العراق: سباق بين الفتن وتصاعد المقاومة ضد الاحتلال

حميدي العبد الله
 

تصاعدت المقاومة العسكرية والشعبية ضد قوات الاحتلال في الأشهر القليلة الماضية، وخصوصاً في الفترة التي أعقبت وضع الرئيس الأميركي جورج بوش استراتيجيته الجديدة موضع التطبيق القائمة على زيادة عدد القوات في محاولة منه لكسب المعركة عسكرياً وللحؤول دون الالتزام بالاقتراحات التي تقدمت به لجنة بيكر- هاملتون التي أوصت بوضع استراتيجية شاملة للانسحاب من العراق، وإعادة النظر بمجمل السياسة الخارجية الأميركية وخصوصاً إزاء منطقة الشرق الأوسط، وتجلت مؤشرات تصاعد المقاومة العسكرية والشعبية ضد قوات الاحتلال بالمؤشرات البارزة التالية:

أولاً، اتساع نطاق العمليات التي تستهدف القوات الأميركية في العراق، إذا أن جبهات القتال ضد قوات الاحتلال لم تعد محصورة في محافظات الرمادي وبغداد ونينوى، بل إن محافظة ديالى انضمت إلى المقاومة بفعالية كبيرة، وتشير الإحصاءات إلى أن إسهام هذه الجبهة في الخسائر التي ألحقت بالجيش الأميركي تجاوزت 30%، ومن المعروف أن سكان هذه المحافظة في غالبيتهم من أبناء المذهب الشيعي، أي أن المقاومة العسكرية ضد قوات الاحتلال لم تعد محصورة في فئة عراقية وحدها، بل إنها مقاومة وطنية عراقية شاملة، كما أن جبهة كركوك شهدت هي الأخرى تصاعداً في العمليات التي تستهدف قوات الاحتلال، وأدى تصاعد عمليات المقاومة على كافة الجبهات إلى ارتفاع خسائر قوات الاحتلال بشكل مضطرد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وبلغت في الشهر الأخير 126جندياً أميركياً، أي اقتربت من معدل الخسائر اليومية التي كانت تدفعها القوات الأميركية أثناء حرب فيتنام. بديهي القول إن التصاعد المضطرد لخسائر القوات الأميركية في العراق، هو الذي دفع عدد غير قليل من جنرالات الجيش الأميركي داخل العراق، وفي البنتاغون، إلى الإدلاء بتصريحات تؤكد على فشل استراتيجية بوش الجديدة واستحالة ربح الحرب الدائرة في العراق، وهي التي خلقت مناخاً أرغم إدارة بوش على التخلي عن تعيين رئيس للأركان من أنصار استمرار الحرب والعمل على تصعيدها، وبالتالي إبعاد كل المرشحين من قبل بوش لصالح مرشحين جدد أكثر واقعية إن على مستوى رئاسة الأركان أو مراكز قيادية عسكرية أخرى، وهذه الخسائر هي التي دفعت بإدارة بوش إلى إصدار الأوامر إلى القيادات العسكرية والسياسية للبحث في استراتيجية جديدة أسموها «استراتيجية ما بعد زيادة عدد القوات» حيث لا تزال هذه الاستراتيجية قيد الإعداد.

ثانياً، تعاظم المقاومة الجماهيرية ضد الاحتلال في العراق، وقد تجلت هذه المقاومة ليس فقط في تحول غالبية المواطنين العراقيين إلى دعم المقاومة وعدم الرهان على الاحتلال وعلى الحكومة العراقية العملية، بل تجلت أيضاً في الخطوات التي أقدم عليها التيار الصدري، وخصوصاً الانسحاب من الحكومة والكف عن تقديم التغطية لها، وتنظيم مظاهرات جماهيرية حاشدة في بغداد ومدن الجنوب تطالب برحيل قوات الاحتلال، وقد انطلقت هذه المظاهرات أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، وخصوصاً عندما قام نائب الرئيس الأميركي بزيارته المفاجئة لمدينة بغداد، كما تجلت أيضاً في الاشتباكات العنيفة التي خاضها جيش المهدي في مدينة الديوانية ضد أجهزة الحكومة وضد قوات الاحتلال، وقد سقط لقوات الاحتلال عدد غير قليل في هذه المواجهات التي تتصاعد حيناً، وتخف بعض الأحيان، ولكنها مستمرة منذ خروج التيار الصدري من الحكومة.

ثالثاً، بروز مؤشرات تؤكد على أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب العراقي باتت تولي أهمية أكبر لمسألة الوحدة الوطنية ووأد الفتن التي يسعى إلى إشعالها الاحتلال والحكومة العميلة، وقد تجلت مظاهر الوحدة الوطنية في مؤشرات عديدة أبرزها إجراء التيار الصدري لحركة تصحيح حيث اعترف بأنه اخترق من قبل بعض القوى العميلة للاحتلال والقوى الطائفية، وأن هذه القوى تقف وراء التجاوزات والإساءات والمذابح الطائفية التي ألصقت بالتيار الصدري, كما أن هذا التيار سعى لإجراء مصالحة شاملة وقد حقق على هذا الصعيد نجاحات كبيرة وإن لم تبلغ هذه النجاحات المدى المطلوب, ولا يزال العمل على هذا الصعيد في بداياته, كما تجلت المؤشرات على رسوخ الوحدة الوطنية, فما جرى بين بعض التنظيمات المتطرفة المحسوبة على القاعدة في العراق والجيش الإسلامي, الذي قاتل هذه المجموعة وأرغمها على عقد صلح يتضمن التوقف عن شن الأعمال التي تعرض الوحدة الوطنية والوحدة الإسلامية للخطر. تصاعد المقاومة العسكرية والشعبية والخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات الاحتلال, أرغمت الكثير من الشخصيات الأميركية التي كانت تعارض في السابق فكرة الشبه بين ما يجري في العراق وما جرى في فيتنام إلى التسليم بأن ما يجري في العراق يشبه ما جرى في فيتنام, وكان آخر الشخصيات التي اعترفت بذلك وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر.

لا شك أن الولايات المتحدة والحكومة العراقية العميلة هما الخاسران الأساسيان من هذه التطورات التي شهدها العراق في الأشهر القليلة الماضية والتي أدت إلى تصاعد المقاومة العسكرية والشعبية ضد قوات الاحتلال, ولهذا كان من المتوقع أن تحاول قوات الاحتلال بلورة ردود على هذه العملية في محاولة منها لاحتوائها, وقد تميز تحرك قوات الاحتلال والحكومة المرتبطة بها بالآتي: