المنطقة في
مرحلة تفاوض لا في مرحلة تسويات |
ميخائيل عوض
هل تفاوض أمريكا من اعتبرتهم ألد واخطر
أعدائها ممن كانت تسميهم حلف الشر، أم تقاتلهم وتشن حربا عليهم بقوتها مباشرة أو
بتكليف إسرائيل وحلف المعتدلين العرب والمسلمين، وتوريط المنطقة في حالة فراغ
واحتراب تحت مسمى الفوضى البناءة.
هل تملك أمريكا أوراق وعناصر قوة تفرضها على الآخرين، أم أنها تفاوض لتفاوض ولتقطيع
الوقت، والطلب من الآخرين تقديم ما لديهم، وتغيير مسلكهم ونظمهم لتلبية حاجات
إدارتها وهي في حالة هزيمة واضحة المعالم والعناصر؟
هل تقدم سورية وإيران التنازلات المجانية، وتعملان على تخليص أمريكا وحلفها من
المأزق أم تتمسكان بأوراقهما وعناصر قوتهما فتفرضا ما تريدان وحيث تريان ذالك
مناسبا؟
ما هي قضايا التفاوض، وما هي الساحات الممكن انجاز تسوية صفقة، ومن سيقدم؟ ومتى؟
أنها الأسئلة المنهجية المطلوب معالجتها والتثبت منها، وقراءتها موضوعيا حتى تكون
أجوبة وتوقعات قابلة للتحقيق.
قضايا التفاوض
اعقد من أن تسوى وان تعقد حولها الصفقات في هذه الحقبة
أولاً، الملف النووي الإيراني صار خلف ظهر التفاوض فقد نجحت إيران بالوصول إلى
مرتبة الدولة النووية الصناعية، تم ذالك بإقرار خبراء وكالة الطاقة النووية
الدولية، فإيران ليست مضطرة للتفاوض حوله، بل هي ساعية إلى فرض نفسها في النادي
النووي الدولي ومن موقع القوة والحضور فحسب وبلا تنازلات أو صفقات.
ثانياً، التفاوض على دور إيران وموقعها ومصالحها الإقليمية، ومدى أمنها القومي
وحضورها وهذه بدورها قضايا الكثير منها تحقق لإيران وصارت في طور القبض لا الدفع
وتشترط القبض النقدي لا بشيكات إلى مصرف مفلس.
ثالثاً، التفاوض على العراق، وإدارته، وترتيب استقرار المصالح الأمريكية في العراق،
بعد إقرار أمريكا وإدارتها ومؤسستها الحاكمة بالهزيمة، وهذه بدورها صارت خلف
الظهور، فأمريكا في حال هزيمة، وخطة بوش في حال انهيار، وإستراتيجية بيكر هاملتون
غدت عنوان السياسات الأمريكي بما في ذلك التزام الإدارة المتصدعة والمنتهية
الصلاحية، والحال الشعبية العراقية تتحرك وتتحول توازنات قواها والتزاماتها،
فانتقلت منظمة بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى مرجعية السيستاني في محاولة
لعرقنة مرجعيتها اعتراضا على مرجعية ولي الفقيه، وقم، ومقتدى الصدر أعلن جهارا موقف
كتلته، ومرجعيته، ودوره، في خط المقاومة والالتزام العربي العراقي، وحدد موقفا
معترضا على المفاوضات الأمريكية الإيرانية والتزم المقاومة المسلحة والشعبية،
واشتراط جدولة الانسحاب الأمريكي قبل العودة للمشاركة في العملية السياسية وسواها،
والكرد في حالة ارتباك وقد استدعيت تركيا إلى الأزمة العراقية تحت هاجس الشراكة في
ترتيب العراق بعد الهزيمة الأمريكية والتحوط من خطر التقسيم والدولة الكردية، وهكذا
يتحول العراق سريعا وبقوة المقاومة والمتغيرات إلى بيئة تسقط أمريكا ومشروعاتها
ويتقدم احتمال أن تكون الهزيمة درامية ومتسارعة واو هزيمة منظمة والأمر متروك
للمبادرات واستعجال أمريكا وترتيب أوراقها وحل مشكلاتها في الداخل الأمريكي ومع
الآخرين فالعراق لم يعد ساحة صفقات وتسويات بقدر ما هو ساحة لتصفية حسابات ومتغيرات
العراق لا تعطي إيران أو أمريكا أوراق للتفاوض والصفقة بقدر ما تحمل مفاجآت للجميع
باستثناء المقاومة وسورية والشعب العراقي.
رابعاً، لبنان ليس من حاجة لدى إيران وسورية والمقاومة من طلب ود أمريكا أو حلفها
العربي فالأزمة أخذت مداها، والفريق الموالي لأمريكا ذهب ابعد ما يستطيع بدءا من
تحويل المحكمة لقرار دولي تحت البند السابع، إلى تفجير لبنان عبر فتح الإسلام وحرب
المخيمات، واخذ البلاد إلى الفوضى حيث يتضرر منها بصورة أساسية وحاسمة الحلف العربي
المعتدل، وأمريكا وإسرائيل، في حين أن سورية وإيران والمقاومة ليست متضررة كثيرا من
حال الفوضى التي ضربت في قاعدة فريق 14 شباط وكسرت قدرته على اخذ البلاد إلى حرب
بين المذاهب وضد المقاومة وسورية.
