محالفة عسكرية عالمية لتطويق روسيا والصين |
مع أن بلدان استراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان ليست في عضوية الحلف الأطلسي، فإنها ترتبط بهذا الحلف بشبكة من الشراكات العسكرية، بالإضافة إلى اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
يندرج السعي لإنشاء منظمة عسكرية موازية لحلف الأطلسي في الشرق الأقصى والمحيط الهادئ في سياسة عالمية بالغة الخطورة تكمن في تكوين محالفة عسكرية عالمية. لقد أيدت إلِن بورك Ellen Bork، المديرة المساعدة في "مشروع القرن الأميركي الجديد" Project for the New American Century (PNAC)، ومعها غاري شميت Gary Schmitt، العضو في أميركان أنتربرايز إنستيتيوت American Enterprise Institute، في مقال حول كوريا الجنوبية نشر في كانون الأول الماضي، إقامة شبكة عسكرية شبيهة بالحلف الأطلسي(1). ومن الجدير بالذكر أن "مشروع القرن الأميركي الجديد" عبارة عن ندوة تضم شخصيات أخصها: ديك تشيني، جورج دبليو بوش، ريتشارد بيرل، لويس ليبي، كارل روف، زلماي خليل زاد، ريتشارد أرميتاج، بول ولفوويتز.
عسكرة اليابان
"اليابان وأعضاء الحلف الأطلسي يواجهون نفس التهديدات" الأمين العام لحلف الأطلسي، ياب دي هوب شيفر.
عملت اليابان على إدراج سياستها العسكرية تدريجياً وتكييفها مع سياسة الولايات المتحدة والحلف الأطلسي. واليابان وثيقة الارتباط، على الصعيد الثنائي والمتعدد، بالنظام العسكري الأميركي. لقد بقيت اليابان تحت مراقبة القوات العسكرية الأميركية لعدة سنوات بعد الحرب العالمية الثانية. وتم في العام 1951 توقيع معاهدة أمنية بين البلدين، وفي 19 كانون الثاني 1960 استكملت المعاهدة باتفاق ثنائي آخر.
بالإضافة إلى ما سبق، تشارك اليابان وكوريا الجنوبية في مشروع عسكري أميركي واسع تم إعداده في زمن الرئيس ريغان، ويتضمن إقامة أنظمة صواريخ وقوات للتدخل السريع في مجمل مناطق العالم. لقد تم اعتماد البرنامج العسكري العالمي، في آسيا، لمواجهة التهديد المزعوم لهجوم بصواريخ كوريا الشمالية. كما تم اعتبار الصين ذريعة لإقامة محالفة عسكرية واسعة تضم نظاماً متكاملاً في الشرق الأقصى وجنوبي شرقي آسيا والمحيط الهادئ.
اتفاق تعاون عسكري بين اليابان والحلف الأطلسي
وقعت الحكومة اليابانية معاهدة أمنية ثنائية ثانية مع أستراليا، لتعزيز علاقاتها الأمنية والعسكرية مع هذا البلد(2). هذا فضلاً عن أن حكومة هاوارد في أستراليا تشارك بفعالية في البرامج العسكرية في منطقة آسيا المحيط الهادئ، وخصوصاً في إطار سياسة محاصرة الحدود الشرقية للصين. وفي كانون الثاني 2007، قام رئيس الوزراء الياباني بزيارة القيادة العامة لحلف الأطلسي في بروكسل، ومن ثم زيارة قادة ألمانيا وبريطانيا. وفي الحقيقة، كان ذلك زيارة لحلف الأطلسي بمجمله وفي فرعيه: أي التفاهم الألماني الفرنسي الممثل لحد واسع بألمانيا، والتفاهم البريطاني الأميركي الذي تمثله بريطانيا والولايات المتحدة. خلال هذه الزيارة الأولى لمسؤول ياباني إلى القيادة العامة لحلف الأطلسي، وعد رئيس الوزراء الياباني بالتعاون الوثيق مع الحلف في أفغانستان. كما تمت مناقشة متابعة الحظر الذي يطبقه الاتحاد الأوروبي في توريد الأسلحة إلى الصين(3). هذا فضلاً عن توقيع اليابان معاهدة تعاون عسكري مع حلف الأطلسي.
