حال الأمة في عالم يتغير-2- |
تقرير سياسي تأسيسي يتواصل بتقرير شهري
على سبيل تعريف
البيئة الإقليمية للعرب المنطقة الجيواستراتيجية، والانترييولوجية، الممتدة والمتصلة من موسكو إلى سواحل إفريقيا، وكانت إلى حين متصلة بقلب أوروبا وساحلها المتوسطي، المنفعلة والمتفاعلة مع العرب، قبل سقوطهم في الأندلس، وانحسار نفوذهم وتحولهم إلى امة مفعول بها بدل امة فاعلة وقائدة في تاريخ البشري، وبرغم الغزوات الأوروبية المتكررة على مدى اربعماية سنة متصلة، استمرت أوروبا تتأثر بما يجري مع العرب ولهم وكذلك تترك بصماتها على بيئتهم، ومازالت على علاقات اقتصادية وثيقة .
البيئة الإقليمية الأشد التصاقا بالعرب وهمومهم وقضاياهم والأكثر تفاعلا وانفعالا هي البيئة المسماة العالم الإسلامي أي مجموع الدول والأمم على اختلاف لغاتها وقومياتها التي تدين بأغلبيتها أو كتل واسعة فيها بالإسلام، الدين الذي حمله العرب وأشهروه رسالتهم إلى العالم، وظل كتابه يقرأ بالعربية، ويمجد العرب على أنهم خير امة أخرجت للناس، ولسان إسلامها العربية، التي سبق لها أن صدرت الرسل والعظماء والباباوات، وكرزت بالمسيحية الأولى حتى صارت عالمية، ولم تزل بلاد الشام منبعها، وكنيستها الأولى، يحج إليها المسيحيون لتثبيت مسيحيتهم على ما قاله البابا الراحل في زيارته لسورية، في حجه اليوبيلي على طريق القديس بطرس، الذي حمل الرؤية من القديس حنانيا في دمشق إلى إنطاكيا، واثنا وروما وهي عواصم الإمبراطوريات آنذاك.
البيئة الإقليمية هي إذن المشتركة مع العرب، بالاتصال الجغرافي، والثقافة، والتاريخ، والحدود، والمصالح، والآمال.
في تاريخ العرب وبيئتهم حقائق جمة ثوابت شواهد على التاريخ وعلى مسارات الراهن وصياغة المستقبل منها:
- هنا في مثلث صناعة التاريخ يكتب حاضر ومستقبل الإنسانية، وفيها تسقط أو تنتصر إمبراطوريات لتتحول إلى عالمية، هذا كان شأن معارك بيروت، بغداد، القدس عبر التاريخ وهذا هو شأنها اليوم، فلم يسجل التاريخ تحول إمبراطورية أو رسالة، أو حضارة إلى عالمية إلا إذا نشأت أو انتصرت في واحدة من الزوايا الثلاث لمثلث صناعة التاريخ الذهبي، وما هزمت واحدة ودرست إلا عندما تهزم في إحداها، وهكذا تسقط اليوم أعتى إمبراطوريات الكون وأقواها في التاريخ على ما هو جار لأمريكا وحلفها الأوروبي حيث تستنزف وتهزم في معارك الزوايا الثلاث وفي أطراف لا تقل أهمية كأفغانستان والصومال.
- الحضارات القديمة والجديدة التي نشأت في المنطقة والبيئة الإقليمية لم تتحقق إلا وكان العرب أساسا فيها حلفاء لإحدى الأمم والشعوب المتجاورة، فالعباسية والأموية كانت بفعل التزاوج بين العربية، والفارسية، والأيوبية بفعل التفاعل بين الكردية والعربية، والأندلسية بفعل التفاعل بين العرب والبربر، والعثمانية بالمشاركة بين العرب والأتراك والنهضة الأوروبية بفعل التفاعل بين عرب الأندلس، ومنتجات عباقرة العرب في العلوم، والفيزياء والطب والفلك ورثها الأوروبيين وبنو عليها عندما طلق العرب العقل والإبداع.
- بيت المقدس، وحواضنها، وحواضرها، استمرت ارض مقدسة يتوارثها الناس، وتقوم فيها الشواهد الدينية ودور العبادة، وصارت مقصد الغزوات، وحلم النخب الحاكمة فالقبض عليها يعطي الحاكم صفة الإلوهية والديمومة، وصارت محرك الصراعات والتاريخ، وهي كذلك منذ مئة عام ونيف مع الغزوة الإفرنجية الجديدة، وكذلك ساحل الشام، وبغداد قبة السماء، وعلى مدى المائة عام استمرت في دور المقاومة والممانعة والكفاح المستدام لتقرير مستقبلها واستقلالها عربية خالصة الولاء والحق.
