قمة الثماني 2007: انهيار النظام |
لتقييم هذه القمة، لتقييم حقيقة القمة من جهة، وعرضها الافتراضي والمضلل من جهة أخرى، يكفينا، في نهاية الأمر، استعراض نصين.
- النص الأول يعود لجوليو غودوي Julio Godoy، من وكالة "أي بي إس" (IPS) Inter
Presse Service، في 8 حزيران. لقد أنجزت وكالة "أي بي إس" عملاً ممتازاً بتغطيتها
القمة. إنها دلالة على نجاح الصحافة "المنشقة" التي اكتسبت صوتاً أساسياً في
الموضوع، عن طريق نشرها عبر الإنترنت، والتي أصبحت منذ اللحظة الأداة الرئيسة
للإعلام الجدي.
- النص الثاني هو افتتاحية فايننشل تايمز Financial Times في 8 حزيران. إنها صرحٌ
للعنجهية الافتراضية، لغشٍ لم يعد مقصوداً، إذ يمكن القول بأنها آلية عمل صحافة
"مرجعيات" تعودت على "تبعيتها الإرادية" لدرجة أنها لم تعد تولي ذلك انتباهاً
كافيا. فضلاً عن ذلك، فإن نسق المدح المبالغ في النص، وإفراطه في الارتياح، ودفعه،
ونشاطه نحو مستقبلٍ أفضل، يشكل، بالتناقض مع الواقع، دلالة على الخوف المتنامي من
المؤسسات الأنغلو-ساكسونية، والليبرالية، والتبادل التجاري الحر، والعولمة وكل ما
يندرج في هذا السياق، أمام مسيرة الأحداث". (لنقل بسرعة أن نصّا آخر ظهر في نفس
الجريدة-المهرجة وهو عن طوني بلير، في 7 حزيران، يشكل صرحاً آخر من التزلف في حين
أن رئيس الحكومة السابق يقوم بحساب أمواله في يناصيب اليمامة.)
تقرير وكالة IPS
"أي بي إس"
فيما يلي، بعض المقاطع من التقرير الجدي لوكالة "أي بي إس"، مع ذكر سخط بونو:
من المحتمل أن يتم تذكير رؤساء حكومات مجموعة الثماني في اجتماع القمة المقرر هذه
السنة بـ "كيف لا / كيفية عدم" تنظيم مثل هذا الحدث، وذلك بسبب التناقض بين
التوقعات التي تثيرها هذه الاجتماعات وانجازاتها التافهة، وبسبب تكلفتها الأمنية
الباهظة أيضاً.
"قمة الثماني التي عقدت على مدى ثلاثة أيام في منتجع سياحي على شاطئ بحر البلطيق،
انتهت بوعدين مبهمين وغير ملزمين: مزيد من المساعدات لإفريقيا، ومفاوضات بشأن
بروتوكول اتفاق دولي يتجاوز معاهدة "كيوتو" لتخفيف الغازات المسببة للاحتباس
الحراري، في حين كان الفشل نصيب بنود عديدة أخرى كانت على جدول الاجتماع.
"فشل مجموعة الثماني في اجتماعها في "هليجندام" Heiligendamm في اجتياز اختبار
إثبات الذات لمصداقيتها سيصبح بالتأكيد علامة فارقة تميّز اجتماعاتها المستقبلية.
"وقد ألقى قادة دول مجموعة الثماني (بريطانيا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا،
اليابان، روسيا، والولايات المتحدة) كلماتهم الختامية دون الاتفاق على مفاوضات
التجارة العالمية، أو تقليص الدعم الزراعي في العالم الصناعي، الأمر الذي من شأنه
لو حصل أن يعطي دعماً للتنمية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
"لم يتم التوصل لاتفاق فيما يتعلق بالتعليمات الجديدة حول صناديق التمويل المراوغة
والمحفوفة بالمخاطر إلى حد كبير، ولا بشأن الوضع السياسي للمقاطعة الصربية في
كوسوفو."
"في الوقت ذاته، فإن الاتفاقين الوحيدين اللذين توصل إليهما قادة مجموعة الثماني
على المدى المتوسط، والمتعلقين بتقليص الانبعاث الحراري وتقديم مساعدة جديدة
لإفريقيا يعتبران بمثابة تسويتين ضعيفتين، صمما فقط لتجنب خلق انطباع بأن القمة
كانت فشلاً كاملاً.
