"جبهة العمل الإسلامي" حركة تصحيحية سنية |
د. هيثم أبو عيد
عضو "جبهة العمل الإسلامي"، لبنان
HAYSSAM70@hotmail.com
عبارة "غزوة الأشرفية" جاءت لتوصيف ما حصل في الأشرفية في 5 شباط 2005. دخلت هذه العبارة في المصطلح السياسي اللبناني، واتخذت مفردة لها في القاموس السياسي الجديد. لقد أقيمت الحلقات الإعلامية والمؤتمرات الصحفية للتعليق على هذا الموضوع آخذة في الحسبان تشويه صورة هذا المسلم السني الذي يغضب لرسوله، واعتبار غضبه ليس بالأمر الحضاري المستساغ أو المقبول. وبدت الصورة مقلوبة تماماًُ، وقد عملت جهات مشبوهة إلى تزييف وتزوير الحقائق والمعطيات ما جعل الساحة الإسلامية السنية تبدو مترنحة وإن كانت هي الموئل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وبدت هذه الطائفة وكأنه يُراد لها أن تأخذ دوراً معادياً لأمتها وقضيتها، فما جرى في الأشرفية كان عملية إسقاط لها في فخ تجريدها من دورها الحضاري والريادي. هذا خصوصاً إذا علمنا من دعوا ونظموا وحضروا لهذه "الغزوة" هم الذين يحاولون سوق هذه الطائفة إلى موقع غير الموقع الذي يجب أن تكون فيه. من السهل بنظرة عامة على وضع المجتمع اللبناني أن يرى أي كان تماسكاً صلباً في الطائفة الشيعية، وشبه تماسك في الطوائف المسيحية، بينما تبدو الطائفة السنية أكثر ترنحاً وتشرذماً. ولهذا تظهر أيضاً ضعيفة هشة، وإن بدا "تيار المستقبل" ممثلاً لأكبر شريحة فيها، نظراً لما حصل عليه من تعاطف بعد اغتيال الحريري، ولكنه مع ذلك غير ممسك بالنقاط الأساسية في الطائفة وبالمفاصل الحساسة، خصوصاً المفاصل الدينية. ولقد حاولت دار الفتوى أن تلعب هذا الدور، لكنها سقطت في عدة امتحانات ما أفقدها هيبتها ودورها.
لذلك كان لا بد من قيام حالة استنهاض وتصحيح في الطائفة السنية لأخذ المبادرة وإعادة الأمور إلى نصابها، وسحب بساط حصرية التمثيل في لون سياسي واحد. وكان أن تم الإعلان عن تشكيل "قوى العمل الإسلامي" في لبنان ، وهو عبارة عن أحزاب إسلامية وجمعيات وشخصيات لها دورها على الساحة اللبنانية عامة، والسياسية خاصة. ثم بعد ذلك أخذت منحى التأسيس الجبهوي ما أعطاها قوة وحضوراً في الساحتين اللبنانية والإقليمية. ولكن السؤال المطروح هو كيف أخذت هذا المد التصاعدي في وقت قصير؟ وما هي العوامل التي عملت على إنجاح هذا العمل الجبهوي؟
للرد على هذه التساؤلات لا بد أن نقف قليلاً على ما يجري على الساحتين الدولية والإقليمية. فالحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المسلمين في العالم بحجة استئصال الإرهاب ولد شعوراً لدى الطائفة السنية في لبنان أن السنة هم المستهدفون عالمياً، وأن القيادة السياسية السنية في لبنان لا تعبر عن طموحاتهم ولا تبدد هواجسهم، خصوصاً فيما يتعلق بالمشروع الذي تحمله بعنوان براق وفضفاض يخفي أموراً كثيرة. وهذا المشروع تطرحه الإدارة الأميركية كخشبة خلاص تحت الحجة التي ذكرناها للتو: التخلص من المقاومة في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان.
ولقد كان أهل السنة دوماً، بطبيعتهم، في طليعة المشروع المقاوم في المنطقة، من عهد حملات الفرنجة إلى المغول والتتار، مروراً بالاستعمار الفرنسي والإيطالي والبريطاني، والشواهد على ذلك كثيرة. وهكذا كان لا بد من إيجاد عمل جبهوي مقاوم تعود فيه الأمور إلى نصابها.
مسألة أخرى تجيب على التساؤل، وهو أنه بعد كل حالة أمنية شاذة أو فتيل تفجير على الساحة اللبنانية، كان أهل السنة هم من يسدد الفاتورة التي تكون أحياناً باهظة الثمن. فخلال الحرب الأهلية، وبعدها الاتفاق الثلاثي، وبعد أحداث 11 أيلول 2001، بدا للعيان أن على أهل السنة أن يدفعوا فواتير مكلفة في بعض الأحيان.