في العام 1999، وفي زمن توسيع الحلف الأطلسي وحربه العدوانية على يوغوسلافيا، أطلقت اليابان والولايات المتحدة برنامجاً مشتركاً للأبحاث حول الدفاع المضاد للصواريخ(4). كما أن الحكومة اليابانية حولت جهاز الدفاع فيها إلى وزارة، ما يشكل انتهاكاً جديداً للدستور الياباني. فضلاً عن أنها تمول كلفة مواقع صواريخ باتريوت Patriot-PAC-3، وآيجيس-ستاندرد3 Aegis-Standard-Missile-3 (SM-3). وسمحت للولايات المتحدة أيضاً بأن تنشر على الأراضي الياباني رادارات عسكرية لخدمة الدرع الصاروخية العالمية(5).
ثمة موظفون يابانيون يرغبون بمراجعة دستور بلادهم لتتمكن من الدخول في محالفات عسكرية مثل حلف الأطلسي. والولايات المتحدة وأستراليا وحلف الأطلسي يدعمون بشدة قرار حكومة طوكيو بعسكرة اليابان. وتنتهك الحكومة اليابانية، بشكل فاضح، المادة التاسعة من الدستور التي تمنعها من تشكيل قوات مسلحة. ولهذا الغرض شرعت الحكومة بتعديل دستوري يفتح الطريق نحو تشريع بناء جيش ياباني. لقد سبق وبدأت اليابان بتكوين قدراتها العسكرية التقنية وقواتها المسلحة. وما الإجراءات التشريعية غير وسيلة لتشريع المبادرة التي نفذتها... والبرلمان الياباني هو في طريقه لاعتماد التشريع المطلوب في تعديل الدستور، ما يمكن الحكومة، حسب رئيس الوزراء الياباني، "من إلغاء المعيقات أمام الدفاع الذاتي الجماعي، ودعم الحلفاء الذين يتعرضون للهجوم"(6).
تعزيز المحالفة العسكرية في منطقة آسيا- المحيط الهادئ
عقدت أستراليا واليابان، منذ زمن الحرب الباردة، علاقات وثيقة في التعاون العسكري. وتحت عنوان "الوحدات غير المقاتلة" شاركت قواتهما في العمليات العسكرية في العراق المحتل.
تشارك أستراليا في ظل حكومة جون هاوارد المحالفة الأنكلو- أميركية مشاركة مطلقة في مشروعها العسكري العالمي. وانخرطت من البداية على خطى هذه المحالفة تحت لواء "الحرب العالمية على الإرهاب". وتعمل القوات الأسترالية في البلقان وفي العراق المحتل وأفغانستان حيث توجد قوات لحلف الأطلسي.
وتتدرب قوات سنغافورة في أستراليا. وثمة وحدات خاصة أسترالية توسع نشاطها في جنوبي شرقي آسيا، وتعمل البحرية الأسترالية من الخليج الفارسي (العربي) إلى بحر عُمان والمحيط الهادئ. وتشارك القوات الأسترالية، منذ أيلول 2003، في احتلال العراق، وفي البرنامج العالمي الأميركي حول الدرع الصاروخية؛ وهي شريكة للولايات المتحدة في البحث العسكري(7).
وعلاوة على ذلك، ستندفع أستراليا للعب دور في توجيه تحدٍ عسكري إلى الصين. ولقد وقعت، أخيراً، معاهدة مع اليابان هي أصلب من أي معاهدة أخرى، باستثناء تلك المعقودة مع الولايات المتحدة. وفي نفس الآن عززت أستراليا انخراطها في المعسكر الأنكلو- أميركي، بإقامة قاعدة عسكرية أميركية جديدة في جيرالدتون Geraldton، في أستراليا الغربية، تحت إندونيسيا وماليزيا، مقابل إفريقيا الغربية والشرق الأدنى. وتقع قاعدة جيرالدتون الجديدة على الشاطئ الأسترالي للمحيط الهندي. وتمت إقامتها بعد ثلاث سنوات من المفاوضات السرية بين حكومتي الولايات المتحدة وأستراليا. وتفيد المعلومات أن هذه القاعدة العسكرية تشكل رابطاً هاماً لشبكة جديدة من الأقمار العسكرية العالمية تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها للشروع في الحرب في الشرق الأوسط وآسيا(8).
عسكرة المحيط الهندي
لقد صرح رئيس "برنامج الأمن لآسيا"، في رويال يونايتد سرفيسز إنستيتيوت Royal United Services Institute: "برأيي، هدف هذه المعاهدة تنظيم جديد لأمن آسيا الشرقية، خصوصاً مع صعود الصين الحتمي"(9). وهكذا فالمحيط الهندي في طريقه إلى العسكرة، والسبب في ذلك محاولات الصين في تأمين تدفق آمن للطاقة من أفريقيا والشرق الأوسط.