- الصراع العربي الصهيوني، استمر على مدى القرن الأزمة الأولى المسيطرة على الهموم العالمية والإقليمية، ونقطة الاستقطاب والجذب، والنبذ، وفي قلبها العرب وراية المسلمين وحلمهم المقرر في السياسات والمواقف، وغدت قضية الصراع وفصوله المحرك لبنيان الدول الإسلامية وحراكها السياسي وحيويتها، تستهوي وتستميل القاعدة الشعبية العريضة، في حقب الصعود ومراحل الهبوط، وتتأثر وتؤثر في متغيرات القوى القائدة والمساندة، ومعتقداتها.
- أفغانستان بما هي قلب آسيا الوسطى، وعقدتها، وواسطة عقدها، تجدد حضورها في قلب المعادلة، على أهدف إسلامية في القلب منها عربية، قوى مقاتلة، وممولة، وقائدة، وشهدت دورا للعرب والمسلمين في عهدي الصدام مع الاتحاد السوفيتي والصدام مع الإمبراطورية الأمريكية، وتحولت إلى ساحة إستراتيجية في تقرير مسارات البيئة الإقليمية والعربية والعرب فيها يقاتلون ويبلون بلاء حسنا.
- الصومال في موقعها المفتاحي وإصرارها على الانتماء للعرب صلبا، تحولت بدورها وبتضحيات عربية دما ومالا إلى ساحة مواجهة إستراتيجية مع القوى الإمبراطورية التي تربصت شرا بالعرب وجغرافيتهم وثرواتهم ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي وهي إحدى ساحات الاشتباك تمرغ الأمريكي بالوحل وتلحق به الهزيمة تلو الأخرى وما زالت على خط الكفاح متأثرة بالجاري في بيئة العرب ومقاوماتهم.
- آسيا في علاقاتها الاجتماعية وثقافتها، وأديانها، وتاريخها على ارتباط وثيق بالعرب وحالهم، وصارت اليوم وهي تنمو قوة اقتصادية صاعدة أكثر التصاقا وتصالحا مع العرب، وصار العرب كما كانوا في السابق طريقها الحريري للتجارة والنهوض، هم اليوم طريقها، ومنطقة الموارد والأسواق التي تشتد حاجتها إليهم، بما في ذلك الصين، والهند، واليابان، وروسيا الساعية أبدا إلى غسل قدميها في المياه الدافئة.
- إفريقيا، بشمالها وجنوبها ووسطها، على تفاعل كبير مع العرب وحالهم، فعندما نهضوا مع الناصرية والثورة الجزائرية، وحركة التحرر نهضت واستزادت وتمردت، وعندما كبوا كبت معهم وتحولت إلى مجاهل وحروب الإبادة، والقبلية، والابتلاء بالإمراض القاتلة، وأقحلت وتصحرت اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتتطلع لدور وتتأثر بنهوض العرب وعودتهم لاعبا أساسا في الإقليم والعالم، حتى أن حريتها وسيادتها الوطنية مرتبطة اشد الارتباط بسيادة وحرية العرب ونهوضهم، وبشراكتهم .
- في قلب العرب، وحضورهم، ودورهم العربية، التي اتخذوا اسمهم منها، وهي تاريخيا الجغرافية الممتدة من بلاد الرافدين، إلى ساحل الشام، والعريش، إلى الحجاز، والتاريخ يفيدنا القديم منه والجديد إذا ما شفيت العربية ونهضت واتحدت تحمل معها العرب إلى حيث يجب، ومعها يحمل العرب الإقليم وأممه، وإذا ما انكسرت وتفرقت تأخذ العرب إلى الاشتباك مع البيئة الإقليمية وتأخذهم أنفسهم إلى الانقسامات، والتخلف، والتبعية وهذا هو حال القرون المنصرمة حتى ساعتنا.
في القلب من العرب، والمسلمين والبيئة الإقليمية تجري المعارك الفاصلة، ويسجل فيها العرب انتصارات وتقدما مرموقا، ومع انهزام الغرب والإمبراطورية الأمريكية وانكسار موجتها وسقوط استراتيجياتها العدوانية يتأثر الإقليم، ويتغير، ومتغيراته تنعكس على العرب جملة وتفصيلا.
