فرصة التغيير... سانحة

دبلان حميه


تراوحت مطالب المعارضة الوطنية اللبنانية بين التوافق على القضايا الجوهرية والقرارات الأساسية وتوسيع وتعديل حكومة السنيورة، وإعطاء المعارضة الثلث الضامن وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإقرار قانون انتخاب جديد وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وإجراء استفتاء شعبي حول القضايا الأساسية.

وأرفقت المعارضة مطالبها بسلسلة من التطمينات لفريق السلطة بترئيس فؤاد السنيورة لحكومة موسعة أو جديدة وباستمرار الأكثرية الوزارية لهذا الفريق وبأن الثلث الضامن أو المعطل يستمر معمولاً به ولو تحولت الأكثرية النيابية الحالية إلى أقلية بعد أي انتخابات قادمة سواء مبكرة أو عادية وتدفق سيل تطمينات المعارضة لفريق الأكثرية وبأن لا يستقيل الوزراء من الحكومة وأن...

وتدرجت المعارضة بإطلاق التوصيفات على حكومة السنيورة فهي حكومة لا وجود لها أو حكومة أمر واقع أو حكومة بتراء أو حكومة فاقدة للشرعية أو حكومة غير ميثاقية وغير دستورية أو حكومة فيلتمان أو حكومة مغتصبة للسلطة ومحتلة للسرايا الحكومي.

وعلى إيقاع هذه المطالب والتطمينات والتوصيفات لجأت المعارضة إلى خطوات إجرائية عملانية رسمية باستقالة الوزراء من الحكومة وبتنظيم مظاهرتين شعبيتين غير مسبوقتين وبمباركة تحركات الاتحاد العمالي العام وبتنفيذ اعتصام في وسط العاصمة وبمحاولة تنفيذ عصيان مدني على الطرقات وفي الساحات العامة على أن يطال المؤسسات الرسمية والحكومية ويرفع الصوت عالياً على منع الحكومة مساعدات الدول المانحة عن مستحقيها.

إن تنوع شعارات وإجراءات المعارضة لم ترقَ إلى الانقضاض على هذه السلطة ولجمت الغضب الجماهيري الساطع العارم فتقيدت بسقف السلم الأهلي والاستقرار الداخلي وصون العيش المشترك والوحدة الوطنية لقطع الطريق على صناع الفتن الطائفية والمذهبية ورهان المعارضة أن يرعوي أدعياء الديمقراطية الغربيون عن ضخ جرعات الدعم لهذه السلطة أن يصحو ضمير أهل السلطة وفريق 14 شباط أو على صحوة وطنية عندهم أو أن يهب أرباب المال لترشيد السلطة ضمانة للاستقرار وحركة الرأسمال...

لكن السلطة مضت وتمضي في مشروعها فتعين مدراء عامين وموظفين وتضغط على آخرين وتعطل أجهزة وتفعل أخرى و... عاقدة مجالس غير عابئة بدستورية أو قانونية قراراتها ولا تفعل بها الضغوط الشعبية وصرخات المواطنين وشكاوى القوى السياسية بل ترفع عقيرتها وتسخر من دعوة المعارضة إلى دراسة نظام المحكمة ذات الطابع الدولي وتهزأ من الدعوة إلى متطلبات باريس3... وإن اضطرت تلميعاً لصورتها إلى حوار وتنفيساً للأجواء إلى تشاور فخلفية مشاركتها تقطيع الوقت وأخذ ما يمكن أخذه لصالحها وتمرير ما يخدمها وامتلاك ذرائع إضافية. إن خلفية فريق 14 شباط في أي حوار أو تشاور هي استسلام المعارضة والشعب اللبناني إلى سطوتها ومشروعها.

إن السلطة احتالت على بعض قوى المعارضة فأقامت حلفاً انتخابياً رباعياً لامتصاص مفاعيل الخروج السوري من لبنان ولتأمين أكثرية نيابية وتوسلت في هذا الاحتيال تصريحات في الخارج ومواقف في الداخل وتقديم الإثبات على مصداقيتها. واستمر فريق السلطة بالاحتيال على المعارضة فشكل حكومة مع بعضها وهو يضمن أن لا ثلث ضامن فقد اشترى بعض الوزراء بوسائل شتى.

لقد أدخل فريق السلطة ثقافة الرشوة والإغراء بالمال والوظائف على المواطنين أثناء العملية الانتخابية وتحشيدهم في احتفالاته وتجمعاته كما عمم هذه الثقافة بين النواب والوزراء وأصحاب المراكز بالإغواء بمناصب رفيعة وبتنفيعات عبر نهب ثروات الوطن.

إن السلطة بوسائلها السياسية بالاحتيال والخداع والغدر والرشوة والترغيب تمادت في الاستهتار والاستكبار والانحطاط فلوثت التربة والماء والبحر والسماء بالنفايات السامة توزعها على صدر لبنان ومات في هذه السلطة أي شعور وطني فحرضت العدو على شن حربه المدمرة على الوطن فالأرض في مزارع شبعا غير لبنانية بشهادة خريطة قصر المختارة وإسرائيل ليست عدواً بصرخة صاحب القصر وصراخ "الحكيم": البحر من أمامكم والعدو من ورائكم، وسوريا لا إسرائيل من ورائكم. ويأنس فريق السلطة لصراخه فيحلم أحد أقطابه زبالاً في نيويورك ينظف أوساخ سادته وفي نفس الوقت يرفع العلم الفرنسي في بيته الذي ضاق به وبتقلباته وبفساده ذرعاً.