تشويه صورة كوريا الجنوبية والصين وروسيا
يتم العمل لتشويه صورة كوريا الجنوبية والصين وروسيا من أجل تبرير التعاون العسكري المتصاعد بين أستراليا واليابان وبعض البلدان الأخرى في منطقة آسيا- المحيط الهادئ، من جهة، والولايات المتحدة وحلف الأطلسي، من جهة ثانية. وتشير إيزابيل رينولدز Isabel Reynolds، مراسلة في اليابان، في مقال أعدته لوكالة رويترز، أن التطور الأمني والعسكري في اليابان وأستراليا يستهدف الصين وروسيا. ويضيف أليكس نيل Alex Neil، الخبير العسكري: "سواء كان هناك تهديد كامن أم لا، فاليابان والبلدان الحليفة المشاطئة (عبارة تعني بلداناً مثل الفيليبين وتايوان وسنغافورة) مهتمة بهذا الأمر في المنطقة".
تطويق حلف الأطلسي والولايات المتحدة لروسيا والصين
إن الاختبارات النووية، في السنوات الأخيرة، وتجارب صواريخ كوريا الشمالية وتدمير أحد الأقمار الاصطناعية الذي قامت به الصين في كانون الثاني 2007 بواسطة صاروخ صيني لمما أثار الاهتمام في العديد من العواصم. "لقد ولى الزمن الذي كانت اليابان أو أستراليا تعتمد فيه على حليفتهما، الولايات المتحدة". هذا ما أشار إليه الخبير العسكري تيتسووا أوزيكي Tetsuya Ozeki، وهو يلاحظ أن كلاً من الصين وروسيا تعملان وسعهما على زيادة تأثيرهما في المنطقة(10).
يعترض جون هاوارد رئيس الحكومة الأسترالية على القائلين بأن التبعية المتبادلة بين أستراليا واليابان تخرب العلاقات مع الصين(11).
يتخذ حلف الأطلسي والولايات المتحدة إجراءات عدوانية لتطويق روسيا والصين. والمعاهدة المعقودة بين استراليا واليابان تستهدف (علاوة على تعديل الدستور الياباني) إقامة جبهة شرقية بوجه روسيا والصين، ومحالفة موازية لحلف الأطلسي.
ترجمة تطوعية: فريق العرب والعولمة
الهوامش
. المصدر: Alliance militaire
mondiale: L’encerclement de la Russie et de la Chine, Partenariat militaire
établi à l’initiative des Etats Unis en Extrême Orient et dans le Pacifique, par
M. D. Nazemroaya. Horizons et débats, No 20, 29 mai 2007.
[1] راجع: Ellen Bork & Gary Schmitt, A Nato for Asia: Helping South Korea
despite itself, The Weekly Standard, 11 décembre 2006.
www.newamericancentury.org/asia-20061211.htm
2 راجع: Australia in Japan security deal, British Broadcasting Corporation
(BBC), 13 mars 2007. http://news.bbc.co.uk/2/hi/asia-pacific/6444207.stm
3 راجع: Judy Dempsey, Japanese signal new era in ties with Nato: Abe tells
alliance it seeks security role, International Herald Tribune, 12 janvier 2007.
www.iht.com/articles/2007/01/12/news/nato.php
4 راجع: Japan’s Cabinet approves joint missile project with US, Xinhua News
Agency, 24 décembre 2005.
http://english.people.com.cn/200512/24/eng20051224_230550.html
5 John C. Rood, International Missile Defence: Challenges for Europe (Remarks
to the 8th Royal United
Services Institute (RUSI) Missile Defense Conference, Londres, 27 février
2007). www.state.gov/t/isn/rls/rm/81242.htm
6 Japan moves to loosen army’s role, British Broadcasting Corporation (BBC), 13
avril 2007. http://news.bbc.co.uk/2/hi/asia-pacific/6553231.stm
7 Rood, Remarks to the 8th RUSI, op. cit. www.state.gov/t/isn/rls/rm/81242.htm
8Brendan Nicholson, US gets military base in Western Australia, The Age, 15
février 2007.
9 Isabel Reynolds, Defence pact in focus as Australian PM visits Japan,
Reuters, 10 mars 2007.
10 Ibid.
11 Howard backs Japan security deal, British Broadcasting Corporation (BBC), 10
mars 2007. http://news.bbc.co.uk/2/hi/asia-pacific/6437169.stm