أهم المتغيرات في البيئة الإقليمية وانعكاساتها على العرب ودورهم
إيران: تصبح إيران لاعبا أساسا، تعزز العرب في قضاياهم، وفي الصراع العربي الصهيوني عندما ينعزلون، ويهرول بعضهم لتسويات تفريطية، وخيانية، وتتحول بالعرب وقضاياهم ومعهم إلى قوة إقليمية هامة، ومرهوبة، فتمتلك القدرة الصناعية والعلمية المتقدمة، وتفرض نفسها قوة إقليمية صاعدة، وقد أجادت الاستثمار في ورطات أمريكا، وفي أزماتها، واستثمرت على نحو إبداعي في المقاومات العربية والإسلامية، وانتزعت دورها وحضورها واستقلالها، وفرضت على الجميع الإقرار بمداها وبمصالحها الإقليمية.
إيران التي جددت في ثورتها وشعاراتها بعد 26 سنة على انتصارها، وعززت من علاقاتها التحالفية الإستراتيجية مع سورية والمقاومات العربية في محور إقليمي ممانع ومقاوم انتزع وصنع انتصارات تاريخية من لبنان إلى فلسطين، إلى العراق، إلى أفغانستان، تستمر على علاقة ايجابية مع العرب، تجمعها معهم جوامع كثيرة، ومصالح، ورؤية، ومشتركات في المستقبل، ولا يمكن أن تتشكل في وقت كقوة معادية للعرب، أو طامحة بأرضهم وثرواتهم، لان انفكاكها عن العرب واستعدائهم، يتسبب بتشققاتها الداخلية والاثنية، ويعزلها ليسهل تفكيكها وإسقاطها على الطريقة السوفيتية، ولن يتسنى لها أن تقبض على قرارهم وثرواتهم والتحكم بمصائرهم بل قوتها وطبيعتها، وثقافتها، وبرامجها، وخياراتها تتشكل في البيئة الحالية كقوة للعرب تعضدهم، وتحفزهم على تقليد نموذجها وقد عرضت شراكة في الملف النووي، وفي الأمن الإقليمي، وفي الاقتصاد، والعلوم، وهي جادة.
القوى الاستعمارية التي اغتصبت ارض وثروات وإرادة العرب لقرن، تحاول أن تدفع بعضهم للاشتباك مع إيران، والتخويف منها، بقصد حرف الانتباه والاهتمام عما تشكله إسرائيل، وعما ترتكبه أمريكا، وعما تخططه للعرب، وهدفها المحوري استخدامهم في حرب إخراج نفسها من الورطة والأزمة، وتلك لن تنطوي على عرب المقاومة والشعوب.
إيران صارت قوة إقليمية، ودولة في النادي النووي الدولي، وبذلك أسقطت آخر عناصر التفوق الإسرائيلي بامتلاك إسرائيل القنبلة النووية وفي هذا تحول تاريخي لصالح العرب وفي غير صالح إسرائيل وحلفها.
إيران قارة، وموقع وثروات بشرية ونفطية ومالية وسوق، وعقدة مواصلات، تهيمن على إمدادات النفط العالمية، تمسك بمفاتيح التحكم بالتوازنات الدولية الاقتصادية، وكما هي شريك في امن الخليج والمنطقة العربية كذلك هي شريك في خيارات آسيا الوسطى وثرواتها وعبورها، وهي شريك أساس في منظومة العالم الإسلامي ومستقبله.
باكستان أفغانستان، الجمهوريات السوفيتية الإسلامية
تشكل أفغانستان والمواجهة السافرة الدائرة فوق أرضها مع الحلف الأطلسي، والعدوان الأمريكية واحدة من ساحات الاشتباك العربية والإسلامية، وتفيد المعطيات أن الأطلسي وحلفه في طريقه لهزيمة مدوية، ستكون نتائجها نوعية وحاسمة في آسيا، وفي العالم الإسلامي، وفي الواقع العربي فخسارة أفغانستان من قبل أمريكا والأطلسي تعتبر ضربة قاصمة عسكرية وسياسية، ودبلوماسية واقتصادية، فاحتلال أفغانستان لم يمكن إلا طمعا بنفطها وموقعها وببحر قزوين ولاعتمادها منصة لإسقاط إيران، والتأثير على خيارات روسيا، والصين، والهند وباكستان، وامن الخليج العربي وخطوط نقل النفط والغاز، فالانتكاسة هنا ستكون مدوية بتأثيراتها.
في أفغانستان يلعب المقاتلون العرب دورا حاسما ومرموقا في الجاري من عملية مقاومة أفغانية إسلامية متعددة الأطراف والاتجاهات والأطياف، وبذلك هم يقاتلون من اجل الحرية، ومن اجل أمتهم، وفي وجه أعدائهم ويفتحون جبهة نازفة في خاصرة المشروع الغربي برمته، تساند الجبهات المفتوحة في غير ساحة إستراتيجية أخرى.