"يوم الجمعة، توصل قادة مجموعة الثماني إلى اتفاق لتخصيص 60 مليار دولار "على مدى
السنوات القادمة" لتمويل الحرب على الإيدز والسل والملاريا، إضافة إلى 500 مليون
دولار إضافية لبرنامج "التعليم للجميع" في إفريقيا.
"غير أن خبراء التنمية والمساعدات يعتبرون هذا الالتزام الجديد بمثابة خطوة إلى
الوراء، مقارنة بالوعود التي قطعتها قمة مجموعة الثماني عام 2005 في "جلينجلز"
Gleneagles، في اسكتلندا، والتي نصت على مضاعفة مساعدات التنمية بحلول العام 2010.
فاتفاق "جلينجلز" نص على زيادة سنوية في مستوى المساعدات بقيمة 50 مليار دولار
ابتداء من العام 2006.
"الاعلان برمته (والذي جاء تحت شعار: المساعدات لإفريقيا) محض شكلي وتجميلي، بحسب
أولرش بوست Ulrich Post، خبير التنمية لدى المنظمة الألمانية غير الحكومية "ويلثنغرهلف"
Welthungerhilfe (مساعدات للعالم الجائع)، والتي تعتبر إحدى أكبر المدافعين عن
المساعدات.
"وقد أسف بوست بأن إعلان مجموعة الثماني بخصوص إفريقيا، قد ذكر الزراعة في إفريقيا
في جملة واحدة فقط. فإزاء 200 مليون شخص يعانون من سوء التغذية المزمن، وحيث أن 80%
منهم يقطنون المناطق الريفية، فإن مثل هذا التصرف هو عمل مخزٍ.
"وبحسب لجنة مراقبة التنمية في منظمة أوكسفامOxfam ، فإن الوعد الجديد الذي تعهدت
به مجموعة الثماني لإفريقيا يعني في أحسن الأحوال "3 مليارات دولار من المساعدات
الإضافية بحلول العام 2010".
"وكانت منظمة أوكسفام قد أشارت، قبل انعقاد قمة "هليجندام"، بأن دول مجموعة الثماني
ستخطأ الهدف الذي حددته لنفسها بحلول العام 2010، والذي كان من المفترض أن يقدم
لإفريقيا مساعدات بقيمة 30 مليار دولار: "الإعلان الحالي من شأنه فقط أن يقلص الهوة
إلى 27 مليار دولار" بحسب إعلان المنظمة يوم الجمعة.
"وقد انتقد نشطاء آخرون الالتباس في تصريح مجموعة الثماني، والذي لم يتضمن جدولاً
زمنياً واضحاً بشأن مخصصات المساعدة الجديدة الموعودة، ولم يحدد أيضاً المجموع
الصافي الذي سيحصل من هذه المساعدات.
"وقد وصف عازف موسيقى الروك الأيرلندي، وأحد أفراد حملة مناهضة الفقر، بونو، هذا
الالتباس بأنه "لغة متعمدة لإثارة التشويش، بهدف التضليل. وأنا مستاء جدا".
ماذا تقول
فايننشل تايمز؟
إن الصحيفة الأنغلو-ساكسونية مغتبطة لدرجة الذهول من رؤية الولايات المتحدة
الأميركية تنضم إلى باقي العالم في نضالها الجبار ضد الارتفاع الحراري. وبالرغم من
أن الصحيفة تعتبر نفسها مجبرةً على توزيع المديح المتعدد الشروط والمتعلق بالنسب
القصوى لالتزام الولايات المتحدة- نعرف ما يعنى هذا في تعابير التمحك، والصراعات
التي لا نهاية لها، والتأخير، لحد التهديد بشلّ حركة الشركاء الآخرين- فإنها لا
تقوم إلا بما يرضي هوسها بالاصطفاف عبر الأطلسي. في الدرجة الأولى تخبرنا الصحيفة
أن ميركل هي البطلة الجديدة، بطلة أوروبا القارية منذ اللحظة هذه، والوحيدة التي
سيحق لها المناقشة جدياً مع السلطات البريطانية التي تملك كل مفاتيح جنة عبر
الأطلسي.