إن هذه السلطة فاسدة وطنياً وأخلاقيا إنها سلطة التلوث والنفايات قلبت الثوابت الوطنية وانقلبت على الوطن والمواطنين باعت نفسها وتبيع الوطن في أسواق نخاسة. إن أركان هذه السلطة يستجدون الدول النافذة أن تنظر إليهم نظرة أجراء لا حلفاء ولا وكلاء بل أن تعاملهم كعمال سخرة انتقاماً من شعبهم وخروجاً على وطنهم. إنهم ينعقون صبحاً ومساءً بطلب قوات متعددة الجنسيات وتلزيم المن والقضاء والمؤسسات إلى الخارج...

ووسط هذا الواقع المرير يعيش المواطن اللبناني بين معارضة وطنية طويلة النفس صابرة محتسبة وسلطة مقطوعة النفس لاهثة فيعجب من هذه السلطة التي تتشكل من بقايا حكومة وسبعين نائباً وبضع مئات من المنتفعين والموتورين مدعومة بقوى خارجية مأزومة بحجم مستقبل شعوبها ودولها وبجعجعة إعلام يكبر الأمور فيحول الحبة إلى قبة وبضجيج تصريحات رؤساء دول معنية ومحددة وزعيق سفراء وقناصل وموفدين وبقرارات مجلس أمن دولي بعيد عن واقع أمم العالم مخالف لإرادة شعوب العالم تهيمن عليه حفنة من الدول. إن المواطن اللبناني الذي يعجب من هذه السلطة ويزداد عجبه من المعارضة التي يتلاءم خطابها السياسي والأخلاقي والوطني مع طموحاته وأهدافه فهو يراه خطاباً وطنياً راقياً كما يستمر متعجباً وهو يرى حجم التأييد الشعبي العارم للمعارضة وحرصها الشديد على سيادة القانون والنظام كما يرى امتلاكها وسائل إعلام خارقة وماهرة وتحظى المعارضة بتأييد إقليمي لا يستهان به وبتعاطف دول في العالم ومحبة شعوب العالم قاطبة ويضاف إلى ميزات المعارضة إمساكها بمكاني رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ومع كل هذه الإمكانيات تتشارك الهموم الوطنية والقومية مع مقاومة فريدة أعطت التاريخ نماذج في البطولة والصمود والإتقان وأصابت العدو الإسرائيلي بمقتل في جوهر نشأته وتكوينه.

إن اللبناني يعجب أن تبقى المعارضة الوطنية عند أسلاك السرايا الحكومي مع ما تملكه من كفاءات ومؤهلات وإمكانيات وميزات ويسأل نفسه هل تريد المعارضة من السنيورة أن يخلي السرايا بنفسه أو ان يدعوها هو لإخراجه منها ولا يقتنع اللبناني بحجة الفتنة المذهبية التي حاول فريق السلطة أن يلعب ويتلاعب بها لأنه على يقين أن درس الحرب الأهلية قاس جداً وقد تعلمه اللبنانيون عن ظهر قلب وأن أساليب المسايرات والمجاملات، بدوافع أخلاقية أو إنسانية، التي يقوم بها بعض المعارضة مع فريق السلطة تثير مخاوفه وهواجسه خاصة بعض الشعب اللبناني المحسوب زوراً على فريق السلطة من يخرج من هذه الجموع المعارضة طرف أو أحد ويخطو خطوة شجاعة وينقض على بقايا سلطة عانى ويعاني منها ليتقدم عليه خطوات، والشعب اللبناني الذي يهمس بإيجاد الأعذار للمعارضة على صبرها وطول نفسها على هذه السلطة يرى أن الصبر والمجاملات تنعكس أحياناً كثيرة على حساب الوطن سلبياً وتأكل من حاضره ومستقبله.

إن الشعب اللبناني الذي يدرك هشاشة وهزالة بقايا السلطة تواق إلى مقارعة دول خارجية تدعم هذه البقية من حكومة إن كان درس أفغانستان والعراق والصومال ما زال ناقصاً عندها وغير كاف فهي في فشل ذريع وفي أزمة مشروع ولا يتجاوز اللبناني اختبار هذه القوات سابقاً في لبنان عندما انقض ركب الشهداء السعداء على سفارات ومعسكرات وثكنات تلك القوى وألحق بها الهزيمة النكراء واضطرها إلى الانسحاب عن أرض الوطن تجر الخيبة والإذلال.

إن المواطن اللبناني يعجب لاختلال فاضح في موازين القوى الداخلية لصالح المعارضة وفي عبر ودروس القوى الخارجية الماضية والراهنة في لبنان والمنطقة والعالم يرى أن الحسم في ساحة لبنان يساعد إيجابياً في الساحات الأخرى الإقليمية والدولية ولا يبرر التأجيل والبقاء على حافة انتظار التوازنات والتغيرات الإقليمية والدولية. إن العذر الوحيد المقبول لدى الشعب اللبناني في عدم الإجهاز على هذه السلطة هو أن تكون المعارضة جادة ونشطة في إعداد برنامج تغيير سياسي عام وشامل وإنتاج نظام سياسي جديد يحفظ الوطن والمواطنين. إن اللبناني يرد كل الأعذار الأخرى مثل الفتنة أو القراءة الواقعية أو موازين القوى ويظن أن تفويت فرصة التغيير تعود إلى طمع في محاصصة أكبر أو إلى رهن ساحة لبنان في لعبة الأمم أو أن كل الأهداف فئوية أو طائفية أو حتى فردية.

إن الشعب اللبناني يرى فرصة التغيير سانحة وتاريخية ويطالب باقتناص الوقت لإحداث التغيير فالوقت سيف ذو حديين، فلا حرق للمراحل ولا حجج غير مقنعة. فلتحدث المعارضة التغيير المنشود.