المؤشرات تتقاطع وتجزم بأن الهيمنة الأطلسية لن تستمر طويلا، أما بديلها فالأفق مفتوح على خيارات كثيرة، جميعها ليست في غير صالح العرب، بل تتأثر في حال العرب وما سيكونون عليه.
باكستان:
الدولة الإسلامية الأهم بين دول المنطقة، والمالكة للقنبلة الذرية الإسلامية، أدخلتها المشروعات الأمريكية والغربية في دائرة الأزمة المفتوحة، وفي حالة مخاض قاسية ودموية، وألزمتها بحرب أهلية ضروس تدور رحاها في مناطق عديدة وتطال العاصمة والعواصم الاقتصادية، بالإضافة إلى ما تعانيه من نزف في ورطتها الأفغانية، وإنفاق هائل على العسكرة في أزمتها مع الهند، فالمعطيات والظروف تشير إلى أن باكستان، عاجزة على أن تلبي المشروع الأمريكي بالتحول إلى رأس رمح في مخطط الفتنة السنية الشيعية، وغير قادرة على تلبية احتياجات المشروع ومهامه، بل هي في طور السقوط والتحول مع ظهور عوارض المأزق الأمريكي في العراق، وفي أفغانستان، وستدفع إدارتها الحاكمة ثمنا لهذا السقوط، ما يفتحها عمليا على متغيرات في أي اتجاه كانت تصب الماء في طاحونة العرب وحقهم بالحرية والاستقلال والتوحد والسيادة، وتشكل تطورات باكستان عناصر مساعدة وفرص يمكن للعرب أن يستثمروا فيها لصالحهم ولصالح إقامة حلف عربي إسلامي إقليمي وازن، غير الحلف الأوسطي الذي أرادته أمريكا والغرب وسعت لتوليده في ألام مخاض حرب تموز في لبنان على حد زعم رايس من بيروت، وطرحته تحت عنوان الشر ق الأوسط الواسع، وسعت لتحقيقه عبر الاحتلال والهيمنة وتمرير مشروعات إصلاح وشراكة وهيكلة المجتمعات والاقتصاديات، وفوضت الحلف الأطلسي وإسرائيل بتنظيمه.
الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة
بدورها تعيش مرحلة مخاض تاريخي، تبحث عن هوية، وعن بيئة مساعدة وضامنة، تفتقد لها مع تراجع قدرة أمريكا على حمايتها واغتصابها، ومع نهوض العملاق الصيني، والهندي، وعودة روسيا إلى دورها وسعيها لإعادة صياغة مداها الاستراتيجي، تطورات وأمور تجعل من تلك الدول وإداراتها في حالة ترقب، وفي حالة مخاض، وأزمات متواترة، وثورات ملونة سرعان ما فقدت ألوانها ورونقها، وتتفكك قبضة أمريكا على إداراتها، وهي في حال انتظار ما ستؤول إليه المواجهات الدامية في الشرق العربي، واسيا، والعودة إلى شروط الحرب الباردة بين آسيا وأمريكا، وهي في جميع الأحوال ومهما كانت خياراتها المستقبلية عاجزة عن تشكيل قواعد ارتكاز لمشروع أمريكي أوروبي امبريالي يستهدف تطويق العرب والضغط عليهم ومهما استقرت خيارات تلك الجمهوريات ستكون في صالح العرب وأمم المنطقة وستتشكل كمنصات ودول ذات مصالح متقاطعة مع العرب والبيئة الإقليمية، وكنقاط وصل مع آسيا ودولها .
الهند، الصين، روسيا
تشكل منظمة شنغهاي المؤسسة من ثلاثي الدول العملاقة، والنامية اقتصاديا، وعسكريا، كإطار مصالح متسعة التأثير في آسيا، وعلى تماس مع العرب وبيئتهم الإقليمية، تتقاطع في جوامع كثيرة، من المصالح المشتركة، والحاجة للنفط والطاقة، وللأسواق والأموال وهذه عند العرب بصورة أساسية، والاشتراك في مواجهة السعي الأمريكي الأوروبي للهيمنة الذي يستهدف آسيا بذات درجة استهداف العرب والإقليم، ولهذا تبدو المتغيرات الجارية وقد قاربت التحولات النوعية في آسيا وفي هذه البلدان قد ساعد في توليدها العرب ومقاوماتهم وقدرتهم على إلحاق الهزيمة بالمشروعات الغربية وحجم الاستنزاف الذي حققوه في القوة والاقتصاد الأمريكي ويمكن القول أن آسيا كإيران أجادت الاستثمار في المأزق الأمريكي جراء المواجهات في بلاد العرب وجراء ممانعتهم ومقاومتهم، وكون آسيا الاقتصادية الناهضة لم تتبلور بعد كقوى إمبراطورية ساعية إلى استلاب الأمم أرضها وثرواتها ومازالت الدول الثلاث معنية باستثمار منابعها وثرواتها ولم تستنفذها بعد، فليس من خطر محدق أو في الأفق على العرب ومشروعهم بل يمكن للعرب ويجب عليم الانعطاف شرقا والتطلع لعلاقات متينة مع آسيا كبيئة إقليمية مجاورة ومشتركة بالمصالح والأهداف، وكل تقدم لآسيا وعمالقتها يسجل في صالح التوازن الدولي الجديد الذي يوفر بيئة صالحة لنفاذ العرب بمشروعهم التحرري والاستقلالي.