لدى أجيلا ميركل سبب وجيه لكي تشعر بالسعادة لنتائج اجتماع الدول القادة التي
تمثلها مجموعة الثماني التي ترأستها خلال الأسبوع الحالي. فهذا الحدث قد قوى سمعتها
كمستشارة ذات تأثير وكمفاوضة لا تلين. فتحت رئاستها شهدت القمة تحولا لافتاً تجاه
معالجة مسألة التحول المناخي. هذا بغض النظر عما إذا كان الرئيس جورج دبليو بوش
ينوي فعلاً الالتزام بما وقّع عليه؛ إلا أن هذا الاجتماع يؤشر إلى نهاية بداية
النقاش العالمي حول هذه المسألة. فالولايات المتحدة قد قطعت التعهد المطلوب أخيراً.
وجهة نظر البيان هي أن مجموعة الثماني اتفقت على بدء محادثات خلال السنة الحالية
لوضع بديل لمعاهدة كيوتو، من المفروض أن تنتهي بحلول العام 2012. وأي بديل مثل هذا
سيتم التفاوض بشأنه تحت رعاية الأمم المتحدة. ومن المؤكد أنه سيتم تحديد أهداف
تتعلق بالانبعاث الحراري، جنباً إلى جنب مع المعايير التي تضمن تحقيق هذه الأهداف.
وفي كلا السياقين فإن هذا يؤشر إلى تحول في السياسة الأمريكية.
"لقد تخلى السيد بوش عن موقف إدارته القائل بأن "كيوتو قد دفن ونسي، ومقولة أن
المناخ من صنع الإنسان محض أسطورة، وإن لم يكن كذلك، فليس هناك داع للحد من
الانبعاث الكوني. لقد اكتشفنا للتو بأن التغير المناخي ليس أسطورة، وفي نهاية
المطاف، لا بد من التفكير بشأن وضع قيود، ولا بد من التفاوض بشأن بديل لكيوتو. فهذا
يعبر عن تحول حقيقي في المشهد.
من المشروع أن تكون هناك شكوك. فالسيد بوش قد لا يعني ما قاله.
هذا هو مصير شعار الثماني الكبار: "من المحتمل أن لا يعني ذلك ما تم قوله بالفعل".
هناك نجاحات يمكن
"الاستغناء" عنها
ماذا نستخلص من هذه القمة ؟ أمران اثنان.
الأمر الأول، هو الحالة الطارئة التي وجد القادة العالميون أنفسهم فيها من حيث
تأكيدهم أن هذه القمة كانت ناجحة، لا بل كانت نصراً. وهي لم تكن مبدئياً كذلك بل
العكس تماماً، إنما هذا ليس هو الموضوع. إذا ما وضعنا حالات الزهو الخاصة جانباً،
(من الجيد أن تعطي ميركل حقاً الانطباع الذي قيل عنها وهو أنها تحولت من موظفةٍ
بسيطةٍ إلى ملهمةٍ لامعةٍ لزمرةٍ متمدنةٍ في فترةٍ أقل من 6 أشهر- سنة، وذلك
برئاساتها الاتحاد الأوروبي وقمة الثماني)، تبقى مسألة أن نعرف لماذا على هذه القمة
أن تبدو كنجاحٍ أكثر من أي إنجازٍ آخر. السبب بسيط: لأن مواضيع الخلاف التي تمّت
معالجتها في القمة كانت في الوقت عينه هامةً وطارئةً. لذا كان يجب أن يظهر إحساس
النجاح بقوة من أجل تبديد هذا الانطباع.
إن إستراتيجية إظهار هذا النجاح تركزت على مسألة المناخ. ضمن هذا الإطار، تم تركيز
كل الأمور على نقطة واحدة: وضع توقيع الولايات المتحدة بجانب التواقيع الأخرى على
ملفٍ يقول تقريباً- نحاول الاختصار إنما بصعوبة: أزمة المناخ موجودة، يجب مكافحتها.
إذاً، كل العالم يلتزم ليقوم بشيءٍ ما. الباقي يتبع كما يشاء. إنها صيغة العام
معكوسة. ليس "الاعتماد سيتبع" بل "السياسة ستتبع"- لأن الباقي متعلقً بالقرارات
السياسية، الاعتماد هو الإجماع التقديري والإعلامي على القمة- وهذا، أي القرار
السياسي، ليس فقط غير مؤمنٍ بل إنه احتمال النقيض. إن قيمة الإعلان تساوي تقريباً
الصفر لنقصٍ في توضيح الالتزام، وهذا ما يتصف به في حين أن الأهمية تكمن في هذه
"التفاصيل". وكما ذكرته صحيفة الغارداين الصادرة في 8 حزيران: "على كل حال، فإن
الشيطان يكمن في غياب التفاصيل".