خامساً، في فلسطين الأزمة صارت مفتوحة على احتمال انتصارات للمقاومة وفصائلها وقد
دخلت طورا نوعيا استراتيجيا على كل المستويات بعد حسم حماس السيطرة على غزة وتعد
عدتها لاستئناف المقاومة وتعميمها في الضفة وقلب فلسطين، بعد أن ثبت خيانة فصائل
وأجهزة في السلطة، وتورطت مصر والأردن بإقامة حلف علني مع إسرائيل لمقاتلة المقاومة
وحصار شعبها في فلسطين، وفي جميع الأحوال العجز فاضح عند إسرائيل وأمريكا وحلفها،
والعودة إلى قصف الصورايخ وإسقاط الهدنة لم تؤتي أكلها في صالح إسرائيل وأبو مازن
بقدر ما أكدت عجز الإدارة الإسرائيلية والمجتمع والجيش على القيام بعمل عسكري
لإسقاط حماس خاصة وان عناصر أكثر راديكالية صارت تعمل في فلسطين يمكنها أن تدفع
الصراع إلى اللاعودة وتغييب أية قدرة على الضبط والربط بما يحقق نبوءة وزير
الخارجية السعودي" المبادرة دون تعديل أو أمراء الحرب" وعليه فليبس على سورية أو
إيران، أو المقاومات أن تقدم شيئا لإسرائيل وأمريكا وحلفهما، بما في ذلك كلفة ضبط
المقاومات ولجمها والأمر صار أعمق واخطر وأصعب بعد أن عجزت إسرائيل وأمريكا وحربهما
العالمية والعربية على المقاومات وما لحق يهما من هزيمة.
سادساً، إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وإعادة هيكلتها على قياس مصالح أمريكية أوروبية
إسرائيلية عربية معتدلة أو ما شابه انسجاما مع مشروع إعادة هيكلة المصالح الغربية
وأدواتها، والسؤال هل من مصلحة سورية وإيران والمقاومات تلبيته وهي تنتصر؟ولماذا هي
مضطرة لان تدفع ثمنا هائلا في صالح إعادة إحياء المشروعات الغربية المتداعية وما
الذي يدفعها لذلك؟
إن القضايا المطروحة للتفاوض والصفقات كبيرة وإستراتيجية، وتنتمي إلى مرحلة إعادة
هيكلة المنقطة وتوازناتها، وانعكاس ذلك على هيكلة العالم وقواه، فهي أعقد من أن
تسوى بصفقة.
البيئة ليست بيئة
تسوية بل تفاوض فحسب
الحقبة التاريخية هي حقبة تصفية حسابات، لا حقبة تسويات وتوافقات يتقرر في
سياقها منتصر ومهزوم. فلا المهزوم قادر على أن يقدم شيئا، ولا المنتصر مستعد لإخراج
المهزوم من هزيمته قويا.
- السوري أجاد خلال عقد التسعينات إدارة مفاوضات على قاعدة ثورية ممتازة، ونجح في
انتزاع ما يريد على طاولة التفاوض ونجح في تغيير ميزان القوى على ارض الصراع وأدار
تفاوض وصراع متقن، وعليه فهو مبدع في هذا الأمر والظروف كلها لم تكن في صالحه بينما
المرحلة وعناصرها وسماتها اليوم في صالحه. فلماذا سيفاوض على قاعدة توازنات مرحلة
عبرت وتغيرت، ولماذا سيقبل تقديم تنازلات، أو قبول ما كان معروضا .
- الإيراني كشف عن انه يستطيع القيادة وتجديد نفسه، وتحقيق مصالحه، وخطته
الإستراتيجية بإبداع وتقانة عالية، ونجح في الاستثمار بالقوة الأمريكية في
أفغانستان، والعراق، وورط أمريكا وأقحمها واستثمر في عناصر مقاومتها ونجح في بناء
القوة العملاقة وصار اقدر على ابتزاز أمريكا وحلفها ومفاوضاتها تحت النار والتهديد
وهي في قلب المأزق، ولان إيران لها مشروعات إستراتيجية وتاريخية لذلك تدرك ما الذي
تسعى إليه وكيف تحقق شرطها عدم إخراج أمريكا من الورطات سالمة أو قوية.
التفاوض الآن يجري بين مهزوم ومنتصر، وعلى اثر حروب استخدمت فيها كل عناصر القوة
والتفوق، وكل الأعمال الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية،
واستهلكتها جميعا بما في ذلك القوة العسكرية العاتية والتحالفات ومجلس الأمن
وقراراته وحياد الدول الكبرى الأخرى وانخراط أوروبا والأطلسي بالحروب، ومعهم عرب
الاعتداء والاتفاقات مع إسرائيل وأمريكا فليس من مصلحة المنتصر أن يهزم نفسه، لينصر
عدوه المهزوم.
التفاوض يجري بين إدارة مهزومة ومعزولة ومنتهية الصلاحية ومتصدعة وغارقة في أزماتها
وفي مرحلة الاستعداد لانتخابات أمريكية، وإدارتين قويتين وثابتتين تتقدمان إلى
الأمام، وتزداد عناصر قوتهما مع الزمن. إنهما إدارتان تجيدان التفاوض والاستثمار،
وتعرفان أزمة الإدارات الغربية، وتجيدان الاستثمار في الأزمة الأمريكية والأوروبية
الداخلية، وتعرفان إنهما لا تعطيان إلا وتأخذ أكثر، ولا تعطي إدارة ذاهبة بل تنتظر
إدارة آتية وتحضر لها جوا جديدا لتفرض عليا ما تريد.
نعم، إنها بيئة تفاوض، لان أمريكا وحلفها في حال هزيمة وانكسار وأزمات، وتريد سورية
وإيران والمقاومات التفاوض لكسب الوقت وتخفيف المعانات وزيادة الأوراق بين يديها،
وتثبيت الانتصارات وتوثيقها، وزيادة الاستثمار فيها بالوسائل الناعمة إذا توفرت
الفرص.
بيروت، 22-6-2007