مفردات ومصطلحات
تقوض الأمن الاجتماعي والسياسي

الداعية الدكتور فتحي يكن

 

الأمن نعمة كبرى لا تفضلها نعمة. فهو، بالنسبة للإنسان، أهم من الغذاء والكساء والدواء، وسائر الحاجات والضرورات البشرية.

وفي ضوء هذا يمكن أن نفهم أبعاد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عند قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".

يأتي حديثنا اليوم عن الأمن في زمن اهتزت فيه كل مقوماته ومرتكزته في العالم، وفي مرحلة تـكاثرت وانتشرت

فيها كل عوامل الفوضى والخوف والقلق من حروب مدمرة، وفتن عمياء صماء بكماء تجعل الحليم حيران.

فسباق التسلح والتسلط والاستئثار بالقرار العالمي وحيازة أسلحة الدمار الشامل... أزكى كل صنوف الحقد والكراهية وحب الانتقام... فانحسرت المحبة، وسقط السلام، واهتز الأمن، وعمت الفتن والحروب أرجاء الارض كلها.

وقبل دخولي الى الموضوع، لابد من تعريف سريع لمعنى ومضمون كلمة الأمن.

* الأمن لغة: هو الاطمئنان والسكينة... وفي المعجم الوسيط: "أمـِِن أمنا، اطمأن ولم يَخـَـف، فهو آمن". والبلد الآمن هو البلد الذي اطمأن أهله.

* والأمن هو نقيض الخوف. قال تعالى: "وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا" الأعراف.

* والأمن اصطلاحا: هو الأخذ بكل الاسباب التي تضمن استقرار الدولة وأفرادها ومؤسساتها ومصالحها الحيوية في الداخل والخارج.

* والأمن حاجة اساسية لتقدم الانسان ورقيه ورفاهه وسعادته... في حين أن اضطرابه وتعطله مدعاة للتخلف والتأخر والضعف والانهيار...

قال تعالى: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا".

 

الأمن أحد تجليات الإيمان

والأمن أحد أهم تجليات الإيمان، ولا أمن وأمان بلا إيمان، مصداقا قوله تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".

- فكل ما يتناقض مع الايمان من شأنه أن يهز الأمن ويصدعه.

- فالجحود والكفران والظلم والطغيان، كما العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية والاثنية والفئوية والعشائرية والقبلية، جميعها عوامل اسقاط للأمن وإحياء للفتنة: "والفتنة أشد من القتل". وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "ليس منا من دعا الى عصبية. وليس منا من قاتل على عصبية. وليس منا من مات على عصبية. دعوها فإنها منتنة".

من هنا كان التدين الصحيح السليم مدخلا لتوطين الأمن، ومدعاة لنشر المحبة، وإشاعة روح التعاون بين المواطنين، كما كانت القوانين العادلة صمام أمن الفرد والمجتمع والدولة.

الأمن كل لا يتجزأ. فلا أمن اجتماعي من غير أمن اقتصادي. ولا أمن اقتصادي من غير امن سياسي. وهكذا.

- إن سوء توزيع الثروة يؤدي إلى الفقر، والفقر يؤدي الى حرب الطبقات. لآن الفقر يكاد أن يكون كفرا كما جاء في الخطاب النبوي "وثيقة أغنياء العالم".

- وغياب العدالة السياسية من شأنه أن يهز الأمن الاجتماعي، ذلك أن العدل أساس الملك. (عمر بن الخطاب: "عدل فأمن فنام")، ("وليـُـتمًنَ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لايخاف الا الله")، رواه البخاري وفي رواية: (والذئب على غنمه).

- والإرهاب منشؤه القهر، والقهر يولد الانفجار. ورفع القهر وازالته هوالطريق الأقرب لمعالجة الإرهاب. (عجبت لأناس كيف لا يخرجون).

- إن فقدان المساواة من عوامل تقويض الأمن الاجتماعي، وتحقيق المساواة علاج حاسم لما تخلفه الامتيازات من مخاطر وتداعيات. وفي الحديث النبوي: "إخوانكم خولـُكم، جعلهم ال قـُـنية تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه"، رواه أحمد والطبرني.

 

مفردات ومصطلحات غريبة عن الاسلام

إن من المفردات التي أضيفت الى قاموس اللغة بدون استئذان وبلا تدقيق، والتي يمكن ان تكون قنابل موقوتة، ما يلي:

- الأصولية: وهذا المصطلح لامكان له في الإسلام. فإذا كانت الأصولية تعني الغلو والتطرف، فإن الإسلام دعوة الوسطية والاعتدال. وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون، قالها ثلاثا"، رواه مسلم، وقوله: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا"، رواه البخاري. وقوله: "إن المنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا أبقى"، رواه البزار، وروى بعضه الامام أحمد. وقوله: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"، رواه مسلم. وقوله: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"، رواه البخاري. وقوله: "خذوا من الأعمال ما تطيقون"، وفي رواية: "خذوا من العبادة ما تطيقون فإن الله لا يسأم حتى تسأموا"، رواه البخاري.

