنود.
وإذا استمرت الحرب لفترة أطول ستكون النتيجة إما انضمام "الجمهوريين" إلى زملائهم من "الديمقراطيين" في مطالبهم الداعية لإنهاء الحرب، أو التمسك بمواقفهم، وهو ما سيضمن وجود عدد كافٍ من "الديمقراطيين" في الكونجرس لوقف الحرب.
وبالنظر إلى الواقع السياسي والدستوري الأميركي الذي يجعل من الصعب دخول مواجهة مع السلطة التنفيذية في ظل الأغلبية البسيطة التي يملكها "الديمقراطيون" في الكونجرس، يبقى الحل الأفضل هو تمرير مشروع قانون الاعتمادات المالية، لكن رفقة شروط تحدُّ من حرية الرئيس في خوض الحرب إلى ما لا نهاية.
في 15-3-2007، المصدر: مركز الإعلام العربي، www.arabinfocenter.net