تركيا
في موقعها الجغرافي، وفي طبيعتها، وثقافتها، وتاريخيها، وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية، تشترك مع العرب بألف رابط، وتجمعها مصالح مباشرة مشتركة، تقارب وحدة المصير والمسار، وقد أنجزت خطوات تأسيسية نوعية في الاتجاه شرقا أيضا، بعد أن وضع الاتحاد الأوروبي في وجهها ألف عقبة لدخوله، وبعد أن أدركت حقيقتها، ومصالحها التاريخية وعرفت أن المشروع الغربي في حال تأزم وانحسار عن المنقطة العربية والإسلامية، وبأن التحالف معه ومع إسرائيل ولعب دور الشرطي الصغير لخدمة مصالح المشروع الأمريكي الإسرائيلي بات عبئا ثقيلا عليها، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتفاء حاجتها لغطاء الأطلسي في مواجهة المد السوفيتي، وعلى اثر إدراكها الملموس لطبيعة مخطط تفتيت المنقطة وإعادة هيكلتها التي تصيبها نفسها بالتفكك وإعادة الهيكلة بالدرجة الأولى وفي مقدمة الدول المتأثرة والمستهدفة.
لكل ذلك وبفعل وعي الشعب التركي، ونهضته، وسعيه لمكانة تحت الشمس، وبعد أن اختبر وصفات إجماع واشنطن، والتبعية الرخيصة، ودور الشرطي الثانوي، ومع تصعيد دور حزب العدالة والتنمية ذو الطبيعة الاجتماعية والالتزام العقائدي، والمتشكل من نخبه سياسية واقتصادية جديدة تنتمي إلى الشرائح الوسطى والإنتاجية ونجاحه في إخراج تركيا من أزماتها الاقتصادية وارتهانها لإجماع واشنطن، وتحولها قوة اقتصادية تصديرية، وقيادتها بتقانة باتجاه الانفتاح على بيئتها الإسلامية وفي المقدمة العربية حيث الثقافة والتاريخ والمصالح الاقتصادية والجغرافية، وممانعتها استخدام أراضيها في الحرب على العراق ورفضها الحرب وأهدافها، وتمردها على إلزام إسرائيل واشنطن في فلسطين واستقبالها ممثل حماس، واتخاذ مواقف ضد الهمجية الإسرائيلية وعدوانيتها، ورفضها القاطع لحصار سورية، والانخراط في حملة إسقاطها وتغيير مسلكها.
تركيا هذه يمكن القول أنها شابهت إيران إلى حد كبير في الاستثمار في القضايا العربية وأفلحت في رهانها على الممانعة والمقاومة العربية.
لتركيا مصلحة إستراتيجية وجيواستراتيجية في العلاقة مع العرب خاصة سورية، والعراق، فالأزمة العراقية وتفاعلاتها تهدد تركيا باستقرارها ووحدتها خاصة خطر إعلان دولة كردية مستقلة في العراق، وسيطرتها على كركوك، وتهددها أيضا مشروعات الفتنة المذهبية على أنها دولة متشكلة من أطياف أثنية ومذهبية قلقة ورجراجة وأي عبث باستقرار المنطقة يطالها ويهددها.
تركيا اليوم غير تركيا قبل سنوات، فقد أدركت أهميتها التاريخية وعرفت من أين يأتيها الخطر وانعطفت إلى بيئتها تبني وتركز العلاقات معها، لتستقوي بها، ولتتفاعل بدور نشط، وهي بذلك تحولت من طرف كماشة ومنصة لصالح الغرب إلى قوة وازنة في تقرير مسارات الإقليمي وخياراته، وكما ترتبط سورية مع إيران بعلاقات تحالف استراتيجي كذلك ترتبط بتركيا بتفاهمات ذات طابع استراتيجي تعززها المصالح والمصير الواحد فتتشكل العلاقة الثلاثية كقوائم قوية لهرم التفاهم بين أمم المنطقة قد ينتج منظومة امن إقليمية إسلامية أساسها العرب، والأتراك، والإيرانيين،وامتداداتها العالم الإسلامي على تماس تصالحي وتفاعل مصالح مع آسيا وقواها الصاعدة.