- الإرهاب: وهو ليس من صفات الدين. فالنبي الذي ارسل رحمة للعالمين لايمكن أن يكون إرهابيا. ولم يكن ورود كلمة الإرهاب في قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" إلا في موقع الدفاع عن النفس وفي حالات الحرب ليس إلا!

- الإلغاء: أما مصطلح الغاء الآخر، فهو مصطلح مرفوض في الاسلام بالكلية. فالإسلام يعترف بالآخر، ويدعو إلى التعرف عليه والى الحوار والتعاون معه، مصداقا لقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير"، (انظر المقال).

- العولمة: وأما العولمة التي تهدف الى الغاء خصوصيات الآخرين، وفرض ثقافة وحضارة معينة عليهم، كالحضارة الغربية أو الأميركية على وجه خاص، فإن الإسلام جاء بما يناقضها. فالإسلام من خلال تكريمه للانسان ترك له حرية الاختيار وأبى أن يسوقه بالعصي، ويرضخه بالقوة كما يجري اليوم. ومن مبادئه الاساسية ما يتجلى في قوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، وقوله: "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".

- التطهير العرقي: كالذي حدث في عدد من دول العالم كالشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها. فالحرب في الاسلام مشروطة بسلوك وأخلاق لا يجوز الخروج عليها. فمن وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيش اسامة: "لا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".

- حرب إلغاء الحضارات وحتمية بقاء الحضارة الغربية: كالتي يدعو اليها فوكوياما وغيره.

- الإسلام المعدل: وهو المصطلح الذي طرحه الرئيس الاميركي بوش بعد أحداث 11 ايلول ثم بين يدي الحرب على أفغانستان وأخيرا العراق، والذي يهدف الى تقديم "إسلام من صناعة أميركية" يرتضي لأتباعه الذل والهزيمة والاستسلام!

- العالم الثالث: وهو المصطلح الذي كرس التصنيف الظالم للمجتمعات، وأغرى العداوة والبغضاء بينها. إنه المسؤول عن بقاء ما يربو على 850 مليون شخص في حالة بائسة من الخوف والجوع والعطش والمرض!

- الخصخصة: وبيع ممتلكات الدولة وتحويل الثروات العامة الى ثروات خاصة، مما جعل نصف ثروات العالم بيد عدد من الأشخاص! في حين جعل الإسلام الناس شركاء في الثروات الضرورية وجال دون خصخصتها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ  والنار".

- العمالة والجاسوسية: والارتهان لقوى خارجية فردية كانت أو جماعية، كجماعات عباد الشيطان وشهود يهوه والرائيليين، وغيرهم.

- خصخصة القوانين: وتفصيلها على قياس المصلحة الخاصة وليس العليا والعامة، كقانون الانتخابات النيابية على سبيل المثال.

- الإعلام غير الموجه والمضبوط: والذي تمتلكه وتجتاحه وتوجهه مدرسة تقوم على تلقين العنف والارهاب والفساد والجريمة  في كل صورها وأشكالها!

- السرقة المنظمة: وتتمثل بمسلسلات الفضائح: النفط + الكهرباء + الطوابع + صناديق التكافل والتعاضد + الخ.

- الإقطاع المالي: الذي بدأ يتحكم في الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية، فيشتري الذمم ويلغي الجدارات، وبخاصة في الانتخابات النيابية!

- الفساد الإداري: الذي يهز أمن المواطن وأمن مصالحه كلها، كما أمن الدولة ومؤسساتها، والذي مرده الفساد السياسي، وغياب أي مشروع من شأنه بناء الانسان بناء سليما ومستقيما.

إن كل هذا وغيره يسهم في زعزعة الأمن الاجتماعي والسياسي، ويعمل على تقويض دعائم الاستقرار في المجتمع. وكل معالجة للأمن لا تأخذ بعين الاعتبار هذه الاسباب والخلفيات مجتمعة، وتعمل على معالجتها وايجاد الحلول الناجعة لها، تبقى صيحة في واد ونفخة في رماد. 

أخيراً

أي أمن يمكن أن ينعم به الناس في ظل نظام عالمي يمارس أبشع الوان الارهاب والقرصنة وحروب الابادة، مستخدما كل صنوف اسلحة الدمار الشامل، متذرعا بمحاربة الإرهاب، ونزع أسلحة الدمار الشامل، وتوطين الديمقراطية، وضمان حقوق الإنسان.

إن ما تقوم به الولايات المتحدة الاميركية اليوم، يمكن أن ينسف كل مشاريع الأمن والسلام في العالم، لأن الضغط من شأنه أن يولد الانفجار.

لقد أصبح للولايات المتحدة الاميركية قاموس من المفردات والمصطلحات التي تقوض الأمن العالمي، وقد يستحيل الوصول الى مجتمعات آمنة في ظل عولمة الاستكبار الأميركي والصهيوني.

 إنه لابد من جبهة عالمية، تسقط الهيمنة الاميركية على القرار الدولي، وتحقق التوازن، وتكرس مبادئ العدالة والحرية والمساواة بين الشعوب، وعندها يمكن أن ينعم الناس بالأمن والأمان، وقد زال الظلم والطغيان.