المسألة الثانية التي تجدر الإشارة إليها بعد قمة الثماني، هي أن بعض الألمان من
ذوي النية السيئة قد اعتمدوا ما يلي: "قمة الرياء" Scheinheiligendamm بدلاً من قمة
هيليجندام heiligendamm (تلاعب باللفظ) هي أن النجاح والوحدة المعلنين في نهاية قمة
الثماني، لا يخفيان فقط وبصعوبة حالةً جد متأزمة، بل وأسوأ من ذلك، يعدان بتأزمها
أكثر. لم يكن من حلٍ لأي معضلة، لم يُتخذ أي قرارٍ جدي. وفي الوقت عينه، حددت ضرورة
الوحدة مسار تطور محركي العملية نحو ميلٍ مصغرٍ ومتناقضٍ سيؤزم أكثر معالجة المشاكل
بالنسبة لما كان يمكن انجازه قبل "قصة نجاح" قمة الثماني. المثل الأكثر تعبيراً هو
مكافحة الارتفاع الحراري.
يلاحظ الموقع الإلكتروني wsws.org في 9 حزيران: "لقد وصل الأمر بالخبير البيئي
هيرمان شير إلى حد التصريح بأن الاتفاق كان بمثابة عقبة في وجه حماية المناخ:
"البحث الكوني عن إجماع يحول دون القيام بفعل عاجل لحماية المناخ، لأنه عندئذ ستصبح
تسويات الحد الأدنى هي المعايير المقبولة" حسب ما صرح به.
هذا هو تحديداً الموضوع. مع "موافقة" الثماني الكبار، فإن كل الإمكانيات المنظورة
لمكافحة فعالة لارتفاع حرارة الأرض، على قاعدة وحدة الدول، من ضمنها الولايات
المتحدة الأميركية، تراجعت فعاليتها.
ومن جهة أخرى، فإن وجهات النظر المتعارضة والمتواجهة قد تباينت أكثر مع وصول
الولايات المتحدة، لأن الآراء العامة وعدد من الدول، من ضمنها الدول التي وضعت
توقيعها، لن يسمحوا لفترةٍ طويلة أن تجذبهم الولايات المتحدة نحو الأسفل. هذا، دون
حسبان الصراعات الآتية في الولايات المتحدة نفسها، حيث عدد من الولايات والمدن تملك
سياسةً مغايرةً تماماً لسياسة واشنطن، وفي حين أن الكونغرس يريد تقليص وحصر
استقلالية هذه السلطات الداخلية في تحديد قواعده الخاصة في هذا المجال.
إن "نجاح" الثماني الكبار يفتح في الواقع الطريق لإمكانية مواجهاتٍ جديدةٍ، بعكس ما
تؤكده "الرواية" المضللة. ليس من تقاربٍ في وجهات النظر، إنما دخول ممثلٍ واحدٍ على
الأقل في حلبة الصراع السياسي (من الممكن مع آخرين إذا ما اعتبروا التقرب من
الولايات المتحدة أمراً مهماً)، تكون سياسته خرق تطورٍ حتميٍ وفعال.
يستمر تسارع الأزمة. أزمة المناخ، أزمة المساعدات والفقر، أزمة دفق الأموال المهدم
للبنى وغير المضبوط، أزمة نشر الصواريخ في أميركا وأوروبا (بالإضافة إلى كل
الأزمات- يا للمفاجأة- التي لم يصدر فيها أي كلام، كالعراق وأفغانستان)، وخصوصاً،
أزمة إدارة القوى عندما تنوي إتباع توجهٍ مشتركٍ ومعولم، توجه يناسب خدمات
الاتصالات. هذا "النجاح" لقمة الثماني سيساهم في تأزم الوضع في الأشهر القادمة.
فضلاً عن ذلك، وحسب ما قد يقوله جوزيف دو ميستر، أنه من الحسن أن هؤلاء "المجرمين"
يدفعون للنهاية عملهم المهدم للنظام الذي يخدمونه، بذلك تتقلص كل الأوهام كما يجب
أن تكون.
المصدر: Dedefensa.org, 9 juin 2007
ترجمة فريق العرب والعولمة