الأزمة السياسية التي تضرب تركيا اليوم على صلة مؤكدة مع ما يجري في العراق، وفي الإقليم من متغيرات في أولها حالة الفراغ المتشكلة من جراء انحسار الهيمنة الغربية، وما الأزمة الرئاسية، وقضية العلمانية، والانتخابات المبكرة، والتعديلات الدستورية الجارية سوى مؤشر قوي على حجم تفاعل تركيا مع بيئتها، ودليل قطعي على أنها من أول البلدان التي يجري إعادة هيكلتها على وقع الصدام مع المشروع الغربي.
في أي اتجاه ستستقر تركيا، وأية نتيجة ستخرج بها الأزمة السياسية أمر في غاية الخطورة التأسيسية، يجب متابعته باهتمام شديد لأنها ستنعكس في طبيعة تركيا ومستقبلها ومستقبل دورها وهي مسألة هامة للعرب والمسلمين، وسترسم صورة لما ستتجه إليه المنطقة.
ماليزيا
تتشكل كبيئة حاضنة لتجربة محفزة للعرب والمسلمين، وتتفق معهم في هذه المرحلة بخيارات التمرد على إجماع واشنطن ورفض الإملاءات، واعتماد لغة المصالح والتفاعل بدل العدوان والإلحاق، والالتحاق، وتسعى في مشروعها ودورها وتقدمها الاقتصادي والتكنولوجي إلى بيئات وبلدان الطاقة والأسواق والأموال وتجدها في العرب ولها معهم مشتركات كثيرة في الثقافة والقيم، والمصالح، وهي بذلك تتشكل كقوة مساندة وكملاذ تكنولوجي واقتصادي في مواجهة عمليات الحصار خاصة التقني والتكنولوجي، واستقرارها على استقلالها الاقتصادي والسياسي مؤشر على قدرة الأمم والدول بالتمرد على الهيمنة وتحقيق الانجازات إذا أرادت وأدركت وسعت.
اندونيسيا
وهي من كبريات الدول الإسلامية التي تعرضت لعبث وتدخلات غربية وأمريكية لتفكيكها، وتعاني من الأزمة، وتعيش حالة مخاض، وتعبث بها الصراعات الاثنيه، والسياسية بفعل فاعل ولأهداف تخدم المصالح الغربية والأمريكية، وتنشأ فيها قوة اجتماعية وسياسية صاعدة تحتضنها الحركة الشعبة المعارضة للتبعية والهيمنة الأمريكية والأوروبية، وتسعى إلى التقرب من العرب، والاستثمار في انجازاتهم وتحتاج لأسواقهم وأموالهم وموقعهم، وتحتل قضية القدس والصراع العربي الإسرائيلي والعداء للغرب وأمريكا مرتبة متقدمة في خيارات شعبها، وكتلتها السياسية الأساسية، وهي بكل الأحوال مستفيدة من انحسار القوة الأمريكية وتداعي سيطرتها على الشرق الأوسط والعالم، ومن المرجح أنها قابلة لمتغيرات كثيرة جميعها تصب في صالح التفاعل والتفاهم والاستثمار المشترك مع العرب والمسلمين، وهي متشكلة كقوة وازنة في منظمة المؤتمر الإسلامي وساعية إلى تعزيز دورها وعلاقاتها مع العرب وبيئتهم الإسلامية.
شكلت وتتشكل كواحدة من الحواضن السياسية والاجتماعية لحركات مقاومة ذات طابع إسلامي جهادي على عداء مع الغرب ومع أمريكا، وتشير المعطيات إلى تقدم تلك القوى وبلوغها مراحل القوة والتأثير المستقبلي الحاسم في خيارات اندونيسيا.
القارة الإفريقية
القارة السمراء بمجملها على علاقة ود، واتصال بالعرب الجيران ، تتقاسم القارة معهم، وتتفق بالكثير من السمات والتاريخ، واللون والمعاناة مع دول عربية وازنة وكبيرة ومتأثرة بالجاري في المشرق العربي، ويمثل الوجود العربي، والإسلام، والثقافة العربية قوة حاسمة في تشكيلات القارة ووعي شعوبها.
