هل لبنان كيان نهائي؟ |
العرب والعولمة
رياح عاتية تهب على لبنان. هذا الوطن الذي لم يستطع خلال ما يقارب تسعة عقود من
انشائه، إنبات جذور تزرعه في ذاكرة بنيه. تم انشاء لبنان غصباً عن ارادة معظم بنيه،
في العشرينيات من القرن الماضي، في ظل الاحتلال الفرنسي ولخدمته. صنع هذا الكيان
ليكون مقراً وممراً للإستعمار، وقام بهذا الدور إبان عهد الاستعمار الفرنسي. واتى
استقلال لبنان بفضل نضالات بعض بنيه، وبفضل عشر دبابات ارسلها الجنرال سبيرس، لتقنع
الاستعمار الفرنسي بالرحيل. وكانت وثيقة الاستقلال تعبيراً عن تنازل متبادل من قبل
فريقي الاستقلال والاستتباع، بحيث يتخلى الفريق الاول عن طلب الوحدة مع سوريا، وان
يتخلى الفريق الثاني عن التشبث بالاستعمار الفرنسي، وعلى تعطيل الدور السياسي
للكيان بحيث لا يكون مقراً وممراً للاستعمار. جاء هذا الاتفاق في مرحلة تشابك
المصالح الاستعمارية، البريطانية الفرنسية، بشكل ملائم لدعاة الاستقلال.
لكن هذه المساومة التاريخية بين القادة، لم تتحول الى قناعة شعبية لدى اللبنانيين، تستند الى قراءة واحدة لتاريخ لبنان. وبما ان وحدة الجماهير اللبنانية لم تتحقق يوماً نتيجة تمايز الذاكرات والرؤى الشعبية وانعدام قراءة موحدة للتاريخ، وفهم موحد للحاضر، وتطلعات واحدة للمستقبل، كان من السهل ان ينفجر لبنان عند كل منعطف تاريخي يمر به المشرق العربي.
انفجر لبنان بعد انهيار الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، اثر فشل العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر، وبعد ان سعت الولايات المتحدة الى "ملء الفراغ" الذي خلفه هذا السقوط، وعبر بناء احلاف تابعة لها وفي خدمتها. لم يوقف الصراع الدموي الا نزول القوات الامريكية في لبنان لحماية حكم الاستتباع الذي قاده شمعون. ثم انفجر الصراع مجدداً بعد هزيمة 5 حزيران، حيث شعر فريق من اللبنانيين انه تمت هزيمة حركة التحرر العربية هزيمةً نهائيه، وآن الأوان لانضمام لبنان إلى تحالف أمريكي جديد يقوده الكيان الصهيوني في المشرق العربي. واندرج لبنان في مجريات هذا الصراع وكانت الحرب الاهلية، ثم الاجتياح الاسرائيلي الذي تم بالتحالف والتعاون مع قوىً لبنانية معروفة جيداً. واستمر هذا الصراع الدامي قرابة خمسة عشر عاماً. ولم تضع الحرب الاهلية اوزارها الا نتيجة مساومات دولية اقليمية في الطائف، ترجمت موازين القوى الداخلية والخارجية، واوكلت الى سوريا انهاء الحرب الاهلية وضمان السلم الاهلي.
وكان اتفاق الطائف اتفاقاً هجيناً ولد بنهجين متناقضين. نهجاً سياسياً ممانعاً للامبريالية والصهيونية، يتمثل اساساً بوحدة المسارين السوري اللبناني، ونهجاً اقتصادياً اجتماعياً يتمثل بالسياسات الليبيرالية الجديدة التي طبقتها العهود الحريرية بحماس المبشرين، وبدعم سعودي واشراف "إجماع واشنطن". وإذا كان النهجان يشكلان وجهين لعملة واحدة، فإن نظام الطائف حمل منذ ولادته تناقضاً اساسياً، كان ولا بد ان ينفجر مع تبدل الظروف الاقليمية والدولية.
وعندما قررت الامبراطورية الامريكية بقيادة المحافظين الجدد اجتياح سبع دول في الشرق الاوسط خلال خمس سنوات، لاسباب اقتصادية واستراتيجية وخلق نظام شرق اوسط كبير محوره الكيان الصهيوني، تمَّ تفجير لبنان مجدداً، بغية اعادته ممراً ومقراً للإمبريالية الجديدة.
في خضم هذه المتغيرات، فقد لبنان دوره الاقتصادي كمنتج ومصدر للخدمات التي يحتاجها المحيط، ولم تفلح جميع الجهود المبذولة لاستعادة هذا الدور. نحن نعيش اليوم مرحلة هزيمة الهجمة الامبريالية التي اندرج بها اهل السلطة في لبنان، والممتدة من افغانستان وايران الى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، مما سيفقد الكيان مبررات وجوده السياسي والاستراتيجي. فهل يستطيع لبنان ككيان ونظام الصمود في وجه هذه العواصف في داخله ومحيطه، ام اننا نشهد اليوم صيرورة نهاية لبنان كنظام وكيان نهائي؟
عين كسور في 26/06/2007
العرب والعولمة