إن الحالة الشاذة التي أعقبت اغتيال الرئيس الحريري، وصورة التحالفات التي تم ترتيبها سببت الأذى الكبير لمشاعر العديد من أهل السنة والجماعة، لا سيما وأن بعض رموز هذه التحالفات هم من شارك في عمليات إبادة وتطهير ديني، إن صح التعبير، بحق أهل السنة على مدى سنوات الحرب الأهلية. وبدا لهذا السني أنه يُراد له أن يُستخدم كوقود لمشاريع فئوية وحزبية ضيقة، وأن أبناء هذه الطائفة سيُقدمون قرابين مرة أخرى على مذبح المشروع الأميركي في المنطقة، وهم أحفاد الظاهر بيبرس والسلطان صلاح الدين والأمير عبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسّام... أي لعبة قذرة سيُقدم عليها أهل السنة، وهل سيكونون أداة تقسيم وفتن بعد أن كانوا "أم الصبي" والغيارى على وحدة البلاد والعباد؟ إن هذه الحسابات أعيد التفكير بها على قاعدة "لئن أرعى جمال أخي يوسف..." والقصة معروفة لدى الجميع.
المسألة الأهم في هذا الموضوع أن أهل السنة في لبنان لا يريدون توظيف طائفتهم من قبل النظام السوري عند الراعي الأميركي. فهم وإن كانوا قد تعرضوا للظلم والاضطهاد والتشريد، ولكن هذه المظلمة لا تكون على حساب الخطر المحدق بالأمة وبمشروعها الأساسي، ألا وهو القدس الشريف وباقي الأراضي العربية والإسلامية المحتلة من قبل الاستكبار العالمي. فالحركة السنية وعلى امتداد العصور رفدت الأمة بكبار العلماء والرجال والقادة الذين حملوا لواء التغيير والمقاومة.
ولذلك عندما نقرأ ونتابع بيانات "جبهة العمل الإسلامي" وخطواتها العملانية على مختلف الصعد: على الصعيد السياسي، وعلى صعيد إخماد الفتن المذهبية والطائفية... ثمة من يعمل على أن "تقوم الدنيا ولا تقعد". مثلاً، عندما صلى الداعية الدكتور المجاهد فتحي يكن بالمصلين، سنة وشيعة، في ساحة رياض الصلح منعاً للفتنة وحفاظاً على وحدة الأمة، والأهم أنه وقف إماماً بالمصلين... بدأت التهم، وكيلت الشتائم، وظهر جو تحريضي فتنوي على الساحة من قبل السلطة. وفي وقت لاحق أقيمت صلاة الجمعة في السراي الحكومي أمّ فيها المصلين السيد علي الأمين. لماذا إذاً هذا التجني السياسي الواضح والمنحاز، مع العلم أن "الجبهة" دعت مراراً وتكراراً إلى وضع الخلاف الموجود على الساحة اللبنانية ضمن إطاره السياسي، لا المذهبي التحريضي.
إن الأحداث التي جرت مؤخراً في الشمال تأكيد على ما قامت وتقوم به الجبهة. فهي دعت إلى الحفاظ على وحدة الجيش وتماسكه وحمايته، في الوقت الذي أكدت فيه الحفاظ على المدنيين الفلسطينيين السمة، لأنه يُراد من هذا المخطط إيجاد الوقيعة بين السنة والسنة، وبين السنة وباقي الطوائف من جهة أخرى، والعمل على إلغاء الهوية الفلسطينية تمهيداً لإلغاء حق العودة وطرح موضوع التوطين على مائدة السلام المزعوم. ومهما قيل عن رفض التوطين من قبل بعض الجهات السياسية فهذا ذر للرماد في العيون، لأن الراعي الأميركي لا يقبل بذلك، وما حربه على المنطقة إلاّ للحفاظ على ديمومة النظام السرطاني الصهيوني في جسد الأمة.
وعلى كل، فقد أكدت "الجبهة"، من خلال تعاطيها مع مختلف الأفرقاء في لبنان، وخصوصاً "حزب الله"، أن انتصار الأمة لا يكون إلاّ بوحدتها وتلاقيها على الله ضمن مشروع جهادي سياسي مقاوم، وأن أي عملية اختزال وتهميش للعمل السني المقاوم سيولد مجموعات غير منضبطة وسهلة الاختراق. ذلك أن شباب الأمة هم مخزونها الجهادي والطاقة التي لا تستغل في مشروع جهادي مدروس الأهداف ممكن لها أن تتفجر في مشاريع أخرى غير محسوبة النتائج. لذلك أكدت "الجبهة" وعملت على تطوير هذا البرنامج الذي يمهد لإيجاد مناخ سني مقاوم للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة. كما أن طائر المقاومة لا يمكنه أن يطير بجناح واحد.
التحدي كبير، والهجمة كبيرة، والإمكانات الإعلامية والمالية ضخمة.. وكل ذلك مسخر لمواجهة مشروع المقاومة في لبنان والعالم العربي والإسلامي. ولكن إرادة التحدي موجودة، وما النصر إلاّ صبر ساعة.
"جبهة العمل الإسلامي" هي حركة تصحيحية سنية داخل المجتمع اللبناني. علينا أن نفهم هذا الموضوع جيداً، وأن نعمل لأجله، مهما كثرت الأراجيف والأباطيل، وسيقت التهم. ولنا في النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة الكرام أسوة وقدوة.