نهضت حركتها التحررية في القرن الماضي متأثرة ومحتضنة من حركة التحرر العربية لاسيما الناصرية ولعبت مصر دورا مرموقا في عهد عبد الناصر في إنهاض إفريقيا وبناءها، وامتلاكها عناصر حريتها، واستقلالها، وحاول معمر القذافي وراثة الدور لكنه اخفق وهو يحاول اليوم بدون طائل لأسباب تمت لطبيعته الشخصية وحجم ليبيا ودورها، وسياساتها.
دفعت ثمن انهيار حركة التحرر العربية وانهيار الاتحاد السوفيتي باهظا ووقعت تحت الهيمنة الاستعمارية الغاشمة الأمريكية والأوروبية، وقامت فيها الحروب العبثية بدفع وتدخل من الدول الاستعمارية، ووقع على العديد من بلدانها تحت التدخل العدواني السافر بسبب المتعارضات والصراعات الفرنسية الأوروبية والأمريكية طمعا في السيطرة على الموقع والنفط والثروات الوافرة، وابتليت بالأمراض وبالا دارت الفاشلة، والموالية للغرب، وأفقرت، وتشرذمت، فاحتضنت بغالبية بلدانها لحركات مقاومة إسلامية بتوجيه وإدارة عربية وتشكلت فيها حركات اعتراض ومقاومات مسلحة، وتمثل الصومال والتدخل الإثيوبي الجائر، والأزمة التشادية، وأزمة دار فور، عناصر تأزم بين بلدانها ومع المشروع الغربي برمته، وتتأثر بالجاري في بؤر التوتر هذه.
القارة الإفريقية لأسباب شتى تبدو معطوبة ومعطلة عن لعب دور بحجم ثقلها وثرواتها وموقعها، وتتعرض لغزو وتسعى أمريكا لإقامة قيادة عسكرية خاصة بها، وتنشر الأساطيل، وقوات التدخل بذريعة مواجهة الإرهاب والجهادية الإسلامية بينما الهدف المباشر وضعها تحت الإشراف الأمريكي المباشر بسبب موقعها الجغرافي، وثرواتها خاصة النفط والغاز إضافة إلى اليورانيوم والحديد والذهب والألماس، وغيرها من الثروات الباطنية والزراعية، والطبيعية، ولأنها تحيط بالخليج والعالم العربي وطرق نقل الثروات.
القارة التي اختبرت عهود الاستعمار والاضطهاد العنصري، والعبودية، واختبرت عهود التحرر بالشراكة مع حركة التحرر العربية، تبدو من المناطق المتأثرة بالجاري في المنطقة العربية واتجاهاتها وتتشكل كواحدة من القارات الجارة للعرب تنفعل وتتفاعل معهم تستثمر في مقاومات العرب ونهوضهم وتستهويها العلاقة معهم إلى حدود التقاطع في الكثير من المصالح والمشتركات، وفي الواقع مؤسسات يشترك فيها عرب وأفارقة، يمكن تطويرها لتكون حاضنات، وتجارب محفزة على تقدم العلاقات إذا امتلك العرب زمامهم ونهضوا بمشروعهم التحرري الوحدوي.
الإسلام
يشكل الإسلام دين الأغلبية الساحقة من دول العالم الإسلامي رابط ثقافي وقيمي، وتاريخي، يحفز العالم الإسلامي ليتشكل كقوة اجتماعية اقتصادية سياسية قطبية وازنة، تتساوق مع الجاري في العالم من سمات الوحدات ما فوق القومية والقارية، ويتشكل العرب كعنصر حاسم في تقارب وتفاعل الدول والأمم الإسلامية لألف سبب ومبرر.
شكلت وتشكل الحرب المعلنة من الغرب عموما وبقيادة أمريكية على الإسلام، وقيمه، وعقيدته، وحرب الحضارات عنصر جامع ومحفز على التقارب بين شعوب وأمم العالم الإسلامي وإدارتها في معركة الدفاع عن الإسلام والقيم والرموز، ويشكل أساسا قويا رابطا وموثقا المصالح المشتركة التي من شأنها أن تتعزز كثيرا في حال امتلك العرب الزمام وتقدموا لانجاز مشروعهم وللعب دور نشط في تفاعل الأمم والدول المجاورة والمتأثرة، والمشتركة معهم بالعقيدة والتاريخ والطموحات المستقبلية، وإذا ما سعوا إلى إدارة حوار تفاعلي بين الحضارات والأمم.
الجاليات العربية والإسلامية
إلى دور الدين الإسلامي ورابطته الوثقى بين أمم العالم الإسلامي تلعب الجاليات العربية والإسلامية المنتشرة في العالم، دورا رابطا وعروة وثقة، تشد الأمم بعضها إلى بعض، ويشكل الانتشار العربي والإسلامي في بلدان العالم وخاصة أمريكا اللاتينية والكاريبي وفي أوروبا الغربية حيث نسبتهم تقارب ال25% ويلعبون في بعض الدول دورا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا محوريا، تلزمهم الحرب على الإرهاب، واتهام المسلمين والعرب بها، وما يمارس في البلدان الأوروبية والولايات لمتحدة التي تحتضن أكثر من 7 ملايين من تمييز واعتداءات ومحاصرة، تفرض على تلك الجاليات التوحد، والتماسك، والتحول إلى بيئات حاضنة للوبيات ضغط، ذات تأثير متعاظم" دور الضواحي في الانتخابات الفرنسية، وفي مشكلة الضواحي، وفي إسقاط قانون العمل الفرنسي الليبرالي" تتعاظم قوتها وحضورها بدرجة تعاظم دور العرب والمسلمين وامتلاكهم لحريتهم وسيطرتهم على بلدانهم وثرواتهم، ويشكلون شاهدا على عدوانية وعنصرية الغرب، وعاملا متكاملا مع نهوض اليسار الاجتماعي، والحراك السياسي النامي الذي تقوده الطبقات الوسطى المعرضة للسحق بفعل لبرلة الاقتصاد الرأسمالي ومظالمه.
يشكل المغتربون العرب والمسلمين واحدة من الأدوات والبيئات القوية الممكن تفعيلها والاستثمار فيها، للتأثير على الحركات الاجتماعية والشعبية الصاعدة لاسيما حركات مقاومة العولمة، والعدوان، ودعم المقاومات، ورفض التمييز العنصري، وكشف الغرب على حقيقته وطبيعته وفشل سياساته في الدمج، والاستيعاب، والمساواة والمواطنة، كما يمثلون آليات لنقل العلوم، والتكنولوجيا والأموال، والخبرات يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في صالح مشروع النهضة والبناء، ويتشكلون بالأصل كبيئات لحوار وتفاعل الحضارات، والأمم وهم بمثابة رسل وسفارات، لابد من التعامل معهم على هذه الدرجة، على الأقل في تقليد لما تقوم به الولايات المتحدة من استخدام الجنسية، والمجنسين في ترويج القيم الأمريكية واختراق المجتمعات والتأثير في خياراتها.
هكذا ترتسم تطورات، ومتغيرات البيئة الإقليمية، والدولية على اتصال بها، كعناصر مساعدة تصب في صالح العرب وحركتهم التحررية، تستثمر وتستزيد من انجازات مقاوماتهم وممانعتهم وتنفتح عليهم وتتحفز لإقامة أوثق العلاقات وصياغتها على أسس متينة ما يهيئ البيئة لإمكانية قيام مشروع إسلامي يبدأ ويتطور بإقامة منظومة امن إقليمية تتعمق لتصبح اقتصادية وسياسية وثقافية.
الحوافز والظروف الواجبة لقيام منظومة امن إقليمية تضغط بإلحاح وتفترضها آليات التطور التاريخي وحاجاته ذاتها وفي أولها إملاء فراغ انحسار السيطرة الامبريالية عن الإقليم، ومعالجة المشكلات الناشئة عن الحدود، والمصالح .
سبق في الجزء 1 : حال الأمة في عالم يتغيير
يتبع:
حال الأمة الراهن، وأزماتها.
حال الأمة في البيئة الإستراتيجية للصراع العربي الصهيوني المتغيرة.
حال الأمة في نظامها الرسمي وجغرافيتها القطرية ومستقبلها.
حال الأمة في الأقطار المأزومة، وخطر الحروب والتفت، وأزمة المقاومات واتجاهات التطورات المستقبلية.
خلاصات، دروس وعبر، واقتراحات وتوصيات برنامجيه على الصعد المختلفة.
هذه صيغة أولية مطروحة للنقاش العام، قابلة للتشذيب، والتعديل، والتطوير، والحذف.
التقرير بأجزائه المختلفة، مطروح للنقاش والتعليق.
المشاركة مطلوبة من الجميع أفراد ومجموعات وأحزاب
المسار المرجو، بلوغ مرحلة نستطيع فيها عبر الحوار الفاعل والتفاعلي أن نقف على الحال وان نبحث معا الوصفات والمهام المطلوبة والمناسبة.
المرجو: ان يجري توزيع التقرير التأسيسي والتقارير الشهرية، ولاحقا الأسبوعية على أوسع نطاق إسهاما في توفير بيئة الحوار التفاعلي المطلوب بين قوى وأطياف الأمة الحية.
للمساهمة، والمشاركة، والاقتراحات والتعليقات، والتصويب، والردود: